"لعلّ ثقافة اللّاعنف تستطيع في النهاية أن تخترق ذاك الغلاف الكثيف من الغيوم الحالكة التي تحاصرنا في سجنٍ من القلق والعنف والعبثية كي نستعيد التواصل مع شمسٍ لا تيأس من مناداتنا كل صباح" (وليد صليبي، من روّاد اللاعنف في المنطقة العربية).
في سابقةٍ هي الأولى من نوعها في العالم العربي، كانت بيروت، يوم أمس، على موعدٍ مع "اليوم الوطني لثقافة اللاعنف في لبنان"، وهو حدثٌ فريد من نوعه من تنظيم الكلية الجامعية للاعنف وحقوق الإنسان AUNOHR، والتي تعمل من أجل النهوض بالمجتمع وزرع بذور السلام وترسيخ ثقافة اللاعنف في عقول الأفراد.
فما هي هذه الاحتفالية؟ وما هي الرسالة التي يحاول القيّمون إيصالها للعالم أجمع؟
"لعلّ ثقافة اللّاعنف تستطيع في النهاية أن تخترق ذاك الغلاف الكثيف من الغيوم الحالكة التي تحاصرنا في سجنٍ من القلق والعنف والعبثية"
نخطئ إن اعتبرنا اللاعنف فكراً استسلامياً، يسكُت عن الظلم، فهو ركيزة فلسفية واستراتيجيةٍ تقف بوجه العنف ولا تكتفي فقط برفضه بل تواجهه بطرقٍ سلمية
برنامج الاحتفال
بلباسهم الأبيض، حمل الأطفال صوتهم العذب وصعدوا إلى خشبة المسرح لتأدية النشيد الوطني اللبناني، احتفالاً باليوم الوطني لثقافة اللاعنف في لبنان، والذي سيكون موعداً سنوياً يتجدد في 2 أكتوبر من كل عام، وذلك تزامناً مع "اليوم العالمي للعنف" الذي كرّسته الأمم المتحدة في تاريخ ميلاد اـ"مهاتما غاندي"، رائد فلسفة واستراتيجيا اللاعنف للعدالة. ماذا تضمن الإحتفال؟ بحضور نخبةٍ من الوجوه الفنية والثقافية والتربوية والإعلامية، أقيم الإحتفال عند الساعة الرابعة والنصف، في منطقة الزيتونة في بيروت، وصدح صوت الفنانة "عبير نعمة" وهي تغنّي من أجل الحب والسلام: "لن تقف الأبواب، لن تقفل السماء...يكفينا الحب يكفي! فهو الحياة". قام بعدها الممثل القدير "يورغو شلهوب" بتلاوة قرار مجلس الوزراء بتكريس 2 أكتوبر "اليوم الوطني لثقافة اللاعنف في لبنان"، وذلك بالتعاون مع وزارة الثقافة. ومن ثم كانت هناك كلمات مقتضبة لمؤسسة الجامعة والباحثة في علم النفس السياسي وعلم الاجتماع د. أوغاريت يونان، لوزير الثقافة غطاس خوري، لمنظمة اليونيسيف ولضيف المناسبة حفيد غاندي، آرون غاندي، ليتم بعدها تدشين تمثال "اللاعنف العالمي" وهو على شكل "المسدس المربوط" بالقرب من شجرة الزيتون. وفي الختام أنشد أطفال "ذو فويس كيدز" أغنية "imagine " للفنان العالمي جون لينون باللغة العربية وبتوزيعٍ جديدٍ من قبل جان ماري رياشي، كما تم منح شهادات تقدير لـ150 تلميذاً قدموا من مدارس مختلفة كانوا قد تدربوا وأعدوا تصاميم ملونة للتمثال.الاحتفاء بالإنجازات
"يمكن أنْ نكون التغيير الذي نريد أنْ نراه في العالم" (غاندي) بعد أعوامٍ طويلةٍ من الخبرة والعمل الفكري والثقافي والميداني الدؤوب، تمكنت الكلّية الجامعية للّاعنف وحقوق الإنسان "أونور" من إثبات نفسها كمرجعيةٍ أساسيةٍ في العمل الإنساني. فبالرغم من إمكانياتها الضئيلة إلا أن هذه الجامعة التي تعتبر الأولى من نوعها في لبنان وفي المنطقة العربية نجحت في تحقيق إنجازاتٍ عجزت الجامعات والمؤسسات الكبرى على القيام بها. ففي الواقع، أنجزت الجامعة إصدار قرار من مجلس الوزراء اللبناني لتكريس 2 أكتوبر "اليوم الوطني لثقافة اللاعنف في لبنان"، كما أنها توصلت إلى توقيع اتفاقيةٍ، هي الأولى من نوعها، مع وزارة التربية ومع المركز التربوي للبحوث والإنماء لإدخال "رسمياً" ثقافة اللاعنف في المناهج في مجمل المواد من مرحلة الروضة إلى مرحلة الثانوي وذلك في جميع المدارس اللبنانية سواء كانت رسمية أو خاصة، هذا بالإضافة إلى الحصول على تمثال اللاعنف العالمي وجعل بيروت أول عاصمةٍ عربيةٍ تحتضن هذا الرمز. من هنا أكّدت د. أوغاريت يونان، في كلمتها أن "الاحتفال بهذا اليوم هو للاحتفال بالإنجازات وليس لإطلاق الأمنيات"، مشددةً على أن الطريق لا تزال طويلة لتحقيق المزيد من الإنجازات في عملية بناء المستقبل، خاصة وأن مسألة نشر ثقافة اللاعنف وتعليمها باتت نظرية وتطبيقية، وحاجة وجودية هي بمثابة الأفق للمجتمعات العربية كما للعالم أجمع.مقاومة العنف بالثقافة
على غرار المثل القائل "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة"، تخطط "أونور" لزرع بذور ثقافةٍ جديدةٍ تقوم على مبدأ رفض العنف بكافة أشكاله وتكريس ثقافة العدالة ومواجهة الممارسات العنيفة من خلال سلاحٍ واحد وهو: السلام الذي يعتبر قوة وفن. ففي حديثها لموقع رصيف22، شددت "يونان" على أهمية ترسيخ ثقافة اللاعنف في أذهان الناس، مشيرةً إلى أن "اللاعنف ليس فكر استسلامي، كما أنه لا يسكُت عن الظلم"، بل هو عبارة عن ركيزة فلسفية واستراتيجيةٍ ذكيةٍ تقف بوجه العنف ولا تكتفي فقط برفضه بل بمواجهته بطرقٍ سلميةٍ ومن خلال وسائل وأساليب غير عنفية، على غرار ما قام به غاندي والذي لم يكن مسالماً بل مناضلاً بكل معنى الكلمة. وأوضحت "أوغاريت" أنه على مدى 38 سنة، عملت مع شريكها الباحث والدكتور في علم الاقتصاد السياسي وليد صلّيبي على زرع ثقافة اللاعنف في المنطقة العربية وتحديداً في لبنان، وذلك من خلال إطلاق جامعة "أونور"، التي تأسست عام 2009، كتجربةٍ "نموذجيةٍ" تشمل 3 اختصاصات لتتمكن في العام 2014 من الحصول على رخصة المباشرة بالتدريس وبدأت تضم 9 اختصاصات مبتكرة على يد أساتذة رواد بثقافة اللاعنف ومفكرين وكتّاب. وفي هذا الصدد، تشدد "أوغاريت" على أن "أونور" ليست جامعةٍ تقليديةٍ بأي شكلٍ من الأشكال، إذ أنها لا تكتفي فقط بتوفير المعلومات لطلابها بل تعمل أيضاً على مسألة إعادة تأهيل الذات واستعادة الطاقة الموجودة في داخل كل طالبٍ، لبناء جيلٍ مناضلٍ وقادر على مقاومة الصعوبات التي تقف في طريقه. وعليه يمكن القول أن رسالة "أونور" هي توفير تجربة تعليمية جديدة من نوعها، يتمكن الطلاب من خلالها من إستعادة ذاتهم، ويتحولون بعدها إلى "طيور حرّية" في مجتمعاتهم، حيث ينقلون الفكر والمهارات المتعلقة بثقافة اللاعنف "لكي تبقى الغاية والوسيلة مترابطتين كالشجرة والبذرة"، على حدّ قول غاندي.إسكات صوت العنف
العنف لا يوّلد إلا العنف! في خضم تنامي ظاهرة العنف والتطرّف والفكر الطائفي والمذهبي، تحاول "أونور" تغيير الفكر الاجتماعي ووضع العالم العربي، بداية بلبنان على خارطة السلام، من خلال تنشئة جيل يعتنق ثقافة اللاعنف، أملاً بمبدأ "العدوى الإيجابية". خلال الاحتفالية باليوم الوطني لثقافة اللاعنف، تم تدشين منحوتة "المسدس المربوط"، التي صممت على يد النحات السويدي كارل فريديريك رويترزورد. واللافت أن هذا التمثال هو أكثر من مجرد عمل فني بل ينظر إليه كرمز عالمي ورسالة إنسانية للتوعية ونشر فكرة اللاعنف إذ أن الرسام السويدي كان قد أهدى منحوتته لصديقه العالمي جون لينون، نجم فرقة الـ"بيتلز"، عقب اغتياله في العام 1980. وقد حملت منذ ذلك الوقت اسم "منحوتة اللاعنف"، هذا وقد وضعت النسخة العالمية أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك، في حين أن بيروت هي أول دولةٍ عربيةٍ تحتضن نسختين من هذا التمثال. وتعليقاً على هذه المنحوتة، أوضحت "يونان" أن العنف موجود بكل أشكاله، ولكن لدى الإنسان الخيار ليكتم صوته "خذوا قرار انو ما تخلو صوت العنف يطلع".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه