شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
رحيل أمل حمادة

رحيل أمل حمادة "بعد أن انقرض الرجال"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 28 نوفمبر 201808:15 م

مثلما "ينقرض الرجال" في الحرب، وتبكيهم النساء، تنقرض النساءُ المُدَجّجاتُ بالسخرية السوداء، اللاذعاتُ حدَّ الوجع. اللبنانية أمل حمادة من هؤلاء النساء، غادرت دون ضجة، بعد أن ملأت الحياة ضجيجاً بضحكاتها، بسخريتها من الجميع دون مجاملة، دون رفةِ جفنٍ واحدة، جريئةً أتت إلى حياة النجوم، بشكل يشبه المُداهمة "هذه أنا…وهذه سخريتي، تحمّلوني".

غيبّ الموت مساء الثلاثاء من كانت تقول "أنا أمل حمادة، مُواطنةٌ لبنانية، ونحن ببلد ديمقراطي، وأنا بحقّلي (يحق لي) أحكي عن الفنانين، منّن (ليسوا) أنبياء".

توقفت اسطوانة أمل الضاحكة، المرحة، المشاكسة، في منتصف الطريق تماماً، بعمر الـ41 عاماً إثر جلطة دماغية.

أتقنت أمل فن الصراحة كما السخرية، وعندما طلب منها التعريف بنفسها، كانت تقول: "أنا منّي إنسانة طبيعية. بحكي، وبخفة دمّي ناجحة، لأنّي بوّصل الضحكة للعالم لقلبها من جوّا". 

"انقرضوا الرجال"

اشتُهرت حمادة بقولها "انقرضوا الرجال"، قولٌ عابر، جعل من مواقع التواصل الاجتماعي تحول صاحبته إلى نجمة، قبل أربع سنوات، حينما ظهرت صُدفةً على شاشة "المستقبل" في لقاء تلفزيوني، وهي تتجول في شارع الحمرا في قلب بيروت.

https://youtu.be/S6409GvZPfY?t=6

في ذلك التسجيل القصير قالت أمل بعفوية: "الرجال انقرضوا...ما عاد في رجال، أخذوهم على الحرب، ما خلولنا حدا".

لكن في قولها نصف الحقيقة، النصف الثاني كان مثيراً ويحمل رُهاباً مثلياً، حين انتقلت من التحدث عن الذين يموتون في الحرب إلى مثليي الجنس بقولها: "كلّن صاروا 'جايز' (مثليون)... بدنا نلاقي رجّال (رجل) خرج يضّبنا، بدنا نضب الرجال نحن يعني؟ شو رأيك تشتغلي وتعيشيه؟ مش بلاه أحسنلك؟"، ما أثار غضب كثيرين فعلّق بعضهم آنذاك: "محرومة من الرجال (أمل) لو عندها رجال كانت ما بتهاجمهم". 

رغم الانتقادات الكثيرة لها على تصريحها، فقد دافعت عن "مقولتها" بـ "مقولة تحملها بشرف...بدها تنزل على قبري الجملة. معتزة فيها".

"مين ماخدة؟"

كانت أمل تكرر عبارة: "أنا مواطنة لُبنانية" مستبقةً الهجوم عليها، فتبرر نقدها اللاذع للفنانين بأنها تعيش في بلد ديمقراطي، يحق لها انتقاد الفنانين كونهم "حديث المُجتمع" على حد تعبيرها. 

تعابير كثيرة كانت تطلقها أمل، لعلّ أكثرها فضولاً ما قالته عن الفنانة ميريام فارس متسائلة: "مين ماخدة؟" (من تزوجت).

ولأن ميريام فارس كانت ترفض نشر صور زوجها، كان هذا كافياً ليستفز سخرية أمل فقالت: "ماخدة رجل من ذهب؟ مقنطر بالألماس؟".

https://www.instagram.com/p/BGpHQRDr4Tx/?utm_source=ig_share_sheet&igshid=1851t3ftk8sgi

لم يقتصر نقدها على ميريام فارس، بل وجهّت نقداً لاذعاً لإليسا، قائلةً إنها "أم صوت نشاز"، ولعاصي الحلاني كونه "ما بيعرف يحكي". لم يسلم أحد من رصاص أمل الناقد. لكن رحيلها المُفاجئ جعل إليسا تكتب عنها في حسابها في تويتر أمس "زعلت كتير لما عرفت بوفاة أمل حمادة".

رحلت أمل حمادة دون ضجة، بعد أن ملأت الحياة ضجيجاً بضحكاتها، بسخريتها من الجميع دون مجاملة، دون رفةِ جفنٍ واحدة، جريئةً أتت إلى حياة النجوم، بشكل يشبه المُداهمة "هذه أنا…وهذه سخريتي، تحمّلوني".
أتقنت أمل حمادة فن الصراحة كما السخرية، وعندما طُلب منها التعريف بنفسها، كانت تقول: "أنا منّي إنسانة طبيعية. بحكي، وبخفة دمّي ناجحة، لأنّي بوّصل الضحكة للعالم لقلبها من جوّا". 

"بعشق نفسي"

في مُقابلتها مع الإعلامي تمام بليق الذي كان يستفزها بأسئلة من قبيل: "من أنتِ؟"، "مين مفكرة حالك؟"، "شو بتردي على الناس اللي بينقدوكي"، و"بتطلعي على حالك بالمراية؟"، كانت أمل تجيب بغرور متعمد، لخلق مزيد من الاستفزاز: "بعشق نفسي".

لم تتردد أمل بالخروج مراراً من منزلها بالـ "بيجاما"، لتُدلي بتصريحاتها المثيرة للجدل، التي تتعمد وسائل إعلامية بثها لترفع نسب المشاهدة، وتعقيباً على ذلك، قالت "ما عندي مُشكلة أتصور بالبيجاما، ما بدي أوصل للعالم بالفُستان وبالمكياج... العالم زهقت!".

لم يمهل القدر أمل حتى تعيش مائة سنة كما كانت تتمنى... "بدي عيش 100 سنة" قالتها ذات لقاء ساخر. وربما لأنها شفيفة الروح استبقت القدر ورسمت أمنية عن خاتمتها حين قالت "بتمنى من ربي بس بدي موت ما أعرف، سكتة قلبية... نومة بلا قومة".

وفي سبتمبر 2018، في آخر لقاء تلفزيوني لها، مرة أخرى مع تمّام بليق، الذي أحبّته للعبه دور "المُحاور الشرير"، قالت: "الحلقات اللي منعملها ما بتموت… أنا ما بموت". وأضافت: "أنا متلي متل صباح (الفنانة اللبنانية الراحلة) شُهرتي ما بتموت وإذا أنا بموت، العالم بترجع بتحضرني".

?s=21

يوارى جثمان أمل الثرى في منطقة النبطية، جنوب لبنان، الأربعاء، حسب ما أعلنه ابن خالتها المدوّن والصحافي اللبناني أحمد ياسين الذي كتب معلناً وفاتها: "حُزننا كبير على فقيدتنا، لكن وكما أرادت، سنُحافظ على الضحكة لأن الحياة ع قولة أمل 'بتستاهلش ينزعل عليها! شو كم مرّة حنعيش؟'".

وكان ياسين، قد أعلن عصراً أنها في حالة موتّ سريري، مُضيفاً: "أخذت أمل معها ضحكتها وخفّة ظلها".

وقال ياسين لرصيف22 إنها كانت تشبه نفسها، كما رآها العالم في الفيديوهات والمقابلات والصور، شفافة تنقل ما في قلبها بكلماتٍ تشبهها، تشبه الحي الذي تربت فيه، والعائلة التي نشأت وسطها، دون أي تكلّف أو تكليف.

وأضاف "أحبت الكاميرا وأعجبها الاهتمام، اهتمام حُرمت منه في صغرها نظراً لليتم، رغم وجعها وفقدانها أقرب الناس إليها، وطلاقها (بعد 12 يوماً من زواجها، وهي في الـ17 من عمرها) وما واجهته من مشاكل، كانت دائمة الابتسام، خفيفة الظل، وكأنها هي من تقرر كيف تكون الحياة وهي من تضع حدود الظروف، لا تتقيد بها".

وتابع "سنفتقد أمل، لا أظن أننا وحدنا كعائلة من سيفقدها اليوم، بل آلاف المحبّين الذين عشقوها دون أن يعرفوها، كانت تحب أن يضحك الجميع... وهذا ما سنفعله".

ها هي نائمة أمل، مثلما تمّنت، نوماً يتبعه موتٌ هادئ، تسكتُ الضحكة، ويخفُتُ الصوت الساخر، وتمضي الروح خفيفةً إلى موتها المشتهى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image