لطالما طبعت الشائعات حياتنا الاجتماعيّة وأحاديثنا السياسيّة، ولكنّها لم تكن يوماً مصدر ثقة عند الناس. فوقْع الأحاديث والثرثرات، وتناقل بعض الخبريات، كان يتبدد مع مرور وقت قصير. غير أنّ الأمور تبدّلت في السنوات القليلة الماضيّة بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار ما بات يعرف بـ"الأخبار الملفّقة" التي احتلت جزءاً كبيراً من حياتنا، وغيّرت آراءنا وأثّرت في بعض الأحيان في مواقفنا.
الكثيرون وقعوا فريسة المعلومات الخاطئة مع تطوّر وسائل التواصل الاجتماعي وتوسّعها بشكل كبير، حيث أصبح الناس يتلقون سيلاً من الأخبار والموضوعات، مع العلم أنّ معظمهم غير قادر على التأكّد منها ومعرفة مدى صدقيتها، ممّا يجعلهم فريسة المعلومات الخاطئة والمُبالغ فيها.
وتتحدّث دراسات كثيرة، عن خطورة استغلال شبكات التواصل الاجتماعي، من قِبل من لهم مصلحة في الترويج لخطاب شعبوي، وتغيير وجهات نظر المجتمع، وبالتّالي عرقلة المسارات الديمقراطيّة.
تأثير الأخبار المزيّفة في العمل الديمقراطي
تشكّل الانتخابات الأميركيّة، أكبر مثال على تأثير الأخبار الملفّقة في الحياة الديمقراطيّة. فقد كان لهذه الأخبار المزيّفة ونظريّات المؤامرة والمعلومات المغلوطة دور كبير فيها، بعدما ثبُت أنّ الرئيس دونالد ترامب وبعض كبار مساعديه كانوا من روّاد تلفيق الأخبار وإشاعة ضبابية إعلاميّة مقصودة لتضليل الناخب، فهم عملوا وبمساعدة جهات روسيّة على نشر أخبار خاطئة بهدف تشويه سمعة المرشحة هيلاري كلينتون لتحسين فرص ترامب في الفوز بالرئاسة. وكشف أحد التحقيقات وجود 200 موقع إلكتروني لتوزيع الأخبار الروسيّة الملفقة التي كانت تصل الى 15 مليون أميركي. وتراوحت الروايات المضلّلة بين الحديث عن أمراض خطيرة تعانيها كلينتون، وإقدامها على تبييض الأموال، وارتكابها جرائم جنسيّة ضد الأطفال، وذلك من دون أيّ دليل. كما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خبراً ملفّقاً عن ضلوع كلينتون ورئيس حملتها في شبكة للاتّجار بالأطفال في واشنطن، وذلك على الرغم من نفي الشرطة لهذه الأكاذيب. وبعدما شهدته الولايات المتحدة، تحوّل الخوف من الأخبار الكاذبة وتأثيرها في الديمقراطيّة إلى هاجس عند بعض الدول الأوروبيّة. ففي الانتخابات الهولنديّة الأخيرة مثلاً، قامت السلطات بعمليّات فرز يدوي للأصوات وسط مخاوف من استعمال روسيا لنفس التكتيك الذي استعملته في الولايات المتحدة، ونشر ها أخبار مزيّفة على شبكات التواصل الاجتماعي، بهدف خدمة أجندتها الخاصة في وصول مرشحين معيّنين. وفي الدول العربية وبعدما أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منبراً للكثير من السياسيين والوزارات والمؤسسات الرسميّة، فإنّ الأخبار المزيّفة والهادفة باتت أكثر انتشاراً بهدف كسب مصالح سياسيّة. ومن وجهة نظر عدد من المختصّين، فإنّ معظم الحكومات العربيّة، وفي ظلّ غياب التشريعات المتعلقة بوسائل الإعلام الحديثة، تستعمل وسائل التواصل الاجتماعي بغية الترويج لوجهات نظرها المغلوطة، والسيطرة على تفكير الشعوب.وقوع الأفراد في فخّ الشائعات الكاذبة
لا يقتصر نشر الأخبار المزيّفة على الجهات الرسميّة، بل إنّ المواطنين يتداولونها عبر صفحاتهم الشخصيّة على منصّات التواصل الاجتماعي ومجموعات "الواتس اب". ويتمّ تصوير هذه الأخبار على أنّها أخبار حقيقيّة من مصادر موثوقة. والمؤسف أنّ حالة تلقّف الأخبار المزيّفة دون تثبّت، وسرعة بثّها وتداولها بين أفراد المجتمع حالة مستشرية، فبات الجميع يقوم بدور الصحافي والإعلامي والطبيب ورجل القانون وغيره، وأصبح كلّ صاحب منصّة أو صفحة شخصيّة على مواقع التواصل الاجتماعي مؤسسة إعلاميّة بحدّ ذاته، ينشر الأخبار ويحلّلها من دون التأكّد من صحّتها ومصداقيتها. إنّ بثّ الأخبار بشكل عشوائي من دون التثبّت من حقيقتها، عامل مدمّر للخصوصيات وانتهاك للمحرّمات. وقد تعرّضت بعض المؤسسات للخطر ولتشويه سمعتها، وبعض الشخصيات العامّة للاغتيال المعنوي بفعل الكمّ الهائل من هذه الأخبار الملفّقة. واللافت أنّ هذا الوباء لم يسلم منه بعض الإعلاميين والصحافيين الذين وقعوا في شرك تناقل أخبار ونشرها من دون التحقّق من مصادرها، ليتبيّن بعد ذلك أنّها كاذبة ومبالغ فيها، وبالتّالي أخبار مضلّلة.فوضى الأخبار الزائفة وكيفيّة التصدّي لها
لا شكّ بأنّ الأخبار الزائفة مبتكرة أكثر من الأخبار الحقيقيّة وتثير المشاعر والعواطف، لذلك تجد رواجًا في أوقات الأزمات، غير أنّها في معظم الأحيان تؤدّي إلى خلق فوضى حتى ولو لم يكن ناشروها يقصدون ذلك. كما تؤدّي إلى بناء حالة من فقدان الثقة بين مكوّنات المجتمع، وإلى الإساءة لمؤسساته وتتسبّب بانتشار ثقافة الكراهيّة والعنف وإصدار الأحكام من دون دليل. على مدى عقود، لجأ الإنسان إلى اللقاحات للوقاية من الأمراض. وتبيّن أنّ اللّقاح أخمد بعض أسوأ الأمراض في القرن الماضي، بما في ذلك الحصبة وشلل الأطفال. لكن هل يمكن أن يكون للقاحات تطبيقات تتجاوز الطب؟ يعمل الباحثون مثل ساندر فان دير ليندن (Sander van der Linden) على نوع من "التطعيم" يمكن أن يحارب آفة القرن الحادي والعشرين: "الأخبار المزيفة". قد ينجح هذا لأنّ المعلومات الخاطئة تشبه إلى حدّ كبير الفيروسات. تنتشر بشكل سريع ولها تداعيات سيّئة على المجتمع. إنّ ليندن بنى دراسته على لعبة خضع لها عدد من الطلاب، وأظهرت أنهّ بإمكان الشخص اكتشاف الأخبار الملفّقة إذا أجاب على أسئلة معيّنة. وإلى حين تطوير هذا المشروع و تطبيقه بشكل أوسع، لا بدّ للفرد من اتخاذ خطوات سريعة للمساهمة في الحدّ من تسرّب الأخبار المضخّمة والملفّقة ومن هذه الخطوات:- مراجعة الأخبار جيّداً قبل مشاركتها مع الآخرين.
- في حالة نقل أحد المواقع خبراً عن مصدر آخر ، يجب الذهاب للمصدر الأصلي للتأكّد من كيفيّة نشره وجديّته.
- التنبّه لخطورة تداول الأخبار الكاذبة والإشاعات، بل من الضروري عدم المساهمة في نشرها.
- استعمال محرّكات البحث المختلفة والأخذ بعين الاعتبار أنّ الكثير منها غير محايد.
- المقارنة بين المعلومة في أكثر من موقع.
- عدم التورّط في تأييد المعلومات التي تطابق مجموعة المعتقدات الشخصيّة.
- البحث عن عناصر الخبر التي يمكن أن تدلّ على أنّ ما نشر قد يكون مزيّفاً.
- التنبّه إلى أنّ الاخبار العاجلة لا تقارب الحقيقة بشكل كامل، لذا من الضروري مقاربة المعلومة بشكل صحيح.
- التدقيق في الصور المنشورة، إذ تحتوى الأخبار المزيّفة على صور أو فيديوهات معروضة في غير سياقها، ولا تمتّ إلى الخبر بصلة.(هناك تطبيق في محرك غوغل قادر على معرفة مصدر الصورة وزمانها)
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 4 ساعاتtester.whitebeard@gmail.com
Ahmad Tanany -
منذ 3 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...