"أنا هابي بنت رباح، وُلدت مستعبَدة ووعيت وأنا مستَعبدة، كنت مع أسيادي الاستعبادين، مثل أسلافي". هكذا قدمت الناجية من العبودية هابي بنت رباح نفسها بكل اعتزاز، في مقر حملة حزب الصواب الذي تترشح للبرلمان على قوائمه.
تحل هابي ثانية في اللائحة الجهوية لنواكشوط، مباشرةً خلف رئيس الحزب عبد السلام ولد حرمة، ويأتي ترشيحها نتيجة لتحالف حزب الصواب ذي الخلفية البعثية مع حركة إيرا المناهضة للعبودية في موريتانيا.
أيام العبودية
عانت هابي مرارة العبودية، وذاقت مر العذاب على يد مستعبديها، حسب قصتها التي تحكيها بغصة وألم. تروي لرصيف22 ذكرياتها عن مرحلة العبودية وتقول: "كنت وأهلي كأسلافنا، كالحيوانات لا نقرأ ولا نصلي، فليس أمامنا سوى خدمة الأسياد، وإنْ أحبّ السيد أن يغتصب إحدى المستعبدات يفعلها دون أي حرج أو خوف من العقاب". وتضيف: "كنت كالمحكوم عليه بالإعدام... لا أستطيع الحركة وإنْ حاولت الهرب يهددني أسيادي بالسلطات، فهم يرشون عناصر الأمن". "ظل ذلك حالي حتى ظهر بيرام ولد الداه ولد أعبيد"، تقول هابي وتتابع: "أصبح يخرج في وسائل الإعلام، وكان أسيادي يقولون إنه يحرّض العبيد، وبعدها اتصل أخي بالناشط الحقوقي أبو بكر ولد مسعود والناشطة آمنة منت المختار، وأتوني عند بئر قرب مدينة المذرذرة وساعتها خفت ولم أذهب معهم، وحين رجعت إلى أسيادي وجدتهم متجمهرين ومعهم الكثير من الناس، فقد اتصلوا بالسكان الذين يجاورونهم في الحواضر، وحين سألتهم ما هو سبب هذا التجمهر، قالوا ‘بوعلبة (صاحب القفى) يريد أن ينتزعك منا’، وكانوا يقصدون بيرام، إذ ظنوا أن مَن أتاني إلى البئر هو بيرام". وتتابع قصتها وتقول: "حين رفضت الذهاب مع أبو بكر وآمنة طلبت من الأول رقمه، فأعطاني رقم بيرام، وحين وصلت إلى أسيادي قالوا: هل أتاك العبد؟، فقلت لهم: نعم وأخذت رقمه، فقال لي سيدي المباشر أعطيني الرقم، فأعطيته له، فقال لي هذا هو فعلا بيرام ولد الداه ولد أعبيد وأعاد إلي الورقة، وأصبحوا يشيعون أنني لست مستعبدة وأنهم ليس لديهم عبيد". بعد ذلك بأسبوعين، أتاها بيرام برفقة أخيها، وذهبت معهما إلى نواكشوط وأصبحت من سكان العاصمة. وقعت تلك الأحداث في بدايات سنة 2008.من عبودية الريف نحو العاصمة
في نواكشوط، "بدأ مشوار جديد في حياتي"، تقول هابي. "بدأت تعلم القراءة وحصلت على أوراق مدنية لأول مرة، إذ كنت محرومة منها... أصبحت حرة وأعمل دون خوف من سيد يهددني، وصرت أعرف القراءة والكتابة وأصلي وأصوم، فالأسياد كانوا يقولون لنا إن الخادمة ليس واجباً عليها أن تصوم وإن عورتها من صرتها حتى ركبتها وليس واجباً عليها أن تستر نفسها إذا صلّت"، تواصل سرد قصة تحررها. في العاصمة، قابلت إخوتها. قبل ذلك، كانت محرومة من رؤيتهم "لأن كل واحد منّا كان عند أسرة مختلفة تستعبده، ووالدتي وهي أغلى شيء في حياتي توفيت دون أن أراها". "تحررت ككثيرين وتغيّر حالي"، تعلّق على خاتمة قصتها."صوت كل معذب في هذه الأرض"
تحلم هابي بدخول البرلمان مع الكثير من الأماني والطموحات والتحدي للمنظومة المتحكمة في موريتانيا، وتقول: "أنا أولويتي كنائبة بالطبع ستكون العبودية ومعاناة العبيد، فأنا منهم وذقت المرارة ومَن ذاق المرارة لا ينساها أبداً. والاسترقاق جرح غائر يرفض أن يندمل... سأكون صوتهم بالتأكيد وأطرح مشاكلهم". برأيها، "العبودية لا تزال متفشية في موريتانيا ورغم محاولات التغطية عليها، هي بادية للعيان وكل فترة تظهر حالات منها". ومنذ استقلال موريتانيا، ظهر حراك رافض للعبودية جمع تيار اليسار (حركة الكادحين مثلاً) أو أبناء العبيد والحراطين (حركة الحر وغيرها)، ومرّ بمراحل عدّة وبرزت فيه حركات وشخصيات متنوعة، ولا يزال مستمراً."كنت وأهلي كالحيوانات، لا نقرأ ولا نصلي، فليس أمامنا سوى خدمة الأسياد، وإنْ أحبّ السيد أن يغتصب إحدى المستعبدات يفعلها دون أي حرج أو خوف"... المرشحة للانتخابات الموريتانية هابي بنت رباح تتحدث عن ماضيها وطموحاتها
"كان الأسياد يقولون لنا إن الخادمة ليس واجباً عليها أن تصوم وإن عورتها من صرتها حتى ركبتها وليس واجباً عليها أن تستر نفسها إذا صلّت"... المستعبَدة السابقة هابي بنت رباح تترشح للانتخابات الموريتانيةونجحت تلك النضالات في تجريم العبودية في قانون صدر 2007، وتمت دسترة ذلك سنة 2011. لكن هناك مَن يقول أنه رغم وجود قانون يجرّم العبودية إلا أنه، وفي ظل غياب دولة القانون والقضاء العادل، ستظل العبودية موجودة لأن إنهاءها يتطلب وجود إرادة صلبة للقيام بذلك. تؤكد هابي أيضاً أنها ستكون صوت كل مظلوم ومعذب في موريتانيا، وتقول: "صحيح أن أولويتي العبودية وقضايا العبيد، لكن في نفس الوقت تهمني معاناة كل المواطنين الموريتانيين المهمشين، سواء العبيد أو العبيد السابقين أو البيظان أو الزنوج، فأنا لست عنصرية ويهمني كل إنسان موريتاني، وسأحاول أن أكون صوت مقاطعتي التي تعاني من التهميش وتردي الخدمات الصحية والفقر وغياب المشاريع التنموية، سأحاول بكل جهدي أن أكون صوت كل مظلوم".
