حفرت مشاهد أفلام المصريين عن حرب أكتوبر في ذاكرة الأجيال العربية أحداث الحرب والانتصار... ولكن كثيرين أثاروا تساؤلات حول طريقة تنفيذها، وحول مساهمة الجيش المصري في ظهورها بهذا الشكل على الشاشة.
فهل كانت الأسلحة المستخدمة في المشاهد حقيقة؟ وهل جسّدت تلك الأفلام الحرب كما ينبغي؟
"الرصاصة لا تزال في جيبي"
لا تزال الرصاصة التي حملها محمود ياسين للانتقام لشرف ابنة عمه، في فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي"، فاعلة في تشكيل وجدان المصريين عن حرب أكتوبر. يمثل هذا الفيلم أعمال ما بعد الحرب السينمائية، مثل "الوفاء العظيم" (1974)، و"العمر لحظة" (1978)، وتم إنتاجه عام 1974 وأخرجه حسام الدين مصطفى. يصف المنتج المنفّذ للفيلم محسن علم الدين هذا العمل بأنه "كان ملحمة عسكرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وجسّد أبطاله مشاهد العبور وتدمير خط بارليف، وجاء مخرج خاص من إيطاليا لتصوير المعارك". ويشير إلى أن مدينة الإسماعيلية بعد الحرب شكلت بيئة خصبة للتصوير، فقد كانت المنازل والطرقات لا تزال مدمرة وشاهدة على آثار الحرب، "ما جعل مشاهد الفيلم تبدو وكأنها مصوّرة داخل المعركة". أما "كلمة السر في نجاح الفيلم"، حسبما قال علم الدين لرصيف22، فهي "دور الجيش فيه، إذ شاركت وحدات كاملة منه في تمثيل المشاهد، ووجّه أبطال الحرب الممثلين أثناء التصوير"، لافتاً إلى أن أبطال العمل تدرّبوا على استخدام الذخيرة الحية وقاذفات الـ"آر بي جي"، وكانت أصعب المشاهد صعود الحاجز الترابي الذي جسّد خط بارليف."الطريق إلى إيلات"
عندما يتحدث المصريون عن حرب أكتوبر، يستحضرون في ذهنهم فيلم "الطريق إلى إيلات" (1993، إخراج: إنعام محمد علي) الذي جسّد العمليات المصرية ضد ميناء إيلات، أثناء حرب الاستنزاف عام 1969، وتدمير السفينتين "بيت شيفع" و"بات يام" والرصيف الحربي. "كان كل شيء حقيقياً كما رأيتموه"، يقول لرصيف22 الفنان عزت العلايلي الذي جسّد دور العقيد رضا حلمي، قائد العملية، وظهر بقبعته العسكرية المميزة. بحسب العلايلي، قدّم الفيلم الأحداث الحقيقية دون زيادة أو نقصان، وتم التعامل معه وكأنه فيلم "وثائقي". يروي الفنان المصري أن تصوير الفيلم استمر لمدة سنة كاملة، في رحلة بدأت من قاعدة القوات البحرية في الإسكندرية، صُوّرت فيها مشاهد التدريب في بداية الفيلم، مروراً بالغردقة والسويس، بينما احتضنت مدينة شرم الشيخ المشاهد الخاصة بتنفيذ العملية، كما سافر طاقم العمل إلى العراق والأردن لتصوير الأحداث المتعلقة بتلك البلدان. وعن دور الجيش المصري في الفيلم، روى العلايلي أن القوات المسلحة قدّمت جميع اللانشات والألغام المستخدمة والملابس وحتى أدوات الغطس، كما أشرفت على برنامج تدريب عسكري شاق ودقيق لتصوير المشاهد، وتعلم فريق العمل كله الغوص لمسافات عميقة، مشيراً إلى تخصيص أيام للقيام بتمارين الغوص والسباحة. ولفت العلايلي إلى أن كل مشهد راقب تمثيله "أبطال العملية الحقيقيون وضباط القوات البحرية"، ووجهوا كل حركة أثناء التصوير وأثناء التدريبات، وأصبحوا أصدقاء شخصيين للمثلين، يتقابلون بشكل دوري، و"كانوا مسرورين لأنهم نقلوا الصورة كما حدثت". وتحدث العلايلي عن مشهد تركيب اللغم، موضحاً أن تعرّقه كان حقيقياً من شدة الحر في المنطقة التي جرى التصوير فيها، بينما كان سبب الإجهاد الذي بدا على وجه الأبطال في المشاهد الأخيرة هو العمل المتواصل خلال 12 شهراً بدون انقطاع."حائط البطولات"
أخذ فيلم "حائط البطولات" منحى مختلفاً عن باقي أفلام حرب أكتوبر. فعلى عكس الأفلام التي رعتها القوات المسلحة، مُنع من العرض لمدة 12 عاماً. يستعرض هذا الفيلم دور قوات الدفاع الجوي وعملية بناء حائط الصواريخ، وبلغت ميزانيته 16 مليون جنيه، وهو من إنتاج عام 1999 وإخراج حسين السيد. "لم تكن القوات المسلحة غائبة عن صناعة الفيلم"، يروي لرصيف22 الفنان حجاج عبد العظيم الذي جسد دور الشخصية الكوميدية "بلدوزر" في الفيلم، مشيراً إلى "وجود عنصرين من الشؤون المعنوية والمخابرات درّبا طاقم الفيلم على ارتداء وشد أجزاء السلاح"، وكاشفاً أن بعض الأسلحة المستخدمة وفّرته القوات المسلحة، مثل منصات الصواريخ، فيما كان جزء آخر غرافيك. تضمّن الفيلم قصصاً اجتماعية ودرامية تخللتها مشاهد حربية، مثل والد طفل قُتل وحارب ليأخذ بثأره. عقب الانتهاء من تصوير الفيلم، فوجئ فريق العمل بمنعه من العرض، حسبما يروي الفنان الكوميدي، مضيفاً أنه تبيّن أن أسباباً سياسية وقفت خلف ذلك. وكان مخرج الفيلم الراحل محمد راضي قد أوضح أن القوات الجوية راجعت سيناريو الفيلم، ولكن أثناء التصوير توقف الجيش فجأة عن إمداد الفريق بالمعدات، متحدثاً عن وشاية قُدّمت للرئيس مبارك وتتهم الفيلم بتعظيم دور الدفاع الجوي وتبخيس القوات الجوية حقها. وقوات الدفاع الجوي هي المسؤولة عن حماية المجال الجوي المصري فيما القوات الجوية المصرية هي فرع الطيران العسكري، وكان الرئيس الأسبق حسني مبارك يرأس الأخيرة خلال حرب أكتوبر. من جانب آخر، قالت الناقدة السينمائية ماجدة خير الله لرصيف22 إن السبب الحقيقي وراء منع الفيلم هو تجسيد المنتج المنفّذ للفيلم عادل حسني دور حسني مبارك، رغم كونه "لا يشبهه وليست لديه موهبه فنية"، ما جعل قادة القوات المسلحة يمنعونه خوفاً من إثارة غضب الرئيس المصري الأسبق."يوم الكرامة"
جسد فيلم "يوم الكرامة" (2005) درة معارك حرب الاستنزاف، وهي عملية إغراق المدمرة إيلات أمام سواحل بورسعيد، وهو من بطولة كل من ياسر جلال وأحمد عز، وصلاح قابيل."أموال دولة أهدرت". بهذه الكلمات وصفت الناقدة السينمائية ماجدة خير الله معظم أفلام حرب أكتوبر لأنها "ساذجة ولا تليق بالحرب"، حسب وصفها
حفرت مشاهد أفلام المصريين عن حرب أكتوبر في ذاكرة الأجيال العربية أحداث الحرب والانتصار... ولكن كثيرين أثاروا تساؤلات حول طريقة تنفيذها، وحول مساهمة الجيش المصري في ظهورها بهذا الشكل على الشاشةيتحدث مخرج الفيلم علي عبد الخالق عن كواليس التصوير ويقول لرصيف22 إن القطع العسكرية المستخدمة جميعها قطع حربية عسكرية أصلية، وأهمها السفينة الضخمة التي جسّدت المدمرة إيلات. ويكشف أن تصوير الفيلم تم تحت إشراف الفريق تامر عبد المنعم، قائد القوات البحرية، وأن السيناريو كُتب تحت إشراف الشؤون المعنوية، وتمت الاستعانة في كتابته بمذكرات قائد المدمرة الإسرائيلية إسحق شيشان. وأكد عبد الخالق أن الفيلم قطع رحلة شاقة استمرت ثلاث سنوات ونصف، بين الحصول على الموافقات والتحضير للعمل والتصوير، وصاحب فريق العمل أثناء التصوير مستشار عسكري.
"أسد سيناء"
يقف فيلم "أسد سيناء" (2017، إخراج: حسن السيّد) وحيداً، بين أفلام أرادت تجسيد بطولات جماعية، بقصة بطولة فردية نادرة لسيد زكريا خليل، الجندي في سلاح المظلات الذي قام بمفرده بالتصدي لكتيبة إسرائيلية كاملة أثناء حرب 1973، بعد مقتل زملائه. وقال الفنان عمرو رمزي، بطل الفيلم، إن القوات المسلحة ساعدت بتقديم فرقة صاعقة، حتى لا يُصاب أثناء التصوير، كما أمدّت فريق العمل بمعدات عسكرية وذخيرة شبه حية. وأضاف رمزي لرصيف22 أن أهم الصعوبات التي ظهرت أثناء التصوير هي حرارة الشمس اللاهبه، إذ جرى التصوير في الصحراء في ظل درجة حرارة تبلغ 40 درجة مئوية."الكتيبة 418"
تدور أحداث فيلم "الكتيبة 418" (2015)، وهو إنتاج ذاتي لمجموعة 73 مؤرخين ومن إخراج وليد ساري، حول بطولات الكتيبة 418 للدفاع الجوي في صد محاولات الطيران الإسرائيلي تعطيل الدفاعات الجوية أثناء الحرب. "عشنا 17 يوماً داخل الكتيبة". بتلك الكلمات لخص سيناريست الفيلم أحمد زايد دور القوات المسلحة في الفيلم، والذي بدأ بعد مناشدة الكاتب جمال الغيطاني لها لمساعدة فريق العمل، فاستضافتهم كتيبة الدفاع الجوي ووفّرت لهم إقامة كاملة حتى انتهاء فترة التصوير، ووضعت كل مقدراتها تحت تصرف أسرة الفيلم. استعان صنّاع الفيلم بآليات وجنود حقيقيين من أفراد الكتيبة، وصوّروا في مقرات القيادة الواقعة تحت الأرض، كما رافق فريق العمل اللواء أيمن حب الدين، قائد المجموعة التي خاضت الحرب. وأوضح أن سيناريو الفيلم حمل العديد من الرسائل، منها إظهار التلاحم بين الشعب والجيش، فكانت الكتيبة كلما ضربت صاروخاً، يرسل لها الأهالي سلّة من الفاكهة. وأردف أن الفيلم بلغت ميزانيته نصف مليون جنيه، وأطلقت حملة للمساهمة فيه وكل مساهم ظهر اسمه في "التتر"، موضحاً أن الدولة لم تدعم الفيلم بأي جنيه، وتجاهل التلفزيون المصري طلب عرضه على شاشته، ولم تعرضه القنوات الخاصة إلا بعدما قُدّم لها مجاناً، فيما طلبت إحدى القنوات اختصاره في ربع ساعة كي تعرضه بدعوى أنه لن يجلب إعلانات.تجسيد حرب أكتوبر
"أموال دولة أهدرت". بهذه الكلمات وصفت خير الله معظم أفلام حرب أكتوبر لأنها "ساذجة ولا تليق بالحرب"، حسب وصفها. وتروي أن الأعمال الأولى، مثل "الرصاصة لا تزال في جيبي"، قدّمت على عجل، واستعانت بمشاهد وثائقية من الحرب ودمجتها مع مشاهد يؤديها فنانون. وتشير إلى أن "الطريق إلى إيلات" يُعتبر أفضل أفلام حرب أكتوبر، "خاصة المشاهد المصوّرة تحت الماء والتي أبدعها المصور سعيد الشيمي"، إلا أنها تأخذ عليه مشهد تركيب اللغم وترى أنه "مثير للضحك"، مرجعة ذلك إلى قلة خبرة المخرجة إنعام محمد علي في الأفلام الحربية. أما الجيل الجديد من أفلام حرب أكتوبر، فقد كان برأي خير الله "هزار"، منتقدة استخدام معدات حربية لا يزيد عمرها عن عدة سنوات، "رغم أن صور وتسجيلات الحرب موجودة وأبطالها أحياء"، ومعتبرة أن هذا "استخفاف بعقل المشاهد". أما عضو غرفة صناعة السينما كريم أبو ذكري، فيتعبر أن دور الدولة هو العامل الحاسم لجودة الفيلم الحربي، وقال لرصيف22 إن "الأعمال التي فشلت كانت بسبب عدم التنسيق الكافي مع الجيش". وبرأيه، "عندما حضرت الدولة أُنتجت أعمال عظيمة، وحالياً الدولة غائبة سواء عبر إنتاجها أو عبر دعم منتجي القطاع الخاص لإنتاج أفلام عن حرب أكتوبر". ويعتبر أبو ذكري أن لدى المنتجين العديد من النصوص الجيدة، وهم مستعدّون لإنتاج أي سيناريو يقرّه الجيش، ولدى مصر الكوادر الفنية القادرة على إبداع تلك الأفلام بطريقه عالمية، والدليل على ذلك أن أفلام مثل الرسالة أو القادسية كان معظم كوادرها مصريين".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...