"فشلوا في إيقاف صادراتنا النفطية. سنواصل تصديره"، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني مضيفاً: "لن نستسلم لهذا الضغط"، وسط هتافات "الموت لأمريكا" بين محتشدين لسماع كلمته في مدينة خوي في 19 نوفمبر.
حديث روحاني المليء بالثقة يتناقض مع التقييم الأمريكي الذي يقول إن العقوبات أفقدت طهران نحو ملياري دولار من عائدات النفط. ولكن الحقيقة تقع في مكان وسط بين تصريحات الطرفين، فلا إيران قادرة على تعطيل مفعول العقوبات الأمريكية القاسية ولا واشنطن نجحت في تصفير صادرات إيران النفطية.
تبحث الجمهورية الإسلامية عن حبال تتمسك بها للنجاة من العقوبات الأمريكية، مقابل تعهد الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب بالتصدي لكل محاولات طهران للتحايل على تلك العقوبات.
وفي الرابع من نوفمبر، فعّلت واشنطن الحزمة الثانية من عقوباتها على إيران، معيدة بذلك فرض جميع العقوبات التي كانت قد رفعتها عنها عام 2015 بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، بل أضافت الإدارة الأمريكية عقوبات جديدة على نحو 700 شخصية ومؤسسة إيرانية، من ضمنها 50 مؤسسة مالية.
تطال العقوبات الأمريكية مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية والصناعية وعلى رأسها قطاع النفط ومشتريات الحكومة الإيرانية بالدولار الأمريكي، وتقصيها عن النظام المصرفي العالمي وتفرض قيوداً على تجارتها بالذهب والمعادن الثمينة والألمنيوم والحديد والفحم وبرمجيات الكمبيوتر وقطاع السيارات والنقل البحري والطاقة...
ولكن واشنطن أدركت أن الواقع قد لا يسير مع تهديداتها، فلم تنجح في تصفير صادرات إيران النفطية، واضطرت إلى استثناء ثماني دول من قرار حظر شراء النفط الإيراني لمدة ستة أشهر هي الصين، الهند، اليونان، إيطاليا، اليابان، كوريا الجنوبية، تركيا، وتايوان، على أن تعمل هذه الدول على تقليص مشترياتها من نفط إيران خلال فترة الإعفاء، مع توقّع تمديد المهلة لاحقاً. كما حصل العراق على استثناء مؤقت يسمح له بمواصلة شراء الطاقة الكهربائية من إيران.
ويؤكد روحاني أن بلاده تمتلك الكثير من السبل لبيع نفطها، بما يحبط تأثير الحظر الأمريكي، وقال إن "الأمريكيين أدركوا بأننا نبيع نفطنا، ولنا الكثير من السبل، بحيث يصبح الحظر معها عديم التأثير، وهو ما يُعَدّ عملاً قيّماً جداً تم إنجازه".
ماذا يقصد روحاني؟
تشير العديد من التقارير إلى أن إيران بدأت في تنفيذ عدة حيل لمنع رصد سفنها المحمّلة بالنفط، منذ 16 سبتمبر الماضي، وتكشف أن ناقلة نفط إيرانية عملاقة تُدعى "السعادة وان"، تحمل مليوني برميل، أوقَفَت النظام الذي يسمح للمتداولين بتتبع تحركاتها عندما خرجت من مضيق هرمز في ذلك اليوم. وتذكر التقارير أن "السعادة وان" هي ناقلة ضمن أسطول ناقلات إيراني شبحي يشمل سبع ناقلات على الأقل تديرها شركة النفط الوطنية الإيرانية، لم تعد تبث إشارات لتحديد مواقعها، ويؤكد محللون أن مجموع السفن التي تمتلكها طهران يبلغ 30 سفينة ستتم مراقبتها بصرياً. ومن الأمثلة على تجارة النفط السرية التي تديرها طهران، قيام الناقلة YUFUSAN التي تحمل علم بنما، بشحن كميات من النفط الإيراني، ثم اتجاهها إلى الكويت لتحميل كمية من النفط الكويتي قبيل توجهها إلى اليابان. ووفقاً لصحيفة فوربس، ظهر أن هذه الناقلة تحمل نفطاً كويتياً، لكنها في الواقع كانت تحمل كمية كبيرة من النفط الإيراني. وعلى الرغم من أن اليابان خفّضت بشكل ملحوظ وارداتها من إيران، إلا أنها تلقت 1.39 مليون برميل منها في سبتمبر الماضي. تؤكد إلين وولد، المستشارة في مجال الطاقة والجغرافيا السياسية، أن حالة السفينةYUFUSAN تكشف مدى سهولة إخفاء شحنات النفط إلى الدول التي أعلنت التوقف عن استيراد النفط الإيراني، مشيرة الى أن هذه الناقلات يمكنها القيام بالعديد من التوقفات في دول الخليج لإرباك متتبعيها، وحتى أن بعضها يمكنها إيقاف أجهزة تعريف الهوية AIS الخاصة بها، في محاولة لإخفاء أنشطتها ووجهتها النهائية. وتؤكد وولد أن البيانات الخاصة بتداول النفط تُظهر بشكل قاطع أن صادرات النفط الإيرانية لم تنخفض بقدر ما تقوله التقارير الإعلامية، مشيرة إلى أن طهران صدّرت ما لا يقل عن مليوني برميل يومياً من النفط في شهر سبتمبر، ما يمثّل في الواقع زيادة عن صادراتها في أغسطس. وتؤكد الخبيرة أن إيران ستستفيد بشكل مضاعف من العقوبات الأمريكية لأن أسعار النفط سترتفع، إذ ستقوم بتهريب نفطها وبيعه بالأسعار المرتفعه، وتحقق مزيداً من الإيرادات. كما أن سعر النفط المرتفع يمنح طهران قدرة على المناورة، إذ يمكنها أن تعرض نفطها بسعر أقل من سعر لسوق ما يشجّع كثيرين على استيراده ويغريهم بالمخاطرة بإغضاب الولايات المتحدة. من جهة أخرى، وافق المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي التابع للحكومة الإيرانية على إتاحة شراء النفط الخام أمام القطاع الخاص، كجزء من الجهود الرامية إلى تخفيف شدة العقوبات التي تستهدف صادرات النفط الإيرانية. وسيتم تخصيص ما يصل إلى مليون برميل يومياً للبيع في عملية تنهي سيطرة الدولة على صادرات النفط. ويمكن للمشترين الذين سيحققون ثروات من هذه التجارة البحث عن سبل لتصريف ما يشترونه. أما رسمياً، على المستوى الدولي، فقد اتفق وزراء خارجية الصين وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا، خلال اجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، على البحث عن سبل للتحايل على العقوبات الأمريكية، كي تستمر إيران في الاتفاق النووي. ويحاول الاتحاد الأوروبي إنشاء آلية تُعرف باسم "الآلية ذات الغرض الخاص" وتسمح بإقامة علاقات تجارية غير دولارية مع إيران. وتهدف هذه الآلية إلى مقايضة صادرات إيران النفطية بمنتجات أوروبية دون استخدام النظام المالي العالمي، من أجل تفادي العقوبات الأمريكية. ولكن هذه الخطة تواجه صعوبات حالياً بسبب تحديات في تحديد الدولة التي تستضيفها، فـ"في الواقع بعض الدول التي تم اقتراحها لاستضافة الآلية لم تقبل هذه المهمة، وما زالت المفاوضات مستمرة لاختيار مضيف لها"، حسبما كشف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.الحرس الثوري... عمود التهريب الفقري
يرى علي فتح الله نجاد، وهو زميل زائر في مركز بروكنغز-الدوحة، إن إيران ستلجأ الى خيار التهريب عبر حدود جيرانها، لتقليل أثر العقوبات عليها بشكل كبير. وأضاف لرصيف22 أن العقوبات الاقتصادية الشاملة المفروضة على إيران ستفتح هذه القنوات السوداء التي سلكتها طهران عندما تعرضت لحظر مماثل بين عامي 2012 و2015. وأشار إلى أن الحرس الثوري الإيراني سيحتكر استيراد العديد من السلع، عبر الموانئ البحرية والجوية التي يسيطر عليها بشكل حصري، مضيفاً: "كما في الماضي، فإن الحدود الرئيسية التي ستجري فيها الأنشطة المتعلقة بتجارة التهريب ستكون حدودها مع العراق".أفغانستان... ممر لنقل الدولارات إلى إيران
تسلّط تقارير الضوء على كيف تساعد حدود إيران المفتوحة مع أفغانستان نظامها على تجاوز العقوبات الأمريكية، وذلك من خلال تنشيط تجارة تهريب البضائع التي تتجاوز قيمتها أربعة مليارات دولار سنوياً. ويقدّر البعض أن حوالي خمسة ملايين دولار نقداً تعبر الحدود إلى إيران يومياً، وأن هذا المبلغ زاد منذ إعادة فرض العقوبات الأمريكية في مايو الماضي، وفقاً لوكالة بلومبيرغ. ويعبر التجار الأفغان بتأشيرات رسمية الحدود عبر معبر قلعة خان في أفغانستان إلى مدينة مشهد الإيرانية، حاملين مبالغ ضخمة من الدولارات لاستبدالها بالريال الإيراني. ويروي أحد هؤلاء التجار أنه ينقل كل شهر نحو 220 ألف دولار في رحلتين أو ثلاث إلى إيران في ظل انشغال الحكومة الأفغانية بقتال طالبان وفساد قوات إنفاذ القانون الأفغانية.تركيا... حبل نجاة لإيران
كانت دبي أحد معابر إيران للتحايل على العقوبات الإيرانية، وبلغ حجم التجارة بين الإمارات وإيران 20 مليار دولار عام 2013، قبل أن ينخفض إلى 17 مليار دولار عام 2017، ومن المتوقع أن ينخفض أكثر بكثير بعد العقوبات الأمريكية، خاصة مع تعهّد المسؤولين الإماراتيين بالالتزام بالعقوبات الأمريكية، في ظل انتهاج أبوظبي موقفاً متشدداً من طهران وسياساتها الإقليمية. ولكن تبقى للراغبين في التربّح أساليبهم. ولكن يختلف الوضع بالنسبة إلى تركيا التي ترتبط حالياً بعلاقات جيّدة نسبياً مع إيران، والتي لن تطلب من أجهزتها شنّ حرب على التجارة بين البلدين. ويرى محللون أتراك أن العقوبات الأمريكية على إيران تُعَدّ فرصة كبيرة لتنشيط التجارة التركية مع إيران، ويؤكدون أن الأتراك سيكررون سيناريو خرق العقوابات وستُستأنف عمليات تهريب النفط والبضائع مع طهران والتي بلغ حجمها خلال فرض العقوبات الماضية، قبل توقيع الاتفاق النووي، ما بين 22 و24 مليار دولار.العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران ستفتح مجموعة كبيرة من "القنوات السوداء" التي سلكتها طهران سابقاً لتهريب البضائع والدولارات
لا إيران قادرة على تعطيل مفعول العقوبات الأمريكية القاسية ولا واشنطن نجحت في تصفير صادرات إيران النفطية. والآن، تبحث الجمهورية الإسلامية عن حبال تتمسك بها للنجاة من هذه العقوباتويذكر تقرير لصحيفة أحوال التركية أن تركيا لديها تاريخ من مخالفة العقوبات على إيران. ونفّذ أهم برنامج لخرق العقوبات بنك خلق تركي الذي رعى برنامجاً لمبادلة النفط الإيراني بالذهب، وكان ذلك شريان حياة للجمهورية الإسلامية. ويشير التقرير إلى أن حجم التجارة بين أنقرة وطهران انخفض بعد رفع العقوبات الأمريكية عن الأخيرة عام 2015 وتدنّى إلى نحو 10 مليارات دولار. والآن، بعد إعادة فرض العقوبات، وجدت الشركات التركية نفسها أمام فرصة ذهبية. وقال بلغين أيغول، وهو رجل أعمال ترأس لسنوات مجلس التجارة التركي الإيراني التابع لمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية: "تنسحب الكثير من الدول والشركات من إيران في الوقت الحالي... هذا يُحدث سريعاً فجوة كبيرة في السوق الإيرانية، والدولة الأوفر حظاً من حيث القدرة على سد هذا الفراع هي تركيا. وهي بالفعل جارة إيران، وهي أيضاً الدولة الصناعية الوحيدة القريبة التي يمكنها تلبية كل احتياجاتها". ويذكر التقرير أنه منذ بدء فرض عقوبات على إيران قبل نحو 40 عاماً، نشأت بالفعل عدة آليات للتحايل على الحظر، لكنه يضيف أنه من المستبعد أن تشمل تلك الآليات التداول بالعملات المحلية لإيران وتركيا بسبب ضعفهما. وأشار أيغول إلى أن البضائع التي تنتجها الشركات الإيرانية في تركيا يم نقلها إلى إيران، متوقعاً تضاعف نشاط التجارة عبر الحدود "بفضل العقوبات"، ما يعني حدوث قفزة كبيرة في التعاملات النقدية وبالذهب. ويتوقع أيغول أن تعزز الشركات التركية قبضتها على السوق الإيرانية في الشهور القادمة وتجعل وجودها هناك دائماً.
العراق... دور لحلفاء إيران
في تقرير نشرته عام 2012، رأت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن العقوبات الأمريكية على إيران لا تأثير لها بسبب حدودها المفتوحة مع العراق والتي تتجاوز ألف كيلومتر ويصعب التحكم بها. في عام 2017، استورد العراق منتجات إيرانية بقيمة 6.6 مليارات دولار، من سيارات وأدورات كهربائية ومنتجات زراعية وسلع أخرى، بسبب رخص المنتجات الإيرانية. لذلك، يتوقع التجار العراقيون أن تستمر حركة البضائع إلى العراق عن طريق التهريب، وقد تشمل النفط عبر حدود كردستان العراق. ويؤكد المحلل الاقتصادي والسياسي العراقي عادل عبد الزهرة شبيب أن إيران ستلجأ إلى الدول المجاورة لها، ومن ضمنها العراق، للتخفيف من آثار العقوبات الأمريكية عليها، موضحاً أن هناك 11 مصرفاً إيرانياً داخل العراق ستعمل طهران على الاستفادة منها. وكشف شبيب لرصيف22 أن مئات العراقيين أودعوا أموالهم بالدولار في المصارف الإيرانية في طهران، طمعاً بالفوائد المرتفعة المغرية، وقد اتخذت طهران مؤخراً قراراً بعدم إعادة الأموال المودعة في بنوكها بالدولار بل فقط بالعملة الإيرانية، وهذه وسيلة للاستحواذ على الدولار. وقال شبيب إن القوى العراقية المتحالفة مع إيران ستساعدها في التحايل على العقوبات. ويبدو أن شبكة التهريب الإيرانية متجذّرة وعابرة للقارات، فقد كشف تقرير للأمم المتحدة أن منظمة الشباب الصومالية التابعة لتنظيم القاعدة تقوم بتهريب الفحم الصومالي بشكل غير قانوني إلى الموانئ الإيرانية، باستخدام شهادات مزورة لبلاد أخرى مثل جزر القمر وساحل العاج وغانا. لا يعني كل هذا التحايل الممكن على العقوبات الأمريكية أن إيران لن تهتزّ. أدت العقوبات إلى خروج كبرى الشركات العالمية من إيران وحرمتها من استثمارات بمليارات الدولارات كانت ستساهم في تحقيق نهضة اقتصادية داخلها. ولكنه يعني أن إيران قد تنجح في تفعيل ما يسمّيه مرشدها الأعلى بـ"الاقتصاد المقاوم" الذي يمكّن النظام من الاستمرار والصمود وإدارة ظروف صعبة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...