شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
العذاب الطويل اللذيذ الروحاني.. عن الجدل الأوروبي حول الذبح الحلال

العذاب الطويل اللذيذ الروحاني.. عن الجدل الأوروبي حول الذبح الحلال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 20 أكتوبر 201805:25 م

"تصبح مسلماً عندما تأكل اللحم الحلال". هذا التصريح لزعيم حزب الديمقراطي السويدي "مايكل أوهمان" في العام 2015 ، وقد اعتبر حينها أن اللحوم الحلال لديها قوةُ سحريةُ قادرة على تحويل الناس إلى مسلمين، وعليه طالب "أوهمان" بإصدار حظرٍ شاملٍ على هذه اللحوم زاعماً أن هذه الممارسة هي ضد قوانين حماية الحيوان في السويد. تعتبر الشريعة الإسلامية أن هناك طريقة معيّنة يجب التقيّد بها عند ذبح الحيوان لكي يكون محللاً للأكل، ومن أهم شروط الذبح الحلال هو النطق بالبسملة قبل الشروع في الذبح وقطع الحلقوم بآلةٍ حادةٍ لكي ينساب الدم خارجاً دون أن تصل عملية الذبح إلى الحبل الشوكي، من باب تجنب التعذيب غير الضروري للذبيحة، خاصة أنها يجب أن تكون حيّة قبل الذبح.

شهدت صناعة لحوم الحلال نمواً واضحاً من كونها محصورة في محلات الكباب الصغيرة إلى صناعة فخمة تغزو الأسواق الأجنبية، خاصة مع تزايد أعداد المسلمين في البلدان الأوروبية.
هناك اتّجاه تم تكريسه في قانون الإتحاد الأوروبي، ينص على ضرورة صعق الحيوانات قبل قتلها وذلك لكي تكون فاقدة للوعي ولا تشعر بالألم الناجم عن عملية الذبح، إلا أن الذبح على الطريقة الإسلامية يحتم أن تكون الذبيحة على قيد الحياة.
غير أن هذه الطريقة الإسلامية في الذبح تثير جدلاً واسعاً في أوروبا، ففي حين أن البعض يرحب بالفكرة على أساس أنها فرض ديني "فإذا قتلتُمْ، فأحسِنوا القتلةَ، وإذا ذبحتُمْ، فأحسِنوا الذَّبحَ، وليحدَّ أحدُكُم شفرتَهُ، وليُرِحْ ذبيحتَهُ"، فإن البعض الآخر يعتبر أن هذه الممارسة تُسيء إلى الحيوانات كما أنها تقلل من جودة اللحوم.

ازدهار سوق "الحلال"

على مدى السنوات الـ15 الماضية، برز العديد من الأسواق المخصصة لبيع اللحوم الحلال في بعض الدول الأوروبية، وبالرغم من أن عدداً كبيراً من المتاجر التي تحمل طابعاً عرقياً لا تزال منفذ البيع الرئيسي للحوم الحلال في معظم البلدان، إلا أن منتجات اللحوم التي تحمل شعار "حلال" تتوافر بشكلٍ متزايدٍ في السوبرماركت ومطاعم الوجبات السريعة، خاصة أن شعار "حلال" قادر وحده على توفير "الراحة النفسية" للمستهلكين الإسلام.

إلا أن هذا الشعور بالراحة قد يكون في بعض الأحيان في غير محله، إذ أن توسع رقعة أسواق "الحلال" سهل عملية بروز مجموعاتٍ عديدةٍ لكل واحدةٍ منها إستراتيجياتها التسويقية وتفسيراتها الخاصة بمفهوم "الحلال"، وتعليقاً على موضوع العشوائية في الذبح، قال "ياسر لواتي":" يمكن لأي مراقبٍ دخول السوق...لا نعرف كيف يحددون معاييرهم والأمر غير واضح بالنسبة للمستهلكين أنفسهم". أما النقطة المثيرة للاهتمام فهي تتمثل بكون اللحم الحلال يحاول أن يفرض نفسه على أسلوب الحياة المعاصر، بعدما شهدت صناعة لحوم الحلال نمواً واضحاً من كونها محصورة في محلات الكباب الصغيرة إلى صناعة فخمة تغزو الأسواق الأجنبية، خاصة مع تزايد أعداد المسلمين في البلدان الأوروبية، وفي هذا الصدد، قامت سلاسل المطاعم الأجنبية، على غرار "ناندو" و،kfc بإنشاء منافذ حلال، كما أن السوبرماركات باتت تضم أكثر فأكثر أطعمة حلال مجمّدة لتسهيل حياة الناس. يقول "نور علي"، مدير إحدى الشركات المتخصصة بالطعام:" إن المنتجات التي تسمح بتسهيل نمط الحياة باتت أكثر شعبيةً، على غرار اللحم الحلال المعبأ سابقاً"، الأمر الذي يطرح تساؤلات متعلقة بجودة هذه المنتجات.

حلال: جودة أقل؟

أمام تزايد الطلب على منتجات الحلال وازدهار سوقها في أوروبا خاصة في المملكة المتحدة حيث تبلغ قيمة سوق اللحم الحلال مليار جنيه إسترليني، يقف البعض قلقاً بشأن هذه الظاهرة المنتشرة بكثرة خوفاً من تجريدها من سياقها الروحاني على حدّ قول لطفي رضوان، المسؤول عن مزرعة "ويلوبروك" في بريطانيا:" إذا كان الحلال يعني أي شيء، فهو يجب أن يكون أكثر شموليةً. يجب أن يميّز نفسه". واللافت أنه في مرزعة آل رضوان تتم تربية الحيوانات بعنايةٍ كما أن عملية الذبح تحصل وفق الشريعة الإسلامية، خاصة لناحية الإتيان على ذكر الله قبل ذبح الحيوان وهو "اعتراف بالروحانية وراء كل الوجود المادي" وفق ما قاله رضوان لصحيفة الغارديان البريطانية، مضيفاً أن هذه الطريقة "تعيدكم إلى فكرة أنكم بشر مسؤولون عن أرض الله".

في المقابل تقف فئةُ من الناس بوجه اللحم الحلال لاعتباراتٍ متعلقة بالجودة، فبالرغم من أن طريقة الذبح لا تؤثر كثيراً على المذاق إلا أن البعض يعتبر أن المنتجات "الحلال" هي أقل جودةً من غيرها، خاصة تلك التي تكون متوافرة على عربات الشاورما في الشارع، وهو أمر رفضه بشكلٍ قاطع الأخوان اللذان يديران ملحمة Les Jumeaux في ضواحي باريس:" أنا مسلم. أنا عربي وأنا أنتج أيضاً منتجات ذات جودةٍ عالية"، وفق ما قاله سليم اللومي لصحيفة "واشنطن بوست"، مضيفاً:" أننا حلال 100% ولكننا حقاً حرفيون وفي خضم التقليد الفرنسي".

بين الروحانية وغياب الرحمة الإنسانية

ومن الجودة وصولاً إلى الشق الأخلاقي، يحتدم الصراع بين المؤيدين والمعارضين على مسألة ما إذا كان الذبح الحلال هو أكثر أو أقل إنسانيةً من الممارسات الأخرى.

هذه الطريقة "تعيدكم إلى فكرة أنكم بشر مسؤولون عن أرض الله
ففي حين أن هناك بعض الآراء الصادرة على لسان نشطاء من حقوق الحيوان والتي تنتقد الطريقة الإسلامية للذبح على اعتبار أنها "قاسية" بحق الحيوانات وتسبب للذبيحة معاناة غير ضرورية، وبالتالي تدعو إلى حظر هذه الممارسة نهائياً، فإن الجهات الإسلامية تشدد على أن الذبح الحلال يتميز بكونه أكثر إنسانيةً من طريقة الذبح العادية. ولعلّ السؤال الأكثر إثارة للجدل في هذا الخصوص: هل تشعر هذه الحيوانات بالألم قبل ذبحها؟ في أوروبا، كان هناك اتّجاه تم تكريسه في قانون الإتحاد الأوروبي، ينص على ضرورة صعق الحيوانات قبل قتلها وذلك لكي تكون فاقدة للوعي ولا تشعر بالألم الناجم عن عملية الذبح، إلا أن الذبح على الطريقة الإسلامية يحتم أن تكون الذبيحة على قيد الحياة، وبالرغم من ذلك فإن الأصوات المؤيدة لا تعتقد أن هذه الممارسة تفتقر إلى الإنسانية، خاصة أن المسلمين يشددون على أن التقاليد الإسلامية تولي أهمية كبرى لرفاهية الحيوان، ليس فقط في لحظة موته بل في جميع مراحل حياته. وفي هذا الصدد، اعتبر كل من "شجى شافي"، رئيس مجلس مسلمي بريطانيا و"جوناثان أركوش" أن الذبح على الطريقة الإسلامية هو على نفس قدرٍ من الإنسانية من الذبائح الأخرى، إذ أوضحا أن الطرق التقليدية الأخرى للذبح والتي تقوم على استخدام الغاز أو الصعقات الكهربائية تشلّ الحيوان فقط وتمنعه من الحركة:" إلا أنه من المستحيل معرفة ما إذا كان الحيوان يشعر بالألم أم لا"، على حدّ قولهما. غير أن الناشطين والمدافعين عن حقوق الحيوان يعترضون على الذبح على الطريقة الإسلامية، على اعتبار أنها تسبب للذبيحة معاناة لا لزوم لها، فالنشطاء في جماعة Peta على سبيل المثال يصفون الذبح الحلال بـ"العذاب الطويل"، مشيرين إلى أن "هذه الحيوانات تصارع قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة لأنها تكافح من أجل الصمود في حين أن الدم ينبض من أعناقها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image