الرجل اللبناني الأصل، حامل الجنسيتين الفرنسية والبرازيليّة، الذي يُعدّ نموذجاً فريداً في مجال تصنيع السيارات منذ التسعينات، يجد اليوم نفسه في مهبّ الملاحقة القانونيّة من السلطات اليابانيّة، بتهمة خرق قانون التجارة المالي. هو كارلوس غصن، أحد "الغرباء" النادرين الذين يتولون مناصب هامة في اليابان، ويشغل منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "نيسان موتورز" وشركة "رينو" الفرنسيّة. بحسب وكالة "بلومبرغ"، التي نقلت الخبر عن "أساهي شيمبون" اليابانيّة، فإن السلطات اليابانيّة تعتزم اعتقال غصن، في حين يقوم مكتب مدعي طوكيو باستجوابه "بعدما ذهب إليه بملء إرادته" و"قد يتم قريباً جداً توقيفه وتوجيه التهم إليه".
كيف وصل غصن إلى هنا؟
قالت الصحيفة إن السلطات اليابانية تشتبه بأن يكون غصن قد تلاعب بالبيانات الماليّة وارتكب انتهاكات بالإبلاغ عن تعويضه الخاص، وبذلك خرق القانون المالي الياباني، من دون ذكر مصدر تلك المعلومات. كلام الصحيفة لم يؤكده مكتب المدعي العام، في حين امتنعت شركة "نيسان" بداية عن التصريح مباشرة، معلنة عن تنظيم مؤتمر صحافي الليلة بتوقيت طوكيو، لكنها كشفت لاحقاً أن غصن متورط في فضيحة مالية، مؤكدة عبر مديرها التنفيذي أن الرئيس التنفيذي "أعلن على مدى عدة سنوات عن عائدات تقللّ من مدخوله الفعلي"، بحسب نتائج تحقيق داخلي. وأضافت "نيسان" موضحة "إلى جانب ذلك، تم اكتشاف عدة أعمال سوء سلوك مثل استخدام أملاك الشركة لغايات شخصية"، مشيرة إلى أنها ستقترح على مجلس الإدارة "إقالته من منصبه سريعاً". وبحسب صحيفة "الغارديان" فإن غريغ كيلي، وهو مدير تنفيذي آخر، متورط مع غصن، بينما بقي مدير ثالث وهو هيروتو سايكاوا، والذي قيل إنه سيطلب من مجلس الإدارة عزل الرجلين المتورطين بأسرع ما يمكن. أما "رينو" فقد رفض المتحدث باسمها التعليق على "قضايا فرديّة"، في حين تحدثت الصحف عن انخفاض حركة أسهمها 14 في المئة، لتصبح القيمة السوقية للمجموعة الآن أقل من قيمة منافستها "بيجو - سيتروين".من هو كارلوس غصن؟
الرجل الذي يُعدّ اليوم واحداً من أبرز 50 رجلاً في عالم السياسة والأعمال، كان قد وُلد في التاسع من مارس 1954 في مدينة بورتو فاليو البرازيلية لأبوين مهاجرين من لبنان. عندما كان عمره ست سنوات، عاد برفقة أمه للعيش في بيروت بعد مشاكل صحية عانى منها في البرازيل. أتم غصن دراسته الأساسية والثانوية في بلده الأم، ثم انتقل إلى باريس للتخصص التقني في معهد البوليتكنيك، ومن ثم الدراسة العليا في مدرسة المناجم في باريس إلى أن تخرّج عام 1978. بعد التخرج، بدأ غصن العمل في شركة "ميشلان"، وهي أكبر شركة أوروبية لصناعة الإطارات المطاطية، في فرنسا وألمانيا. وفي عام 1984، تمّ تعيينه رئيساً لقطاع البحوث والتطوير في الشركة. تنقّل في مناصب عديدة في "ميشلان" وصولاً إلى رئاسة قطاع عمليات الشركة في أمريكا الشمالية عام 1989، قبل أن ينتقل عام 1996 للعمل مع شركة "رينو" الفرنسية كنائب رئيس تنفيذي مكلف بتطوير الشرك وفتح أسواق جديدة لها. عندما نشأ تحالف بين شركتي "رينو" و"نيسان" عام 1999، تولى غصن كذلك رئاسة قطاع "نيسان"، ومن ثم أصبح الرئيس التنفيذي عام 2001.غصن... المنقذ النموذجي
من المحطات البارزة التي تُحسب لغصن أنه كان قد أنقذ "نيسان" من الإفلاس عام 2000 وحوّلها للربحية خلال عام واحد، وخلال ثلاث سنوات كان قد انتهى من ديون على الشركة وصلت إلى 20 مليار دولار.كارلوس غصن من نموذج رائد في عالم السيارات إلى متهم بانتهاك القانون المالي الياباني يواجه السجن قريباً...
يُعتبر غصن رابع شخص غير ياباني يرأس الشركة اليابانية الشهيرة، وفي عام 2005 تم تعيينه رئيساً لشركة "رينو"، مع احتفاظه بمنصب الرئيس التنفيذي للشركة، ومنصبه على رأس "نيسان"، ليكون أول شخصية تترأس شركتين عالميتين ضخمتين حول العالم...وقد وصفت الشركة المهمة آنذاك بـ"المستحيلة"، بعدما تمكن غصن عبر سياسة خفض الكلفة من تحويل مجموعة "نيسان" التي كانت على وشك الإفلاس إلى شركة رابحة بلغ رقم أعمالها السنوي نحو مئة مليار يورو. يذكر اليابانيون أن رئيس "تويوتا" أكيو تويودا، وهي أكبر شركة منافسة، وقد وجّه إليه تحية، معبراً عن الأمل "في مواصلة الاستفادة من قدراته للمضي قدماً في تطوير صناعة السيارات". ويُعتبر غصن رابع شخص غير ياباني يرأس الشركة اليابانية الشهيرة، وفي عام 2005 تم تعيينه رئيساً لشركة "رينو"، مع احتفاظه بمنصب الرئيس التنفيذي للشركة، ومنصبه على رأس "نيسان"، ليكون أول شخصية تترأس شركتين عالميتين ضخمتين حول العالم. وفي عام 2016، سيطرت نيسان على 34% من شركة "ميتسوبيشي" التي كانت تواجه فضيحة مالية آنذاك أدت إلى تراجع مبيعاتها. وأصبح غصن بذلك رئيساً لثلاث شركات عالمية. وفي فبراير 2017، قرّر غصن التنحي عن الإدارة المباشرة لـ"نيسان"، على أن يبقى رئيس مجلس إدارتها بغية التركيز على التحالف الثلاثي، وأعلن وقتها أن "الأوان آن لتسليم الإدارة لشخص آخر"، معبراً عن الرغبة بأن يخلفه ياباني، وقال: "كنت أجهز سايكاوا - سان (الذي سيخلفه) منذ سنوات". وفي فرنسا، كان لا يزال يمسك برئاسة شركة "رينو" وقوامها 120 ألف موظف، بينما حدد لها سقفاً جديداً وهو الوصول إلى سبعين مليار يورو، بحلول عام 2022. يُذكر أن التحالف، الذي يقوده غصن، يشمل إلى جانب "رينو"، "نيسان" و"ميتسوبيشي" أكبر شركة روسية مصنعة للسيارات أفتو فاز (لادا)، وقد أنتج قبل عامين حوالي عشرة ملايين سيارة (9.86 ملايين) ليقترب من "جنرال موتورز" الأمريكية (عشرة ملايين) وفوقها "فولكسفاغن" الألمانية (10.3 ملايين سيارة)، بينما تبقى "تويوتا" اليابانية في المرتبة الأولى (10.18 ملايين سيارة).
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...