شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
سيكولوجيا العري: هل تتغيّر تصرّفاتنا ومشاعرنا عندما نخلع ملابسنا؟

سيكولوجيا العري: هل تتغيّر تصرّفاتنا ومشاعرنا عندما نخلع ملابسنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

جسد

الخميس 15 نوفمبر 201805:18 م
عندما نلتقي بشخصٍ ما لأول مرة، فإن إنطباعنا عنه يختلف وفق المكان الذي قابلناه فيه: عشاء رسمي، مؤتمر، سهرة على البحر... فالإطار المكاني غالباً ما يؤثر على كيفية اختيار الشخص لملابسه وكمية "اللحم" التي يودّ الكشف عنها، غير أن النظريات القديمة كانت تعتبر أن رؤية الطرف الآخر وهو عارٍ تماماً من ملابسه قد يحوله من كائن مفكر إلى"شيء" جنسي ومجرد وسيلة لإشباع الرغبات الجنسية. فهل تتغير فعلاً قدرات الناس العقلية عندما يخلعون ملابسهم؟ وهل يؤثر التعري على قدرة الشخص على التصرف أو الشعور؟

الإنسان قطعة لحم؟

"إن العقل البشري يرى العقول في كل مكان، لأننا نقوم باستمرار بترجمة تصوراتنا البصرية إلى نظرية العقل theory of mind، فنحاول مثلاً تخيل الحالات الداخلية للدببة، والرقائق الدقيقة والغرباء المثاليين"، قالها "جونا ليهرير" في مقالٍ على موقع wired، أشار إلى أن تلميحات لغة الجسد قد تتحول إلى صورةٍ ذهنيةٍ غنيةٍ: "لا يسعنا إلا التفكير في ما قد يفكر فيه الآخرون"، ونقيّم الناس وفق عنصرين: الوكالة من جهة وهي القدرة على التخطيط والتصرف وممارسة ضبط النفس، ومن جهة أخرى الخبرة والقدرة على الشعور والإدراك. غير أن هذه العلاقة المعقدة بين نظرية العقل والإدراك الحسي يمكن أن تتحول إلى إشكالية أيضاً. يشير تقريرٌ صادر  في العام 2010 عن جمعية علم النفس الأميركية أن التمايز الجنسي sexualisation  يقودنا إلى تقدير الناس وفق جاذبيتهم الجنسية بمعزل عن الصفات الأخرى، مما يشجع على الإقدام على خطواتٍ جنسيةٍ غير مرغوب بها وإلى النظر إلى المرء كـ"شيء" أي رؤية الآخر وكأنه يفتقر إلى الإرادة والمشاعر، وبالتالي يصبح هذا الشخص في عقل المشاهد كـ"قطعة لحم" خالية من أي حياةٍ داخليةٍ. هذه النظرية تبناها الفيلسوف إيمانويل كانط الذي اعتبر أن "الحب المبني على الجنس يحول العشيق إلى مجرد شهوة، وبمجرد أن تهدأ هذه الشهوة، يتم رمي الشخص جانباً كقطعة ليمون جافة". وقد أطلق الباحث على هذه النظرية إسم objectification: رؤية الجسم يجعل الشخص بأكمله يتحول إلى جسمٍ مادي، بمعنى آخر اعتبر "كانط" أن الشخص المجرد من ملابسه يتحول إلى "وسيلة لتحقيق غاية" أي وعاء لتلبية الملذات وإشباع الرغبات. وفي حين أن هذه الظاهرة تشمل الرجال والنساء على حدّ سواء، فإن النساء هن أكثر عرضةً لمعاملتهنّ كأشياء "جنسية"، خاصة أنه يتم تصوير المرأة في بعض الإعلانات والبرامج التلفزيونية وكأنها "قنبلة جنسية"، وهو أمر تعترض عليه بشدة الحركة النسوية على اعتبار أنه يقلل من قيمة الأنثى ويحصر قيمتها بجسدها وإسكاتها ورفض الاعتراف بأنّ لديها صوتاً وأنها قادرة على التفكير والتعبير عن رأيها بحرية.
يصبح الرجال أقل عدوانيةً بعد رؤية صور تعود لنساء عاريات، كما أن العري في الصور يسبب الإثارة، غير أن ردود الأفعال هذه تختلف وفق الجنس والميل الجنسي.
في عصر التكنولوجيا والشبكات الاجتماعية، يشغل الإدراك الحسي بال الكثير من الناس، لأن قيام المرء مثلاً بالتقاط صورة سيلفي وهو شبه عارٍ يرسل رسالةً مختلفةً تماماً عن صورة التُقطت له وهو في المكتبة.

التعري والنظرة إلى عقول الأشخاص

من الأمور الهامة التي يخبرنا بها العلم أن البشر يضخمون مسألة النظر إلى الجلد العاري، لأننا نتعرف على الصور العارية في غضون 0.2 ثانية، وبعد مرور 0.3 ثانية فقط على رؤية العري في الصور تتحدث الدراسات عن مجموعةٍ من ردود الأفعال العاطفية: يصبح الرجال أقل عدوانيةً بعد رؤية صور تعود لنساء عاريات، كما أن العري في الصور يسبب الإثارة، غير أن ردود الأفعال هذه تختلف وفق الجنس والميل الجنسي. وفي عصر التكنولوجيا والشبكات الاجتماعية، يشغل الإدراك الحسي بال الكثير من الناس، لأن قيام المرء مثلاً بالتقاط صورة سيلفي وهو شبه عارٍ يرسل رسالةً مختلفةً تماماً عن صورة التُقطت له وهو في المكتبة. فبطبيعتنا كبشر نحكم في الغالب على الكتب من غلافها وعلى عقول الناس من مظهرها من دون أن نتكبد عناء الغوص في داخل الشخص لمعرفته عن كثب. فقد كشفت بضع دراسات أن خلع السترة أو الكشف عن "اللحم" بطريقةٍ معيّنةٍ يمكن أن يؤثرا على طريقة تقييمنا ونظرتنا إلى القدرات العقلية للشخص المعني. ففي إحدى التجارب، عُرضت على الطلاب الجامعيين مجموعة متنوعة من الصور تظهر أنثى جذابة تدعى "إيرين"، ترتدي في بعض الصور "البكيني" فيما لا يظهر سوى وجهها في بعض الصور الأخرى، في حين أن مجموعة ثانية من الصور أظهرت وجه شاب وسيم يدعى "ارون" وأيضاً صدره العاري. وبعد النظر إلى هذه الصور وقراءة وصف موجز عن "إيرين" و"ارون"، طلب من المشتركين تقييم القدرات الذهنية لهذين الشخصين، من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة التي أخذت الشكل التالي: مقارنة مع الشخص العادي، كم هي قدرة "إيرين" على... ضبط النفس/ التصرف بعقلانية/ التخطيط/ تجربة المتعة... وقد اتضح أن الكشف عن بعض الأعضاء من الجسم أثّر بقوة على نظرة المشتركين إلى إيرين وأرون، فعندما أظهرت الصور الوجه فقط ظن الطلاب أن لدى إيرين وارون الكثير من الوكالات، في حين أنه عندما رأى الطلاب جزءاً من الجسد المكشوف اعتبروا أن "أيرين" و"ارون" يميلان إلى الاشتهاء والرغبة. صحيح أن الشخص هو نفسه، وتعابير الوجه هي نفسها والوصف المختصر هو ذاته إلا أن الكشف عن الجسم غيّر كل شيء. 

جسم عار... عقل مختلف

على عكس نظرية "كانط" وغيرها من النظريات القديمة، فإن الأبحاث الحديثة تشير إلى أننا لا نتعامل مع الناس كأشياء تفتقر إلى الذكاء أو العواطف الخاصة بها، لأن العديد من علماء النفس البارزين يعتبرون أننا في معظم الأحيان عندما نقوم بتصنيف شخصٍ ما لا نجزم بأنه يفتقر إلى العقل إنما نعتبر أن عقله مختلف. وعليه، فإن رؤية الجسد العاري يعزز تصورات التجربة: "النظر إلى أجساد الأشخاص لا يعني اعتبارهم مجرد أشياء من دون معنى، إنما تجارب أي التفكير مثلاً بأن هذا الشخص هو أكثر قدرةً على الشعور بالألم، السرور، الرغبة، الإحساس، بمعنى آخر فإن التركيز على الجسم لا يقود إلى استبعاد العقل بل إعادة توزيعه. ولكن هذا لا يعني أن هذه النظرية الحديثة لا تشمل بعض الأضرار، فإذا كنت أنثى مثلاً وترغبين في التقديم إلى وظيفةٍ معينةٍ، فإن النزعة الجنسية لدى الرجال للتركيز على جسدك سيضعف بشكلٍ غير عادلٍ من قدراتك العقلية، وستتم معاقبتك على "ثدييك"، فبالرغم من أنه في هذه الحالة لم يُنظر إلى المرأة كأنها "شيء" فقط إنما مسألة "إعادة توزيع العقل" ستقلل من حظوظها للحصول على الوظيفة. واللافت أن هذه النظرية تثير بدورها هواجس فلسفية مهمة، ففي زمن "ديكارت" كان يُنظر إلى الناس على أنهم كائنات تعمل على تقسيم العالم إلى قسمين: غير مادي مملوء بالأرواح وعالم مادي مملوء بالأشياء، أما علماء النفس فباتوا يعتبرون أن البشر هم في الواقع "ثنائيون افلاطونيون" وذلك استناداً إلى نظرية افلاطون التي تقول إن هناك نوعين من العقل: عقل للتفكير والتحليل وعقل للعواطف والمشاعر. وما يثير الدهشة هو مدى سهولة التحول والتنقل بين هذه القدرات العقلية المختلفة عند رؤية أجزاء مكشوفة من أجساد الناس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image