في 26 أكتوبر 2018، استيقظ الإسرائيليون والعرب على مقاطع فيديو وصور تظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بصحبة زوجته سارة، في زيارة إلى عُمان حيث وقف في استقبالها رأس السلطنة، السلطان قابوس بن سعيد، في بيت البركة.
مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على الزيارة بقوله إنها "خطوة نوعية في تنفيذ السياسات التي بلورها رئيس الوزراء لترسيخ العلاقات مع دول المنطقة، من خلال استعراض الأفضلية الإسرائيلية في مجالات الأمن، التكنولوجيا والاقتصاد".
وقال عضو المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت)، الوزير نفتالي بينيت، إن "الزيارة تشكّل إنجازاً سياسياً مهماً، وهي جزء من استراتيجية إسرائيل الإقليمية"، مضيفاً أنه "من الممكن بناء العلاقات دون تقديم تنازلات، ولكن من خلال الاحترام والمصالح المتبادلة".
لم يمرّ وقت طويل على زيارة نتنياهو حتى شاع أن وزير النقل والاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس سيزور السلطنة أيضاً للمشاركة في مؤتمر دولي تستضيفه مسقط في السادس من نوفمبر، وسيعرض فيه مشروع "سكك حديد السلام" لربط إسرائيل بدول الخليج.
لكن زيارة نتنياهو، على ما يبدو، لم تكن اللقاء الأول بينه وبين مسؤولين عُمانيين بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، فقد كشفت القناة العاشرة الإسرائيلية عن لقاء جمع نتنياهو بوزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي، ونقلت عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن ذاك اللقاء عُقد على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن.
وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن الاتصالات بين إسرائيل وعُمان بدأت في أبريل 2017، تحت إشراف الموساد، لكن اللقاء الذي عُقد في فبراير بين بن علوي ونتنياهو، كان نقطة تحوّل في اللقاءات لترتقي من درجة مسؤولين كبار إلى مسؤولين سياسيين، ونقطة البداية التي دفعت نحو إلى المضي قدماً باتجاه لقاء نتنياهو بالسلطان قابوس.
وذكرت القناة أن أياً من الطرفين لم يطلع الجانب الأمريكي على هذه الاتصالات التي جرت خلال العام ونصف العام الماضيين أو على طبيعتها، مشيرة إلى أن وزير الخارجية العماني التقى مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، في سبتمبر الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم يقل له كلمة واحدة عن هذه الاتصالات.
يطرح هذه التنسيق الثنائي الذي استمر نحو 18 شهراً قبل خروجه إلى العلن، أسئلة مهمة: ماذا تريد إسرائيل من عُمان؟ ولماذا وقع الاختيار على السلطنة في ضوء ما تشهده المنطقة من تحوّلات؟
ضم الوفد الإسرائيلي أيضاً رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، يوسي كوهين، ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات، ومدير عام وزارة الخارجية يوفال روتم، والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء آفي بلوت.
وعلّق سويسرا الخليج
في تقرير تلفزيوني لمراسليْ هيئة البث الإسرائيلية، روعي كياس وموآب فردي، من داخل عُمان، بعد زيارة نتنياهو مباشرة، وصفا السلطنة بأنها "سويسرا الخليج" وقالا: "عُمان دولة متدينة لكنها أكثر تسامحاً من جيرانها، تضم السنة والشيعة، وتحاول المصالحة بين الخصوم"، ولفتا إلى موقعها الاستراتيجي جنوب شبه الجزيرة العربية، واشتراكها في حدود بحرية مع إيران وبرية مع السعودية والإمارات واليمن. وقالا: "سلطنة عمان، على الأقل من خلال انطباعاتنا الشخصية، تحاول أن تكون مختلفة عن المشهد الخليجي في ما يتعلق بسياساتها المحايدة، على طريقة سويسرا الخليج التي لا تنحاز إلى أي طرف في الأزمات وتحاول المصالحة بين الجميع، وقد اتضح هذا الأمر في الأزمة بين السعودية وحلفائها وبين الحوثيين المدعومين إيرانياً في اليمن، وكذلك في الأزمة القطرية مع الرباعي العربي". وتنوّعت التحليلات والآراء حول دلالات التوقيت الخاص لزيارة نتنياهو العلنية وحول ما تريده إسرائيل بالفعل من عُمان، وتمحورت حول قضايا إقليمية تشكل عصب السياسة الإقليمية والدولية في المنطقة.الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين
قال مسؤول الشؤون العربية في قناة "كان" الإسرائيلية، روعي كياس، في تعليقه على زيارة نتنياهو للسلطنة إن "عُمان تتحدث مع الجميع، مع الأمريكيين ومع الإيرانيين أيضاً، وهي تحاول أن تكون محايدة في الأزمات وهذا يسمح لها بتأطير زيارة نتنياهو كمحاولة للوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين". ويضيف محلل الشؤون العربية يوني بن مناحيم، في تقرير نشره مركز القدس للدراسات الاجتماعية والسياسية، أن "زيارة نتنياهو الرسمية العلنية إلى سلطنة عُمان، تشكل إنجازاً سياساً مهماً، خاصة على ضوء حقيقة استضافته علناً بالرغم من جمود المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية منذ زمن طويل، مع الأخذ في الاعتبار أن قطاع غزة يشهد حرب استنزاف يومية بين التنظيمات الفلسطينية وبين إسرائيل"، مشيراً إلى أن الزيارة تركزت حول وساطة السلطان قابوس في تحريك عملية السلام بين الجانبين.التأثير على دول الخليج؟
على صعيد آخر، أعرب مسؤول إسرائيلي، بحسب قناة "كان"، عن اعتقادة بأن زيارة نتنياهو إلى عُمان "تهدف إلى التأثير على بقية دول الخليج التي لها علاقات سرية مع إسرائيل"، وأشارت القناة إلى تصريحات لنتنياهو لمّح فيها إلى احتمال أن يقوم بزيارة إلى دولة خليجية ثانية.إتمام صفقة القرن؟
تحت عنوان "بالون الاختبار العُماني"، تساءلت الكاتبة الإسرائيلية، بازيت ربينا في مقال نشره موقع "مكور ريشون": "هل الدول العربية مستعدة للخروج من الصندوق وإقامة علاقات علنية مع إسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية؟"، وأضافت: "مبادرة سكة حديد السلام التي يعرضها الوزير يسرائيل كاتس خلال زيارته لعُمان تحاول اختبار مدى انفتاح الدول الخليجية على بحث هذا الاحتمال". وأضافت ربينا: "من الواضح تماماً أن هذا التطور يرتبط ارتباطاً وثيقاً بـ’صفقة القرن’ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي ليس في عجلة من أمره للكشف عن تفاصيلها، فإن المبدأ الذي يستند إليه هو أن أي اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين سيكون جزءاً من شبكة اتفاقات ستحقق مكاسب سلمية لدول المنطقة، وعليه، لم يتبقَّ سوى القول إن شيمون بيريز، على ما يبدو، يبتسم ابتسامة المنتصر"، في تذكير بأن بيريز هو مَن فتح العلاقات مع عُمان في منتصف تسعينيات القرن الماضي. وأكدت الكاتبة أن مشروع سكة حديد السلام "تمت صياغته ليتوافق مع خطة التطوير السعودية التي أعلن عنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان العام الماضي والتي تتضمن إقامة مشروع نيوم" مشيرة إلى اعتقادها بأن "إسرائيل أبلغت الرياض مسبقاً بزيارة نتنياهو إلى سلطنة عُمان".احتلال الدور السعودي؟
ويقول المحلل الإسرائيلي، يوني بن مناحيم، في مقال له بموقع "ميدا" إن "المحللين في العالم العربي لا يستبعدون أن يقوم السلطان قابوس بدور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ويتحول إلى القوة الدافعة التي تساعد الرئيس الأمريكي على تنفيذ صفقة القرن لحل الصراع الإسرائيلي العربي"، خاصة بعد تأثر الوضع الدولي للسعودية على خلفية قتل الصحافي جمال خاشقجي، فقابوس يرتبط بعلاقات جيدة مع أمريكا والدول العربية.قناة اتصال سرية مع إيران؟
من ناحية أخرى، يعتبر يوني بن مناحيم أنه "لا يمكن استبعاد احتمال أن تستطيع إسرائيل، وقت الحاجة، استعمال قناة الاتصال التي افتتحت بواسطة زيارة نتنياهو إلى عُمان، في الاتصالات السرية مع إيران والنظام السوري في كل ما يتعلق بالوجود الإيراني في سوريا".يطرح التنسيق الثنائي بين إسرائيل وسلطنة عُمان، والذي استمر نحو 18 شهراً قبل خروجه إلى العلن، أسئلة مهمة: ماذا تريد إسرائيل من عُمان؟ ولماذا وقع الاختيار على السلطنة؟
في تقرير لها من داخل عُمان، وصفت هيئة البث الإسرائيلية السلطنة بأنها "سويسرا الخليج" وجاء أن "عُمان دولة متدينة لكنها أكثر تسامحاً من جيرانها، تضم السنة والشيعة، وتحاول المصالحة بين الخصوم"... فماذا تريد الدولة العبرية منها؟ويتابع: "العاصمة العُمانية مسقط معروفة منذ سنين كملتقى سري لأطراف الشرق الأوسط المختلفة التي ترغب في الحوار بعيداً عن وسائل الإعلام وأجهزة الاستخبارات المختلفة". ودلل بن مناحيم على رأيه بتصريحات عضو لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني، جواد كريمي قدوسي، التي قال فيها إن مسقط تستضيف مفاوضات بين خبراء من وزارة الخارجية الإيرانية ونظرائهم من الإدارة الأمريكية.
استغلال سياسي داخلي؟
ولكن البعض قرأ رسائل التقارب بين الطرفين على ضوء السياسة الداخلية في إسرائيل. فقد ألمحت بازيت ربينا في مقال بعنوان "المعادلة العمانية وثمنها: الصراع على الكروت وصفقة القرن" إلى أن التسريبات التي أعقبت زيارة نتنياهو إلى سلطنة عُمان والخاصة بلقاء نتنياهو مع وزير الخارجية العماني في ميونيخ، هدفت إلى تمجيد رئيس الموساد، دون المساس بسمعة نتنياهو، باعتبار أن رئيس الموساد هو مهندس اللقاء بين الجانبين. وتابعت أن وزير النقل والاستخبارات يسرائيل كاتس لم يترك المناسبة تمرّ دون أن يستغلها، إذ سرّب وثيقة الدعوة التي تلقاها من السلطات العمانية والتي يعود تاريخا إلى نحو ثلاثة أشهر، ليبدو أنه مطلع على تفاصيل زيارة نتنياهو والترتيبات التي سبقتها.مآرب آخرى
ويرى الكاتب إيلي فودة، في مقال له بصحيفة "هآرتس" أن الزيارة تأتي في إطار البحث الإسرائيلي عن حليف لها في الشرق الأوسط العربي، فسلطنة عمان لها أهمية جغرافية واستراتيجية، فهي تسيطر على مدخل الخليج العربي، وكذلك على مداخل مضيق هرمز من الناحية العربية. بدوره، يشير الكاتب يوسي أحيمائير في مقال بصحيفة "معاريف" إلى أن "نتنياهو أراد أن يقول لإيران إذا كنتم قريبين منّا في سوريا فنحن أيضاً قريبون منكم في عمان".تاريخ من العلاقات
وأقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية واستخباراتية مع سلطنة عمان، بعد التوقيع على اتفاق أوسلو. وعام 1994 زار رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحق رابين السلطنة، وعام 1995 زار وزير الخارجية العماني إسرائيل، ثم زار رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز مسقط عام 1996. وبرغم تجميد العلاقات بين الطرفين عام 2000، على خلفية الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التقت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني عام 2008 بنظيرها العماني، ثم انقطعت اللقاءات العلنية بين الجانبين، إلى أن وصل وفد عماني إلى إسرائيل عام 2016 للمشاركة في تشييع جنازة شيمون بيريز.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع