"رشحناك". هو عنوان حملة انطلقت منذ أيام قليلة في ليبيا بهدف دعم سيف الإسلام القذافي للترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة في مارس 2019. كلمة واحدة تختصر مطلباً يراه البعض غير منطقي فيما يراه آخرون حلاً سحرياً لوضع متأزم.
يقود الحملة المذكورة "حراك رشحناك" الذي يضمّ مجموعة من أنصار القذافي تأمل في عودة ابن الزعيم الليبي السابق إلى سُدة السلطة بعدما عانت من ويلات التهميش لسنوات، ويرفع شعار "من أجل ليبيا اخترناك".
يقول مؤسس الحملة محمد الرميح لرصيف22 إن الحملة تأتي "نتيجة للوضع الذي تمرّ به ليبيا من ظروف صعبة ومشهد سياسي مُعقّد وتدخلات خارجية ساهمت بشكل كبير في تفاقم الأزمة، إضافة إلى عجز السياسيين المتصدرين للمشهد الحالي عن إيجاد حل".
ويصف "حراك اخترناك" بأنه حراك شعبي وطني "يضم الليبيين والليبيات الغيورين على مصلحة الوطن والمواطن".
وعن هدف الحملة، يقول الرميح إنه "إيصال أصواتهم للعالم أجمع، وعلى رأسه الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والدول الغربية والعربية التي تدخّلت في الشؤون الداخلية الليبية، والقول لهم إن الشعب الليبي هو صاحب القرار ولا وصاية عليه وهو مَن يقرر مصيره ويختار رئيساً ينقذ الوطن والمواطن ويسترجع هيبة وسيادة الدولة وكرامة مواطنيها".
يرى الرميح أن "سيف الإسلام رجل سياسي مارس الحياة السياسية وساهم في حل الكثير من القضايا سواء داخلياً أو خارجياً، بالإضافة إلى أنه صاحب مشروع ‘ليبيا الغد’ الذي بدأ تنفيذه عام 2005 ولولا أحداث فبراير (ثورة 2011) التي أوقفت تنفيذه لنَقَل ليبيا نقلة نوعية في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
ويعتبر أن ابن الزعيم الليبي الراحل هو "المرشح السياسي الأقوى حالياً لما يتمتع به من شعبية واسعة، وأنصاره ومؤيدوه وأعضاء حراك ‘رشحناك’ يتلهفون لخوض الانتخابات التي نأمل أن تكون نزيهة حتى نضمن فوز مرشحنا الذي سيعيد إعمار ليبيا".
وعن احتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية، يقول الرميح: "أتوقع أن المبعوث الأممي غسان سلامة سيكون هذه المرة أكثر حرصاً على عقد الانتخابات في موعدها المحدد".
من جانبه، علّق المشارك الرئيسي والفعّال في "حراك رشحناك" أحمد قحيص باقتضاب على أهداف الحملة، وقال لرصيف22: "نريد عودة ليبيا التي عهدناها، ونعمل على استعادة ما فقدناه من خلال سيف الإسلام القذافي".
ليبيا... لوحة خلافات معقّدة
تشوب الوضع الحالي في ليبيا انقسامات سياسية حادة، في ظل تفكك المؤسسات وسيطرة المليشيات المسلحة فضلاً عن انتشار الإرهاب. ويوضح الناشط السياسي إبراهيم الأصيفر لرصيف22 أن "ليبيا تعيش حالة من الفوضى والاحتراب الداخلي، الأمر الذي أحدث شرخاً كبيراً في التركيبة الاجتماعية، هذا بخلاف الانقسام السياسي الحاصل". ويشدّد على "الحاجة إلى مصالحة وطنية شاملة وعاجلة تشمل جميع أبناء الوطن من مختلف المشارب والتوجهات، بدون إقصاء أو إبعاد أحد، ومن ثم الاتفاق على دستور ينظّم الحياة السياسية والذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة تُنهي حالة الانقسام السياسي الذي نتج عنه فراغ أمني استغلته بعض الجماعات المتشددة للقيام بأعمال تخريب وإرهاب". وعلى مسألة طرح اسم سيف الإسلام القذافي كمرشح رئاسي، يعلّق الأصيفر بدبلوماسية ويكتفي بالقول إنه "مواطن ليبي لديه حقوق وعليه واجبات"، مضيفاً: "بحال عدم وجود قضايا محلية أو دولية بحقه يمكنه الترشح والدخول في الانتخابات ولا يمكن لأحد أن يمنعه من ذلك".الحنين إلى عهد القذافي
في السنوات الماضية، بدأت تظهر أصوات ليبية تتحسّر على الماضي وتحنّ إلى عهد القذافي وتتمنى عودة "الأيام الخوالي" قبل ثورة 2011. عن هذه الظاهرة، يوضح الأصيفر أن حالة الانقسام السياسي الحاصل والذي خلّف أوضاعاً أمنية واقتصادية سيئة جعلت المواطن يعيش حالة من الحنين إلى الماضي القريب، و"هذا لا يعود لكون نظام القذافي كان جيداً ولكن الصراع السياسي جعل الحالة الأمنية والاقتصادية تتدهور في البلاد، ما أثّر سلباً على حياة المواطنين العاديين اليومية بشكل جعل البعض يحنّ إلى أيام القذافي بما فيها من مساوئ". ولكن ليبيين كثيرين يرفضون فكرة الحنين هذه. يقول عز الدين شعيب، أحد قادة كتيبة "أولياء الدم" في درنة، لرصيف22، إنه شارك في الثورة ضد القذافي ولا يشعر بهذا الحنين، معتبراً أن الحل للأزمة الحالية يكمن في تأسيس جيش ليبي قوي يتمكن من حكم ليبيا بشكل قوي.من الاختفاء إلى الظهور في هيئة "مُنقذ"
ظهور ثم اختفاء ثم ظهور فاختفاء فظهور... هذا ما حدث مراراً وتكراراً مع سيف الإسلام القذافي. عام 2011، وبينما كانت الأوضاع مشتعلة والحديث يدور عن اعتقاله، ظهر فجأة في طرابلس بين مؤيديه وتوجه بنفسه إلى الصحافيين الأجانب للتأكد من التقاطهم صوراً له تؤكد أن كتائب الثوار لم تعتقله. أنباء كثيرة ترددت في تلك الفترة الحرجة، مرة عن اعتقاله ومرات عن مقتله... وفي 19 نوفمبر 2011، توقّف الأخذ والرد مع تأكيد اعتقال "كتائب الزنتان" له على بعد 70 كيلومتراً من بلدة أوباري، جنوب غرب ليبيا، وقيل إن ذلك جرى حينما كان يحاول الهروب الى النيجر. وبقي الوضع على حاله حتى 11 يونيو 2017، عندما تفاجأ العالم بخبر إفراج "كتيبة أبو بكر الصدّيق" عنه، بموجب قانون عفو أصدرته الحكومة المتواجدة في شرق ليبيا، أي الموالية للجنرال خليفة حفتر، في خطوة وصفها المجلس العسكري لثوار الزنتان الذي كان يحتجز في فترة ما سيف الإسلام والمجلس البلدي للزنتان بأنها "شكل من أشكال التواطؤ، وخيانة لدماء الشهداء". بين التاريخين، حدثت وقائع كثيرة. في يونيو 2011، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أثناء محاولة قمع المتمردين على حكم والده. وعام 2015، حكمت عليه محكمة في طرابلس غيابياً بالإعدام بعدما أدانته بجرائم حرب. في منتصف يونيو 2017، ظهر سيف الإسلام في احتفالية شعبية في مدينة أوباري التي تبعد عن العاصمة الليبية طرابلس نحو 933 كيلومتراً، ثم اختفى. والسؤال الآن: أين يختفي سيف الإسلام القذافي؟ البعض يقول إنه داخل ليبيا مع تردد أنباء عن توجهه إلى طبرق وأنباء أخرى عن توجهه إلى مناطق أخرى، والبعض يقول إنه في دولة إفريقية. وتتناثر منذ الإفراج عن سيف الإسلام أحاديث عن نيّته لعب دور سياسي في البلاد من جديد، وتصدّر الخبر الاهتمامات بعد حملة مطالبته بالترشح لانتخابات 2019 الرئاسية.هل مفتاح الحل الليبي بيد سيف الإسلام؟
"سيف الإسلام هو عنصر أساسي في المشهد السياسي الليبي ومحاولة تجاهله ومعه النظام السابق لن تُفيد بل على العكس يجب دعمه"، يقول المحلل السياسي الليبي عبد العزيز أغنية لرصيف22 ويضيف: "بالفعل هو الحل السحري للوضع الحالي فهو يحظى بالاحترام والتقدير من كافة أطياف الشعب ولديه مشروع واضح المعالم لإدارة البلد"."ليس لأن نظام القذافي كان جيداً ولكن الفوضى السائدة في ليبيا جعلت البعض يحنّ إلى أيام القذافي بما فيها من مساوئ"... أصوات تتحسّر على الماضي وتحنّ إلى العهد القديم وتدعم سيف الإسلام القذافي لرئاسة ليبيا
منذ الإفراج عنه، تنتشر أحاديث عن نيّة سيف الإسلام القذافي لعب دور سياسي في ليبيا من جديد... وقبل أيام أُطلقت حملة تطالبه بالترشح لانتخابات 2019 الرئاسيةوبرأيه، فإن "الدعم الكبير الذي يلقاه سيف الإسلام والتوافق الشعبي عليه يجعل حظوظه كبيرة، خاصة بعد فشل تجربة التغيير في 2011 وما حدث على إثرها من انتهاك للسيادة الوطنية". هذا التقييم يؤيده الإعلامي المُقرّب من أسرة القذافي باسم الصول. يقول لرصيف22 إن "مفتاح الحل بيد سيف الإسلام وحده، فهو على دراية كبيرة بما يحدث في ليبيا منذ 2011 ومُلمّ بكافة التداعيات والتجاوزات الحاصلة لذا فهو قادر على حلها". ويدّعي أن "شعبية سيف الإسلام زادت بشكل كبير جداً نظراً للتردي الملحوظ للأوضاع حتى بات عموم الشعب الليبي يطالب بانتخابات تشريعية نزيهة وترسيخ حل ليبي-ليبي بدون تدخلات وبدون إقصاء طرف على حساب آخر". ولكن في المقابل، يتحسس كثيرون من مجرّد طرح الفكرة، خاصةً في أوساط بعض الكتائب المسلحة التي خرجت ضد النظام القديم. ويؤكد عضو المجلس الأعلى للدولة إبراهيم صهد لرصيف22 أن "مجرد طرح فرضية ترشح سيف الإسلام القذافي يُعَدّ هراءً وأمراً غير مقبول إطلاقاً". فبرأيه، "نجل القذافي لا يرقى إلى مستوى المرشحين فهو مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية".
سيف الإسلام… نقاط القوة والضعف
يمتلك سيف الإسلام القذافي نقاط قوة عدّة منها الحنين إلى عهد والده بسبب الوضع الحالي السيئ وانتشار المليشيات وتفكك البلاد. أيضاً، قضى الرجل جزءاً كبيراً من عمره في الخارج ولديه معارف على الصعيد الدولي، وهو أمر يمكنه أن يستفيد منه. كما يمتلك خبرة سياسية كبيرة نظراً لنشأته بالقرب من مراكز صُنع القرار، وللأدوار الهامة التي قام بها خلال فترة حكم والده، وأهمها مساهمته في حل قضية لوكيربي وإبرام مصالحة مع الإسلاميين. ويحظى سيف الإسلام بدعم عشائري كبير لا يُعرَف حجمه بدقة، ويذهب البعض إلى الادعاء أن 80% من قبائل ليبيا تدعمه، وتتحدث أنباء عن أن عشرة من كبرى القبائل الليبية تسانده لحكم البلاد. وكان أنصار القذافي قد عادوا إلى العمل السياسي علناً وشكلوا "الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا" في نهاية عام 2016، مطالبين بدور سياسي لسيف الإسلام في مستقبل ليبيا واختاره المجلس الأعلى للقبائل، وهو إطار يجمع عشرات القبائل، عام 2015، ممثلاً شرعياً لليبيا. وتنوي حملة "رشحناك" إطلاق موقع رسمي لها وإدارة عدد من البرامج الإعلامية داخل ليبيا بالإضافة إلى القيام بزيارات دولية للترويج لفكرة أن سيف الإسلام قادر على إجراء مصالحة وطنية وهو رجل السياسية الأول في ليبيا وسينقذ ليبيا من الفوضى. وتُتداوَل أنباء عن دعم روسي لسيف الإسلام، حسبما أعلنت عنه صراحةً في مؤتمر باليرمو حول الأزمة الليبية، ما دفعه إلى إرسال رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدّم فيها وجهة نظره للحل في ليبيا (مصالحة وطنية شاملة، وإجراء انتخابات نزيهة). ولكن في المقابل، تلعب عدة أمور ضد تصدّر سيف الإسلام للمشهد الليبي، على رأسها مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بالقبض عليه، ودعوتها مجلس الأمن الدولي إلى التحرك من أجل ذلك، إضافة إلى اتهام كثيرين له بنهب أموال ليبيا واعتباره جزءاً من نظام والده، ما يجعله يتحمّل مسؤولية الوضع الحالي. ويعترض القيادي القوي، المشير خليفة حفتر، على ترؤس سيف الإسلام لليبيا، هو الذي يحظى بمساندة دول عدة على رأسها مصر. وكان حفتر قد اعتبر في بداية عام 2017 أن "سيف الإسلام القذافي لن يكون له مستقبل في ليبيا لأنه احترق سياسياً". وقبل فترة، وصف طارحي اسمه بـ"السذّج"، معتبراً أنه "مجرّد رجل مسكين، يحاولون استغلاله مقابل المال".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين