"هل مصر بلد فقير حقاً؟"... أبرز ما جاء في الكتاب الذي أودى بصاحبه إلى السجن
الأربعاء 24 أكتوبر 201805:33 م
في 21 أكتوبر الحالي، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد الخالق فاروق. وفور شيوع خبر اقتياده إلى قسم شرطة شرق القاهرة ربط المتابعون بين الواقعة وبين كتاب جديد لفاروق بعنوان "هل مصر بلد فقير حقاً؟".
وكان جهاز الأمن الوطني قد صادر نسخ الكتاب قبل أيام من اعتقال مؤلفة، كما اعتقل إبراهيم الخطيب، صاحب دار النشر التي أصدرته، قبل أن تقرر نيابة جنوب القاهرة، في 23 أكتوبر، حبس كل من الكاتب والناشر أربعة أيام على ذمة التحقيق، معتبرةً أن الكتاب يعرض معلومات مغلوطة.
وأتى كتاب فاروق (61 عاماً) الواقع في 190 صفحة، رداً على تصريح للرئيس المصري، في مطلع يناير 2017، قال فيه: "أيوه إحنا بلد فقير، وفقير أوي كمان".
تصريحات الرئيس التي وصفها الكاتب بأنها "غريبة" و"مثيرة للدهشة"، ومنها أيضاً قوله "أنا كمان غلبان... حاجيبلكم منين؟"، تكشف، برأيه، "أننا إزاء رئيسٍ لا يمتلك أفقاً ولا رؤية لإخراج البلاد من مأزقها الاقتصادي والسياسي، الذى تسبّب به أسلافُه من جنرالات الجيش والمؤسسة العسكرية الذين حكموا مصر منذ عام 1952 حتى يومنا"، كما تكشف "عن جهل فاضح بالقدرات الكامنة والحقيقية في الاقتصاد والمجتمع المصري، وغياب رؤية قادرة على الاستفادة من تلك القدرات والإمكانيات"، حسبما كتب في مقدمة كتابه.
ورغم مصادرة نسخ الكتاب المطبوعة، إلا أن المؤلَّف سُرّب بصيغة "بي دي أف". فما أبرز ما جاء فيه؟
مَن المسؤول عن الفقر؟
يعتبر فاروق أن كتابه "كلمة للتاريخ والناس" وهدفه التصدي لـ"مقولة السيسي الخطيرة" و"الكاذبة". ويرى "أن نمط اقتصاد السوق الفوضوي الذي ساد في مصر طوال الخمسين سنة الأخيرة، وخصوصا منذ عام 1974، كان يتفق تماماً مع صعود قوى اجتماعية جديدة وتحالف اجتماعي بدأ يتشكل منذ هذا التاريخ، مكوّن من أربعة روافد، هي رجال المال والأعمال الجدد وكبار جنرالات المؤسسة الأمنية والعسكرية، وبعض الطامحين والطامعين من المؤسسة الجامعية (أساتذة الجامعات)، وأخيراً بعض أعضاء المؤسسة القضائية". ويعتبر أنه من هذه الفئات الأربع تحددت السياسات وأشكال توزيع الفائض والأرباح، ويقول: "أصبحت معاداة هؤلاء لفكرة التخطيط والتحيّز لغير الفقراء أو الطبقة الوسطى بمثابة عمل يومي وغذاء روحي، ومن هنا لم يعد للأفكار التي تنتصر لمفهوم التخطيط أي مكان لدى صانع القرار في بلادنا"."حقائق" ضد "دعاية" الفقر
يعرض الكاتب إحصاءات تنفي، حسبما كتب، فكرة أن مصر بلد فقير:- وفقاً لما نشرته جريدة "أخبار اليوم" الحكومية، في 11 فبراير 2017، بلغت مبيعات السيارات في مصر 278406 سيارة عام 2015، و198271 سيارة عام 2016. ويقول الكاتب إنه إذا حسبنا أن متوسط سعر السيارة الواحدة 150 ألف جنيه فقط فإن مشتريات المصريين من السيارات بلغت عام 2016 حوالي ثلاثين مليار جنيه، وإذا كان سعر السيارة 200 ألف جنيه فنحن نتحدث عن أربعين مليار جنيه.
- بلغت قيمة ما اشتراه المصريون من فيلات وقصور، منذ عام 1980 حتى عام 2011، حوالي 415 مليار جنيه على الأقل، بما يعادل 180 مليار دولار بأسعار الصرف السائدة في تلك الفترة.
- حجم ودائع المصريين في البنوك الخارجية تجاوز 160 مليار دولار، عام 2001، بأسعار الصرف السائدة في تلك الفترة، ويُقدّر أنها بلغت حالياً 250 ملياراً "وفقاً لمعدلات النمو الطبيعية في هذه الودائع والثروات"، عدا ما جرى تهريبه من أموال بعد ثورة 25 يناير.
- الأموال التي جُمعت من المصريين، أفراداً أو مؤسسات مالية، في أقل من أسبوعين، من أجل حفر تفريعة قناة السويس عام 2014 تجاوزت 64 مليار جنيه، وهو ما يعطي فكرة عن "مقدار الفائض والمدخرات المتاحة لدى المصريين، وقدرتهم على تعبئة هذا الفائض، إذا ما توافرت الثقة في القيادة السياسية للبلاد".
- المباني الحكومية التي أنشئت منذ أكثر من 50 عاماً كلّفت الدولة ما يعادل 299.3 مليار جنيه بأسعار عام 2010.
- يبلغ عدد الشقق السكنية المغلقة 12 مليوناً، بعد أن كان 5.5 مليوناً عام 1996 ثم صار 7.9 مليوناً عام 2006.
- بلغت تكاليف بناء الشقق المغلقة والخالية في مصر، عام 2017، ما بين 600 مليار و1200 مليار جنيه.
- زادت أعداد المركبات في طرق وشوارع مصر من 155 ألف مركبة عام 1975 إلى 932477 عام 1981 إلى ما يقرب من 4.9 مليون مركبة عام 2008. وزادت السيارات الخاصة بأكثر من 25 ضعفاً من 95 ألف سيارة عام 1974 إلى 2.6 مليون سيارة عام 2008 وتقارب حالياً أربعة ملايين سيارة، وبلغ التقدير المبدئي للمركبات الحكومية ما بين 6.4 و14.1 مليار جنيه.
- بحسب تقارير منظمة النزاهة المالية الدولية، يُقدّر حجم التدفقات غير المشروعة من مصر إلى الخارج، نتيجة الفساد الحكومي، بحوالي 57 مليار دولار بين عامي 2000 و2008.
لمَن تذهب مقدرات البلاد؟
وفقاً للكاتب، سيتكلف إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة مبدئياً حوالي 45 مليار دولار، بما يعادل 810 مليارات جنيه مصري. وبرأيه، هناك تضارب في التصريحات الرسمية حول مصادر التمويل: هل هي من الخزينة العامة للدولة أم من مصادر أخرى؟ ويقول: "رئيس الجمهورية أصدر قراراً بإنشاء شركة مساهمة مصرية تتولى تنمية وإنشاء وتخطيط العاصمة الجديدة"، مضيفاً أن "عائد بيع استثمارات العاصمة الإدارية سيعود إلى خزانة الشركة المساهمة ومن بعدها القوات المسلحة وليس إلى الخزانة العامة للدولة". من جانب آخر، يعرض أرقاماً تكشف العلاقة بين عالم الأعمال وعالم السياسة. ويقول إنه توجد 469 شركة يتحكم فيها 32 شخصاً من كبار رجال الأعمال بصورة مباشرة أو غير مباشرة وهم على صلة بجمال مبارك، نجل الرئيس المصري الأسبق. ويشير إلى أن هذه الشركات تتوزع بين 20 شركة قابضة والباقي شركات تابعة وفرعية، 47 منها لديها على الأقل واحد من رجالها ممَّن هم في منصب مدير على صلة بالحكم، و140 منها لديها عضو مجلس إدارة واحد على صلة بالحكم، إضافة إلى أن هناك 172 مشروعاً حصلت على استثماراتها من صناديق استثمار تُدار من جانب رجال مال وأعمال على صلة بالحكم والسياسة.إدارة ثروات البترول والغاز
يفنّد الكاتب كيف يتم إهدار الغاز الطبيعي كمورد حيوي وبيعه بأبخس الأسعار، كما في حالة الصفقات المعقودة مع إسرائيل والأردن، ويقول إنه مما ساعد إسرائيل في الحصول على الغاز المصري "ملفاتها الهائلة التي احتوت كافة الأسرار لكبار القادة المصريين السياسيين منهم أو التنفيذيين بما فيهم قيادات البترول".رجال الأعمال وكبار الجنرالات وبعض الأكاديميين "الطامحين والطامعين" وبعض القضاة يعادون فكرة التخطيط ويتحيّزون ضد الفقراء والطبقة الوسطى، ولذلك المصريون فقراء... تحليل اقتصادي يودي بالاقتصادي المصري عبد الخالق فاروق إلى السجن
في صفقات الغاز التي عقدتها الحكومة المصرية مع إسرائيل والأردن، أُهدرت ثروات البلاد، ومما ساعد إسرائيل في الحصول على مكاسب "ملفاتها الهائلة التي احتوت كافة الأسرار لكبار القادة المصريين"... الاقتصادي المصري عبد الخالق فاروق يكتب كتاباً يودي به إلى السجنويضيف: "تشكلت جماعة المصالح الجديدة في إهدار ونهب الغاز المصري لصالح إسرائيل وغير إسرائيل من أربعة عناصر: الأول: الرئيس الأسبق حسني مبارك وابناه وصديقه المقرب حسين سالم وقيادات أمنية وفّرت الغطاء وبثت الرعب في أوساط أية عناصر تنفيذية قد تعارض أو تتردد في تنفيذ الاتفاق مع إسرائيل. الثاني: رجال مال وأعمال ذوو صلات عميقة بالقيادات السياسية وفي مقدمتهم حسين سالم. الثالث: قيادات في قطاع البترول والغاز وبعض الشركات الأجنبية، في مقدمتهم وزير البترول الأسبق سامح فهمي. الرابع: قيادات أمنية ورجال أعمال في إسرائيل. ويشير الكاتب إلى أنه في عام 2000 دخل على الخط بصورة مباشرة وواضحة رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عمر سليمان، وأرسل خطاباً إلى وزير البترول سامح فهمي يخطره بموافقة المخابرات على إتمام صفقة الغاز مع إسرائيل، مضيفاً: "قيل إن عمر سليمان حصل على عمولة من الجانب الإسرائيلي بمقدار 11 مليون دولار". وبحسب الكتاب، أسس حسين سالم شركة متعددة المهام تحت اسم "شرق المتوسط"، بشراكة إسرائيلية مع رجل الأعمال الإسرائيلي يوسي مايمان، وتوزّعت أسهمها بنسبة 65% لصالح حسين سالم، و25% لصالح مايمان، فيما حصلت هيئة البترول المصرية على 10% فقط. ووافق مجلس الوزراء بقيادة عاطف عبيد، والذي وصفه الكاتب بـ"صانع السُم"، في جلسة بتاريخ 18/9/2000 على تحديد سعر الغاز بحد أدنى 75 سنتاً للمليون وحدة حرارية، وحد أقصى 1.25 دولاراً، في وقت كان سعر المليون وحدة حرارية في السوق الدولية يتراوح بين 6 دولارات إلى 9 دولارات. ويقدِّر الكاتب نسبة خسائر الخزينة العامة المصرية في اتفاقات تصدير الغاز لإسرائيل والأردن بحوالي 12.9 مليار دولار، بين يوليو 2003 حتى عام 2012. ويتساءل الكاتب: "هل هي بلد فقيرة حقاً أم أننا بصدد بلد تدار فيه موارده بمنطق العزبة الخاصة للرؤساء والمسؤولين؟".