لا يقدّم Google Translate ترجمة جيدة بين اللغتين الإنكليزية والفرنسية، مثلاً، لأنهما لغتان عالميتان ومشتركتا الجذر فحسب، بل هناك أسباب أخرى، غير مرونة قواعد اللغتين ووفرة محتواهما على الشبكة. الحديث هنا عن دور المستخدمين - ناطقي اللغات، وعن تأثيرهم على وجود لغاتهم وتداولها في العالم الافتراضي.
يبدو بديهياً القول إن اللغة العربية، في الترجمة منها وإليها على غوغل، تعاني مشاكل كثيرة. باستثناء عدد من الآيات القرآنية، المبرمجة لكي تترجم على نحو دقيق وحرفيّ باعتبارها مقدسة، يندر أن نحظى بترجمة جيدة يكون النص العربي طرفاً فيها. قد يساعد Google Translate على ترجمة دقيقة، أو مقبولة، لكلمات ومفردات، كلٌّ على حدة؛ في حال ترجمة جملة، أو نص ما، فإن المترجم يقدم خدمة لا يمكن وصفها إلا بالسيئة.
يمكن ملاحظة الأخطاء في غالبية ما يُترجَم من وإلى العربية. جرّبْ ترجمة عدد من الجمل الإنكليزية البسيطة، كـ"?Are you free tonight"، على سبيل المثال. سترى أن "غوغل" يعطيك ترجمة خاطئة ومضحكة. خذ جملة فرنسية شائعة، مثل "?Tu m'as tellement manqué” (تعني "افتقدتك جداً")، ستحصل على ترجمة مضحكة أيضاً. بالتأكيد، ليس هذا خطأ الشركة الأميركية التي تبحث، في المحصلة، عن تقديم خدمة جيدة لمستخدميها بهدف الربح، بعد أشهر فقط من طرحها، لما في "سوق الإنترنت العربي" من نموّ.
عدا صعوبة اللغة العربية، وكثرة أفعالها ومرادفاتها، وارتباط جودة ترجمتها بالتشكيل؛ هناك سببان لركاكة الترجمة: الأول، قلة المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، الذي لا يشكل أكثر من 3% من المحتوى العالمي، والذي لا يستند، بخلاف الحال في غالبية اللغات الأخرى، إلى وثائق مصاغة بلغة جيدة ولا إلى بحوث علمية ودروس أكاديمية وتعليمية ومقالات صحافية، بل إلى شتات من النصوص المكتوبة بلهجات مختلفة، وإلى ملايين من الصفحات المنسوخة والمكررة والمليئة، بطبيعة الحال، بأخطاء وركاكات لغوية تعيق مهندسي ومترجمي "غوغل" إذا ما أرادوا الاستفادة منها لتحسين وضع اللغة العربية، كما يفعلون مع بيانات اللغات الأخرى.
أما السبب الثاني، فيشمل "التخريبات" التي يرتكبها بعض المستخدمين، وكذلك قلة اقتراحات الترجمة من العرب الذين يجيدون اللغات الأجنبية؛ إذ يتيح "مترجم غوغل" للمستخدمين، من أجل تعزيز دقة الترجمة، أن يصوتوا للترجمة الأكثر صحّةً عبر الضغط على زر "اقتراح ترجمة أفضل"، وأن يشيروا إلى الترجمات الرديئة والخاطئة لتصحيحها. كما يتيح لهم، إضافة إلى ذلك، تحرير النصوص وتدقيقها.
عدا عن أن كثيراً من العرب الذين يجيدون لغات أخرى لا يلتفتون إلى ضرورة مساعدة أقرانهم الذين لا يجيدون تلك اللغات، فإن كثيراً من المستخدمين لا يكتفون بعدم المساعدة وإهمال هذه الخدمة المهمة، بل يخربون على المستخدمين الآخرين، عبر تصويتهم لترجمات خاطئة، و"تسلّيهم" باقتراح "ترجمات" لا تمت للدقة بصلة، وذلك على سبيل "المزاح"! بعض هؤلاء المستخدمين يصوتون بكثافة لترجمات تنتمي إلى لهجتهم المحلية، التي قد لا يفهمها مستخدمون آخرون حتى لو كانوا عرباً، مع العلم أن "مترجم غوغل" لا يأخذ بعين الاعتبار أن هذا المستخدم من لبنان وذاك من المملكة العربية السعودية، ولا يقدم خدمتين مختلفتين، في اللغة أو اللهجة.
في حين أن السبب الأول معقّد ويصعب وضع "حلول" آنية له، فإنه يمكن الحديث عن السبب الثاني، الذي، لو اشتغل المستخدمون العرب على "حلّه"، لأتاح تصحيح مسار الترجمة الإلكترونية من وإلى العربية. فـ"غوغل"، عندما أتاحت للمستخدمين المشاركة في بناء وتطوير مترجمها، لم تفعل ذلك لتفتح الباب أمام الباحثين عن التسلية والتخريب، باعتبار أن مَن يخربون إنما يؤثرون سلباً على وجود لغتهم في شبكة الإنترنت، كما يؤثرون على أقرانهم من المستخدمين – ناطقي العربية، ولا يضرون الشركة الأميركية بشيء، طالما أنها تستقبل يومياً، لخدمة الترجمة فقط، أكثر من 200 مليون مستخدم ناطق بأكثر من 70 لغة تتيحها.
هكذا، إذاً، يساهم العرب، أو جزء لا بأس به منهم، في تخريب لغتهم، وتراجعها، ليس في الواقع فحسب، وإنما على شبكة الإنترنت أيضاً. مثلاً، سترى أن "غوغل" يعطيك كلمة "زوجة" كاحتمال ثان (وهو احتمال، بالتأكيد، صوت له كثيرون!) لترجمة كلمة "Arab"، في حين أن الاحتمال الرابع لترجمة هذه الكلمة من الإنكليزية إلى العربية هو "حلال"! مستخدمون آخرون، يفضلون أن يترجموا كلمة Blog: "بلوق"، غير مبالين بترجمة عربية معروفة للكلمة، وهي "مدونة".
المؤامرة!
قبل ثلاثة أعوام، تحول Google Translate إلى ساحة حروب إلكترونية بين مستخدمين عرب وإسرائيليين، تمثلت بنشاط مكثف لمجموعة من هذا الطرف لتشويه صورة الطرف الآخر، عبر تحريف بعض الترجمات بين اللغتين العربية والإنكليزية. إذ يُفترَض أن مستخدمين إسرائيليين هم الذين اشتغلوا، لفترة زمنية في نهايات عام 2010 وبدايات 2011، على تخريب الترجمة الدقيقة لبعض العبارات، مثل "Israel will die" التي نجحوا في جعل ترجمتها العربية معاكسة للمعنى: "إسرائيل لن تموت". كما حرفوا، مثلاً، ترجمة "الإسلام ليس دين إرهاب"، ليجعلوها بالإنكليزية: "Islam is the religion of terror"! في المقابل، نشط مستخدمون عرب لإعادة التصويت للترجمات الصحيحة إلى هاتين الجملتين وغيرهما، إضافة إلى شغلهم على التصويت لترجمات مثل "اليهودية دين إرهاب"، و"مصر تحتل إسرائيل"، و"دولة إسرائيل في النار" وغيرها! بالطبع، لم يعد ممكناً العثور على هذه الترجمات بعد أن عدّلتها الشركة عبر تثبيت الترجمة الصحيحة، بغض النظر عن بعدها السياسي أو الديني.
رغم ذلك، يرى عدد لا بأس به من مستخدمي الإنترنت العرب أن "غوغل" منحازة إلى إسرائيل باعتبار أن مؤسسيها الأميركيين يهوديا الديانة. هكذا فتح مستخدمون عرب الباب على نظرية المؤامرة، التي تبناها أشخاص وأطلقوا صفحات لم تلق جماهيرية على "فايسبوك" تدعو لمقاطعة "غوغل". كما تلقفت نظرية المؤامرة، أيضاً، قناة "الجديد" اللبنانية التي أعدت تقريراً في عام 2011 حول الموضوع. ي
جدر الذكر بأن شركة غوغل تأخذ جميع التبليغات والشكاوى على محمل الجد، ولكن عملية التصحيح من قبل الشركة يأخذ الكثير من الوقت للّغة العربية، على عكس اللغات الأخرى.
...والكوميديا
لم تكن خدمة ترجمة "غوغل" ساحة إلكترونية خلفية للصراع بين عرب وإسرائيليين، وفرصة لبعض الباحثين عن التسلّي فحسب. لقد فتح Google Translate مجالاً للضحك والكوميديا بـ"فضل" كثرة الأخطاء في ترجمته من وإلى العربية، كونه مترجم إلكتروني لا يعنى كثيراً بالتدقيق في معنى الكلمة، وفي التفريق بين معاني الكلمات العربية التي تحوي كثيراً من المترادفات المتشابهة لناحية الكتابة، والتي تعتمد كثيراً على التشكيل الذي يبيّن اختلافها صوتياً.
هكذا، انتشرت على مواقع كثيرة، وعلى شبكات الميديا الاجتماعية، صور لترجمات خاطئة ومضحكة في الوقت نفسه. هناصورة لموقع "أمانة منطقة جازان" في السعودية، الذي استخدم المسؤول عنه "غوغل" لترجمة عنوان أحد المقالات، فقدم له الموقع ترجمة "الأمير منصور بن متعب" هكذا: Prince Mansour bin tired!. أيضاً، هناك صورة لترجمة خاطئة لعبارة "مكسّرات مشكّلة" موضوعة فوق الفستق واللوز في أحد المحالّ... مرفقة بترجمة إنكليزية هي "Nuts problem"!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون