شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الذي رفض المال في حياته هل يقبله في موته؟"… كم ثمن "دية" خاشقجي؟ كم ثمن دمه؟ 

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 8 نوفمبر 201811:39 ص
بين تأكيد خروجه من الباب الخلفي للقنصلية والاعتراف بوفاته داخلها بـ"الخطأ"، راوحت السلطات السعودية مكان تصريحاتها بشأن اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في محاولة "لتبرئتها"، لكن ما كشفه مصدر تركي لـ"الجزيرة"، بأن السلطات السعودية أبلغت الجانب التركي أنها ستدفع الدية الشرعية لعائلة خاشقجي بمن فيها خطيبته خديجة جنكيز، يثير التساؤلات عن نوايا عرض المال لأسرة الضحية، هل هي محاولة لشراء دم خاشقجي وطمس القضية؟ الجانب السعودي لم يعلق رسمياً على تصريحات المصدر التركي، تصريحات تأتي عقب اطلاع الولايات المتحدة عبر مديرة استخباراتها جينا هاسبل على "الصورة الكاملة" لجريمة الاغتيال، وتلويح الرئيس ترامب بأن رده سيكون "قاسياً" الأسبوع المقبل، ما يؤكد أنه يعرف الجاني. وبانتظار الكشف عن المزيد مما بحوزة تركيا في قضية اغتيال خاشقجي، التي تلمح في كل مرة وعلى لسان رئيسها رجب طيب أردوغان أن الجريمة تمت بأوامر من أعلى هرم في السلطة لكنه ليس الملك، ظهرت قصة الدية مثيرة جدلاً من نوع آخر يختلط فيه الفقهي بالأخلاقي والسياسي. تعتبر السعودية من أكثر الدول تطبيقاً لعقوبة الإعدام، لكن التشريع السعودي المستند في جله إلى تطبيق الشريعة الإسلامية يسمح بإلغاء الإعدام، إذا ما قررت عائلة المجني عليه العفو عن القاتل مقابل دفع مبلغ مالي كبير، هذا التعويض المادي يسمى في الشريعة الإسلامية "الدية". وعادة ما تقوم أسرة القاتل بتحركات للعفو عن ابنها ومنع تنفيذ حكم الإعدام فيه، فتبحث عن وسيط من الوجهاء وأحياناً يكون الوسيط رجل دين لأن سلطته الدينية نافذة ومؤثرة في مجتمع يحضر فيه الدين بقوة. لكن شرعاً ما هي الدية؟ وكم قيمتها؟ ومن يحددها؟

ما هي الديّة؟

الدية عند فقهاء الإسلام هي المال المؤدى إلى المجني عليه أو وليّه بسبب الجناية على النفس أو ما دونها (القتل أو أقل من القتل). فقهاء المذهب المالكي يعرفون الدية بأنها: مال يجب بقتل آدمي حر عن دمه أو بجرحه مقدراً شرعاً لا باجتهاد. وينقل الفقهاء عن الرسول محمد عليه السلام، قوله إن :"دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشرة من الإبل لكل إصبع”. لم تصبح الدية إجبارية، عند المسلمين، بل بقيت اختيارية لعدم وجود سلطة عليا فوق سلطة العشائر تستطيع إجبار المتخاصمين على قبول التصالح أو الخضوع إلى حكم المحكمين، حسب ما يقوله نايف الجريدان أستاذ الأنظمة في جامعة نجران، في السعودية، موضحاً أن "الدية تختلف من عشيرة إلى عشيرة أخرى ومن طبقة أخرى داخل العشيرة، وكان ينظر إلى الرجل المقتول ومكانته في تقدير الدية” كان مقدار الدية لدى قبيلة قريش 10 إبل ، ثم ارتفع هذا العدد إلى 100. لا تزال الدية معمولاً بها في السعودية في العصر الحديث وارتفعت قيمتها، العام الماضي، إلى 400 ألف ريال للقتل العمد، و300 ألف للقتل على وجه الخطأ. في ديسمبر 2017، ذكرت صحيفة الحياة المملوكة للسعودية أن المجلس الأعلى للقضاء توصل أخيراً إلى إنهاء جدل تحديث الديات المتعلقة بقضايا القتل العمد والخطأ، "بعد أن تلقى أمراً ملكياً بالموافقة على تعديل مبلغ الدية، من 100 ألف إلى 300 ألف ريال للقتل الخطأ، و400 ألف ريال للقتل العمد" ولا تزال قيمة الدية تقدر بقيمة الإبل إلى يومنا هذا، إذ قال القاضي بالمحكمة العامة في محافظة جدة حمد الرزين للصحيفة آنذاك إن قيمة الدية تحدد "بعد درس قيمة الإبل التقديرية في الوقت الحالي والتي يتركز عليها تقدير مبلغ الديات وتقاس عليها في مثل هذه القضايا، بعد ملاحظة تغير أسعارها مقارنة بالأعوام الماضية".

"هل يقبلها الآن؟"

تصريح المصدر التركي بشأن عرض السلطات السعودية دفع الديّة الشرعية لعائلة خاشقجي، جعل البعض يتساءل: هل سيقبلها في موته (خاشقجي) بعد أن رفضها بحياته؟، و غرّدت الإعلامية والكاتبة إيمان الحمّود السعودية "لم يقبلها ثمناً في حياته (خاشقجي) فهل سيقبلها تعويضاً عن مماته؟" مُضيفة "آخر كلماته أن الحرية لا ثمن لها، فكيف سيصبح لها دية؟". وكذلك تساءل الصحافي المصري أسعد طه "الذي رفض المال في حياته هل يقبله في موته؟"، ما يدفعنا لتخيّل المرّات التي عرضت السلطات السعودية المال على خاشقجي لشراء "صمته" بدلاً من ارتكاب تلك الجريمة التي تواجه المملكة على  إثرها أسوأ أزمة منذ هجمات 11 سبتمبر. فقد اشترى خاشقجي الحرية قبل رحيله، وعاش بعيداً عن وطنه من أجل ألا يعرف قلمه التقييد، قائلاً في سبتمبر 2017 "لقد تركت بيتي وأسرتي وعملي، وأنا أرفع صوتي. فعلُ غير ذلك خيانة ٌلمن يقبعون في السجن. يمكنني الكلام بينما الكثيرون لا يقدرون". فهل ترضى الأسرة تعويضاً لرحيل خاشقجي الذي قُتل مع سبق الإصرار والترصد، فيما تُدفع الدية غالباً في "القتل الخطأ"، وفي حال "عفا ولي المقتول عن القاتل المتعمد" لقوله تعالى في الآية 178 من سورة البقرة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ"؟
ما كشفه مصدر تركي بأن السلطات السعودية أبلغت الجانب التركي أنها ستدفع الدية الشرعية لعائلة خاشقجي بمن فيها خطيبته خديجة جنكيز، يثير التساؤلات عن نوايا عرض المال لأسرة الضحية، هل هي محاولة لشراء دم خاشقجي وطمس القضية؟
تصريح المصدر التركي بشأن عرض السلطات السعودية دفع الديّة الشرعية لعائلة خاشقجي، جعل البعض يتساءل: هل سيقبلها في موته (خاشقجي) بعد أن رفضها بحياته؟

الدية بين المغالاة والوسيط الوجيه

في يوليو الماضي، حظرت وزارة الإعلام السعودية إجراء تغطيات صحفية أو نشر إعلانات لجمع تبرعات الدية أو أسماء المتبرعين أو أرقام الحسابات من شأنها "التسبب في مغالاة الصلح للمطالبة بأكثر من الدية في قضايا القتل" حسب بيان الوزارة، ورغم المنع تنتشر في تويتر إعلانات جمع التبرعات لدفع الدية. أول شروط الدية ليس توفير المال الكثير فقط بل أيضاً البحث عن وسيط وجيه نافذ الكلمة، هنا تصبح مهمة البحث عن وسيط "ناجع في الإقناع" مهمة دقيقة، فهو وحده قادر على إقناع عائلة المجني عليه بقبول مبدأ العفو، وإن قبلت أسرة الضحية مبدأ العفو، حينها تبدأ المفاوضات بشأن مبلغ الدية، وأحياناً يتحول الأمر إلى مزايدة، حين يقنع الوسيط أسرة المجني عليه بأن يشترطوا مبلغاً ضخماً بل خيالياً مستحيل توفيره. غير أن قصة خاشقجي مختلفة تماماً، فالفاعلون فيها نافذون جداً، مما يجعل مهمة الوسيط أسهل، فالمجني عليه، وإن كان من أسرة معروفة من المدينة المنورة، إلا أنه ليس حاكماً ولا يمكن مقارنته بالفاعل (الجاني) ثم الضعط الرسمي على الأسرة لن يمكنها من خيار آخر سوى القبول، أما المبلغ الخيالي فأيا كانت أصفاره مقدور عليه. دم خاشقجي الذي لم يجف وجثته أصلاً مفقودة، ما ثمنه؟
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard