شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"العميل" يواجه "الملاك"... فيلم مصري يدافع عن وطنية "الجاسوس" أشرف مروان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 31 أغسطس 201805:46 م
بعد عامين من التجميد، أجاز جهاز الرقابة على المصنفات الفنية في مصر كتابة فيلم سينمائي يحمل اسم "العميل"، ويتبنى الرواية المصرية لقصة "الجاسوس" الراحل أشرف مروان. يأتي ذلك بعد سنوات من الصمت عن الوثائق الإسرائيلية التي اعتبرت مروان، صهر الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، أهم جاسوس لها في القرن العشرين. خبر الموافقة على المعالجة السينمائية للفيلم، ما يمهّد لمرحلة كتابة سيناريو له، أتى متزامناً تقريباً مع إعلان شركة نتفليكس الأمريكية عرضها فيلم "الملاك" (إنتاج إسرئيلي-فرنسي في 14 سبتمبر المقبل. فيلم "العميل" المرتقب لم ينتهِ مؤلفه من كتابته بعد، ولم يحصل على موافقة كاملة من الأجهزة السيادية ولا من أسرة "الجاسوس" الراحل. وبحسب مصدر مسؤول في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، فإن الجهاز ما زال ينتظر أن يقدم السيناريست هاني سامي موافقة مكتوبة من أسرة أشرف مروان، ومن الأجهزة السيادية المعنية بالأعمال الفنية خاصةً أن الفيلم يتناول حياة أحد رجالاتها ومهماته الاستخباراتية، وهو ما يعني أن مؤلفه أمامه شوط طويل من المفاوضات قبل أن يرى عمله النور.

"التوقيت مناسب"

يبدو الصحافي والسيناريست هاني سامي متفائلاً. وقال لرصيف22 إن توقيت حصوله على الموافقة على كتابة سيناريو فيلمه مناسب، لكنه كان يتمنى أن يكون المصريون أصحاب المبادرة في إنتاج فيلم عن مروان لأنها قضيتهم، ولا يظهروا كأنهم قاموا برد فعل بعد الإعلان عن عرض فيلم "الملاك". يحمّل سامي "المسؤولين في الأجهزة المعنية بالأمر" مسؤولية التأخير، لأن موافقتهم تأخرت وهو تقدّم بطلب كتابة سيناريو قبل عامين ولم يردوا إلا الآن. لكن مصدراً في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية أكد أن سامي لم يقدّم إلا ملخصاً للسيناريو الكامل، ولم يتضمن ملفّه التصاريح المطلوبة لإنجاز العمل، لذا تأخّر البت فيه، إلا أنه نجح في الحصول في الثامن من أغسطس على خطاب بعدم ممانعة الجهاز في العمل، ما يثبت حقه في السيناريو. يروي سامي أنه تابع "أزمة مروان منذ 2002"، وتابع "تسريب وثائق إسرائيلية تدّعي زرعه في أجهزة الدولة المصرية لإفشاء خطط الحرب"، وأن هذا الجدل حفّزه "للدفاع عن الظلم الواقع على مروان". ويوضح أنه سينتهي من كتابة سيناريو الفيلم في غضون شهر من الآن، لكنه ما زال ينتظر مشاهدة "الملاك" قبل وضع اللمسات النهائية على السيناريو. ويقول: "إذا وجدنا تجاوزات من إسرائيل في طرحها حول هذه الشخصية المصرية أو أي أحداث أخرى، سنرد بقسوة من خلال عملنا الوطني".

قصة "الملاك"

يروي فيلم "الملاك" قصة حياة أشرف مروان (1944-2007)، استناداً إلى كتاب الكاتب الإسرائيلي يوري بار جوزيف الذي يحمل الاسم نفسه. يصف جوزيف مروان بأنه موظف مصري رفيع عمل سراً لمصلحة الموساد الإسرائيلي، واستطاع الوصول إلى أدق أسرار الحكومة المصرية كونه صهر عبد الناصر، وعمل مستشاراً للرئيس المصري الأسبق أنور السادات. وفقاً لجوزيف، حوّل مروان أسرار الحكومة المصرية إلى كتاب مفتوحٍ، منقذاً إسرائيل من الهجوم المصري السوري المشترك في حرب أكتوبر 1973. وتكريما له، لم يكن الكتاب كافياً لإيصال خفايا مسيرته، بل أنتجت شركة TTV الإسرائيلية بالتعاون مع شركة ADAMA الفرنسية فيلم "الملاك" أيضاً. و"الملاك" هو الاسم الحركي الذي اشتهر به مروان لدى جهاز الموساد.

ماذا ننتظر في "العميل"؟

على الرغم من أن الرواية المصرية عن أشرف مروان دائماً ما يكتنفها الغموض، فإن فيلم "العميل"، إذا وافقت عليه الأجهزة السيادية، ربما يحلّ هذه الألغاز، بحسب سامي الذي يقول إن عمله لن يكون مجرد سيرة ذاتية لمروان إنما سيتحدث عن بطولاته، من خلال رواية يقصّها محقق صحافي سيكون هو البطل الذي سيروي لنا دور الرجل في بعض الأعمال الاستخباراتية المؤثرة في حرب أكتوبر. وبحسب سامي، تبدأ أحداث الفيلم منذ أن كان عمر أشرف مروان 26 عاماً، وتستمر حتى وفاته الغامضة في لندن، بعد سقوطه من شرفة منزله عام 2007، عن عمر يناهز 63 سنة. وكما كانت وفاته أحد الألغاز، سيترك الكاتب نهاية فيلمه غير محسومة، لكنها ستوحي بأنه اغتيل على يد الموساد الإسرائيلي. ورشّح سامي كل من محمد رمضان وأحمد السقا لتجسيد شخصية أشرف مروان في "العميل"، مؤكداً أنه لن يخرج عن أحدهما.
فيلم "العميل" سيتحدى الرواية الإسرائيلية السينمائية عن أشرف مروان. فهل تستطيع مصر منافسة إسرائيل سينمائياً بعمل يشاهده العالم أم ستنتج مجدداً فيلماً على طريقة "خالتي بتسلم عليك"؟
العمل جارٍ على فيلم مصري يروي سيرة "الجاسوس" أشرف مروان ويحاول مواجهة الرواية الإسرائيلية التي سيعرضها فيلم "الملاك". وكاتب السيناريو يرشّح محمد رمضان وأحمد السقا لتجسيد شخصيته
بالنسبة إلى السيناريست المصري، يعيد الفيلم الاعتبار إلى شخصية وطنية جمعتها علاقات بثلاثة رؤساء مصريين هم عبد الناصر والسادات وحسني مبارك. وبرأيه، لا خلاف على وطنية مروان والدليل أن الرؤساء الثلاثة كرّموه، والأول منهم تحديداً قبل أن يزوجه ابنته. ويتساءل سامي في عرض نفي تهمة العمالة عن مروان: "ما مصلحة رؤساء مصر في التستر على خيانته؟". هذا السؤال يطرحه مؤلف كتاب "الملاك". يقول: كيف يُعقل أن الحكومة المصرية لم تقم بأية محاولة للتحقيق في خيانته أو إخضاعه للمحاكمة، في الفترة الفاصلة بين الكشف عن هويته كبابل عام 2002 وبين موته عام 2007، بل كرمته وضخمت مساهمته في حرب 1973؟" مبدياً اعتقاده بأن مروان كان عميلاً مزدوجاً، لدى مصر وإسرائيل.

مطالبات سابقة بالتحقيق

الحديث عن إجراء تحقيقات في قضية أشرف مروان ليس جديداً. سبق أن طلب الكاتب المصري الراحل محمد حسنين هيكل قبل سنوات بفتح تحقيق على أعلى مستوى لضمان براءته، استناداً إلى حديث دار بينهما في لندن. فقد سأله مروان: "هل تتصور أن صهر جمال عبد الناصر جاسوس، وأنت كنت أقرب الأصدقاء إليه وتعرفه؟"، فأجابه هيكل: "دعني أكون واضحاً معك، لا شهادة حسن سير وسلوك من أنور السادات، ولا صلة مصاهرة مع جمال عبد الناصر، تعطيان عصمة لأحد. نحن أمام مشكلة حقيقية تقتضي وضوحاً مقنعاً حقيقياً". لا يلتفت مؤلف "العميل" إلى الآراء المصرية التي تشكك في ولاء أشرف مروان. يقول: "وجهة نظرهيكل مجرد رأي وتعامل معه بقسوة شديدة، وفي اعتقادي أن الدولة لم تفتح تحقيقاً لرغبتها في الحفاظ على الأسرار العسكرية المتعلقة بسجلات الحرب، فهم يدركون أنه وطني وخدم البلد. ومعنى أن الأجهزة المعنية تثبت خيانته أن الرؤساء خانوا البلد. وهذا مستحيل". لكن سامي يتوقع أن يُفرج الجانب المصري عن بعض الوثائق الخاصة بعمل أشرف مروان خلال حرب أكتوبر مثلما أفرج الجانب الإسرائيلي سابقاً عن وثائقه. ولفت إلى أن أسرة أشرف مروان لم تعطه موافقة نهائية حتى الآن لاستخدام قصة حياته في عمل سينمائي، وقال: "عليهم أن يتفهموا أنه عمل وطني قبل أن يكون إنسانياً يمس شخصيته".

"الدولة راضية"

منذ شروعه في كتابة السيناريو، لم يتواصل سامي مع أجهزة في الدولة، لكنه لمس أن الدولة راضية عن الفكرة بعد الانتشار المكثف لخبر الموافقة على "العميل" دون أية تعليقات أو توجيهات رافضة للمبدأ. ولفت إلى أن الدولة لم تتقدم خطوة إلى الأمام لدعمه على مستوى الإنتاج، لكنه يناقش العروض المقدمة له سواء كتابته كفيلم أو مسلسل. وبرأي الناقد الفني طارق الشناوي، فإن الرد على فيلم "الملاك" لا يأتي بفيلم مصري أو عربي، إنما بفيلم عالمي مماثل يشارك فيه ممثلون من هوليوود، لأن إسرائيل تقدم للعالم جاسوساً خطيراً تدين به السلطة السياسية المصرية منذ عبد الناصر حتى مبارك. وقال الشناوي لرصيف22: "أفضّل فيلماً يُنفق عليه ليراه العالم وليس المصريين والعرب. مروان ليس جاسوساً عادياً بل شخصية ذات قيمة، لذا لا نريد فيلماً على طريقة ‘خالتي بتسلم عليك’ التي ميّزت أفلام نادية الجندي في تل أبيب". وبرأيه، تتهرب الدولة المصرية من كشف حقيقة أشرف مروان بدعوى عدم النبش في الأسرار العسكرية، ولا سيما المتعلفة بدفاتر فترة حرب أكتوبر، ويبدي شعوره بأنها لم تأخذ موضوع الفيلم بجدية حتى الآن، لكن ربما يتغير الموقف على حسب ردود الأفعال على "الملاك".

كيف تستغل إسرائيل "الملاك"؟

لا يكترث رئيس الوحدة الإسرائيلية في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط الدكتور طارق فهمي بالادعاءات الإسرائيلية عن أشرف مروان، ويرى أن كتاب "الملاك" تافه والغرض منه توجيه خطاب تطمينات لشبكات التجسس الإسرائيلية في الإقليم والعالم بأن إسرائيل لا تزال الأقوى استخباراتياً. وقال فهمي لرصيف22 إن جهاز الموساد يسعى إلى استغلال حالة أشرف مروان بشكل دعائي، وقيمته تكمن في الترويج لقدرات الجهاز الاستخباراتية العالية، وفي حاجته إلى رفع الروح المعنوية للرأي العام الإسرائيلي. ويدافع فهمي عن الصمت الرسمي المصري المستمر منذ بداية الألفية الثالثة، قائلاً: "مصر لن تخوض هذه المعركة، فالرئيس الأسبق مبارك رفض تشكيل لجنة تحقيق وأقرّ بأن مروان كان رمزاً وطنياً مخلصاً". وأوضح فهمي أن القانون 100 الخاص بعمل المخابرات العامة والخاص بتداول أسرار الدولة يمنع الجهات الرسمية المعنية من الحديث في ملف مروان. وأبدى اعتقاده بأن "إسرائيل ستفتح النار على نفسها لأن فلسفة الموساد قائمة على عدم الإعلان عن إسقاط جواسيس لها في أي مكان في العالم إلا في حالات استشنائية، وهو ما يوضح التناقص في الموقف الإسرائيلي بين شهادة إسحاق حوفي، رئيس الموساد، الذي اعترف في مذكراته بأنه التقى مروان قبل قيام حرب أكتوبر بعدة ساعات، وبين شهادة رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية الأسبق إيلي زعيرا، الذي أكد أن القاهرة جندته لخداع إسرائيل".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image