على عكس بعضِ الدول العربية يكون الاحتفال بمناسبة المولد النبوي الشريف مختلفاً تماماً في مصر، حيث تنتشر السُرادقاتُ ذات الألوان المبهجة في أغلب الشوارع تبيع للناس حلوى و"عرائسَ المولد". وتصبح هذه السُرادقات أضخمَ حول المساجد الشهيرة في القاهرة وباقي المحافظات المصرية، خصوصاً مساجدُ أولياء الله الصالحين مثل مسجد السيدة زينب بقلب القاهرة، ومسجد الحسين بمنطقة القاهرة القديمة، ومسجد السيد البدوي بمدينة طنطا التي تبعد عن القاهرة حوالي ساعةٍ ونصف. لكن السنواتِ الأخيرةَ أضيف بشكل لافت للسُرادقات المصرية منتجٌ مختلف جديد، هو العرائسُ المصنوعة من البلاستيك المستوردة من الصين، والتي أصبحت بديلاً في بعض المحلات للعرائس التقليدية المصنوعة من السكر. قبل سنوات، كان الاحتفالُ بذكرى المولد النبوي كلَّ عامٍ مناسبةً لشراء عروسة المولد المصنوعة من السكر، التي تُحضر في مصانعَ متخصصةٍ تنتشر في ربوع مصر ولا تعمل سوى أسابيعَ معدودةٍ قبل المولد النبوي وتتوقف عن العمل بمجرد انتهاء الاحتفال بالمناسبة. ولد النبيُّ محمد في مكة عام 570 ميلادية، ويحتفل المسلمون في عدة دول بذكرى مولده كلَّ عام في الـ 12 من شهر ربيع الأول. كان الاحتفال السنوي بالمولد النبوي يدخل البهجةَ على قلوب الأطفال الذين كانوا ينتظرون بشغفٍ عرضَ حلوى المولد في الأسواق، لا سيما تلك التي على شكل عروسٍ من السكر تضع يديها بشكلٍ دائري حول خصرها وخلفها دائرةٌ مصنوعة من الورق الملون بألوان زاهية يطلق عليها الباعةُ اسم "مروحة"، وكان الأهالي يشترون هذه العرائسَ لبناتهن الصغيرات، فيطلقن صيحاتِ فرح وهن يكسرنها إلى قطع صغيرة ثم يتناولنها. يحتفظ بعض الأهالي بتلك العروس داخلَ المنزل كنوع من الديكور. وإلى اليوم، حين تدخلون بعضَ البيوت المصرية يمكن أن تجدوا عروسة من السكر موضوعةً في مكانها منذ سنوات طويلة. عائلاتٌ أخرى تكسرُ العروسة إلى قطع صغيرة وتضعها على أطباق حلوى الأرز باللبن الساخنة فتسيح قطعُ السكر ببطءٍ لتضيف مزيداً من السكر إلى الأطباق وتجعلها ألذ. لكن السنواتِ الأخيرةَ، تقلّصَ حضورُ عرائس السكر، بينما زادت في المقابل عرائسُ البلاستيك بأحجامها المختلفة، يرتدي بعضها ملابس عروس في يوم الزفاف وخلفها أيضاً دائرةٌ بألوان زاهية كتلك الموجودة خلف العرائس المصنوعة من السكر لكنها من قماش الدانتيل وليست من الورق. عرائس بلاستيك أخرى ترتدي فساتينَ واسعةً من طبقات عديدة من الدانتيل. يقول الباعةُ إن سببَ غياب عروسة السكر هو قلّة أعداد المصانع التي تصنعها، وغياب الأيدي العاملة التي كانت ترسمُ ملامحَ وجهها وتجهّز لها فساتينها الورقية. وشهدت مصر، السنواتِ الأخيرةَ انتقالَ العديد من أصحاب المهن اليدوية والحرفيين إلى مهن أخرى أسهل وذات دخل أكثرَ ضماناً، أشهر تلك المهن الجديدة قيادة التوكتوك، وهي مركبةٌ صغيرة تنتشر في مناطق مصر الشعبية. السبب الآخر لغياب عروسة السكر انتشارُ السلع الصينية في المجتمع المصري، وتفوقُها من حيث الشكل على العرائس التقليدية المصنوعة من السكر كما أن المكاسبَ التي يحققها الباعة أكبرُ بكثير. سعرُ عروسة المولد البلاستيك يبدأ من 50 جنيهاً مصرياً للحجم الصغير ليصل إلى أكثر من 500 جنيهٍ للعروسة كبيرة الحجم. وتنتشر في مصر عادةُ شراء الخطيب عروسةَ مولد لخطيبته يوم المولد النبوي، ما يضاعف مداخيلَ الباعة. تعودُ بداية ظهور حلوى المولد في مصر إلى العصر الفاطمي، وبحسب رواية تاريخية فإن ظهورَ عروسةِ المولد يعود إلى عهد الحاكم بأمر الله، الذي خرج مع واحدة من زوجاته يومَ الاحتفال بالمولد النبوي، وكانت ترتدي فستاناً مميزاً لونه أبيض وتضع تاجاً على رأسها، فأحب المصريون هذا المشهد، واستغله بعضُ صناع الحلوى لصنع عروسةٍ من السكر تشبهها.
الصين اجتاحت كلّ شيء بما في ذلك عرائس المولد في مصر... تقرير رصيف22
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...