شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
غوغل الذي يخبرنا على أي جانب من السرير ننام

غوغل الذي يخبرنا على أي جانب من السرير ننام

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 22 نوفمبر 201812:20 م
أطلق موقع - Wired مؤخّراً برنامجاً يمكن مشاهدته على الانترنت باسم "مقابلات الإكمال التلقائي لغوغل" التي يتمّ فيها استقبال مجموعة من المشاهير، وكتابة أسمائهم على محرّك بحث غوغل بصيغة سؤال، ليقوموا بعدها بالإجابة عن الاقتراحات التي يقدمها غوغل كـ"تكملة" للأسئلة التي تظهر أوتوماتيكياً في شريط البحث. كأن يجيب بول ماكارتني عضو فرقة البيتلز عن سؤال "هل بول مكارتني ميت؟" أو "هل بول مكارتني كائن فضائيّ؟" وغيرها من "التتّمات" التي تتنوع غرابتها، لنرى الضيف يضحك أو يتعجّب من تساؤلات الآخرين اللامنطقيّة عنه، حاسماً ما يظنّون أنه حقيقة أو إشاعة، وواقفاً بمواجهة تساؤلات ملايين المستخدمين المجهولين الذين يبحثون في أدقّ تفاصيل حياته.
هذه الظاهرة التي أنتجها ويعتمدها غوغل أساسها تكوينه الرياضيّ الداخليّ، كون هذه "الاحتمالات/ التتّمات" التي يقترحها قائمة على مشاركاتنا الذاتية-crowdsourced، إذ تتراكم وتتقاطع وتُحفظ نتائج أبحاث ما يقوم به ملايين المستخدمين، لتتجلّى أمامنا في النهاية عبر قائمة صغيرة. فترتيبُ أوّل وثاني وثالث خيار يبدو للوهلة الأولى نتاج التعليم الذاتي الذي يقوم به غوغل، لنرى أنفسنا أمام قوائم مبسّطة، تعطينا الوهم بأننا من نقوم بخلقها، بل وتغوينا بأنها تسهّل "حياتنا" أو تعرّفنا على "أكثر الأشياء التي تمّ البحث عنها" كما يمكن اعتبارها مقياساً أو معياراً يرصد لا فقط الأسئلة المتكرّرة لجماعة بشريّة ما، بل أداة للتعرّف على الرغبات الدفينة التي يظنّ الفرد أن لا أحد يشاركه إيّاها.
كميّة المعلومات التي يجمعها غوغل عنا وعن من هم حولنا، تجعله قادراً على تقديم نتيجة البحث شبه الصحيحة، أو إكمال الجملة المناسبة ضمن بريد الكتروني نكتبه، وكأنه امتداد لوعينا بالعالم
"إن أردت أن تخفي شيء عن العالم، حاول وضعه في الصفحة الثانيّة من نتائج غوغل للبحث"، كون الكثيرون منا يستثنونها، بسبب توقّعنا أن ما يظهر في الصفحة الأولى هو الأهم والأصحّ والموثوق به
عندما توهمنا قوائم البحث في غوغل أنها أداة للتعرف على الرغبات الدفينة التي يظنّ الفرد أن لا أحد يشاركه إيّاها، وبأن هناك آخرون يشتركون معنا بذات الأفكار، سواء أكنّا داعمين للنازيّة أو فيتشيّين يستثيرنا شعر العانة المصبوغ بالأخضر
فهي تخلق شعوراً بالرضا بأن هناك آخرون مشابهون لفرد يجلس وحيداً أمام شاشته، آخرون يشتركون معه بذات الأفكار، سواء أكان داعماً للنازيّة أو فيتشيّاً يستثيره شعر العانة المصبوغ بالأخضر. يعتمد غوغل على الحسّ باللعب والمبادرة الذاتيّة لإكمال رسائلنا الإلكترونيّة، هو "يتعلّم" كلماتنا وأهواءنا وما نقوم به كي "يتنبأ" بما نريد كتابته، وهنا تبرز سياسات الإكمال التلقائي، التي توظّف مفاهيم تسهيل الحياة واختصار "زمن الكتابة" عبر الاستفادة من تواريخنا الشخصيّة، لإقناعنا بأننا نحن من يساهم في "تعليم" غوغل هذه "التتّمات" التي تختلف بحسب المكان و الشخص ومن نتواصل معه. فكميّة المعلومات التي يجمعها غوغل عنا وعن من هم حولنا، تجعله قادراً على تقديم نتيجة البحث شبه الصحيحة، أو إكمال الجملة المناسبة ضمن بريد الكتروني نكتبه، وكأنه امتداد لوعينا بالعالم، وخصوصاً أن مرجعيّات هذا الوعي تغيّرت، إذ لم يعد الواقع فقط هو المصدر الرئيسي للمقارنة، فهناك أيضاً العالم الرقمي نفسه، وكأننا نرى العالم حسب ما تقدّمه نتائج البحث، وهنا يتضح معنى النكتة الشهيرة "إن أردت أن تخفي شيء عن العالم، حاول وضعه في الصفحة الثانيّة من نتائج غوغل للبحث"، كون الكثيرون منا يستثنونها، بسبب توقّعنا أن ما يظهر في الصفحة الأولى هو الأهم والأصحّ والموثوق به.  نكتشف لاحقاً أن كميّة المعلومات التي يمتلكها غوغل عنا، وإمكانية التلاعب بنتائج البحث أو الإكمال التلقائي تشكّل تحدياً سياسياً حقيقيّاً، حيث يتمّ التلاعب بهذه المعلومات التي نقدّمها نحن "طواعية" للتحكّم بطبيعة المعلومات التي تصلنا واتجاهاتها، كما في حمالات الانتخابات، إذ وجدتْ دراسة عام 2016 أن نتائج بحث غوغل كانت متحيّزة لهيلاري كلينتون أثناء الانتخابات الأمريكيّة، فالإكمال التلقائي كان دوماً يخفي عيوبها والمواقف ضدها، والأهمّ أن الدراسة وجدت أن هذه النتائج تؤثّر على الناخبين وكيفية تصويتهم. الاتهامات المتتالية التي وُجّهت لغوغل بوصفه يتلاعب بميولنا وعقولنا، دفعت القائمين على الشركة لمحاولة شرح آليّة عمل الإكمال التلقائي، لكن لا يبدو تبريرهم مقنعاً، فصحيح أن هناك تدخّل بشريّ لحذف النتائج المتعلّقة بخطاب الكراهية أو العنصريّة، لكن هذا التدخّل ليس مثاليّاً، فهناك جهود منظمة من جهات سياسية مختلفة توظّف استراتيجيات تسويق مختلفة في سبيل جعل أفكارها في رأس القائمة سواء كانت انتخابات أو أخبار وهميّة أو مجرّد مدوّن يريد أن ينال الشهرة. الكلام غير الرسمي نراه في تصريحات إدوارد سنودن، الذي يشرح لنا آليات عمل أنظمة المراقبة بل ويجيب ضاحكاً أنه لا يستخدم غوغل ولا سكايب، خوفاً على معلوماته الشخصيّة. https://youtu.be/3VVIME75Wmo ما يعني أنه ليس من المستبعد أن تكون هناك خوارزميات تنفي أو تسمح بظهور نتائج على حساب نتائج أخرى، كالإعلانات المصمّمة والموجّهة لكلّ فرد بوصفه كياناً منفصلاً، بحيث يُكمل له غوغل ما يبحث عنه بما يخدم أهداف أطراف محدّدة، وما نعرفه بصورة مؤكّدة، أن بحثنا عن منتج ما في غوغل، سيظهر لاحقاً كإعلان لذات المنتج على أمازون، بسبب تبادل معلوماتنا بين الشركتين، ما يجعل احتمال وجود أهداف سياسيّة وراء الإكمال التلقائي وارداً وبشدّة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image