هل خطر في بالك يوماً أن تخرج/ي من بيتك عارياً/ة، كما خلقك الله أو كما يحظر القانون وتدين الأعراف والتقاليد؟ لعلك ستفكرين في كم التحرشات التي ستتعرضين لها، والتي تعانين منها وأنت مرتدية ملابسك أو حتى محجبة، ولعل صوتاً داخلك سيوبخك، أو رفيقتك في السكن ستنهرك، وستتعاملين مع تلك الرغبة كما لو كانت شاذة لا ينبغي لرجل عاقل أو لامرأة "محترمة" التفكير بها من دون الإفصاح عنها. وقبل هذا وهذا، فإن القانون الساري في معظم الدول العربية يحظر، ليس العري فقط، بل أيضاً الزي الضيق والقصير، وأحياناً مجرد كشف الشعر قد يضعك تحت طائلة العقوبات. ولربما أثارت حالة العري وأنت تنظر أو تنظرين إلى نفسك في المرآة ذكريات أليمة، ضربة من والدك، أو لسعة من حزام ضابط في قسم شرطة، أو مشاعر مرتبطة بالفقر والخوف. لا غرابة في ذلك، فكلمة "عارٍ" مدانة، توضع غالباً في سياقات الإذلال والفقر. ويقول الحديث عن علامات الساعة: "وترى الحفاة العراة العالة، رعاة الشاه يتطاولون في البنيان". اجتماعياً، نرى في المجتمعات الريفية تجريد المرأة أو الرجل من الثياب كنوع من الإهانة للشخص ولعائلته، وقد حدث ذلك بالفعل عندما جرد 25 مسلماً امرأة مسيحية مسنة في قرية كرم أبو عمير بسبب "خطيئة ابنها مع مسلمة"، كما يتعرض المواطنون رجالاً ونساء للتعرية في أقسام الشرطة كنوع من الإذلال، وأحياناً يكون مصاحباً للتعذيب. ولكن ما الذي قد نشعر به إذا تعرينا من غير أن نجبر على ذلك، وبدافع من فضول غامض أمام الغرباء، هل سنشعر بالخزي؟ هل يدفعنا هذا العُري العلني إلى تذكر أحداث أليمة تعرضنا لها سابقاً، أم ثمة مشاعر بِكر لم تطأها أقدامنا بعد، نقوم باكتشافها.
"شعرت بالخجل ولكن وجدت نفسي"
تحكي محررة الرحلات راشيل كرانتز تجربتها الأولى في العري العلني، إذ وُجهت إليها دعوة لقضاء أربعة أيام عارية في منتجع هيدونيزم الثاني في نجريل جمايكا. وافقت بحماس، ولكن صديقاتها حين علمن أنها ستتعرى أمام غرباء لأربعة أيام امتدحن شجاعتها، وقالت لها صديقة إنها تشعر بالخجل من إظهار أعضائها الداخلية، كل ذلك حوّل إحساسها بالعري العلني من مجرد نزهة ممتعة إلى "فعل ثوري". تقول كرانتز في مقال نشره موقع باستل "Bustle"، عن نفسها إنها تحب أن تكون بلا ملابس، حتى المقال الذي كتبته عن عطلتها تلك كانت تكتبه وهي عارية على الأريكة، ولكن ما اكتشفته في هذه الرحلة أن في داخلها طبقة أخرى من الخجل حول العري والجسد، وأن شيئاً ما يدفعها إلى أن تختبئ. أول لحظة تعرت فيها كرانتز كانت على متن مركب شراعي، وحدث ذلك في آخر يوم في دورتها الشهرية، كشفت صدرها، وخطوة خطوة، شعرت أنها ورفقاء الرحلة أصبحوا مقربين، خصوصاً الفتيات. كتبت: "العري كما وجدته يشكل صداقة أنثوية سريعة"، وعللت ذلك بأن العري يقتل المنافسة الأنثوية بين المرأة والمرأة، وبتعبيرها "العري يجعلني أشعر بتنافسية أقل مع غيري". أحست كرانتز أنها تريد التبول وجسمها العاري مستلقٍ تحت شمس الشاطئ، لكنها مجرد أن قامت، انتابها الخوف، وتقول: "المشي والوقوف يبدوان مختلفين عن الاستلقاء، مشيت تجاه الحمامات، توقعت أن يصفر أحد، أو ينظر إلي باستغراب، لا شيء من ذلك". وعندما ذهبت إلى الحمام مرة أخرى بعد ساعة، أصبحت أكثر ثقة، وزادت قناعتها بأن السير عارية كامرأة ليس سهلاً: "تذكرني أكثر بتجربتي كامرأة ضعيفة غير محمية في الشارع". وتضيف: "أدركت أنني تأثرت كثيراً بالنظرة الذكورية إلى درجة أنني أرى المشي فعلاً يجعلني أكثر عرضة للأذى"، ولكن تلك النظرة بدأت تتغير عندما احترم الآخرون حدودها وخصوصيتها.على الشاطئ، وجدت نفسها المرأة الوحيدة التي تستخدم الأعشاب لتغطية فرجها: "حرفياً أنا الوحيدة"، ولكنها اكتشفت أن "تكون مختلفاً يعني أيضاً أن تكون أكثر إثارة".
توضح أن الاختلافات التي رأتها في كل الأجساد العارية حولها جعلها تدرك أن هناك اختلافات تجعل الجميع مثيرين جنسياً. إنه "كليشيه" قد نسمعه طوال الوقت، ولكن برأيها عندما نكون عراة بين عراة ندرك بأنفسنا تلك الحقيقة: "أن تكوني مثيرة جنسياً هو أن تقبلي ما يجعلك مختلفة بفخر".
ولكن أليس ارتداء ملابس جميلة وملائمة هو ما يجعل المرأة تشعر بأنها جذابة جنسياً أيضاً؟ بحسب تجربة كرانتز كما روتها، فإن العري العلني جعلها تشعر بجسمها بطريقة مختلفة عن السابق.
تقول إن نهديها صغيران، ولطالما رغبت في عملية تجميل خاصة بهما، ولكنها عندما اختبرت العري علناً أدركت كم أن نهديها جميلان، ورفضت أن تغير من هيئتهما. وتقول، عاقدة مقارنة بين شعورها بصدرها وهي عارية وبينها وهي مكتسية، إنها عندما ترتدي القميص للعشاء، لم تعد مضطرة إلى أن تبرز ثدييها، أو تزيد من حجمهما لتكون "مثالية"، إنها مرتاحة مع جسمها، لأنها كانت تنظر إليه عارياً طوال اليوم.
وتوضح موقفها الأخير من الجسد: "عندما أكون بلا ملابس يشبه الأمر أن أرى جسمي كما هو، آلة جميلة لها وظائف تسمح لي بالسباحة وضخ الدم إلى القلب، وأكل الفواكه اللذيذة، ومغازلة آخرين وسيمين، ولا داعي لأن تتخلى عن جسمك لأي شيء خصوصاً إذا كان يخدمني بشكل جيد وخرافي".
"عرفت معنى الاستمتاع"
لم يقتصر الأمر بالنسبة لكرانتز على تغير نظرتها لجسمها، ولكن تعدى ذلك إلى اختبارها للمرة الأولى معنى المتعة "Hedonism" بشكل أخلاقي. تشير إلى أن في مجتمعاتنا المحافظة، كلمة متعة سيئة السمعة، ولها دلالات سيئة، فإما تعني أنانية أخلاقية أو مجنونة، ولكن التعريف الفعلي لهذه النظرية يشير إلى المتعة، بمعنى إشباع الرغبات "كهدف سامٍ وسليم في حياة الإنسان". بهذه الروح قررت كرانتز أن تسير وراء انغماسها في المتع، واكتشفت أن الانغماس في المتع لا يعني، كما هو شائع، السعي الشره وراء الملذات، الذي يعقبه الأذى، فمن السهل جداً أن تكوني معتدلة في استمتاعك بملذات الحياة عندما لا يكون هناك وجود لفكرة الحرمان من الأساس. واكتشفت كرانتز أيضاً وهي عارية أنها شديدة الصلة بجسمها، عندما تجوع تذهب لتأكل، وعندما تريد أن تتحرك تتحرك، بدلاً من أن تكتفي بمجرد التفكير في الأمر. حتى مع الرجال، باتت تعرف أي الأشخاص تريد التحدث إليهم، وأيهم ترغب في الذهاب إلى أبعد من ذلك معهم، واكتشفت كذلك أن مذهب المتعة "Hedonism" يعني أن تتبع رغباتها من دون أن تطلق أحكاماً، بمعنى آخر تعني "التمكين"، تمكين نفسها من فعل شيء. وفي النهاية، ترى كرانتز أنه على أي امرأة أن تختبر ولو مرة واحدة مثل هذه التجربة، فبحسب ما شعرت به، أن النساء نشأن على أنهن ضعيفات وغير محميات إذا تعرين، أو حتى لبسن زيّاً "استفزازياً"، ولكن ما وجدته في هذه التجربة هو العكس. فالحياة وسط أجواء تؤكد على سلطة الجسد وتحترمه، يُمَكّن المرأة من مشاعر وأشياء كثيرة، في مواجهة محاولات ما تسميه بـ"ثقافة الاغتصاب" لكبت أي احتمال للمرأة أن تدرك ذلك. إنه الخوف من الجسد الأنثوي، وما نحاول أن نفعله عبثاً هو التحكم في ما تسميه "الجنسية الأنثوية": "القوة الجميلة وغير القابلة للتوقف".تاريخ العيب والحرام في جسد النساء
في العصر الحديث، انتشرت حركات كثيرة تدعو إلى العري العلني ولكن في سياق العودة للانسجام مع الطبيعة، أشهرها "أولاد الطبيعة"، التي جلبها إلى أمريكا الألمان المهاجرون في سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية. فقد دعت الحركة إلى العودة لنمط الحياة الطبيعي، ومارس أفرادها حياتهم بشكل نباتي، فتناولوا وجبات غذائية طبيعية، لم تتدخل فيها يد بشرية. وعاشوا في الجبال، وناموا في الكهوف والشجر، وتطور عن هذا الحراك إلى حركة الهيبيين في ستينات القرن المنصرم.
ويعتقد فيليب كار جومن، أن الطريقة التي نتعرف بها إلى العري، سواء كعمل إباحي يستوجب الإثم والعقوبة، أو كإعلان موقف أخلاقي من الحضارة الحديثة، تعكس رؤيتنا لأنفسنا ووضعنا كبشر على الأرض.
ويخلص كار جومن إلى أن تاريخ الإنسان مع جسده مثير للسخرية، وهو أوضح مثالاً على النرجسية التي تميز الإنسان عن الحيوانات، وكيف أننا مهووسون بأنفسنا، نعري جسدنا لإثبات وجودنا تارة، كالحالات التي استعرضناها، أو لتوكيد سلطتنا على الآخرين، وفي حالات أخرى نرتدي أزياء معينة لإثبات خضوعنا للنظام والمجتمع.
وقديماً، في عصر يرجع إلى بدايات دين اليانية القديمة، تُحكى أسطورة، يرى كار جومن أنها توضح نظرة بديلة للعري الإنساني، ومفادها أنه في يوم ما نظر الإمبراطور بهارات ابن مؤسس الديانة إلى المرآة بعد أن استحم، وبدأ يلاحظ جسده العاري منعكساً في المرآة، وبينما يفعل ذلك أصبح إنساناً مستنيراً.
عارية في شوارع واشنطن
تشيلسي كوفينغتون (27 عاماً)، ناشطة أمريكية تكافح لجعل العري العلني طبيعياً، وتجرب ذلك في الولايات التي تجيز قانوناً تعرية الصدر. اختبرت أيضاً التعري، ومشت حاسرة الصدر بين الرجال والعائلات مختبرةً "القوة الجميلة وغير القابلة للتوقف" لجسدها العاري. ولكنها لم تكن تجربة سهلة، فقد عانت وهي صغيرة من تجارب تحرش، إحداها وهي في المدرسة، إذ ضربها أحدهم على مؤخرتها وهي تصعد سلماً، التفتت، لم تتعرف إلى الفاعل، حتى الناس الذين شاهدوا ذلك لم يحركوا ساكناً. تقول كوفينغتون: "أنا وأي امرأة يمكن أن تقابلها تعرضت جسدياً أو شفوياً لاعتداء جنسي في مرحلة ما من حياتها، ربما عدة مرات، يحدث ذلك في المدرسة". ولكن الآن وهي تمشي عارية في شوارع واشنطن تُدهش إذا لم يتحرش بها أحد، ولم يؤذها لفظياً سوى شخص واحد عجوز ألمح بصوت عال أن المكان للعائلات. تقول كوفينغتون إن معظم الناس محايدون، منهم من ينظر فقط، وآخرون لا ينظرون. وتضيف: "أحاول أن لا أتحدى الناس، أريد من الناس، أياً كانت ردود أفعالهم التي سيتخذونها، أن يشعروا أنني لا أحكم عليهم، أريد فعلهم الداخلي، لا أريدهم أن ينظروا إلي نظرة "وماذا بعد؟" لا! هذه ليست أنا، وهذا ليس هدفي، أريد أن يُنظر إليَ ككائن إنساني، لي حقوقي المحمية، لذا لا أنخرط مع الناس ما داموا لا