"40 دقيقة" هي مدّة الفيلم القصير الذي أخرجه الصحفي الأيرلندي المستقل، بول كوشران، وأنتجه المنتج والباحث اللبناني، كريم عيد صباغ، لدقّ ناقوس الخطر بشأن ما آل إليه الوضع البيئي في لبنان من تلوّثٍ وتدميرٍ، نتيجة الفساد السياسي والاقتصادي. الفيلم الوثائقي رغم قِصر مدته، بلّغ رسالةً قويّة للجمهور وللدولة، فأثار الكثير من الجدل فور عرضه في الدورة الرابعة من مهرجان بيروت للأفلام الفنية الوثائقية التي خُصِّصتْ لقضايا الشباب ولبيئة أفضل. الفيلم الذي عنون وبدأ، بالآية رقم 30 من سورة الأنبياء: "وجعلنا من الماء كل شيء حي"، حرص على توظيف ما هو متاح من إحصاءات ومعلومات وأرقام دقيقة – بجانب مقابلات مع متخصّصين وبحث متعمّق- في ما يتعلّق بمشكلة المياه واستنزاف مواردها الجوفيّة في لبنان لشرح كيف تسبّب سوء إدارة هذه الموارد الطبيعية من قبل القطاع العام وبالتواطؤ مع القطاع الخاص لإعطاء الأولوية للربح على حساب البشر والحيوانات والتربة والزراعة.
حقائق مرعبة عن البيئة اللبنانية
يحمل اسم الفيلم دلالة مهمّة، إذ يبيّن أهميّة المياه كعنصر أساسي لاستمراريّة الحياة وبقاء جميع الكائنات الحيّة، وتحدث المفارقة بعرض "المشاهد المخيفة لشبح الانهيار البيئي في لبنان وحالة الأنهار والبحيرات الطبيعيّة الكارثيّة بعد تحوّلها إلى مكبّات للنفايات ومصبّات للصرف الصحي، والتي يوجد فيها معادن كثيرة وثقيلة وملوّثات متنوعة ومنها الزئبق والنحاس والرصاص والكروم والنيكل بمعدّلات تفوق كثيراً المعدّل المسموح به وهو ما يعرّض السكان للموت والأمراض القاتلة". ويُبرز الفيلم كيف تنتقل تلك الملوِّثات من المياه إلى التربة والمزروعات والحيوانات ثم إلى جسم الإنسان، وكذلك أعماق الأرض، ما يصعّب معالجة تأثيرها، كما يتطرّق لخطورة استنزاف المياه الجوفيّة على كامل الأراضي اللبنانية من خلال الزيادة الكبيرة في عدد الآبار - 80 ألف بئر الآن مقابل 3000 بئر عام 1970 – ما أدّى إلى زيادة نسبة الملوحة في المياه الجوفيّة خاصّة مع تغذية الأحواض من مياه البحر وليس من المياه العذبة. وحذّر الفيلم من "قرب استحالة العيش في لبنان" إذا استمرّ " الوضع البيئي بالتدهور السريع" على الوتيرة الحالية، فلبنان من أكثر دول العالم استهلاكاً للبلاستيك -25 طنا سنوياً- كما يعاني من ثالث أعلى نسبة للدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم عند 150%، ما يجعله غير قادرة على "الاستثمار في البنية التحتيّة وخصوصاً إمدادات المياه المنزلية" في ظلّ تباطؤ النموّ الاقتصادي. الشقّ الأخطر في الفيلم جاء تحت عنوان "تلوّث الإدارة" إذ يُظهر –بما لا يدع مجالاً للشك- من خلال معلومات وشهادات يُدلي بها خبراء في الاقتصاد ومختصّون بقضايا المياه، "كيف دمّرت المحاصصة السياسيّة والنظام الطائفي والدين العام والمصارف التجاريّة المملوكة بغالبيّتها للسياسيين وعائلاتهم وداعميهم وارتباط الزعامات السياسية مباشرة بإدارة المياه، ليس الماء فحسب بل النظام البيئي بكامله". كما لم يفتْه التطرّق إلى "استفادة النافذين وكبار التجار من تدهور نوعية المياه، للاستثمار في القليل مما تبقى من المياه العذبة وبيعها في عبوات بلاستيكية تضرّ بالبيئة أيضاً ".الفيلم يحذر من "قرب استحالة العيش في لبنان" إذا استمر "الوضع البيئي بالتدهور السريع" على الوتيرة الحالية
مشاهدات طاقم الفيلم
أوضح صباغ –منتج الفيلم- أن التصوير بدأ "عقب التظاهرات الحاشدة التي شهدها لبنان عام 2015 احتجاجاً على تفاقم أزمة النفايات" بهدف "تسليط الضوء على الأثر الخطير الذي يخلّفه التدهور البيئي على البلاد ومواردها المائية وبالتالي تشريح المشكلة للناس"، نظراً لحساسيّة وحيويّة القضيّة التي ترتبط –في رأيه وبشكل مباشر- بالسياسة والاقتصاد. وأكد صباغ على أنه كان يتمنّى أن يسبّب عمله "صدمةً إيجابيةً" تعيد رفع أصوات اللبنانيين دفاعاً عن بيئتهم خاصةً عنصر الماء، لما تنطوي عليه العواقب من "تهديدٍ مباشرٍ لحياتهم جميعاً". أما كوشران –مخرج العمل- المُقيم في لبنان منذ أكثر من 16 عاماً، فقال "حالة لبنان البيئية على كفّ عفريت وقد قمنا بتصوير هذا الفيلم لنضيء على مشكلة تتفاقم كلّ دقيقة وهي تحتاج إلى إستراتيجيّة وطنيّة وقرار سياسي عاجل لحلّها، لكن من خلال بحثنا اكتشفنا أن النظام السياسي متقاعس والشعب وحده قادر على مواجهة هذه الآفة الخطيرة". وتابع: " الفيلم يقدم دليلاً على أن فهم إدارة المياه والقضايا ذات الصلة في لبنان لا يمكن تحقيقه دون اعتماد نهجٍ بحثي متعدّد التخصّصات يراعي العوامل السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة التي تؤثر على إدارة الموارد المائيّة". وهو ما حاولت المشاهد الأخيرة من الفيلم إلقاء الضوء عليه، بإبراز تحرّكات المجتمعات المحليّة في القرى والبلدات بالتنسيق مع البلديات مستشهدةً بالتظاهرات الشعبيّة التي قامت في بيروت عام 2015، رفضاً للمشاريع الملوِّثة، مطالبةً الدولة بالتحرّك لمعالجة الأزمة البيئيّة وخصوصاً تلوّث المياه".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...