في قلب مدينة عدن الجنوبية، يمكن بسهولة لحظ حضور النفوذ الخليجي، من خلال صور أمراء خليجيين مرفوعة على أعمدة في الشوارع، كما أعلام دول في "التحالف العربي" الذي تتزعمه السعودية.
ولكن هذا المشهد لا يعكس واقع انتسار صورة إيجابية عن عمل التحالف عند اليمنيين الجنوبيين، فالأزمة الاقتصادية وغياب الأمن زادا من حالة التذمر ومن الغضب الشعبي.
وانطلاقاً من هذا الواقع، قد تستثمر إيران، الخصم اللدود للسعودية، في الفرص التي تلوح لها لتزيد من حضورها في جنوب اليمن، هي الحاضرة عبر حلفاء محليين لم يبتعدوا عنها برغم حدة الاصطفافات الحالية.
إيران والحراك... هل حانت مرحلة العودة؟
في خطاب بمناسبة ثورة الـ14 من أكتوبر ضد بريطانيا، قال الرئيس اليمني عبد ربة منصور هادي إن إيران تدعم أطرافاً جنوبية، لم يسمّها، مشيراً إلى وجود حسابات دعم مالي إيرانية لهذه الأطراف، لم تُغلق بعد. تعيد اتهامات هادي تذكير اليمنيين وأصدقائه الخليجيين على حد سواء، بأن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي ورفاقة في المجلس هم امتداد لتيار علي سالم البيض الذي كان يتلقى الدعم من إيران، وبأنه لا يمكن الوثوق بوقوفهم ضد إيران وحلفائها، خاصةً أن التلميح إلى عدم وقف الدعم المالي الإيراني لهم يحمل تحذيراً من محاولات لإعادة تجديد العلاقة القديمة بين الجانبين. وإذا كان هادي يلقي اتهاماته ضد خصوم سياسيين له في الجنوب، في إطار تنافس محتدم على السلطة، إلا أنه يبدو متخوّفاً من عملية التقارب بين الفصيل الذي يتزعمه رئيس "المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير واستقلال الجنوب" فادي باعوم، المقرّب من إيران بالفعل، وبين قيادات جنوبية أخرى، في مسعى لتشكيل تحالفات شعبية ضد المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً، والذي تشكل في أبريل 2017 بعد إقالة هادي للزبيدي من منصب محافظ عدن. وخلال الأسابيع الماضية، حشد "المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير واستقلال الجنوب" بقيادة فادي باعوم، نجل القيادي الجنوبي حسن باعوم، أنصاره في محافظات حضرموت وأبين وعدن، وهي من بين كبرى قواعد الحراك في جنوب اليمن، للمرة الأولى منذ أن تراجعت شعبيته، على خلفية رفضه المشاركة في الحرب ضد الحوثيين. قبل بداية الحرب مع الحوثيين، سعت السعودية والإمارات لاستقطاب فريق باعوم وطلبت منه تأييد هذه الحرب مقابل بعض امتيازات من بينها إسناد مهام أمنية وعسكرية له، وتقوية فصيله. كان هذا العرض جزءاً من مسعى التحالف لتأليب الرأي العام ضد الحوثيين من جهة، كما كان هدفاً خليجياً استراتيجياً لأن انسحاب فصيل باعوم من الجبهة المساندة للحوثي سيصب في صالح الخليجيين وسيقطع الشكوك التي تساور السعودية والإمارات حول أن الحوثيين سيتلقون بعض المساعدة في طريقهم إلى الجنوب إذا زحفوا نحوه. ولكن باعوم لا يثق بالخليجيين ورفض عرضهم. وبحسب مصدر خاص في تياره، هو لا يفضّل التعامل مع السعودية والإمارات لأنهما لا تتعاملان بجدية مع قضية الجنوب ولم تضعا أية ضمانات حول ما يمكن أن تقدمانه للجنوب، مقابل إن يخوض الجنوبيون الحرب بجانبهما. وتقدم قيادات "المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير واستقلال الجنوب" مقاربات أخرى تتركز حول رفض الحرب، وحول أن السعودية والإمارات لا تهدفان للقضاء على الحوثي ولن تمنحا الحنوب أية استقلالية من أي نوع، وحول أن لهما أطماعاً في مناطق يمنية نفطية. لكن في المقابل، نجحت السعودية والإمارات في استقطاب "المجلس الأعلى للثورة السلمية لتحرير واستقلال الجنوب" الذي يتزعّمه الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض، وهو التيار الأكثر شعبية في الجنوب. وعندما تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي في أبريل 2017، لم يعد هناك حضور يُذكر للمجلس الذي يقوده البيض كما أن قادة كثيرين في فصيل الرئيس الجنوبي السابق، من بينهم الزُبيدي، أصبحوا قادة في المجلس الجديد. ولم يعُد البيض يتحدث كثيراً في السياسة بعد ظهور "الانتقالي" على الساحة، ما يؤكد أنه يساند هذا المجلس ويتفق معه، ويعطيه المجال للتحرك كبديل عن فصيله القديم.نفوذ إيران... البدايات
في احتجاجات انطلقت عام 2007، برزت القضية الجنوبية إلى العلن مجدداً. حينذاك، أطلق البيض موقفاً ضد نظام الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وأعلن تأييده للاحتجاجات، ولاحقاً شكّل تياراً سياسياً بات يملك قاعدة شعبية عريضة في المحافظات الجنوبية، وانتقل من سلطنة عُمان التي كان يقيم فيها، ليمكث في بيروت، ومن هناك بدأت رحلة التقارب بينه وبين إيران. دعمت إيران الرئيس الجنوبي السابق وموّلت إنشاءه قناة "عدن لايف"، عام 2008، كما أن الكثيرين من الشباب الجنوبيين الذين استقطبهم تيار البيض ذهبوا إلى إيران ولبنان بين عامي 2007 و2008. في ذلك الوقت، كانت القيادي الجنوبي البارز حسن باعوم على علاقة جيدة بطهران التي وجهت له الدعم أيضاً، ولكن بدرجة أقل من دعمها لفصيل البيض، لما للأخير من قاعدة شعبية كبيرة تنتشر في مناطق الجنوب. كانت إيران تأمل أن تُحدث فارقاً مهماً عبر تعزيز نفوذها في جنوب اليمن بواسطة قوى تملك نفوذاً على الأرض، كما هو الحال مع الحوثيين النافذين شمالاً، لأنها كانت تسعى إلى خنق السعودية وتعزيز حضورها قرب مضيق باب المندب. في مرحلة التقارب تلك، أيّد الحوثيون احتجاجات الجنوبيين ضد نظام صالح كما لوّحوا بدعم مطالب الجنوبيين في الانفصال عن الشمال. [caption id="attachment_168286" align="alignnone" width="700"] لقاء بين البيض وباعوم وعلي ناصر في بيروت عام 2014.[/caption] وعندما تشكلت "هيئة تحرير واستقلال الجنوب"، وهي تحالف جمع بين تياري البيض وباعوم، عام 2009، بدا أن طهران تسعى إلى ترتيب صفوف حلفائها الجنوبيين، كي لا تؤثر خلافات حلفائها الداخلية سلباً على مساعيها لتعزيز نفوذها في الجنوب. كان البيض وباعوم يتفقان على فك الارتباط عن الشمال اليمني، لكن خلافاتهما حول النفوذ والقيادة داخل "هيئة تحرير واستقلال الجنوب" أفشلت عمل الهيئة. في تلك المرحلة، عقد الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العطاس، عام 2009، في القاهرة، مؤتمراً جمع قيادات جنوبية "معتدلة"، وتبنى خطاباً ينادي بدولة فدرالية من إقليمين شمالي وجنوبي، مع أحقية الجنوبيين بتقرير مصيرهم حول البقاء ضمن الدولة الفدرالية أو الانسحاب منها. لكن تبني خيار فك الارتباط عن الشمال عزز من القاعدة الشعبية لتيار البيض عند الجنوبيين، وهو ما مثّل دافعاً لإيران لتوسيع تعاملها مع البيض.تحالفات ما بعد ثورة 2011
عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية المطالبة برحيل صالح، عام 2011، أيّدت الفصائل الجنوبية مطالب الأحزاب اليمنية المعارضة المطالبة برحيل الرئيس السابق، ما أحدث تقارباً بين الفصائل الجنوبية والأحزاب الشمالية المعارضة، هو الأول من نوعه بعد حرب عام 1994. كان الحوثيون الذين تحاربوا ست مرات مع صالح، ممّن خرجوا ضده عام 2011، وعكس تأييد الفصائل الجنوبية للاحتجاجات العلاقة الجيدة التي تربطهم بالحوثيين، عبر إيران التي كانت هي الأخرى تؤيّد مطالب المحتجين.في قلب مدينة عدن، في جنوب اليمن، يُلحظ حضور النفوذ الخليجي من خلال صور أمراء خليجيين وأعلام دول في التحالف العربي مرفوعة على أعمدة في الشوارع... ولكن إيران تحاول التسلل إلى المشهد عبر حلفاء محليين
الأزمة الاقتصادية وغياب الأمن في جنوب اليمن زادا من حالة التذمر ومن الغضب الشعبي. وانطلاقاً من هذا الواقع، قد تستثمر إيران في الفرص التي تلوح لها لتزيد من حضورها هناك، هي الحاضرة عبر حلفاء محليين لم يبتعدوا عنهاوبرز تقارب الحوثيين مع فصيلي الحراك الجنوبي، بقيادة البيض وباعوم، أكثر وضوحاً من قبل، بعد رحيل صالح، لأن الأخير كان يحرص على منع تشكيل تحالف حوثي-جنوبي يهدد مصالحه ونفوذه الأمني والسياسي. وعندما انعقد مؤتمر الحوار الوطني عام 2013، شارك الحوثيون فيه، لكن فصيلي البيض وباعوم لم يشاركا. مثّل الجنوبيين في المؤتمر تيار "مؤتمر شعب الجنوب" بزعامة القيادي الجنوبي محمد علي أحمد الذي يساند خيار الفدرالية، وبرز التعاطف بين هذا الفريق والحوثيين. لكن "مؤتمر شعب الجنوب" انسحب من جلسات المؤتمر لاحقاً، بعدما انتقد محاولات هادي وحكومته للالتفاف على مطالب الجنوبيين، عبر إشراك شخصيات جنوبية مقرّبة منه تُوافق على مشروع الأقاليم الستة. أيد الحوثيون خطوة محمد علي أحمد الذي رفع مطلب الإقليمين، وساندت طهران الاثنين معاً. كانت خطة تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، والتي تبناها مؤتمر الحوار الوطني، شرارة الصراع الحالي في اليمن لأن إقليم آزال الذي يتواجد فيه الحوثيون لا يملك ثروات وليس لديه منفذ على الخارج. ومع بدء تمدد الحوثيين خارج صعدة، كانت العديد من القيادات الجنوبية في مجلسي الحراك الأساسيين لا تزال تحتفظ بعلاقاتها الجيدة مع الحوثيين وتتلقى الدعم من إيران. لكن السعودية نجحت في استقطاب التيار الذي يتزعمه البيض والذي فضّل محور السعودية بعد إدراكه أن التحالف بين صالح والحوثيين يعني أن الهدف القادم هو الجنوب، كما كان الحال بعد تحالف صالح مع التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين) عام 1994. كان البيض يدرك أن شعبيته وقواعد الحراك الموالية له قد تتضرر في حالة إبقائه على علاقته القديمة بإيران ففضّل التماهي مع الخيار الشعبي الرافض للحوثيين. وساهم هجوم الحوثيين على مدينة عدن في ضرب العلاقة بين الحوثيين والحراك الجنوبي بزعامة البيض. كانت الجماعة الشيعية تراهن على تلقي بعض المساعدة من حلفائها الجنوبيين، مقابل أن تسلمهم الجنوب بعد السيطرة عليه، ولكنها أخطأت في حساباتها وكانت النتيجة أن هاجمت عاصمة الجنوب بدون دعم حليف محلي. أما مع فصيل باعوم، فقد فشلت مساعي الرياض، وقرر الأول الاحتفاظ بعلاقته الجيدة مع الحوثيين وإيران، ورفض خوض حرب ضدهم بلا ضمانات خليجية لدعم القضية الجنوبية، كما لم يدعم الحوثيين حين هاجموا عدن، برغم محاولتهم تصوير هجومهم على أنه يستهدف "التكفيريين والدواعش".
سعي حلفاء إيران لتعزيز نفوذهم
قد تلجأ إيران في المرحلة المقبلة إلى خيار السيطرة الناعمة على الجنوب، متحديةً النفوذ الخليجي هناك، وأدواتها الفاعلة لتحقيق ذلك هي تعزيز القاعدة الشعبية لتيار باعوم، عبر استغلال حالة التذمر الشعبي من سياسات التحالف والحكومة الشرعية. فالأزمة الاقتصادية التي تضرب البلد الفقير واستمرار وقف تصدير النفط والغاز من اليمن وتجميد السعودية والإمارات عمليات الاستكشاف في المناطق النفطية تمثل عوامل مساعدة لإيران لتنمية قاعدة باعوم الشعبية على حساب المؤيدين للتحالف العربي. ومن جهة ثانية، هناك قيادات جنوبية عدّة همّشها المجلس الانتقالي أو تجاوزها ويمكن أن يستثمر "المجلس الأعلى للحراك السلمي" في جذبها إلى صفه.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع