غالباً ما يندرج الحجاب في مناقشات حيوية تثير جدلاً واسعاً خاصة أن مسألة تغطية الرأس ليست وليدة اليوم أو حكراً على فئةٍ دينيةٍ معيّنةٍ كما يخال البعض، بل كانت ذات مرحلةٍ جزءاً لا يتجزأ من جميع الديانات الإبراهيمية (المسيحية والإسلام واليهودية) كما أن جذورها تعود إلى آلاف السنين وتحديداً إلى الحضارات القديمة لبلاد ما بين النهرين.
من الوشاح الذي كان من صلب الديانة المسيحية وصولاً إلى أغطية الرأس الراقية والمعاصرة التي نشهدها اليوم في ظل القفزة النوعية في عالم الأزياء والحرص على إشراك المرأة المسلمة بصيحات الموضة، يحاول معرض Veiled, Unveiled! The Headscarf، الذي أُفتتح أمس في أهم متحف أنثروبولوجي في النمسا - Weltmuseum Wien - تسليط الضوء على النقاب انطلاقاً من وجهات النظر المختلفة والتركيز على التداخلات والتناقضات التي ينطوي عليها هذا القماش مع التأكيد أن مسألة تغطية الرأس بواسطة الحجاب هي ممارسة تتخطى الاعتبارات الدينية والثقافية والجغرافية.
[caption id="attachment_167717" align="alignnone" width="1000"] Türkische-Frauen,-Turkish-women,-Basile-Kargopoulo,-Istanbul,-around-1870,-©-KHM-Museumsverband[/caption]
رحلة النقاب مع التناقضات
لا يكتفي المعرض بعرض الحجاب كمجرّد قطعة ملابس "اختيارية"، كما أنه لا يشيح بنظره عن الجدل الآني والمستجدّ حول غطاء الرأس في الإسلام، خاصة مع قول البعض بأن بعض النساء المسلمات مُجبرات بالفعل على وضع الحجاب في الأماكن العامة.لا يكتفي المعرض بعرض الحجاب كمجرّد قطعة ملابس "اختيارية"، كما أنه لا يشيح بنظره عن الجدل الآني والمستجدّ حول غطاء الرأس في الإسلام، خاصة مع قول البعض بأن بعض النساء المسلمات مُجبرات بالفعل على وضع الحجاب في الأماكن العامة.
يشدد المعرض على ضرورة عدم اعتبار الحجاب مجرّد تعبير ديني يعكس خضوع المرأة للرجل، وذلك من خلال تسليط الضوء على بعض الأغطية التي يضعها الرجال على رؤوسهم مثل العمائم والطاقية اليهودية التي تخضع بدورها للجوانب التاريخية والثقافية والدينية جنباً إلى جنب مع قواعد اللباس.وردّاً على ما يُقال بأن "النقاب ما هو سوى تأكيد على سلطة الرجل على جسد المرأة"، يشدد المعرض على ضرورة عدم اعتبار الحجاب مجرّد تعبير ديني يعكس خضوع المرأة للرجل، وذلك من خلال تسليط الضوء على بعض الأغطية التي يضعها الرجال على رؤوسهم مثل العمائم والطاقية اليهودية التي تخضع بدورها للجوانب التاريخية والثقافية والدينية جنباً إلى جنب مع قواعد اللباس، خاصة أنه كان هناك اعتقاد قديم بأن الوشاح يحفظ الرجل من الأرواح الشريرة ويعدّ من الطقوس المهمة لانتقال الذكر من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرجولة. [caption id="attachment_167720" align="alignnone" width="1000"] Women-in-a-Beni-Hlal-village.-Smiyra,-Southern-Morocco,-October-2015,-Photographer_-Georg-Gressenbauer[/caption] ونتيجة تأرجحه بين الجندرية والعوامل الجغرافية وغيرها، قد يتبادر إلى ذهن البعض السؤال التالي: هل الحجاب هو أكسسوار عالمي؟ إلا أن الإجابة قد لا تكون مباشرة على حدّ قول القيّم على هذا المتحف "أكسيل ستاينمان": "لكن الرأس، تماماً مثل الجسم، لطالما تم تزيينه وتغطيته في جميع الثقافات". [caption id="attachment_167711" align="alignnone" width="1000"] Men’s-Headscarves,-Iket-KepalaIndonesia,-Java,-Yogyakarta,-©-KHM-Museumsverband[/caption]
معرض مستوحىً من الأحداث الآنية
انبثقت فكرة معرض "Veiled, Unveiled! The Headscarf" من رحم الأحداث الجارية في العالم، وهو الأمر الذي أكدّه "أكسيل ستاينمان" لموقع "دويتشه فيليه"، مشيراً إلى أنه، بالرغم من أن المعرض يجسّد حقبة زمنية قديمة تعود إلى آلاف السني، فهذا الحدث الفني الفريد من نوعه هو وليد سلسلةٍ من الأحداث الاجتماعية والسياسية التي حدثت في وقتٍ سابقٍ، على غرار الرموز التعبيرية المستحدثة التي تصور المرأة وهي ترتدي الحجاب وقرار المملكة العربية السعودية بمنح الجنسية إلى الروبوت "صوفي" التي ظهرت مكشوفة الرأس ولا تضع الحجاب كسائر النساء السعوديات. [caption id="attachment_167719" align="alignnone" width="1000"] Viennese-Chic,-2018,-©-Susanne-Bisovsky,-Foto_Bernd-Preiml[/caption] وفي هذا الصدد، شدد "ستاينمان" على أنه من المهم إدراك أن الحجاب تأثر دوماً بمحيطه السياسي والأخلاقي على مرّ التاريخ، سواء كان ذلك في الشرق أو في الغرب، مشيراً إلى أن الهدف من هذا المعرض هو "الكشف عن التحولات التي مرّ بها الحجاب وتم نسيانها أو قمعها أو حتى تلك التي لا نعرفها ببساطة". [caption id="attachment_167715" align="alignnone" width="1000"] Tina-Lechner,-Xiao,-2018,-silver-gelatine-print,-90-x-70-cm,-Courtesy-Galerie-Hubert-Winter,-Vienna[/caption] يفتح معرض Veiled, Unveiled! The Headscarf أبوابه حتى 26 فبراير 2019 لجميع الزوار الذين يتطلعون إلى فهم المعاني المختلفة التي يجسدها الحجاب من خلال الصور الفوتوغرافية، والرسومات، ومقاطع الفيديو وتصاميم الأزياء.قماش نابض بالمعاني
لطالما أثار موضوع الحجاب الذي تستخدمه النساء لتغطية رؤوسهنّ انقساماً حاداً في المجتمعات، فعلى مدى 4000 سنة حمل غطاء الرأس هذا الكثير من المعاني والرموز، وفي حين أنه غالباً ما تُربط كلمة "حجاب" تلقائياً بالنساء المسلمات فإن بدايته كانت مع الديانة المسيحية إذ احتل مساحةً مهمةً من الثقافة الأوروبية لعدة قرون بحيث كانت المرأة المسيحية تقوم بتغطية رأسها بوشاحٍ بسيطٍ خاصة أثناء حضورها المراسيم الدينية. [caption id="attachment_167716" align="alignnone" width="1000"] Türkin,-Muslim-woman-from-Mostar,-Stjepan-Tomlinovic,-Bosnia-Herzegovina,-around-1900,-©-KHM-Museumsverband[/caption] فبالعودة إلى التقاليد التي كانت سائدة في المجتمعات المسيحية، فإن ستر الرأس كان يدل على الكرامة والعفة والعذرية، في حين أن الكشف عن الشعر كان يعتبر في ذلك الوقت أمراً غير أخلاقي وغير مقبول على الإطلاق. وكان من الشائع رؤية النساء وهنّ يضعن غطاء الرأس في الكنيسة، بناءً على ما أوصاه القديس بولس لناحية تغطية الرأس والوجه عند التحدث مع الخالق. وكانت تعتبر تغطية الرأس من امتيازات النساء المتزوجات وقد تحولت في وقتٍ لاحقٍ إلى تقليد للراهبات. وفي أوروبا انتقل الحجاب من كونه رمزاً للعزة الوطنية خاصة في فترة الاشتراكية القومية إلى "أكسسوار" يعكس الترف والأناقة والتحرر وذلك في الخمسينيات من القرن العشرين. [caption id="attachment_167718" align="alignnone" width="1000"] Viennese-Chic,-2018,-©-Susanne-Bisovsky,-Foto_-Bernd-Preiml[/caption] ومن الديانة المسيحية التي شهدت مع الوقت تراجعاً ملحوظاً في مسألة تغطية الرأس، ننتقل إلى الديانة الإسلامية التي لطالما كان الحجاب فيها شائعاً بين النساء المسلمات، وفي حين أن البعض منهنّ يلجأن اليوم إلى وضع الحجاب التقليدي من باب القناعة الدينية لا غير، فإن أخريات يحاولن الاستفادة من ابتكارات دور الأزياء والدمج بين الموضة والنقاب من خلال تغطية الرأس بأقمشةٍ معاصرة مفعمة بالألوان، من أجل التأكيد أن المرأة المسلمة والمتديّنة بامكانها أن تكون أيضاً مواكبة لصيحات الموضة. [caption id="attachment_167713" align="alignnone" width="1000"] Suzanne-Jongmans,-Mind-over-Matter---Voltar,-Courtesy-Galerie-Wilms[/caption] لا يتوقف الحجاب فقط عند حدود الدين كما أنه ليس "مكمّلا" للملابس بل تحول في بعض الأحيان إلى أداةٍ سياسيةٍ بيد بعض المجموعات التي تطالب بحقوقها، فقد اعتبرت الناشطات في إيران أن قطعة القماش هذه التي توضع على الرأس يمكن أن تحرك الشعوب وتشعل الثورات وتحث الناس على التغيير، إذ سبق أن قامت مجموعة من الإيرانيات بالوقوف عند تقاطعاتٍ مزدحمةٍ والتلويح بغطاء الرأس تعبيراً عن احتجاجهنّ على التمييز الجنسي الحاصل في بلادهنّ والتشديد على ضرورة أن يكون الحجاب خياراً شخصياً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...