شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أين النساء، بالفعل، من

أين النساء، بالفعل، من "حسد القضيب"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 23 أكتوبر 201804:29 م

تختتم زينة صديقتي يومها على فيسبوك بالعبارة التالية: "العلاقات الطويلة يلي جرحتنا علّمتنا كتير!؟ هههههه اليوم أنا وعمّ قيس تياب اكتشفت إنّو ما علّمتني غير إنّو صرت ألبس large بدل من small". لم أستطع التخلّي عن هذه الجملة لما فيها من معانٍ، لأبدأ بها مقالًا كنت أسعى جاهدة لإيجاد مقدّمة مناسبة له.

في التركيز على صورة الجسد فيما صاغته زينة تعبيرًا عن مشاعر كثيرة من النساء، لا بدّ من الرجوع إلى تعبير "حسد القضيب" الذي صاغه سيغموند فرويد عام 1931 في إشارة منه إلى وقوع المرأة ضحية لمركب الدونيّة، ورغبتها الدائمة خلال تطورها النفسي والجنسي بالحصول على "العضو" المفقود لديها، إحساسًا منها بما يمثّله من قوة وسلطة في المجتمع.

لن أسرد هنا نقاشًا يدعم هذه النظرية أو يدحضها، بل سأركّز، من تجربتي الخاصة كامرأة، على التوصيف أو المصطلح لأبني نصّي.

أين "أنا" من "حسد القضيب"؟

لقد نشأت في عائلة حزبيّة دفعت أثمانًا كثيرة نتيجة اقتناعاتها. أتت تلك الأثمان في مرحلة صغيرة من نشأتي، بغيابٍ لصورة الأب الدائمة عن البيت والعائلة وحضور بارزٍ للأم في تكوين شخصيّتي التي اعتبرتها لسنوات طويلة مشوّهة - لا للومٍ ألقيه عليها بل لسوء فهم للمرحلة ونقص تقدير في عقل طفلة للظروف المحيطة.

كنت دائمًا ألمس بغيرة تفوّقها وتقدّمها بخطى سريعة في اتجاه ما تريده دون أن يلعب "العضو الناقص" دورًا في مسيرتها ولا في مسيرتي.

كانت أمّي، "رجل" العائلة الذي أخضع له ولقوّته. كانت المرآة التي أرى فيها نفسي ناقصة أمامها، أسعى للوصول الى ما حقّقته هي في سنواتها القليلة بين عائلتها المتنوّرة "تحديدًا جدّي"؛ دراستها وعملها المسرحيّ وبين نجاحها في الوصول إلى الناس وحسّها الاجتماعي العالي الذي كنت أفتقده حينذاك.

كنت دائمًا ألمس بغيرة تفوّقها وتقدّمها بخطى سريعة في اتجاه ما تريده دون أن يلعب "العضو الناقص" دورًا في مسيرتها ولا في مسيرتي. وحين عاد أبي الحنون بوجهه العسكريّ إلى البيت بعد غياب قسريّ طويل، انقلبت الآية. وتحوّلت أنا من كائنٍ يلاصق خيال أمّه في الحضور ويجتذب صورة أبيه في الغياب، لفتاة متمرّدة تعوّض عضو فرويد الناقص بإفراطٍ في عضو نابضٍ في قفصها الصدريّ.

الخسارات لا تأتي دائمًا على شكل رحيل

كنت على اقتناع طوال حياتي أنّ الخسارات تأتي بإحساس الفقد الذي يخالجك حين يرحل شخص من دائرتك الى بلد آخر، إلى عالم آخر. وبحسب منطقي البسيط، كان جدّي هو خسارتي الأولى. وفي بحث عمّا أحاول فعله على هذه الأرض، وفي تجارب عدّة آلت بي الى ما أنا عليه اليوم، صرت أعي تمامًا أنّ جدّي لم أخسره يومًا!

بقي معي في كلّ مراحلي الصعبة، واجهها بعينين مفتوحتين للخطر الذي يترصّدني وأذنين واسعتين لبوحي في سرّه أسوأ مخاوفي. كلّ هذا وهو في السماء، تحت الأرض، في مكان آخر لا أعلمه لكن أشعر به حتى في كتاباتي، وكلّ ما يجذبه لي هو تلك الطاقة الإيجابيّة في جعل الأمور ميسّرة مهما خابت.

وهنا كان لا بدّ أن أعيد فتح دفاتري القديمة لأنّني لا أجرؤ اليوم على محاكمة علاقتي الحالية بكلّ ما فيها من شوائب وامتيازات. أخاف ألاّ أنصفها أو أخاف ربّما من حقيقة أعيشها ولا أودّ معرفتها.

وحين عاد أبي الحنون بوجهه العسكريّ إلى البيت بعد غياب قسريّ طويل، انقلبت الآية. وتحوّلت أنا من كائنٍ يلاصق خيال أمّه في الحضور ويجتذب صورة أبيه في الغياب، لفتاة متمرّدة تعوّض عضو فرويد الناقص بإفراطٍ في عضو نابضٍ في قفصها الصدريّ.
كنت على اقتناع طوال حياتي أنّ الخسارات تأتي بإحساس الفقد الذي يخالجك حين يرحل شخص من دائرتك الى بلد آخر، إلى عالم آخر.
لم تنجح هذه المحاولات معي يومًا في أيّ من هذه العلاقات في تغيير سلوك الشخص، أو تبديل تعامله أو تصحيح مسار العلاقة المتدهور. كلّ ما كانت تتركه في نفسي، هو إصرار أكبر على البقاء وسعيٌ أكبر لفهم الأسباب.

لمَ نهاب التراجع عمّا يؤذينا؟

وردتني رسائل عديدة على فيسبوك من نساء، بعضهنّ صديقات وبعضهنّ لا تجمعني بهنّ أيّ معرفة سوى زرّ "إعجاب وقلوب" على منشورات أكتبها وبريد مقفل يحوي الكثير من الخبايا. هذا الصندوق الذي فتحته على نفسي والأخريات، لم ألق فيه سوى حجم الأسى الذي خلّفته العلاقات فينا. كلّها تترجم في إحساس بالنقص والمهانة، سوء تقدير للذات والثقة في النفس، وكرهًا للجسد. وكلّها تصاغ بعطاء أكبر من المرأة للشخص الذي تحبّه، رغبة منها في إثبات أنّها لم تخطىء في الاختيار أو سعيًا لتبرير كلّ الأفعال الهجوميّة تجاهها، أو رفضًا لحقيقة واحدة أنّها تستحقّ شيئًا أفضل بكثير، ومعاملة أرقى، وذوقًا أعلى ومحبة أكبر.

هذا الصندوق الذي فتحته على نفسي والأخريات، لم ألق فيه سوى حجم الأسى الذي خلّفته العلاقات فينا.

لم تنجح هذه المحاولات معي يومًا في أيّ من هذه العلاقات في تغيير سلوك الشخص، أو تبديل تعامله أو تصحيح مسار العلاقة المتدهور. كلّ ما كانت تتركه في نفسي، هو إصرار أكبر على البقاء وسعيٌ أكبر لفهم الأسباب.

أسترجع على طاولة رباعيّة النساء، في "كورنرز"، حديثاً دار بيني وبين الأخصائي النفسي شارل، أضحك وأحاول أن أروي ما يخالجني لصديقات عمان: "شارل مرّة قلّي، اختيارك للعلاقات ما بيجي من فراغ، بتختاري الأقرب لشكل الحبّ اللي كلّ حياتك معوّدة عليه، للشكل اللي تكوّن عندك من أهلك، محيطك الأوّل".

أمّي وأبي تزوّجا بعد قصّة حبّ عاصفة، اختارا البقاء معًا رغم كلّ ما مرّا به، عن اقتناع أو رضىً بقسوة حتميّة العائلة والأبديّة. وأنا بقيت في علاقاتي السابقة لأنّني أهاب أن أرى ما أنا عليه، ما أحتاجه حقًا. أرتعب من فكرة تحوّل العلاقة من تعارف ممزوج بالشوق واللهفة إلى الصدّ والهجران والألعاب الذهنيّة التي تفقدك صوابك في محاولة فهم ما يدور برأس الشريك.

لا أستطيع محاكمة شريك اليوم، ولكنّ ذلك لا يمنع رأسي من التفكير المفرط بملايين الأفكار عن أصدقاء وصديقات فقدتهم، عن حريّة مكثت في سريري منذ تمرّدي الأوّل وأذوق طعم هجرانها يوميّا. عن تنازلات كبيرة وصغيرة، قمت بإقناع نفسي بها لتسيير الحياة بأفضل شكل. عن وزنٍ مثقلٍ بالهمّ، اكتسبته مثل صديقتي زينة على مدار سنوات. عن جسدٍ لا يتوق الاّ لحسدٍ واحدٍ يمس القلب، يجعله أكثر قسوة  كي لا يعدّ كلّ تلك الخسارات التي لا تحتسب بالوقت.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image