"الزمن تغير والأرواح والنفوس تغيرت، وما أنتم مكلفون به الآن يختلف عما كلف به السابقون، الوضع تغير الآن، القلوب والأرواح في العصر الحالي تختلف عن سابقها"، هذا ما قاله الشيخ صلاح الدين القوصي (1940_2008)، مؤسس "الأشراف المهدية"، الذي يعتبره منهجاً للحب الخالص.
أخوة روحية لزماننا ومكاننا
الأشراف المهدية، "ليست جماعة دينية لها أهداف سياسية، ولا تنظيم دعوي ولا طريقة صوفية ولا فرقة دينية، لكنهم إخوة في الله اجتمعوا عليه وعلى محبته". هكذا يعرفها المهندس عمر الجندي، الذي رافق القوصي لأكثر من 30 سنة، والذي يفضل أن يصف أعضاء الجماعة بأنهم "محبون وإخوة". وجاءت تسمية "الأشراف" نسبة إلى نسل الرسول محمد، أما "المهدية" فتشير إلى الإمام المهدي. وقال الشيخ صلاح الدين القوصي، في تسعينيات القرن الماضي، إن لكل زمان طريقة روحانية خاصة ومنهجاً للوصول إلى الله، إلا في القرون الثلاثة الأولى بعد نزول الرسالة حين "لم يكن هناك منهج لأن أرواحهم كانت حاضرة مع رسول الله، لكن في القرون التالية ضعفت القلوب، فبدأوا في وضع منهج للتربية". ولد القوصي في مدينة منفلوط بمحافظة أسيوط ، جنوب مصر، عام 1940م، ويعتقد بأن نسبه ينتهي إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب. أنهى دراسته في جامعة الإسكندرية، وأكمل دراساته العليا بجامعات القاهرة وتشيكوسلوفاكيا وعمل ودرس في ألمانيا وإسبانيا والسعودية.يقول الجندي، إن شيخه سلك الطريقة الخلوتية العونية في شبابه على يد الشيخ محمد أبو العيون، ثم تتلمذ على مشايخ الطرق الشاذلية والنقشبندية والأحمدية والإدريسية والقادرية. أراد القوصي تكوين منهج بسيط دون مغالاة، وأن يعود إلى ذكر رسول الله وأصحابه، فأسس منهجاً يقوم على التوحيد والتقديس الخالص لله، وحب الله والرسول وكل من اتصل وتمسك بهما، وفي الوقت نفسه يكون ملائماً لطبيعة النفس البشرية في العصر الحالي. مشروع "الأشراف المهدية" هو أشبه بدعوة لعهد جديد في الذكر والتقرب إلى الله. كان القوصي يُفضّل أن يسبق اسمه لقب عبد الله وأحياناً كثيرة، كان يشير إلى نفسه باسم الفقير، ويُلقب بخازن أسرار رسول الله وأيضاً الولي الكامل الذي كمل به غيره. بنبرة صوت هادئة يقول الجندي لرصيف22: "الشيخ صلاح يربي محبيه منذ ستينيات القرن الماضي، وكان هذا على منهج شيخه محمد أبو العيون حتى بداية 1994 حين قال لنا: لدي أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوراد من القرآن الكريم وأفضل ما قيل في الصلاة عليه". وتابع أن المؤسس اجتمع ببعض المحبين وبدأ في تدشين مجلس لذكر الله على النهج والأوراد الجديدة. وقال: "نحن في الأساس منهج عام، لسنا طريقة صوفية أو تنظيم دعوي أو جماعة من الجماعات المنتشرة. إنما نحن إخوة اجتمعوا على محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم". يمرّ الراغب في الالتزام بمنهج "الأشراف المهدية" بثلاث مراحل: 1- أولاها تعلم مخارج ألفاظ اللغة العربية بشكل صحيح حتى تصح قراءته للقرآن الكريم. 2- وثانيتها التعرف على أسس الدين الإسلامي عبر قراءة كتب القوصي، وعلى رأسها "أركان الإسلام: دليل العبادات"، و"قواعد الإيمان: تهذيب النفس"، و"أنوار الإحسان: أصول الوصول". 3- وثالثتها ربط قلب المحب بالشيخ وقراءة الأوراد والصلوات.
أمر وتوصيات من الرسول بتغيير الأسلوب
ذكر القوصي أن الرسول أمره مباشرة بتغيير أسلوب تربية النفس المعروف. يظهر ذلك في الأوراد والأدعية والأشعار التي ترددها "الأشراف المهدية" وأغلبها من كتابات مؤسسها وتدور حول حب الرسول والتعرف على صفاته وسماته. ويتطور الأمر تدريجياً حتى يصل المحب إلى معايشة الرسول، ومراقبة أحوال قلبه في كل المواقف، على سبيل المثال لا الحصر، حالة قلبه أثناء السجود وحالة قلبه أثناء الذكر والشكر وكل مواقف الحياة، كما قال الجندي. وأشار إلى أن نسبة كبيرة من المسلمين يغفلون مثلاً عن السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم في التشهد، حيث أضاف: "هذا سلام حاضر يجب الانتظار لحظات بعد قوله، لعلك تشرف بسماع رد السلام. هذا ما علمنا إيّاه الشيخ في الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم".الحضرة: أوراد وصلوات محمدية
في مسجد الإمام الحسين، تقيم "الأشراف المهدية" حضراتها. وبعد الانتهاء من قراءة الآيات والأوراد والصلوات على الرسول، يتوجه الحضور إلى مقام الإمام الحسين لأداء الحضرة الصغرى. احتوت الحضرة الصغرى على قصار السور التي يجب أن تردد بنبرة صوت أعلى، ويتبع ذلك الصلاة على الرسول، وبين كل جزء وجزء تردد الأبيات الأشهر لدى "الأشراف المهدية": صلوات عظمى من ربي.. وسلام لرسول الله لا خلق أبداً يقدرها.. تعظيماً لرسول الله ويقول محمد عوف الذي رافق القوصي 10 أعوام، إن الحضرة تقسم إلى أربعة أجزاء، الحضرة الأولى: تحتوي على آيات وسور من القرآن الكريم، أما الحضرة الثانية فعلى أدعية من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثالثة على أدعية الأولياء في التوحيد (دعاء سيدنا عكاشة، دعاء الصمدية، دعاء السيف، خذ بيدي)، أما الحضرة الرابعة وهي الأطول، فتتكون من صلوات على الرسول من أشعار القوصي. ويضيف لرصيف22: "تنتهي الحضرة الصغرى بالصلاة على الرسول وعباده الصالحين والصحابة وأمهات المؤمنين، والدعاء لمؤسسها صلاح الدين القوصي". لا يوجد مقر رسمي أو غير رسمي يتجمع فيه "الأشراف المهدية"، إلا الموالد والحضرات الأسبوعية في مسجد السيدة نفيسة يوم الأحد، ومسجد الإمام الحسين يوم الخميس بعد صلاة العشاء. ولا يلتزم أحد من المشاركين بلبس محدد أو بمظهر معيّن.إنتاج أدبي غزير
بجانب كتب التعاليم الدينية الإسلامية، أنتج القوصي أكثر من ثلاثين ألف بيت شعري، كلها إما تحتوي على آية قرآنية أو حديث نبوي بمعنى جديد بروح العصر الحديث، ومجموعة في 20 ديواناً. وفي بداية الألف الثالثة، أنشأ القوصي مكتبة على الإنترنت لتكون كتاباته وأعماله في متناول الجميع. قُدمت أشعار وكتابات القوصي كثيراً في الاحتفالات الدينية في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وأبرزها دار الأوبرا المصرية، كما أدت فرقة الإنشاد (الإخوة أبو شعر) قصيدة "إني أحب محمداً" الأكثر شهرة من قصائده. في تقرير نشرته صحيفة المصري اليوم عن "الأشراف المهدية" عام 2008، ذكرت أن عددهم نحو 30 ألفاً، إلا أنّ الجندي رفض ذلك قائلاً: "لا نحصر عدد المحبين، ولا يوجد لدينا إحصاء. لسنا تنظيماً حتى نملك سجلات، لا يوجد لدينا غياب وحضور"، مضيفاً: "تطلب منا كتب الشيخ صلاح من دول عدة منها سريلانكا والسنغال والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب وجودنا في كل محافظة داخل المحروسة والدول العربية".الموالد.. فرصة لنشر حب الرسول
يقول أحمد سليمان الذي رافق القوصي 13 عاماً، إنّ الأشراف "تعتاد الاحتفال بذكرى المولد النبوي بالإضافة إلى احتفالات الإمام الحسين، والسيدة نفيسة، والسيدة زينب كل عام، ويتم استغلال هذا التجمع في إطعام الضيوف طوال اليوم وإقامة الحضرة بعد صلاة العشاء وختم القرآن يومياً". ويضيف: "مائدة الرحمن تعتبر الحدث الأكبر. نطعم أكثر من 3 آلاف شخص كل يوم في شهر رمضان، وذلك في ساحة إستاد القاهرة، منذ أكثر من 20 عاماً"، ثمّ يتابع لرصيف22، "هذا غير الموائد الفرعية فى محافظات مصر وساحة المسجد النبوي الشريف في المملكة العربية السعودية".
ولفت إلى أنّ الأمر لا يقتصر على الموائد الرمضانية، حيث يتمّ توزيع نحو ألف وجبة طعام كل يوم جمعة في مسقط رأس الشيخ في مدينة منفلوط في محافظة أسيوط على الفقراء. توفي القوصي في 21 سبتمبر/أيلول 2008، ومنذ ذلك الحين لم يشغل أحد مقعد الشيخ، بالرغم من استمرار الأنشطة والتزام المحبين بنهجه في الحضرات وإقامة الموائد حتى الآن. ويقول الجندي عن ذلك: "الشيخ قال لنا أنا ليس لي خليفة ومن تركته على ورد يقرأه فإنه يكفيه فى كل معارجه الروحية حتى ألقاه على حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وأضاف: "نحن ملتزمون بالمنهج والقواعد التي وضعها لنا، منهجه كله يعتمد على اتصال الأرواح وليس الأجساد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...