ترشيح هابي ودلالته
أثارت خطوة ترشيح هابي الكثير من النقاش حول رمزيتها، بين مرحب وبين مَن لا يرى فيها الكثير من الأهمية. يقول الناشط في ميثاق الحراطين يسلم محمود لرصيف22: "ترشيح هابي موقف يُحسب لحركة إيرا أولاً لأنها مَن اقترح ترشيحها، ويُحسب لحزب الصواب لأنها ترشحت باسمه وتحت شعاره". وميثاق الحراطين هو إطار يجمع تشكيلات كثيرة سياسية وحقوقية وشخصيات مستقلة، ويناهض العبودية ويهتم برفع الظلم والتهميش عم مكوّن الحراطين، أي العبيد السابقين. برأي محمود، فإن "قرار ترشيح قادمة قبل عشر سنوات من نير العبودية، وفي ظل نظام (الرئيس الموريتاني محمد) ولد عبد العزيز الذي يتساوي عمرياً مع عمر حريتها، سيكون مفيداً، كما سيكون مفيداً من الناحية البيداغوجية وجود مستعبدة في أعلي هرم للسلطة التشريعية". وخلص محمود إلى "أنها رسالة الحرية، والإنسان لم يولد ليكون عبداً، ورسالة لكل أبناء العبيد السابقين ليكونوا إيجابيين، ولأن لا يخجلوا من تاريخ الاستعباد، فبرغم المرارة والاحتقار يمكن أن يرفعوا رؤوسهم ويقدموا دروساً في التسامي، فها هم العبيد بعد الحرية في هرم التشريع، لا ليقرّوا قوانين تنقص من الحرية ولا ليقرّوا قوانين تنتهك حقوق الإنسان ولا ليقرّوا قوانين الانتقام وهتك الأعراض، بل ليقولوا نحن نريد دولة مدنية يكون القانون فيها هو السيّد". ويرى نائب مسؤول الإعلام في حملة إيرا الانتخابية المختار أعبيد أن ترشيح هابي جاء نتيجة أسباب عديدة. وقال لرصيف22: "حركة إيرا حركة فكرية وحقوقية سلمية لمناهضة العبودية والعنصرية والظلم في موريتانيا، وهابي بنت رباح ضحية من ضحايا العبودية في موريتانيا، تم تحريرها من قبل حركة إيرا فعلاً". وأضاف: "لكن بعد أن صارت حرة، تحوّلت من ضحية من ضحايا العبودية إلى أكبر مناضلة في الحركة، ومثلنا جميعاً، تناضل في سبيل تحقيق حقوق المظلومين، واختيارها لم يكن صدفة، فهي مناضلة معروفة ومرموقة، ودخولها البرلمان مهم جداً، لأنها تمثل ضحايا العبودية وصوت المهمشين والمظلومين في البرلمان، ولأنها ذاقت مرارة العبودية والعنصرية والظلم". وأكد ولد أعبيد أن "هدف إيرا من ترشح هابي بنت رباح وآدما سي، وهي من أرامل الضباط الزنوج، وبعض مناضليها، ليس الحصول على مزايا مادية أو وظيفة، لكن من أجل طرح قضايا المظلومين، وخاصة ملف حقوق الإنسان في البرلمان، ما يثبت صدق المنظمة مع القضية التي تدافع عنها". وأرامل الضباط الزنوج هن مجموعة من النساء قضى أزواجهن ضحية تصفية حدثت في الجيش الموريتاني ضد بعض الضباط والجنود المتحدرين من بعض القبائل الموريتانية الإفريقية، في بداية تسعينيات القرن الماضي، وهناك منظمة تحمل اسم" تجمع الأرامل والأيتام" تطالب بفتح تحقيق في إعدام 28 ضابطاً موريتانياً في قرية تدعى إينال، وبرفع الظلم عن أبناء وأرامل ضحايا تلك التصفيات العرقية. وتعتبر هذه القضية من الجروح الغائرة في الجسد الموريتاني، ومن مصادر الاحتقان الإثني في البلد.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...