كلّ فصل خريف، منذ عام 1953، يكتسي مهرجان لندن السينمائيّ الدوليّ حلةً جديدة بألوان سينمائية قادمة من خمسين بلدا؛ وإن ما يجعل هذا المهرجانَ مختلفًا عن باقي المهرجانات العالمية، هو اهتمامه بالأفلام والجمهور؛ فالدورة الـ62 للمهرجان انطلقت يوم 10 أكتوبر، بمشاركة 255 فيلمًا قادمًا من سبعة وسبعين بلدا، أغلبها أفلام عن المرأة، ومن إخراجها؛ فقد قرّرت عاصمةُ الضباب أن تنتصر لقضايا النساء، و تسلّط الضوءَ على حكاياتها لمدة 12 يوما، و كانت البداية بعرض فيلم "أرامل" للمخرجِ الأمريكي ستيف ماكوين.
ورغم ما تشكّله السجادة الحمراء من سِحرٍ، يصنع وهج المهرجاناتِ الكبرى كلّ مساء، إلا أن هذا المضمار الدّوليّ لا يشغل بالَ لندن السينمائي، فثقافة الـ"glamour"، كما تقول الكلمة الإنكليزية الأقرب لوصفِ البساطِ الأحمر لمهرجان كان؛ لا تشكّل هوية أساسية في مهرجان لندن السينمائي؛ حيث استقبل ميدان "ليستر"، بوسط لندن العاصمة، ضيوفَ المهرجان، ببساطٍ متواضع مقارنة بما يحظى به نجومُ هوليود، من موسيقى وصخب واستعراض لأحدثِ صيحات الموضة.
وسط أجواءٍ جدّ حسّاسةٍ تمرُّ بها السينما العالمية، قرّر أيضا مهرجان لندن ضمَّ صوتِه إلى صرخة العالم في وجه التحرّش الجنسيّ؛ وهو الشعار الذي رفعه المهرجان هذه السنة بعنوان (انا أيضا) في إشارة إلى الحملة العالمية التي قادتْها عدّةُ مهرجانات عالمية منها مهرجان "كان" و"فينسيا" و"برلين" وحتى جائزة "الأوسكار" و"الغولدن غلوب" و"البافْتا"؛ الذين جعلوا من سنة 2018 عامًا للانتفاضةِ ضدَّ المتحرّشين جنسيًّا عقبَ فضيحةِ المنتجِ الأمريكي هارفي وينستاين، "أشهر متّهم في قضايا التحرّش الجنسيّ في هوليود عبر التاريخ".
قرّرت عاصمةُ الضباب أن تنتصر لقضايا النساء، و تسلّط الضوءَ على حكاياتها لمدة 12 يوما، و كانت البداية بعرض فيلم "أرامل" للمخرجِ الأمريكي ستيف ماكوين.
يشارك في مختلف الفئاتِ ثمانيةُ أفلامٍ عربية، أبرزها فيلم "كفرناحوم" للمخرجة اللبنانية نادين لبكي، وفيلم "يوم الدين" للمخرج المصري أبو بكر شوقي، وفيلم "حقولُ الحرّية" للمخرجة الليبية نزيهة العريبي.وجاء رفع شعار (أنا أيضا) بمرافقةِ القضيةِ الأبرز على الإطلاق في المشهد السينمائي العالميّ بعَشراتِ الأفلام التي تندّد بشدّة بِسلوكِ المتحرّشين جنسيًا، وقد توجّه لندن السينمائي، في الدفاع عن المرأة، إلى نقطةٍ أبعدَ من مهرجان فينسيا، فهذا الأخير ورغم إعلانه دعم المرأة، إلا أنه لم يفتح المجالَ سوى لمخرجةٍ واحدةٍ كي تدخل المنافسة، وفي المقابل لقد أعطى لندن السينمائيّ، المرأةَ المخرجةَ حصّةَ الأسد، بالنظر لعدد الأفلام، حيث يوجد 149 فيلماً يتمحور حول المرأة من أصل 225 فيلمًا مشاركًا في لندن.
عام 2018: انتفاضةُ العالمِ ضدّ المتحرّشين
يعتبر فيلم الافتتاح "أرامل" من النقاط التي تُحسب للّجنةِ الفنية لمهرجان لندن هذا العام، فالمخرج ستيف ماكوين، الذي سبق و أن حاز على الأوسكار عن فيلمه "12سنة من العبودية" عام 2013، عاد إلى موضوعٍ أكثرَ تعقيدًا، مسلّطًا الضوءَ على مشاعرِ المرأةِ المطلّقة، من بطولة فيولا ديفيس، ميشيل رودريغيز، إليزابيث ديبيكي، ليام نيسون، وكولين فاريلز. وهو الفيلم الذي انتصر للمرأة، ما يجعل من المهرجانِ نافذةً حقيقيةً، تعكس اهتمامَ العالم بالنساء بشكلٍ واضحٍ جدا، ويفسّر من جهةٍ أخرى قرارَ حجبِ جائزة نوبل للآداب لأول مرّة بعد شبهة التحرش الجنسي التي أحاطت بأحد أعضاء اللجنة؛ كما يؤكد المهرجانُ أن قضية التحرش أصبحت تدقّ ناقوسَ الخطر فعلًا، وتدعم قراراتِ جائزة نوبل للسّلام، والتي مُنحت لأول مرّة للطبيب الكونغولي دينيس موكويجي مناصفةً مع العراقيّةِ نادية مراد والتي تعرضت للاغتصابِ من قبلِ "داعش". وقد بدت إدارة المهرجان فخورة برفع هذا الشعار، وبفتحِ المجال أمام المرأة لتقولَ كلمتِها في مهرجان لندن، وهو ما يعكسه تصريح المديرة الفنّيةِ لمهرجان لندن السينمائي تريشا تاتل، للصحافة البريطانية، حيث قالت: "إنّ تشجيعَنا للمرأة السينمائية، يجعلنا نشعر بالفخر والاعتزاز"، مؤكدةً أن 38 في المئة من الأفلام المشاركةِ في مهرجان لندن هي من إنجاز مُخرجات". وبلا منازعٍ، اعتُبرتْ قضية "التحرّش الجنسي" من مواضيعِ الساعة في السينما العالمية عام 2018، حيث قد زلزلت حتى الأوسكار، وحاصرت المخرجَ العالميَّ وودي آلن، الذي لم يستطع الدفاعَ عن نفسه، مقابلَ إعلانِ عددٍ كبيرٍ من المشاهير رفضَهم العملَ معه والاعتذار عن تجاربِهم المشتركةِ السابقة، بسبب فضيحةِ الاغتصاب المتّهم فيها؛ فرغمَ انتهائهِ من تصوير فيلمه الجديد "يومٌ ممطر في نيويورك"، منذ عامٍ تقريبًا؛ إلا أنّ شركةَ "أمازون" الموزّعة للفيلم، أمرت بتجميد المشروع إلى أجلٍ غيرِ مسمّى. وحدث الأمرُ نفسه بالنسبة لشركة "نات فليكس" التي قرّرت دفنَ مستقبلِ النّجم كيفين سبيسي، في السلسلةِ الشهيرة "هاوس أوف كارت"، بسبب تهمةِ التحرّش التي تحاصره، بينما قام المخرجُ الكبير ريدلي سكوت بإعادة تصويرِ المشاهد التي جسّدها كيفن سبايسي في فيلم "كلُّ أموالِ العالم" واستبدله بممثّلٍ آخر.لندن لا تعاني عقدة العرض الأول
لا تؤرّق عقدةُ العَرضِ العالميِّ الأوّل للأفلامِ مهرجانَ لندن، فهي مدينةٌ جدّ متصالحة مع المخرجين والجمهور، فاتحةً الأبوابَ لأفلامٍ جالت وصالت بين المهرجانات؛ ما يؤكد أن اللقاءَ الأهمّ في لندن، هو لقاءُ الأفلام بالجمهور. فبالرغمِ من أنّ هذا الحدثَ يملك كلَّ المؤهّلات لكي يرفعَ شروطَ المشاركةِ إلى سقف شرطِ العرض الأوّل للفيلمِ العالمي، كما تفعل بعضُ المهرجانات العالميّة، إلا أننا في لندن لا نجِد عددًا كبيرًا من أفلام العرضِ العالميِّ الأول للأفلام التي تقدَّم ضمن أجندة المهرجان في 13 دارَ عرضٍ سينمائيةً في لندن، حيث يكون اللقاء مع أهمّ الأفلام العالمية التي صنعت الحدثَ في المهرجانات الكبرى، ليكون لندن السينمائي فرصةً لمشاهدةِ أفلامٍ هامّة مثل فيلم "روما" للمخرج المسكيكي الحائز على جائزة الأسد الذهبي، و فيلم "احتراق" للمخرج الكوري "لي تشانغ وونغ"، وفيلم "مرح" للمخرجة النمساوية من أصل إيراني "سودايبه مرتضى". وفي مقابل ذلك فالمهرجان يجعل مسألةَ العرض الأوّل العالميّ مرتبطةً أساسًا بفيلميْ الافتتاح والختام، حيث حظي جمهورُ المهرجان بفرصةِ مشاهدةِ العرض الأوّل العالمي للفيلم البريطاني "ستان وأولي" للمخرج جون بيرد، وسيناريو جيف بوب، الذي يسرد حكايةَ الثنائيّ الكوميدي لوريل وهاردي، من بطولة ستيف كوجان وجون رايلي.العرب بعيون عاصمة الضباب
علاقةُ السينما العربية بمهرجان لندن ليست حديثةَ الولادة، لاعتباراتٍ عدّة منها تاريخية وسياحية وسياسية؛ فالعربُ هم ضيوفٌ دائمون على لندن منذ زمنٍ طويل، كما تشير حكاياتُ شارع "إيدجور رود" الذي يعود إلى العصر الروماني، وتحديدًا إلى عام 43 قبل الميلاد، ويعتبر اليوم القلبَ النابض للعرب في لندن، وهو شاهدٌ على موجاتِ الهجرة لأعدادٍ كبيرة من أهل العراق ولبنان والخليج وشمال أفريقيا؛ فمن الطبيعيِّ أن يحجز المهرجان مكانًا للثقافة العربية في برامجِه. فقد أتى لندن السينمائي هذا العام، حاملًا معه عروضًا أولى بلندن لأهمّ الأفلامِ العربية التي حققت تميّزًا، حيث يشارك في مختلف الفئاتِ ثمانيةُ أفلامٍ عربية، أبرزها فيلم "كفرناحوم" للمخرجة اللبنانية نادين لبكي، وفيلم "يوم الدين" للمخرج المصري أبو بكر شوقي، وفيلم "حقولُ الحرّية" للمخرجة الليبية نزيهة العريبي، والفيلم التونسي "ولدي" للمخرج محمد بن عطية، وفيلم "يوم أضعتُ ظلّي" للمخرجة السورية سؤدد كنعان، وفيلم "أكاشا" للمخرج السوداني حاجوج كوكا.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون