شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الكنائس... بيوت الله التي يتمنى بعض السلفيين المصريين أن تُهدَم

الكنائس... بيوت الله التي يتمنى بعض السلفيين المصريين أن تُهدَم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 27 أكتوبر 201805:45 م

مؤخراً، أطلق الداعية السلفي المصري عماد رفعت تصريحاً أبدى فيه اعتراضه على كلمة لمفتي مصر اعتبر فيها أن الكنائس إعمار في الأرض وأنها بيوت لله يُذكر فيها اسمه. هذا الاعتراض أتى في بيان بعنوان "ما لكم كيف تحكمون"، بدأه رفعت بعرض كلام المفتي الدكتور شوقي علام، واضعاً رده في إطار ما سمّاه بالسعي إلى عدم "إضاعة العقيدة" و"تمييع الشريعة". وقال رفعت: "اعلم أيها المسلم في مصر وفي كل بقاع الأرض أن ما قاله مفتي الجمهورية يُعَدّ كذباً صريحاً على الله تبارك وتعالى وتمييعاً للشريعة ومساواة بين الشرك والتوحيد"، مستشهداً بآية {أفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ/ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}. وأضاف: "الكنائس ليست بيوتاً يُعبد فيها الله ولكن يُعبد فيها يسوع وهذا أمر يخصهم وحسابهم عند ربهم، أما أن نُساوي بين الشرك والتوحيد وبين المسجد والكنيسة فهذا ما لا نرضاه ولا نسكت عنه أبداً، فشتان بين بيت يُعبد فيه الله وبين مكان يشرك فيه بالله".

وكان علام قد أشار في ندوة، في 23 أكتوبر، إلى أن بناء الكنائس من إعمار الأرض باعتبارها بيوتاً من بيوت الله، عارضاً قول الفقيه المصري الكبير الليث بن سعد (713 – 791) "إن بناء الكنائس في مصر بعد الإسلام هو من عمارة الأرض، وهي مكان يذكر فيها اسم الله كثيراً". وتثير مسألة بناء الكنائس جدلاً في مصر منذ وقت طويل، لأن الدولة تعقّد مسألة بنائها، فيما يحرّض بعض الإسلاميين بين فترة وأخرى على مهاجمة مبانٍ يحوّلها بعض الأقباط في الأرياف إلى كنائس لضرورات إقامة عباداتهم، فتندلع اشتباكات طائفية. وفي نهاية عام 2016، أقر البرلمان المصري قانوناً لبناء الكنائس، ربَط تحديد مساحة الكنيسة بما "يتناسب مع عدد وحاجة مواطني الطائفة المسيحية في المنطقة التي تقام بها، مع مراعاة معدلات النمو السكاني"، كما منح المحافظ صلاحية البت في منح الترخيص على أن يكون رفضه معللاً. هذه القيود أثارت غضب شريحة واسعة من الأقباط رأت فيها تمييزاً بين المسلمين والمسيحيين، لأن بناء المساجد لا يخضع لهكذا شروط، فيما ذهب البعض إلى وصفه بـ"تقنين الظلم والاضطهاد". ولكن الباحث المسيحي جمال جورج يعتبر أن "التعامل مع ملف بناء الكنائس في مصر في الفترة الحالية هو الأفضل على مر التاريخ من جانب الدولة"، مشيراً، في حديث لرصيف22، إلى إقرار قانون 2016 الذي "ينظم بناء الكنائس ويجعل من حق المسيحيين بناء دور عبادتهم بالتنسيق مع الدولة"، بالإضافة إلى "قيام الدولة بترميم عدد كبير من الكنائس المصرية التي تعرّضت لاعتداءات بعد ثورة 30 يونيو 2013"، ذاكراً حدوث حوالي 160 اعتداء على كنائس أدت إلى تدمير نحو 40 كنيسة جرى ترميمها.

السلفيون والكنائس

يؤيد الداعية السلفي حسين مطاوع مضمون بيان رفعت. وقال لرصيف22: "أجمع العلماء على تحريم بناء الكنائس في البلاد الإسلامية، وعلى وجوب هدمها إذا أُحدِثَت، كما أجمعوا على أن حرمتها في جزيرة العرب أشد لأنها مهد الإسلام ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‘أخرجوا المشركين من جزيرة العرب’". وأضاف: "وردت أحاديث وآثار كثيرة في منع بناء الكنائس، ووجوب هدمها"، مستحضراً ما رواه عمر بن الخطاب عن أن النبي قال "لا تُحدثُوا كنيسة في الإسلام ولا تُجَدِّدُوا ما ذَهَب منها"، وما رواه عنه ابن عباس من أنه "لا تكونُ قِبْلَتَانِ في بلدٍ واحِدٍ"، بجانب ما رواه أحمد بن حنبل عن أن رسول قال "لا خِصَاء في الإسلام ولا كنيسة". وتابع: "هذا حكم بناء الكنائس في الإسلام"، واستدرك: "لكن هذا ليس معناه الإساءة في معاملتهم كمستأمنين في بلاد المسلمين فعدم جواز بناء الكنائس أمر ومعاملتهم بالحسنى أمر آخر".

وشهد التراث الإسلامي العديد من الفتاوي التي تحرّم استحداث أية كنيسة في بلد مسلم بل وتكفّر مَن يقول إن الكنائس بيوت الله. فقد اعتبر تقي الدين بن تيمية أن "مَن اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأن الله يُعبد فيها، أو أن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة لرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة، فهو كافر". وبيّن أحمد بن تركي المالكي في كتابه "خلاصة الجواهر الزكية في فقه المالكية" (992 هـ) أن موقف المالكية بشأن بناء الكنائس هو: "إنْ كان المسيحيون في بلدة بناها المسلمون فلا يُمَكّنون من بناء كنيسة وكذلك لو ملكنا رقبة بلدة من بلادهم قهراً ليس للإمام أن يقر فيها كنيسة بل يجب نقض كنائسهم فيها".

وكرر محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي (ت: 897 هـ)، في كتابه "التاج والإكليل لمختصر خليل" نفس الكلام السابق وقال: "يُمنع أهل الذمة من إحداث الكنائس فى بلدة بناها المسلمون". وفي كتاب "المختصر اللطيف في الفقه الشافعي"، أكّد عبد الله بن عبد الرحمن بافضل الحضرمي رفض الفقه الشافعي بناء الكنائس ناقلاً عن الإمام الشافعي قوله: "ولا يحدثوا فى أمصار المسلمين كنيسة ولا مجتمعاً لصلواتهم". وفي المذهب الحنبلي، جاء في كتاب "الشرح الكبير" الذي ألّفه الحافظ عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي (597 - 682 هـ) أن "النصارى يمنعون من إحداث الكنائس والبيع ولا يمنعون رم شعثها". ومن أشهر الفتاوي ذات الصلة قول ابن قيّم الجوزية في كتابه "أحكام أهل الذّمة": "حُكم هذه الكنائس هو الهدم، سواء أكانت تلك الكنائس في مُدُن بناها المسلمون، أم في مُدُن موجودة قبل المسلمين". أما عن الفتاوي الحديثة، فقد قال الشيخ عبد العزيز بن باز في تقديمه لرسالة "حكم بناء الكنائس والمعابد الشركية في بلاد المسلمين" للشيخ إسماعيل الأنصاري: "أجمع العلماء على تحريم بناء الكنائس في البلاد الإسلامية، وعلى وجوب هدمها إذا أُحدثت، وعلى أن بناءها في الجزيرة العربية، كنجد والحجاز، وبلدان الخليج واليمن، أشد إثماً، وأعظم حرماً، لأن الرسول أمر بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب".

الكنائس في الإسلام

برغم الفتاوي السلفية العديدة التي تحرّم بناء الكنائس وتؤكد رفض الصحابة بناء أية كنيسة، أكد المؤرخ المتخصص في الشأن القبطي الدكتور عبد الرحيم ريحان لرصيف22 بناء حوالي 2927 كنيسة ودير في مصر بعد دخول الإسلام إليها. وأشار ريحان إلى أن أولى تلك الكنائس كانت كنيسة الفسطاط التي بُنيت في عهد مسلمة بن مخلد (47-68 هـ)، منوهاً إلى أنه حتى القرن الـ12 ميلادي، وصل عدد الكنائس التي بُنيت في مصر إلى نحو 2084 كنيسة بالإضافة إلى 834 ديراً.
شهد التراث الإسلامي العديد من الفتاوي التي تحرّم استحداث أية كنيسة في بلد مسلم بل وتكفّر مَن يقول إن الكنائس بيوت الله، ولكن التاريخ الإسلامي يشهد بأن عملية بناء الكنائس والأديرة استمرت بعد انتشار الإسلام، ومنها 2927 في مصر فقط
بعد اعتبار مفتي مصر أن بناء الكنائس من إعمار الأرض وأنها من بيوت الله، وهي مكان يذكر فيها اسم الله كثيراً، سلفيون يعترضون ويطالبون بمنع بناء الكنائس
وأوضح ريحان أن هذه المعلومات استخلصها من 200 وثيقة تاريخية موجودة في دير سانت كاترين. ولكن الباحث المسيحي في الشأن الإسلامي المعروف باسم "الأخ رشيد" عرض وجهة نظر أخرى. فقد أكد، في دراسة له بعنوان "هدم الكنائس منهج في العقيدة الإسلاميّة"، رفض المسلمين بناء كنائس جديدة في البلاد التي فتحوها بل وأشار إلى قيام بعضهم بهدم العديد منها، مثلما فعل الخليفة العباسي هارون الرّشيد الذي أمر بهدم ما كان في بغداد من كنائس. ونقل "الأخ رشيد" عن كتاب المؤرخ المسيحي ساويرس بن المقفع "سِير الآباء البطاركة" أن القائد المسلم عمرو بن العاص أحرق بعض كنائس الإسكندرية أثناء دخولها، ومنها كنيسة مار مرقس، كما نقل عن "موسوعة تاريخ أقباط مصر" أن الحاكم الفاطمي لمصر الحاكم بأمر الله دمّر كنيسة القيامة سنة 1099، في حين أمر الخليفة الأموي عُمر بن عبد العزيز نائبه في اليمن بهدم الكنائس القائمة في صنعاء ومدن أخرى. ولفت إلى أن كتاب "تاريخ الكنيسة القبطية" أشار إلى أن هناك العديد من الكنائس التي هُدمت تماماً بعد الفتح الإسلامي لمصر مثل كنيسة الزهري، وكنيسة مارمينا، وكنيستين كانتا بجوار السبع سقايات تُعرف إحداهما بكنيسة البنات.

"إعمار في الأرض"

عام 2017، رصدت دراسة لمرصد الفتاوى التكفيرية التابعة لدار الإفتاء المصرية انتشار ما يقرب من ثلاثة آلاف فتوى، قديمة وحديثة، على مواقع تابعة لداعش أو القاعدة أو سلفيين، تحرّض على هدم الكنائس وترفض التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين.

دير في الصحراء، عام 1918

مدير مرصد الفتاوي التكفيرية حسن محمد، وهو أحد القائمين على تلك الدراسة، أكد لرصيف22 أن المواقع الداعشية كانت تنشر فتاوي تحرّض على تفجير الكنائس وقتل المسيحيين باعتبارهم "نصارى محاربين"، وذلك لأن المسيحيين يحاربون هذا التنظيم من خلال التحالف الدولي بقيادة أمريكا. وأضاف أن المواقع السلفية كانت فقط تحرّم العديد من التعاملات مع المسيحيين كتحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، هذا بجانب تحريم تولي القبطي الحكم وأية مسؤولية سياسية، دون أن تعرض فتاوي تدعو إلى قتل المسيحيين أو تدمير كنائسهم. يلتقي بعض السلفيين في مواقفهم بشأن الكنائس مع موقف دار الإفتاء، ومنهم الداعية السلفي الشيخ أسامة القوصي الذي قال لرصيف22 إن "بناء الكنائس إعمار في الأرض، وهدمها إفساد في الأرض، ففي نص كتاب الله العزيز أنه {لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً}، فتوفير دور العبادة المناسبة لأعداد المواطنين غير المسلمين تمام العدل والقسط والبر والإحسان وكلها صفات يحبّها الرحمن". وأضاف: "أما هؤلاء المتسلفون فلا عبرة بخلافهم من الأصل فليسوا أهل الاختصاص بمثل هذه الأمور".

"ليست شأناً دينياً"

وعن هذه السجالات ومدى تأثيرها على وحدة المجتمع المصري، يقول مسؤول الملف الديني في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إسحاق إبراهيم لرصيف22: "أرفض أن تكون فكرة بناء الكنائس محل نقاش ديني من الأساس لأن الأمر كله أصبح في يد الدولة المصرية وخاصة بعد وجود قانون ينظم بناء الكنائس في مصر". ويرى إبراهيم أن السلفيين لم يتغيّروا في رؤيتهم للمسيحيين وحقوقهم، مؤكداً أنهم طوال عمرهم يحرّمون بناء الكنائس ويرفضون حتى مجرد تهنئة الأقباط بأعيادهم. وأشاد الباحث بالخطاب الذي قدّمه مفتي الجمهورية بشأن بناء الكنائس مطالباً بتعميم هذا الخطاب وخاصة أن أغلب المتدينين لديهم نفس قناعة المتشددين بشأن بناء الكنائس وما هو يجب أن يتغيّر من خلال تعميم خطاب التسامح حتى لا يكون الفكر المتشدد في هذا الملف هو المسيطر، ما قد يتسبب في فتن طائفية في المستقبل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image