يتحدثون إلي، وهذا حدث عدة مرات". البعض يذهب إليها ويقول: "أنا لا أفهم هل يمكن أن تشرحي لي؟" وتقول: "لقد تلقيت مناقشات وردود أفعال مع الناس لم أتلقها في حياتي كلها وكان ذلك رائعاً ومشجعاً لي". عندما تذهب إلى ولاية، تسأل الشرطة إذا كان القانون يجيز أن تعرّي صدرها أم لا، وكانت ردود أفعال ضباط الشرطة مختلفة بحسب الولاية، وهم كانوا يقابلونها في العاصمة واشنطن ويقولون لها: "جائز قانوناً أن تعري صدرك ولكن ذلك غير معقول". ترى كوفنغتون أن العري له تأثير إنساني، "إن العري يعني أنه أنا من أملك جسدي الخاص، ولجسدي فعلاً سلطة".الرجل العاري
أراد أندرو مارتينيز، الشاب الأمريكي أن يُطلق عليه لقب “العاري المتشدد”، وكان يتسم باللطف والقبول بين عائلته وأصدقائه. فقرر أن يتعرى للمرة الأولى في صيف عام 1990 وعمره 17 عاماً. قبل ذلك قرع أبواب الجيران وسألهم: ما إذا كانوا يتقبلون عريه، ثم نزل إلى الطريق السريع عارياً وعلى ظهره كتب: "لقد ولدت عارياً وهكذا أنت". وسار ميلاً ونصف الميل عارياً، قبل أن توقفه الشرطة وتطلب منه أن يضع شيئاً يغطي به جسده. وعندما دخل إلى جامعة كاليفورنيا في بركلي، عُرف بالرجل العاري، فذهب إلى الحفلات عارياً، وحضر دروسه عارياً، واعتدى عليه بعض الناس وهو عارٍ، لكن جسده لم يتأذ كثيراً، فقد كان طويلاً وذا عضلات، لعب كرة القدم في الثانوية، واشترك في فريق الجودو في الجامعة. كان يرى مارتينيز، بحسب تقرير نشرته "نيويورك تايمز"، أن الملابس كلها شكل من أشكال القمع، وسعى عبر خروجه عارياً إلى أن يدفع الناس إلى التفكير حول “الطبيعة القسرية للاتفاق على عدم التعري”، وقال مرة في محاضرة في جامعة بيركلي: "هدفنا هو أن نبرهن أن الناس يُعرّفون الحياة الطبيعية بشروطهم الخاصة". أشادت بمارتينيز الكاتبة النسوية ناعومي وولف، واعتبرت أنه جعل من نفسه أكثر عرضة للعين مقارنة بالنساء.وسعت المؤسسات التعليمية في الولاية التي يسكن فيها أندرو خريف عام 1992 إلى فرض الزي وعدم التعري في الأماكن العامة، وعندما لم يلتزم مارتينيز طردوه من الجامعة، ويبدو أن العري بالنسبة له ليس مجرد تجرد من ملابس، فقد تأذى نفسياً بعدها، وتغيرت شخصيته، وأصبح مصاباً بالفصام. لاحظ زملاؤه أنه أضحى غاضباً من التعليم لطرده من الجامعة، وغاضباً من الإعلام الذي سرعان ما ترك قضيته لقصص أخرى أكثر تشويقاً، وغاضباً من المجتمع لعدم وجود رجل غني مناصر للعري يمول الدعوى التي أقامها ضد الجامعة. وانتابته حالة نفسية تصور له وجود قوات شريرة تحاول النيل منه، وكتب أشياء راديكالية مثل: "الناس سوف تملك أسلحة عندما تأتي الثورة"، وسرعان ما ظهرت عليه أعراض الانفصام، وتنقلت حياته بين السجن ومستشفى الأمراض العقلية. وترى والدة أندرو أنه كان مريضاً نفسياً طوال الوقت، وحاولت العائلة دائماً أن تخفي المرض عن الناس، ولكن أحد أصدقائه يقول للصحيفة إنه عندما كان "رجلاً عارياً كان عاقلاً بشكل كامل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع