"هل نحتاج للنفط السعودي؟" سؤال طرحته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، في افتتاحيتها الثلاثاء، معتبرة أن الحسابات تغيرت خلال السنوات الماضية، بسبب دخول النفط الصخري في المعادلة.
جاء الرد على تساؤلات الصحيفة الأمريكية، على لسان خبراء سعوديين وعالمين في النفط، أكدوا لرصيف22 أن الولايات المتحدة ستبقى بحاجة للنفط السعودي لعشر سنوات قادمة على الأقل، مشددين على أن المخاطر التي تهدد الاقتصاد الأمريكي جراء ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات فوق الـ100 دولار، حقيقية ولا يمكن التقليل من شأنها.
وقالت واشنطن بوست إن السعودية زودت الولايات المتحدة 9% من حاجتها من النفط عام 2018، أي نحو 960 ألف برميل من النفط في اليوم، مؤكدة أن الولايات المتحدة باتت أكبر منتج للنفط الخام في العالم، بمتوسط صادرات إنتاج عالمي يبلغ 6.38 مليون برميل يوميًا، وأنه "إذا قاطع السعوديون الولايات المتحدة، يمكنهم رفع الأسعار مؤقتًا لكن المستفيد ستكون شركات إنتاج النفط الصخري، التي مع مرور الوقت ستسد الفجوة، وتسدد ضربة قاضية لصناعة النفط السعودية".
"هذا الكلام غير دقيق، ويخالف الأرقام الرسمية"، هكذا وصف خبير النفط العالمي عبد السميع بهبهاني تقرير واشنطن بوست، مؤكدًا أن السعودية تمد الولايات المتحدة الأمريكية بأكثر من أربعة ملايين برميل نفط يوميًا، مشددًا في الوقت ذاته على عدم قدرة النفط الصخري سد هذه الفجوة قريبًا. ويقول بهبهاني لرصيف22: "الحديث عن استغناء الولايات المتحدة الأمريكية عن النفط السعودي ممكن فنيًا، ولكنه لن يتحول للواقع إلا بعد عشر سنوات على الأقل، حاليًا الولايات المتحدة تستورد نحو 8 ملايين برميل نفط يوميًا من كندا والسعودية والمكسيك، منها أكثر من أربعة ملايين برميل من السعودية، لدي أرقام رسمية تؤكد أنها تستورد هذا الرقم تقريبًا، في الوقت الذي تنتج فيه نحو 11.2 مليون برميل بين نفط تقليدي من خليج المكسيك وأوكلاهوما وتكساس، ونفط صخري".
ويكشف بهبهاني وهو خبير نفط كويتي، عمل سنوات طويلة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، أن الحكومة الأمريكية لا تقوم بإنتاج النفط بشكل مباشر، ولكن تشتريه من شركات النفط المحلية، بالسعر العالمي، كما تستقطع منها ضرائب وحقوق استغلال الأرض، تراوح بين 20% و30% من قيمة السعر العالمي. ويضيف: "تملك الولايات المتحدة الأمريكية مخزونًا استراتيجيًا من النفط موزعًا على عدة مواقع بين أوكلاهوما وتكساس وساوث كارولينا، تقوم بتغذيته بشكل مستمر، لكنها لا تحصل من الصخري على شيء، كما أنها لا تخزن شيئًا من النفط الصخري، بل يذهب لشركات الطاقة الخاصة"، ويتابع متحدثًا عن قدرة الولايات المتحدة على الاكتفاء الذاتي من النفط :"هم يشترون من منتجين متعددين، سواء كانوا شركات خاصة أو عالمية، هو نفط مدفوع الثمن بالسعر العالمي، حتى شركات الطاقة والكهرباء هي شركات خاصة وغير حكومية، إذا قطعت السعودية النفط، وهذه فرضية مثالية غير متوقعة، فسيقفز النفط إلى 100 دولار بسرعة، وهذا سيهز الأسواق، ويدمر الأسواق الأمريكية".
ما هو النفط الصخري؟
آبار عملاقة للحفر، تصل لأعماق سحيقة، حيث تستقر بركة من النفط، هكذا يتم استخراج النفط التقليدي، ولكن في العقدين الماضيين، ظهر نوع جديد من الإنتاج، هو النفط الصخري، يقوم على تكسير الصخور المتشبعة بالنفط عبر دفع الماء، لاستخراج النفط المتحجر في داخلها، هذا النوع من النفط نشط في كندا والولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، لكنه يحتاج نفقات عالية، ففي وقت لا تتجاوز تكلفة إنتاج برميل النفط التقليدي7 دولارات، تصل تكلفة إنتاج النفط الصخري لأكثر من 40 دولارًا، وفي بعض المناطق الصعبة تصل إلى 70 دولارًا، كما أنه مدمر للبيئة. يقول الدكتور راشد النامي، وهو خبير نفطي عمل في شركات نفط لأكثر من 18 عامًا :"يحتاج النفط الصخري لأسعار نفط مرتفعة كي يكون مجديًا، أنا حفرت بئرًا في تكساس عام 2010، كان بسعر 40 دولارًا للبرميل الواحد، الآن نزلت هذه التكلفة لنحو 35 دولارًا قبل حساب الضريبة، لكن تظل هذه التكلفة كبيرة، خاصة أن أسواق النفط غير مستقرة". ويضيف: "هناك عقوبات تحول دون توسع النفط الصخري، فالحقول التي تنتج هذا النوع من النفط صغيرة، إذ لا يوجد في الولايات المتحدة سوى حقلين كبيرين فقط، والحقول الكبيرة تحتاج إلى رأس مال كبير للإنتاج فيها، غير أن السوق حاليًا غير مستقرة، هذا ما يجعل البنوك تحجم عن الإقراض في مثل هذا النوع من المشاريع"، ويشرح: "أيضًا البنية التحتية للولايات المتحدة لا تحتمل التوسع في هذا النوع من الإنتاج حاليًا، لهذا السبب فشل مشروع الأكسنل الذي كان يعمل بطاقة 46 أنج، لأن المستثمرين كانوا غير متحمسين لذلك، الولايات المتحدة لا تستطيع أن ترفع إنتاجها لعشرين مليون برميل لتحقق الاكتفاء الذاتي".سوق مزدحمة
اعترفت أوبك، وهي مجموعة الدول المصدرة للنفط، بأن ارتفاع النفط الصخري الأمريكي سيمتد حتى العقد المقبل، ليستحوذ على حصتها في السوق، متوقعة أن تصل الإمدادات الإجمالية من خارج أوبك إلى نحو 8.6 مليون برميل يوميًا من 2017 حتى 2913 إلى 66.1 مليون برميل يوميًا، بدعم أساسي من زيادات إنتاج النفط الصخري الأمريكي. وتوقع التقرير ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي إلى 17 مليون برميل يوميًا بنهاية العقد المقبل، ليشكل حوالي 25% من إجمالي الإمدادات من خارج أوبك، يقول الدكتور النامي: "نعم سيرتفع الإنتاج، وخاصة الأمريكي، لكن في المقابل سيرتفع الطلب العالمي على النفط ليصل لأكثر من 112 مليون برميل يوميًا، وسيكون الارتفاع أكبر من الإنتاج". ويضيف: "معظم التقارير النفطية تؤكد أن صناعة النفط الصخري ستستمر في التطور، أما إنتاج النفط الأمريكي فسيرتفع بمقدار 230 ألف برميل في اليوم، لكن هذا النفط مكلف ويحتاج استثمارات ضخمة، وفي سوق غير مستقرة سيكون من الصعب توفير تلك الأموال". في تقرير له، أكد بنك جولدمان ساكس الدولي أن النمو في الإنتاج الأمريكي من النفط الخام سيستمر في الاتساع خلال العامين المقبلين، وبشكل أكبر مما خطط له، وحافظ البنك على توقعاته لنمو إنتاج النفط في الولايات المتحدة في 2018 بنحو 103 مليون برميل يوميًا، لافتًا إلى أن المنتجين زادوا موازانات عام 2018 بنسبة 7% في الإجمالي، وقد يكون هناك احتمال لارتفاع تقديرات النمو البالغ 1.1 مليون برميل يوميًا في عام 2019. غير أن البنك اعترف بأن نمو إنتاج النفط الصخري الأمريكي كان محدودًا في الفترة الماضية بفعل حدوث اختناقات في خطوط الأنابيب وتضخم تكاليف الإنتاج وتقارب وازدحام حقول النفط، وهو ما أسهم بتباطؤ عمليات الحفر وتقلص الإنتاج، غير أن الكثيرين في صناعة النفط الصخري الأمريكي واثقون بأن التهدئة الحالية في مستويات الإنتاج ستكون مؤقتة."إذا قطعت السعودية النفط عن الولايات المتحدة، فسيقفز النفط إلى 100 دولار بسرعة، وهذا سيهز الأسواق، ويدمر الأسواق الأمريكية"، يقول الخبير النفطي عبدالسميع بهبهاني لرصيف22
"هل نحتاج للنفط السعودي؟" سؤال طرحته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، في افتتاحيتها الثلاثاء، معتبرة أن الحسابات تغيرت خلال السنوات الماضية، بسبب دخول النفط الصخري في المعادلة.
حرب إعلامية
"حديث غير مبني على أسس متينة"، وصف الخبير في الطاقة الدولية الدكتور نبيل العرج الحديث عن قدرة الولايات المتحدة على الاستغناء عن النفط السعودي بأنه غير واقعي، ويقول: "أسواق النفط العالمية ليست سوبر ماركت يمكن أن تتسوق من أي مكان تريد، أي منتج للنفط يعرف أين سيوجه براميله قبل أن يقوم بالحفر، نحن في أكتوبر نتحدث عن عقود أبريل، سوق النفط سوق دقيقة، وتقوم بموازنة العرض والطلب، ومع التوقعات بتوقف إنتاج النفط الإيراني نتيجة العقوبات الأمريكية التي تدخل الشهر المقبل حيز التطبيق، سنكون كمن يقف على حقل ألغام، وأي هزة في هذه السوق ستؤدي إلى انفجاره، وأول من سيتضرر هي الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...