وأخيراً انقسمت قيادات حركة تمرّد المصرية. ليس الغريب أنها انقسمت. الغريب أن انقسام التمرّديين تأخر كثيراً. إن دلّ هذا على شيء فهو يدلّ على رتابة الحياة السياسية في مصر بعد 3 يوليو!
الضفدع الذي ظنّ نفسه ثوراً!
يروي محمود بدر، أحد مؤسسي حملة تمرّد وأبرز وجوهها، أن عقيداً في هيئة أركان الجيش المصري اتصل به وبزميليه محمد عبد العزيز وحسن شاهين، في 3 يوليو، داعياً إيّاهم إلى المشاركة في اجتماع مع وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي. لا سرّ في هذه الدعوة. فصور شباب تمرّد في ذاك الاجتماع الشهير الذي ضم شخصيات دينية وسياسية انتشرت. المهم هو إخباره وكالة رويترز أنه، خلال الاجتماع، قال للفريق السيسي إن الملايين تتظاهر للمطالبة برحيل الرئيس وليس لإجراء استفتاء على بقائه في السلطة وطالبه بإصدار "أوامر على الفور بالانحياز إلى رغبة المتظاهرين والدعوة إلى اجراء انتخابات رئاسية مبكرة" فما كان من السيسي إلا الاستجابة. من يقرأ هذه الرواية التي يضخّم فيها محمود بدر دور حملة تمرّد ودوره الشخصي يستطيع القول، على الطريقة الفايسبوكية: "لا تخرج دون أن تقول سبحان الله"!
وافترق الأحباب
لم تكن الأيام الأخيرة عادية على حركة تمرّد. في العادة كان يخرج قادتها إلى وسائل الإعلام، يتحدثون عن شخصية السيسي الاستثنائية، يهاجمون جماعة الإخوان المسلمين، يتهمون أنصارها بالإرهاب، ويروون فصولاً من بطولاتهم الشخصية. كانت المناسبات تختلف ولكن هذه هي التيمات الأثيرة لشباب تمرّد.
الآن اختلف الوضع. اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المصرية وترشُّح حمدين صباحي أرخى بثقله على الحركة. من رحمها خرجت مجموعة أعلنت تأييدها له. في المقابل، اعتبرت مجموعة أخرى أن قرار رفاقهم أبعدهم عن حركة التاريخ. هؤلاء هم أنصار السيسي الذين يعتبرون أن القدر رتّب حكم المشير لمصر.
تعود جذور الخلاف إلى ما قبل الثامن من الشهر الحالي، حين أعلن صباحي ترشحه في مؤتمر صحافي شارك فيه أنصاره في حركة تمرّد. قبله، كانت المواقف الصادرة عن التمرديين متباينة ولكن الأمر لم يُثر الكثير من الاهتمام لأن حال تصريحاتهم هي هكذا منذ نشأة الحملة. دعم بعض رفاق النضال العلني لصبّاحي كان القشة التي قسمت ظهر بعير تمرّد.
أصدر محمود بدر بياناً قال فيه إن المكاتب الإدارية والتنفيذية للحركة قررت تجميد عضوية حسن شاهين ومحمد عبد العزيز وخالد القاضي. ردّ عليه مسؤول لجنة العلاقات العامة في الحركة شريف هلال بقوله إن "تمرّد لا تملك لائحة داخلية لمحاسبة أو تجميد عضوية الأعضاء". فشل لقاء جمع الرفاق في منزل بدر. قام الأخير بالدعوة لجمعية عمومية للحركة فقرر المجتمعون استبعاد مؤيدي صباحي منها.
الطريف هو ما حصل في هذه الجمعية العمومية. على ذمة شريف هلال، استقدم بدر مجموعات من المحافظات لا تمت إلى الحركة بصلة، ومعظمهم مسنون تتخطى أعمارهم 50 عاماً. "بعض من جاؤوا في أتوبيسات من الصعيد ومن القليوبية والسويس أناس يحتاجون إلى المال، وقد استغل بدر ذلك، ومنحهم 100 جنيه ووجبة طعام، في مقابل حضور المؤتمر والهتاف له على طريقة الحزب الوطني سابقاً"، قال وأضاف أن بعض أعضاء المكاتب التنفيذية "مُنع من دخول المؤتمر بسبب وجود البودي غاردز (المرافقين) الذين أتى بهم بدر".
لو صحّ جزء بسيط من اتهامات بدر فإن هذا يعطي صورة عن طبيعة هذه الحركة التي تدّعي تمثيل الشعب المصري. يكفي أن بدر اتصل بنجل جمال عبد الناصر وطلب منه حضور الجمعية العمومية كدعم معنوي له. في مواجهة مؤيدي صباحي، رئيس "التيار الشعبي المصري" الناصري، تم استدعاء شخص من نسل عبد الناصر ليُحدث الفارق. باختصار: أنصار السيسي في الحركة تعلّموا نهج الإقصاء وطبّقوه على الأقربين مستخدمين كل ما في التاريخ المصري من بروباغندا.
من حملة إلى حركة إلى؟
من ميدان التحرير خرجت حملة تمرّد إلى العلن. كشفت عن خطتها الهادفة إلى جمع تواقيع مواطنين على عريضة تدعو إلى سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي. حينها، شاركت معظم الأحزاب والأطر السياسية المعارضة للرئيس مرسي في جمع التواقيع، لذلك لم يكن للحملة إطار واضح وإن خرج من رحمها بعض "النجوم".
سرعان ما تحوّلت "حملة تمرّد" إلى "حركة تمرّد". تغيُّر الإسم كان يدلّ على أن التمرديين يأبون أن يكتفوا بتحقيق هدف الحملة. راحوا يصولون ويجولون على القنوات التلفزيونية ويتحدثون يميناً وشمالاً. لم تكن تبايناتهم مهمة. المهم أنهم كانوا يجمعون على مديح السيسي وهجاء الإخوان. بعد أقل من ستة أشهر على رؤيتهم النور أعلنوا عن عزمهم "المنافسة المبدئية على 120 مقعـداً في الانتخابات البرلمانية المقبلة"!
ليس الغريب أن ينشب الخلاف بين أعضاء هكذا حركة. الغريب هو أن تتحوّل حملة تجمع كماً هائلاً من التناقضات إلى حركة وأن تستمر كحركة أشهراً قبل أن تظهر التناقضات إلى الواجهة. ففي العادة يجب أن تندثر الحملات لحظة تحقيقها هدفها المعلن. هذا الأمر إن كان يدلّ على شيء فهو يدلّ على عقم الحياة السياسية المصرية بعد 3 يوليو واكتفائها بناشطين يكررون سيمفونية بسيطة تتمحور حول مديح مؤسسة الجيش وبعض رموزها.
فكر استبدادي!
تجمع حركة تمرّد كل جوانب الاستبداد المصري في تمظهراته الراهنة. مَن يستعيد تصريحات قادتها سيلحظ ذلك بسهولة. يتحدثون عن شعب مصري لديه إحساس واحد وطموحات موحّدة ويُسقطون الهوية المصرية عن كُل من يخرج عمّا يرون فيه الطريق القويم. في بعض المحطات دعوا "المصريين" إلى تشكيل لجان شعبية لمواجهة "اعتداءات الإخوان". في ذهنهم تضيع الحدود بين الشعب وبين السلطة.
لطالما تجلّت رؤية تمرّد الاستبدادية في مديحهم للسيسي. "إن مصر بعد أن فقدت عبدالناصر كانت تبحث عن زعيم ولم تجده، والقدر هو الذى دفعنا في تمرد للثورة على نظام الإخوان، كي يخرج من أرض مصر زعيم نراه الأنسب والأوحد لرئاسة مصر وهو الفريق عبدالفتاح السيسي"، قال محمود بدر. زميله في لجنة الخمسين لتعديل الدستور محمد عبد العزيز (خصمه حالياً) اعترض على طلب إلغاء محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري. "هيبة الجيش" تأتي قبل كل شيء!
تعتبر الحركة أنها الناطق الحصري باسم المصريين. محمد نبوي، وهو من أنصار السيسي، يقول إن "جمعية الحركة العمومية تضم أكثر من 22 مليون مصري"، مستنداً إلى أن الحملة جمعت، بحسب ادعاءاتها، وهو أمر مشكوك فيه، 22 مليون و134 ألف و465 توقيعاً. أنصار صباحي يقولون "إن الحركة ليست ملكاً لأحد، أو مجموعة، بل هي ملك كل من عمل على جمع استماراتها، وهم الشعب المصري بمختلف انتماءاته". لا تكتفي الحركة بذلك بل تعتبر نفسها استمراراً لدماء شهداء الثورة المصرية وتستثمر روايتها هذه في هجومها على تعدّد الآراء في الشارع المصري. في خضم السجال حول الاستفتاء على الدستور المصري قال محمد عبد العزيز إن أمهات الشهداء خالد سعيد ومحمد الجندي صوّتن بنعم على الاستفتاء وهذا يعني أن التصويت بـ"نعم" هو الذي يحفظ "حق الشهداء".
مؤخراً، وليبرّر رفضه ترشح "البطل الشعبي" للرئاسة، استند حسن شاهين إلى أن خوض السيسي الانتخابات الرئاسية سيستدعي منه "التنازل عن المكانة التي وصل إليها في قلوب المصريين وعرْض برنامج سياسي في مواجهة برامج منافسيه وتحمُّل النقد". إذن الخلاف ليس على مكانة السيسي ولا على مستقبل الديمقراطية في مصر. الخلاف هو ببساطة بين مجموعة تريد السيسي أباً روحياً وبين مجموعة أخرى تريد منه ممارسة العمل السياسي بشكل مباشر! والمفارقة أن كلا الفريقين يعتبر نفسه الاستمرار الطبيعي لثورتي 25 يناير و30 يونيو!
مع انفجار الخلاف بين الرفاق القدامى قد يستعير مؤيدو صباحي، في المستقبل، عبارات من معجم الديمقراطية لضرورات السجال. لن يستطيعوا الاستمرار في نهج أنصار السيسي الذي يبرّر القول مثلاً بأن أي ترشح ضد المشير يهدف إلى "شق الصف في الشارع المصري". خيارهم سيفرض عليهم القطيعة مع أسلوبهم القديم في التبرير.
بحسب محبّي السيسي، الشارع المصري يحب المشير وحركة تمرد هي حركة صنعها الشارع ويجب أن تقف أمامه في طلبه بترشح المشير السيسي. إذن المسألة بسيطة: إلحقِ الشارع تكسبْ. أنصار صبّاحي يريدون أن يكسبوا أيضاً ولكن من خلال قنوات أخرى، ففريق السيسي لا يستطيع احتضان كل هؤلاء "النجوم". يمتعضون من شراكة السيسي مع شبكة المصالح التي كانت فاعلة خلال عهد الرئيس حسني مبارك.
الثقافة السياسية لتمرّد
في أحد اجتماعات لجنة الخمسين لتعديل الدستور ختم الأعضاء مناقشة المادة المتعلقة بصلاحية رئيس الجمهورية في اختيار رئيس الوزراء. فجأة، قرّر محمد عبد العزيز العودة إلى هذه المادة. رفض رئيس اللجنة عمرو موسى. قال له عبد العزيز: "لسنا هنا لإطاعة الأوامر... نحن لنا الحرية في قول ما نريد" فرد موسى: "أسلوب الكلام ده غير مقبول والكلام ده ما يتقلش في المكان ده، الكلام ده يتقال في الشارع، وتلك اللغة لغة شوارع".
الثقافة السياسية لشباب تمرّد هي قمّة في الشعبوية. يذهبون إلى تدبيج حجج غريبة ليكسوا بـ"الديمقراطية" خياراتهم التي تفضّل الاستبداد. عندما دعا وزير الدفاع الشعب إلى التظاهر لمنح الجيش "تفويضاً ضد الإرهاب"، خرج محمود بدر ليقول "إن دعوة الفريق عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة المصريين للنزول إلى الشوارع لإعطائه تفويضاً لمواجهة الإرهاب أتت لأنه ليس لدينا برلمان تلجأ إليه القوات المسلحة كي يعطيها تفويضاً ولذلك جاءت فكرة الرجوع إلى الشعب وهذا منتهى الديمقراطية ولم يتخذ قراراً ديكتاتورياً منفرداً من نفسه بمواجهة الإرهاب"!
تفرّق الرفاق. محبّو السيسي يعملون الآن على تحويل الحركة إلى تيار شعبي يهلّل للمشير كما كان الاتحاد الاشتراكي العربي أيّام عبد الناصر. هؤلاء لا يهتمون لفكرة برنامج انتخابي. سيؤيدونه و"سيكون الدعم بشكل أكبر إذا اختار برنامجاً يدعم الثورة المصرية"، كما يقولون. القيادة الجديدة للحركة قرّرت فتح باب التطوع لتلقي طلبات الشباب الراغبين في دعم المشير عبد الفتاح السيسي عن طريق تمرد.
قصة حركة تمرّد تشبه تلك القصيدة التي كتبها لافونتين La Fontaine عن الضفدع الذي أراد تكبير حجمه ليصير بحجم الثور، فراح يشرب الماء ويشرب الماء حتى انفجر. الحركة تظن أنها تمثل "أكثر من 22 مليون مصري". أمام هكذا ادعاء كان لا بد من أن تنفجر!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 34 دقيقةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 21 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 22 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت