في بيان حمل توقيع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، صدر بتاريخ 26 نوفمبر الحالي، عبّرت الحركة عن استغرابها مما تم نشره على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية من تهجّمات تجاهها وصفتها بالباطلة، وأتت إثر لقاء رئيس البلاد بوفد من هيئة الدفاع في قضية اغتيال السياسيّيْن شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
اللقاء المذكور أثار حفيظة الحركة التي لطالما وجّهت لها العائلة السياسية لكل من شكري بلعيد، وهي الجبهة الشعبية (يسار)، ومحمد البراهمي، وهي التيار الشعبي (يسار)، أصابع الاتهام في التخطيط لعمليتي اغتيالهما سنة 2013 وتنفيذهما.
أدانت النهضة نشر الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية اتهامات اعتبرتها كاذبة وصادرة عن بعض الأطراف بنيّة الإساءة إلى طرف سياسي والتهجم على قيادات سياسية وطنية، في سابقة خطيرة تتعارض مع حيادية المرفق الرسمي (قصر قرطاج) ودور الرئاسة الدستوري الذي يُمثّل رمز الوحدة الوطنية وهيبة الدولة، حسب نص البيان.
ونبّهت الحركة إلى "خطورة إقحام مؤسسة الرئاسة بأساليب مُلتوية بنيّة ضرب استقلالية القضاء وإقحامه في التجاذبات السياسيّة" مَن طرف مَن وصفتهم بالمُتاجرين بدماء بلعيد والبراهمي.
ورفض كثيرون من قيادات النهضة الإدلاء بأي تعليق لرصيف22 حول ما كشفته هيئة الدفاع بخصوص ما يُعرف بالجهاز السري للحركة، مشيرين إلى أن موقفهم الرسمي الوحيد هو البيان التكذيبي الذي أصدرته الحركة بهذا الشأن، ومعتبرين أن اولوياتهم في هذه الفترة هي مداولات البرلمان بخصوص ميزانية الدولة لسنة 2019.
بيان النهضة جاء بعد ساعات من كشف أعضاء هيئة الدفاع عن فحوى لقائهم برئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس مجلس الأمن القومي، إذ قدّموا له تقريراً يتضمن معطيات جديدة في ما يتعلق بـ"الجهاز السري لحزب سياسي"، في إشارة إلى حركة النهضة.
/?epa=SEARCH_BOX
ومجلس الأمن القومي هو هيئة تونسية تابعة لرئاسة الجمهورية، تأسست سنة 1990 تحت اسم المجلس الوطني للأمن، وأُعيد تنظيمها عام 2017 باسمها الحالي، ويترأسها رئيس الدولة ومن بين مهامها التداول في المسائل التي تخصّ السياسات العامة في مختلف المجالات المتعلقة بالأمن القومي.
"وثائق شديدة الخطورة"
يوضح عضو الهيئة المحامي نزار السنوسي لرصيف22 أنه تم إطلاع رئيس الدولة على "وثائق شديدة الخطورة على الأمن القومي لتونس تفيد وتؤكد أن لحركة النهضة جهاز سري خاص تقاطع عمله مع عمليات اغتيال عدة"، من ذلك الإعداد لاغتيال رئيس الجمهورية الحالي ونظيره الفرنسي السابق فرنسوا هولاند سنة 2013. ومن بين المعلومات التي تم كشفها واستنكرتها النهضة بشدة في بيانها، اتهم السنوسي "عبد العزيز الدغزني، صهر رئيس الحركة راشد الغنوشي، بسرقة الجهاز الذي يتم من خلاله حرق الوثائق بعد أن تم حجزه باعتباره كان مسؤولاً عن هذا الجهاز، في وقت لم يتم حتى الآن الاستماع إليه أو استنطاقه". ورداً على اتهام النهضة لهيئة الدفاع بالترويج لاتهامات زائفة، أكد السنوسي أن الهيئة كشفت حقائق موثّقة بمحاضر رسمية وبمؤيدات قضائية، مشيراً إلى أن اجتماعهم برئيس الدولة ليس سياسياً، نظراً لما يمنحه له الفصل 77 من الدستور التونسي من صلاحيات باعتباره رئيس مجلس الأمن القومي. وتشمل هذه الصلاحيات التعاطي مع كل الملفات والقضايا المتعلقة بالأمن القومي في البلاد. وما كشفته هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي يندرج، حسب رأيه، في هذا السياق. وأضاف السنوسي أنهم طلبوا من رئيس الجمهورية تشكيل لجنة ظرفية داخل المجلس لمتابعة ملف الجهاز السري لحركة النهضة والمعطيات ذات العلاقة، معلناً رفع قضية ضد وزير الداخلية الحالي هشام الفراتي باعتباره ضلّل الرأي العام بنفيه، خلال جلسة مساءلة في البرلمان في 19 نوفمبر الحالي، وجود غرفة سوداء في مقر الوزارة، "رغم أنه تم إثبات وجودها وإدخال وثائق خطيرة إليها بطرق غير قانونية"، بحسب تعبيره. يُذكر أن هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي كانت قد كشفت خلال ندوة صحافية بتاريخ الثاني من أكتوبر الماضي عن وجود ما أسمتها بالغرفة السوداء في مقر وزارة الداخلية، تتضمن وثائق مسروقة من ملف قضائي عُثر عليها بحوزة المتهم مصطفى خذر الذي تؤكد الهيئة علاقاته الوطيدة بقيادات عليا في النهضة وتتهمه بترؤس جهازها السري الذي يقف وراء عمليتي اغتيال بلعيد والبراهمي وسرقة هذه الوثائق لطمس الحقائق. وفي لقاء صحافي ثانٍ في 12 نوفمبر الحالي، بيّنت هيئة الدفاع أن قاضي التحقيق الأول المتعهد بالقضية عاين بتاريخ التاسع من الشهر نفسه وجود غرفة مغلقة مليئة بالوثائق في الوزارة وقام بالحجز عليها وتغيير أقفالها."أجهزة فوق الدولة"
الحديث عن وجود جهاز سري لحركة النهضة يتكفل بالتخطيط لعمليات اغتيال في تونس وتنفيذها أجمعت عليه عدة أطراف، من بينها أمين عام حزب التيار الشعبي زهير حمدي، وهو حزب السياسي الراحل محمد البراهمي، إذ أفاد بأن القرائن والأدلة الموجودة بحوزة القضاء تؤكد حقيقة وجود هذا الجهاز. وقال حمدي لرصيف22 إنه لا يمكن الحديث عن انتخابات قادمة أو مستقبل عملية سياسية في تونس، "في ظل وجود حزب سياسي يمتلك أجهزة خاصة فوق الدولة يمارس من خلالها عمليات خارج نطاق القانون".حديث عن "وثائق شديدة الخطورة على الأمن القومي التونسي" تدّعي أن لحركة النهضة جهاز سري خاص تقاطع عمله مع عمليات اغتيال عدة، منها الإعداد لاغتيال رئيس الجمهورية التونسي الحالي ونظيره الفرنسي السابق فرنسوا هولاند سنة 2013
يساريون تونسيون يعتبرون أنه لا يمكن الحديث عن انتخابات قادمة أو مستقبل عملية سياسية في تونس، "في ظل وجود حزب سياسي يمتلك أجهزة خاصة فوق الدولة يمارس من خلالها عمليات خارج نطاق القانون"، في إشارة إلى حركة النهضةبدوره، وصف القيادي في الجبهة الشعبية عمار عمروسية، وهو الحزب الذي كان ينتمي إليه السياسي الراحل شكري بلعيد، المعطيات الجديدة بالمفزعة، وقال لرصيف22 "إنها تؤكد القناعة الراسخة لدى قطاعات هامة من الشعب التونسي بأن جريمة الاغتيالات جريمة دولة ضالعة فيها عناصر بارزة في حركة النهضة"، مطالباً القضاء التونسي بالتعجيل في الكشف عن الحقائق. وتعليقا على بيان النهضة، اعتبر عمروسية أن الحركة تعمل بمقولة "يقتل القتيل ويذهب في جنازته" مؤكداً أن سياسة الإنكار لن تجدي نفعاً ومن الأفضل أن يُسلّم بعض قادة الحركة الضالعين في عمليات الجهاز السري والتستر عليها وتمويلها والتخطيط لها أنفسهم إلى العدالة.
"شعرة معاوية"
في مقلب آخر، يرى محللون أن للقاء هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي برئيس الجمهورية التونسية أبعاد ودلالات أخرى تتجاوز مسألة الأمن القومي والجانب القانوني والقضائي ووجود جهاز سري لحركة النهضة من عدمه. فالمحلل السياسي شكيب درويش يعتبر أنه بعد هذا اللقاء، انقطعت "شعرة معاوية" التي لطالما اعتمدها السبسي في توصيف علاقته برئيس النهضة راشد الغنوشي تماماً، والرئيس التونسي يرغب عبر هذه الخطوة في جرّ الحركة بهذه الاتهامات أمام القطب (الجهاز) القضائي لمكافحة الإرهاب، حسب تقديره. ويؤكد درويش لرصيف22 أن تدخل رئيس الدولة في هذا الملف يحمل خلفيات وأجندات سياسية بالأساس، نظراً إلى خلافه القائم مع حركة النهضة، حليفة منافسه، رئيس الحكومة يوسف الشاهد. ورجّح المحلل السياسي اعتماد السبسي على مجلس الأمن القومي كمدخل لوضع اليد على أكبر صلاحيات ممكنة من بينها صلاحيات السلطة القضائية التي يُفترض أنها الوحيدة المُخوّلة بالتحقيق في موضوع الجهاز السري للنهضة، مشدداً على أن كشْف هيئة الدفاع عن المعلومات في قضية هذا الجهاز وغيرها من القضايا يخالف سرية الأبحاث والتحقيق، ومضيفاً: "كأننا أمام اقتراف جريمة تحت قصر قرطاج". هذه المعطيات الجديدة المتعلقة بما يُعرف بالجهاز السري للنهضة تُضاف إلى جملة من الاتهامات القديمة الجديدة للحركة، مثل تنفيذ اغتيالات وتسييس الدين، والتي لطالما أصرّت الحركة على رفضها وإنكارها لتجد نفسها أمام اختبارات لا تنتهي لإثبات مدنيّتها كحزب، حسبما يقول المحلل السياسي شكيب درويش. ويشير درويش إلى وجود ارتباك بهذا الخصوص، فبعض رموز الحركة يتعاطون مع بعض المسائل بمرجعية دينية، على غرار قانون المساواة في الإرث الذي أكد قيادي الحركة عبد الكريم الهاروني عدم المصادقة عليه باعتباره يخالف ما جاء في القرآن والسنة، فيما فاجأت الحركة في المقابل الجميع بمساندتها لقانون زواج المسلمة بغير المسلم. ويضيف درويش لرصيف22: "يبدو أن حركة النهضة في تمرين لتوضيح العلاقة بين الدعوي والسياسي، وأحياناً تتوفّق في ذلك وأحياناً أخرى تتعثُر وذلك بالنظر إلى الأجندة المجتمعية التي هي ربما نقطة ضعفها".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 18 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت