شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"دولة الأمن" اللبنانية... إنفاق عسكري مثير للقلق ودور اجتماعي - اقتصادي أكثر منه أمني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 21 نوفمبر 201803:48 م
نشرت وكالة Synaps للمعلومات والأبحاث تقريراً لافتاً عن لبنان على موقعها الإلكتروني، للباحثَيْن روزالي برتييه وجورج حداد (Rosalie berthier & Georges Haddad)، تناول سياسة الدولة اللبنانية الإنفاقيّة على أجهزتها الأمنية، مع بيانات ومقارنات مع دول أخرى. ما جاء في التقرير بدا لافتاً ومهماً في فهم الأسلوب الذي تُقارب به الدولة اللبنانية مسألة الإنفاق العسكري، وينشره رصيف22، بعد موافقة المصدر الأصلي، بالتعاون مع موقع "الصوت" الذي قام بتعريب النصّ. هنا نصّ التقرير (العناوين الفرعيّة غير موجودة في النص الأصلي): يُلاحَظ في لبنان انتشار الجيش والأجهزة الأمنية في شكل متزايد في الحياة اليومية. يتجلى هذا الانتشار في صورة جلية في نقاط التفتيش واللافتات واللوحات الإعلانيّة، وفي تكاثر العسكريين المدجّجين بالأسلحة والملابس العسكرية. لكن الكثير من اللبنانيين والأجانب يحبّذون هذا الانتشار، باعتبار أنه يحمي البلاد من التهديدات المتمثلة بالإجرام، الإرهاب، الصراع الطائفي وعوامل عدم الاستقرار الناتجة عن وجود اللاجئين فضلاً عن حروب الجوار والتخريب الخارجي. ما يظهره المواطنون اللبنانيون من دعم متزايد للقوات المسلحة، يدفع الحكومات الغربية إلى تعزيز برامج المساعدات المالية والتقنية المخصّصة لهذه القوات. هذا النمو الظاهر يتزامن مع مجموعة من تحركات خفية ولكنها ليست أقل أهمية، تتعلق بتوسيع الإنفاق العام اللبناني على قطاع الأمن. هذا الاتجاه يتضح في شكل أفضل في بيانات الموازنة المتعلقة بالجيش اللبناني، قوى الأمن الداخلي، الأمن العام وأمن الدولة، ويترك آثاراً عميقة بما يتعلق بعسكرة المجتمع اللبناني والإهمال النسبي للقطاعات الحيويّة الأخرى.

نفقات مثيرة للقلق

بحسب معهد "استوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (SIPRI)، سجّل الإنفاق السنوي للقوات المسلحة في الدولة اللبنانية نسبة 16% من كل نفقات الدولة لعام 2017، وهذه نسبة مثيرة للقلق، إذ تشكّل ضعف نسبة الإنفاق على القوات المسلحة في الولايات المتحدة وثلاثة أضعاف النسبة التي تخصصها الصين لهذه الغاية، علماً أن هاتين الدولتين تتمتعان بأعلى إنفاق عسكري إجمالي في العالم. جدير بالملاحظة هنا تطور موازنة القوات المسلحة بمرور الوقت مقارنة بالوظائف الأساسيّة الأخرى للدولة. وتعكس البيانات التي نشرتها وزارة الماليّة اللبنانية أن الإنفاق العام على الأفراد العسكريين والأمنيين، بين عامي 2005 و 2017، ازداد أربع مرات أسرع مما كان عليه للموظفين المدنيين، مثل معلمي المدارس الرسميّة والإداريين. وتضاعفت الرواتب والمزايا لأفراد القوات المسلحة بينما بقيت كما هي للمدنيين. وبنفس المدة الزمنية، ازدادت نسبة الإنفاق على رواتب ومزايا العسكريين من 45٪ إلى 60٪ من إجمالي إنفاق الدولة على الموارد البشرية. هذا التوسع يستدعي الانتباه في شكل أكبر نظراً إلى جمود الإنفاق اللبناني العام على نطاق واسع. فالدولة اللبنانية تخصص ثلث موازنتها السنوية الإجمالية لدفع الفائدة على ديونها السيادية (الثالثة الأكبر في العالم نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي)، في حين تخصص ما يُقدّر من 10 إلى 15٪ لدعم شبكة الكهرباء القديمة مما يترك مساحة ضئيلة للمناورة على الجبهات الأخرى.
تعكس البيانات التي نشرتها وزارة المال اللبنانية أن الإنفاق العام على الأفراد العسكريين والأمنيين، بين عامي 2005 و 2017، ازداد أربع مرات أسرع مما كان عليه للموظفين المدنيين، مثل معلمي المدارس الرسميّة والإداريين
يظهر الإنفاق العسكري غير المناسب على الموظفين في بند آخر من بنود الموازنة: كالبدلات، الاستحقاقات التي تشمل الرعاية الصحية، إجازة الأمومة، التعويض في حالة الوفاة وكذلك عمال المنازل والسائقين لكبار الضباط
وبما أن الإنفاق العسكري يستهلك حصة متزايدة من موازنة ثابتة أخرى، فإن قطاعات رئيسية أخرى ستعاني حتماً. ورغم أن إنفاق لبنان النسبي على قواته المسلحة يمكن مقارنته بالأردن، إلا أن لبنان يستثمر في التعليم أقل بكثير من الأردن.

إنفاق غير مناسب

يكمن القلق الإضافي في التفاوت بين الإنفاق الضخم من ناحية، وبين الأداء الفعلي من ناحية أخرى. فمنذ العام 2007، كشفت العمليات القتالية الرئيسية للجيش اللبناني (لا سيما ضدّ المسلحين في مخيم نهر البارد الفلسطيني وفي عرسال على الحدود الشرقية) عن استعداد عسكري محدود. وقد وفّر الجيش الخاص التابع لـ"حزب الله"، والذي يحافظ على وجود قوي شرقي لبنان وجنوبه، الدعم لقوات الدولة في العمليات الداخلية بعض الأحيان. وغالباً ما يُلاحَظ تداعي مقرات الجيش ومراكز الشرطة ونقاط التفتيش في شكل مفاجئ.
أهمية دور القوات المسلحة اللبنانية في المجالين الاجتماعي والاقتصادي تساوي على الأقل أهمية دورها الأمني. يوفر الجيش وأجهزة الأمن فرص عمل نادرة وشبكة أمان اجتماعي لعدد لا يُحصى من الشباب اللبنانيين، هم في أشد الحاجة إليها
تعكس أوجه القصور هذه حقيقة أن جميع أموال الدولة المتاحة تذهب إلى الموارد البشرية والأجهزة والصيانة والخدمات اللوجستية. ففي لبنان، تمثل الفئات الأخيرة 7٪ فقط من مجمل الإنفاق، مقارنة بـ60٪ في الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك يعتمد لبنان في شكل كامل تقريباً على الدعم الخارجي لتمويل التكاليف غير المتصلة بالموظفين. أما المانح الرئيسي فهو واشنطن: في عام 2017، قدمت الولايات المتحدة 250 مليون دولار كمساعدة أمنية تنوّعت بين التدريب وبين المروحيات والصواريخ. ويظهر هذا الإنفاق غير المناسب على الموظفين في بند آخر من بنود الموازنة: كالبدلات، الاستحقاقات التي تشمل الرعاية الصحية، إجازة الأمومة، التعويض في حالة الوفاة وكذلك عمال المنازل والسائقين لكبار الضباط. وكل ما تمّ ذكره يمثل 23٪ من مجمل الإنفاق على الأفراد في القوات المسلحة، مقارنة بـ9٪ في قطاع التعليم، إذ تمتد بعض هذه الامتيازات إلى أفراد الأسرة ولما بعد التقاعد، ما يولّد تأثير كرة الثلج حيث يتوسع الإنفاق إلى ما وراء نطاق الموظفين الفاعلين.

الجهاز العسكري والأمني... شبكة أمان اجتماعي

تسلّط بيانات كهذه الضوء على حقيقة غير موثقة إلى حدّ كبير: أهمية دور القوات المسلحة اللبنانية في المجالين الاجتماعي والاقتصادي تساوي على الأقل أهمية دورها الأمني. يوفر الجيش وأجهزة الأمن فرص عمل نادرة وشبكة أمان اجتماعي لعدد لا يُحصى من الشباب اللبنانيين، هم في أشد الحاجة إليها.  في الوقت نفسه، تشكل وظائف كهذه بالنسبة إلى النخب اللبنانية، لا سيما الوظائف الأعلى في الهرمية الأمنية، شكلاً قيّماً من تقاسم الحصص بين الطوائف. وعلى سبيل المثال، وظّف الجهاز العسكري والأمني اللبناني، عام 2009، ما يقارب 11٪ من السكان العاملين وما يقارب 6٪ في الجيش وحده، بينما كان الجيش الفرنسي، وهو أحد أكبر الجيوش في أوروبا، يوظف حوالي 1٪ في العام نفسه. المراقب الساذج، الذي يشاهد نقطة تفتيش لبنانية حيث يلوّح جنود مسلحون للسيارات كي تعبر يوماً بعد يوم، يتساءل عن مساهمة هذه الطقوس في أمن البلاد. ويمكن القول إن العدد الهائل من نقاط التفتيش هذه في لبنان تشكّل، في الواقع، عنصراً أساسياً للاستقرار من خلال وقاية آلاف اللبنانيين من العوز أكثر مما هي لردع العنف. والواقع أن الثقل الاجتماعي و الاقتصادي للقطاع الأمني هو نتيجة طبيعية ـ وربما ضرورية ـ لسياسات لبنان الكئيبة وللواقع الاقتصادي غير المنظم، حيث تلقى غالبية الكفاءات اللبنانية صعوبة في إيجاد فرص عمل مناسبة. في هذا المجال، سيستمر السياسيون اللبنانيون، غير الراغبين في إجراء إصلاحات هيكلية من شأنها أن تؤثر في مصالحهم التجارية الخاصة، في دفع الموارد نحو قطاع أمني مزدهر ويوفر بدوره وظائف لأتباعهم. في الوقت نفسه، سيزيد صناع القرار في أوروبا وأميركا (بفعل هوس القضاء على الإرهاب واحتواء اللاجئين) من الاستثمار في الأجهزة الأمنية كطريقة ملائمة للمضي قدماً في سياستهم هذه. بالطبع، هناك عواقب كثيرة لـ"دولة الأمن" في المجتمع، إذ يتعرّض المواطنون اللبنانيون، ولا سيما النشطاء الشباب، لأحكام قاسية وتعسفية تصدر عن المحاكم العسكرية في شكل متزايد. بعض المتظاهرين، الذين كانوا يحتجون على أزمة النفايات عام 2015، اتُهموا بالإرهاب. وحتى انتقاد السياسيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى أشكال من الترهيب تمارسه الأجهزة الأمنية. بعبارة أخرى، قد يستمر لبنان في مسار مألوف تتقلص فيه حرية التعبير – وحقوق الإنسان عموماً – بموازاة توسع القوات المسلحة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image