يسير عدّاد الدقائق نحو النهاية، والزمالك يسعى لإحراز بطولةٍ قاريّةٍ غابت عنه منذ 16 عام. الملعب ممتلئ عن آخره، وربما تجاوز العدد مئة ألف مُشجّع. يأمر حكم اللقاء أحد أهمّ اللاعبين، طارق حامد، مغادرة الملعب لاستبدال الشورت الخاص به، بعد أن اكتسى باللون الأحمر من الخلف.
دماء؟!!
متى أصيب، وكيف؟ ... لا أحد يعلم إلّا طارق.
يضع الزملكاويّة أيديهم على قلوبهم، خوفاً من عدم قدرة طارق على الاستمرار في اللعب، فمن ضمن 11 لاعب في أرض الميدان لا بديل عن هذا المقاتل.
ولكنه أكمل اللقاء على كلّ حال.
"انتصرنا".. هكذا هتف أنصار الزمالك.
"جات له الدورة الشهريّة".. هكذا سخر بعض أنصار الأهلي (النادي المنافس تاريخيّاً للزمالك) من طارق.
والنتيجة زمالك وكأس ودورة شهريّة.
ما يحدث مع المرأة في وقت دورتها الشهريّة، أمرٌ يستحقّ الثناء وضرب الأمثال به وليس التهرّب والبراء منه.
ربما ستشعر بالتشتّت وأنت تقرأ السطور السابقة، بينما تبحث عن الرابط بين كرة القدم وبين دورة طبيعيّة تحدث للمرأة، والتي ليست طرفاً في الحدث المذكور بطبيعة الحال، أما إذا كنت متابعاً جيداً لكرة القدم العربيّة، فسوف يعمل عقلك سريعاً لاستخراج الهدف الذي سعى إليه بعض منافسو الزمالك، "إهانة" اللاعب طارق حامد عن طريق الإشارة إلى مكان انتشار الدماء، ووصف إصابته في الفخذ بالدورة الشهريّة، وبما أن نظرة أغلبية المجتمع العربي إلى الرجل تعلو درجات عن نظرته للأنثى، فقد يظنّ هؤلاء أنهم قد نجحوا في مهمتهم وانتقصوا من قَدْر اللاعب.
أنصار الزمالك أيضاً وقعوا في ذات الفخ، فعندما تجدهم يوجّهون بعضهم بعدم تداول صورة نزيف اللاعب، سيخالجك شعورٌ بوجود تهمةٍ يجب إخفاء معالمها، تماماً كما يتعامل معظم الناس مع الدورة الشهريّة للأنثى، فتجدها تدّعي القوة الجسديّة أثناء ضعفها وتستمرّ في صيامها رغم إفطارها سرّاً، ليس من باب إذا ابتليتم فاستتروا، ولكن لأن "بلاءها" أكبر من مجرّد الإفطار، وأقول لتلك الفئة من مشجّعي الزمالك أنه كان من باب أولى أن يتسلّم النادي كأس البطولة مخبئاً داخل حقيبةٍ سوداء، أو مغلّفاً بورق الجرائد، كما جرت العادة عند شراء الفوط الصحيّة مثلاً.
بالنسبة لي كمشجّعٍ للزمالك أستطيع قلب الطاولة تماماً، واعتبار الإهانة من وجهة نظر البعض هي مديح من وجهة نظري، فإتمام العمل بقوّة وعلى أدقّ وجه على الرغم من الألم الجسدي والتقلّبات المزاجيّة كما يحدث مع المرأة في وقت دورتها الشهريّة، أمرٌ يستحقّ الثناء وضرب الأمثال به وليس التهرّب والبراء منه، وكما يستخدم البعض وصف "الرجولة" لصبغ مجهودات شخصٍ آخر ولو كانت أنثى، فأعتقد أن تشبيه اللاعب طارق حامد بالأنثى التي تستمرّ نحو هدفها وتنجح في بلوغه، رغم الدماء والحالة النفسيّة، هو أقرب وأدقّ في الاستخدام من لفظ "الرجولة"، إذا ما أردت وصف موقفٍ ما يستدعي قوّة التحمّل والإرادة والتضحية أحياناً.
من ناحية أخرى، بدأت أتيقن من عبثية استخدام الرياضة في مجتمعاتنا للارتقاء بالعقل والنفس، بالعكس أجدها مفرّقةً للجموع ومنتهكةً للاحترام والمُثل وقاصمةً لظهر النسويّة، والأمر يتعدّى قصّة اللاعب طارق حامد بالنسبة لواحدةٍ من قضايا النسويّة الهامّة في المساواة بين أحوال الذكر والأنثى، فحتى مصطلحات المدرجات تجعل من العضو الذكري رمزاً للتباهي والأنثوي للشتيمة، فقط أضف اسم أيّ نادٍ عقب اسم العضو وستعرف الفرق الذي يهدف إليه المتعصّبون من جميع الأطراف، دون الإحساس بمسؤولية تأصيل تلك المفردات كشتائم في مجتمعاتٍ جاهزة لذلك بالفعل.
"إهانة" اللاعب عن طريق الإشارة إلى مكان انتشار الدماء، ووصف إصابته في الفخذ بالدورة الشهريّة، وبما أن نظرة أغلبية المجتمع العربي إلى الرجل تعلو درجات عن نظرته للأنثى، فقد يظنّ هؤلاء أنهم قد نجحوا في مهمتهم وانتقصوا من قَدْر اللاعب.
أنصار الزمالك أيضاً وقعوا في ذات الفخ، فعندما تجدهم يوجّهون بعضهم بعدم تداول صورة نزيف اللاعب، سيخالجك شعورٌ بوجود تهمةٍ يجب إخفاء معالمها، تماماً كما يتعامل معظم الناس مع الدورة الشهريّة للأنثى.
حتى مصطلحات المدرجات تجعل من العضو الذكري رمزاً للتباهي والأنثوي للشتيمة، فقط أضف اسم أيّ نادٍ عقب اسم العضو وستعرف الفرق الذي يهدف إليه المتعصّبون من جميع الأطراف، دون الإحساس بمسؤولية تأصيل تلك المفردات كشتائم.
هل سنخرج من هذا الموقف بعددٍ لا بأس به من الزملكاويّة الذين قد تتغيّر نظرتهم نحو الدورة الشهريّة، بما أنهم قد أصيبوا بالغضب قليلاً من "امتهان كرامة" نجمهم بواسطة هذه الفزّاعة؟
هل يستطيعون تدمير تلك الفزّاعة أصلاً؟
هل يُمكن الاعتماد على الرياضة، عربيّاً، كأداةٍ عالميّةٍ رائدة في مجال دعم المساواة واحترام المرأة؟
في وقت الحديث عن بديهيات مماثلة بشأن تقبّل الظروف الطبيعيّة الجسديّة للمرأة باعتبارها "طبيعيّة بالفعل"، هل يُمكن الاعتماد على الرياضة، عربيّاً، كأداةٍ عالميّةٍ رائدة في مجال دعم المساواة واحترام المرأة؟
كلّ تلك الأسئلة تبدو باعثة على مزيدٍ من الإحباط، بالنظر إلى الأداة تتحوّل إلى سلاحٍ مضاد.
في النهاية، وإن كنت لا أتمنى تكرار هذا الموقف لأيِّ لاعب تجنباً للألم الذي سيشعر به فقط، إلا أن صورة انتشار الدماء بتلك الطريقة على قماش "شورت" قلب وسط فريق أبطال كأس الكونفدراليّة من الخلف، وبجانبها صورة لكأس قاريّة، مع مشاعر فخر الجماهير بها وبجهود طارق حامد، ربما قد تُعيد نظر البعض في اعتبار الدورة الشهريّة شيئاً مخجلاً إذا لم نأخذ في الحسبان "مصدر الدماء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون