هل من داع لتكرار ما قال أدورنو عن الشعر؟ وبربريته بعد أوشفيتز؟ لا، لنترك كاره الجاز جانباً، ولنقرأ ويكيبيديا المتاحة للجميع.
ولنقرأ بصورة أدق عن الغارنيكا، الجداريّة الشهيرة لا المدينة، ولنتجاهل التحليل الفنيّ المرتبط بها ودلالاتها، والتي قال بيكاسو، كما هو مذكور في ويكيبيديا أيضاً أن "الثور هو الثور، والحصان هو الحصان..."، لنقرأ بصورة أدقّ عن تنقلها واستعراضها العلنيّ كغرض فيزيائي لابد من رؤيته لتلقيه.
بعد القراءة السريعة نرى أنها عرضت للمرة الأولى عام 1937 في باريس على المنصة الإسبانيّة أثناء "المعرض العالميّ للفنون والتقنيات في الحياة المعاصرة" ونقرأ أيضاً أن هذه المنصة، كانت مدعومة من الجمهوريين الإسبان، المعارضين لفرانكو والذين خسروا الحرب الأهليّة.
بعدها وحتى عام 1981 لم تدخل اللوحة إسبانيا، فبيكاسو رفض أن تعرض في مدريد في حال لم تكن هناك حكومة ديمقراطيّة، بل ورفض طلب فرانكو الذي أراد أن تعود اللوحة، فمؤسس التكعيبيّة تجاهل أن تلك الفترة لم تكن تحوي سكايب أو فايس بوك أو أي وسيلة لنقل الصور والتسجيلات.
هنا لابدّ من بعض الأسئلة، لِمَ لَمْ يَقلْ بيكاسو أن الشعب الاسباني بحاجة لرؤية الجدارية الشهيرّة وقام بعرضها لاحقاً في إسبانيا؟ ولم لم يتحامق ويقول أن الفن لا علاقة له بالسياسة؟ ولم رفض أن يقام معرض شامل لأعماله في منصف الخمسينات في مدريد بالرغم من وساطات فرانكو؟
ما يمكن فهمه مما سبق، أن المُنتجً الفنيّ لا يكون سياسياً فقط في مضمونه، بل في طريقة عرضه ومساحة مرئيته.
ذات الشيء ينسحب على الفاعلين في الفضاء الثقافيّ، فحضورهم العلنيّ ضمن مساحة استعراض وعرض ما، هو اختزال للقوى والجهود السياسيّة التي أتاحت وصولهم وسهلت إنتاجهم.
الكلام النظري السابق يتضح في بيان بثّ خلال اختتام فعاليات الدورة التاسعة والعشرين لمهرجان الفيلم العربي بـ"فاميك" (شرق فرنسا) ويقول فيه أعضاء لجنة التحكيم:
"نظراً لاختيارات المهرجان، خاصة بمشاركة فيلم يمثل سوريا في المسابقة (المقصود فيلم جود سعيد رجل وثلاثة أيام)، وجدنا أنه من الواجب توجيه تحية للفنانين الكثر الذين دفعوا حياتهم ثمناً لمواقفهم، نذكر منهم، على سبيل المثال لا الحصر، باسل شحادة وعدنان زراعي وتامر العوام، كذلك إلى كل من هم في السجون والمضطهدين والمنفيين بسبب قمع نظام بشار الأسد".
ظهور العمل الفنيّ، فيلم، لوحة، كتاب، في مساحة ما، سواء عبر إنتاجه أو نَشره، يعني تواطؤاً كليّاً مع هذه المساحة وبناها الثقافيّة والسياسيّة، حتى لو لم يكن يحمل هذا المنتج أي سياسة في داخله، لكنه "مسموح به".
وكما في سوريا مثلاً "السماح" يمر بذات قنوات "المنع"، والمُنتج مُحمّل __ولو لم يكن ذلك واضحاً__ بالرسائل السياسيّة، حتى لو كان لوحات لنساء عاريات، فكيف لو كانت العدسة تلتقط الدمار الذي ولدته الحرب وتقنياتها ، بوصفه عنصراً جمالياً.
وهذا ما نراه الآن، فيما يخص العلاقة بين المعارضين للنظام السوريّ والمؤيدين له، والمقصود الفاعلين في القطاع الثقافيّ، لا الناس العاديين، بل أولئك الذين تتحرك ورائهم جهود إنتاج وقنوات للاستعراض والنشر والتبادل، والذين نرى صورهم سويّة، لا بوصفها مأخوذة سراً، أو مسربّة، بل موضوعة للعلن.
فنحن أمام استعراض غير رسمي، استعراض للتسلية، كصورة في حفل استقبال مثلاً، تجمع أفراداً مختلفين سياسياً في سياقات اللعب والأخوّة الإنسانيّة، لكن من السذاجة، اعتبار هذه الصور لا سياسيّة، نحن أمام موضوعات رمزيّة هنا، لا مجرد حياة شخصيّة، لسبب بسيط هو أن هذه الصور علنيّة.
فالصورة المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي لا تهدف للذكرى، بل للاستعراض حكماً، وهنا تبرز سياسات التجانس ضمن إطار اللعب والترفيه العلنيّ الذي يتمازح فيه بودّ، مُخرج سوري معارض مرشح للأوسكار، مع ممثل سوري آخر شهير بتأيده لجيش النظام السوريّ.
ما يخفيه الاستعراض، هو نوع من العلاقات الساذجة التي تحاول أن تخفي الماكينة الإنتاجية والسياسية وراء كل منهما، والاختلافات بين البنيتين التي يمثلهما كل واحد منهما، والتي يمكن أن تتلاشى فجأة إثر سيلفي عفويّة أو ضحكات متبادلة، بالرغم أن كل منهما في السياق الرسميّ لا يتفق مع الآخر -نظريا- حسب مضمون ما ينتجانه أو يشاركن بإنتاجه.
لكن، للأسف، وقت اللعب والمرح العلنيّ مُختلف، ولا سياسي حسب تبريرات البعض.
الاختفاء السابق سواء كان خياراً شخصياً أو نتيجة لحدث ما أو موقف سياسيّ ما، هو جزء من القيمة السياسية للفنان أو الكاتب أو الفاعل في الوسط العام، ويعكس دوره وموقفه سواء أراد ذلك أم لا، وخصوصاً أننا في زمن يجعلنا شديدي المرئيّة، ومسيسين لدرجة من السذاجة تجاهلها، أو ادّعاء الانفصال عنها، وفي كل مرة يتكرر فيها هذاالظهور والتآخي، تترسخ هذه الأعراف الجديدة، وتتساوى البروباغاندا مع العمل الفنيّ، وتستبدل العدالة باللعب.
المُنتجً الفنيّ لا يكون سياسياً فقط في مضمونه، بل في طريقة عرضه ومساحة مرئيته
ذات الشيء ينسحب على الفاعلين في الفضاء الثقافيّ، فحضورهم العلنيّ ضمن مساحة استعراض وعرض ما، هو اختزال للقوى والجهود السياسيّة التي أتاحت وصولهم وسهلت إنتاجهم.
الكلام النظري السابق يتضح في بيان بثّ خلال اختتام فعاليات الدورة التاسعة والعشرين لمهرجان الفيلم العربي بـ"فاميك" (شرق فرنسا) ويقول فيه أعضاء لجنة التحكيم:
"نظراً لاختيارات المهرجان، خاصة بمشاركة فيلم يمثل سوريا في المسابقة (المقصود فيلم جود سعيد رجل وثلاثة أيام)، وجدنا أنه من الواجب توجيه تحية للفنانين الكثر الذين دفعوا حياتهم ثمناً لمواقفهم، نذكر منهم، على سبيل المثال لا الحصر، باسل شحادة وعدنان زراعي وتامر العوام، كذلك إلى كل من هم في السجون والمضطهدين والمنفيين بسبب قمع نظام بشار الأسد".
ظهور العمل الفنيّ، فيلم، لوحة، كتاب، في مساحة ما، سواء عبر إنتاجه أو نَشره، يعني تواطؤاً كليّاً مع هذه المساحة وبناها الثقافيّة والسياسيّة، حتى لو لم يكن يحمل هذا المنتج أي سياسة في داخله، لكنه "مسموح به".
وكما في سوريا مثلاً "السماح" يمر بذات قنوات "المنع"، والمُنتج مُحمّل __ولو لم يكن ذلك واضحاً__ بالرسائل السياسيّة، حتى لو كان لوحات لنساء عاريات، فكيف لو كانت العدسة تلتقط الدمار الذي ولدته الحرب وتقنياتها ، بوصفه عنصراً جمالياً.ظهور العمل الفنيّ ــ فيلم، لوحة، كتاب ــ في مساحة ما، سواء عبر إنتاجه أو نَشره، يعني تواطؤاً كليّاً مع هذه المساحة وبناها الثقافيّة والسياسيّة، حتى لو لم يكن هذا المنتج يحمل أي سياسة في داخله، لكنه "مسموح به".
المواطنة الاستعراضية: أشكال من الأداء العلنيّ والتمثيل الثقافيّ التي تجمع المختلفين ضمن إطار واحد، وهو إطار الترفيه والتسليّة، التي ينصاع لها البعض دون وعي، أو إدراك بأن حضورهم يساهم في تطبيع البُنى التي هجّرت البعض، وتركت البعض بلا عمل.
شخصيات عامة قلقة
ضمن المنطق السابق، الشخص الفاعل والمُنتج علناً في السياق الثقافيّ، لا ينفصل عن عمله، ولا عن السياسات التي أنتجت هذا العمل، وسلسلة السيكتشات التي أنجزها بيكاسو لستالين، هي منتجات ثقافيّة سياسيّة، ولو كانت خربشات، كونها مرئيّة وعلنيّة، وتمجّد طاغيّة ولا تختلف عن صوره الشخصية مع قيادات من الاتحاد السوفيتي.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 6 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.