شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"زاوية"... حكاية سينما صغيرة مختلفة في قلب القاهرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 1 أكتوبر 201801:19 م

مساء الأحد 30 سبتمبر، وقف الكثيرون أمام شباك تذاكر سينما "زاوية" بمقرها الجديد بشارع عماد الدين وسط القاهرة، وهو الشارع الذي كان في الماضي يحتضن أهم كازينوهات مصر ومسارحها، قبل أن تتغير الأوضاع ويصبح الشارع مقراً لمجموعة من قاعات السينما تقدم أفلاماً مصرية وأمريكية تجارية. تعرض سينما "زاويا" حالياً فيلم "يوم الدين" الذي ينافس في مسابقة الأوسكار، وهو تجربة مختلفة للمخرج المصري أبو بكر شوقي، يروي قصة متعافٍ من مرض الجذام يقرر الخروج لأول مرة من المستعمرة التي عاش فيها سنوات طويلة بحثاً عن جذوره وذاته الحقيقية، يرافقه طفل صغير وعربة خشبية يجرها حمار هزيل. قاعات سينما كثيرة لم ترحب بعرض "يوم الدين" لأسباب اقتصادية، فالفيلم لا يقوم ببطولته نجوم شباك يمكن أن يجذبوا الجمهور، لكن "زاوية" رحبت باحتضان الفيلم، فهو يشبه السينما نفسها. باختصار إنه فيلم مختلف يعرض في سينما مختلفة.

حكاية زاوية

في عام 2014 رأت "زاوية"، التي أطلقتها شركة إنتاج مصر العالمية التي أسسها المخرج الراحل يوسف شاهين، بهدف عرض أفلام مميزة لجمهور جديد وإنعاش صناعة السينما المصرية التي كانت قد عانت من تراجع شديد في السنوات الأخيرة بحسب الكثير من النقاد. اختيار صناع التجربة لاسم "زاوية" لم يكن مصادفة، فالسينما بدأت مجرد زاوية صغيرة في سينما "أوديون" وسط القاهرة، مجرد قاعة واحدة صغيرة المساحة، كافح مؤسسوها لسنوات طويلة قبل أن ينجحوا في إطلاقها، بهدف أن تكون "سينما للأفلام اللي مابتنزلش السينما"، كما كان شعارها وقتذاك.

منذ أول يوم لها وعدت زاوية كل عشاق السينما بأن تقدم لهم مجموعة من الأفلام ذات القيمة الفنية العالية، أفلام صنعها مستقلون بعيداً عن حسابات شركات الإنتاج التي تبحث عن الربح المادي فقط. "ولدت زاوية من رحم الروح الثورية التي قامت في ميدان التحرير القريب من مقرها" هكذا قالت وقتذاك المنتجة ماريان خوري، إحدى مؤسسات زاوية، وهي صانعة أفلام ومنتجة في شركة أفلام مصر العالمية. أول فيلم عرضته زاوية هو وجدة، وهو أول فيلم سعودي من إخراج سيدة، تدور قصته حول طفلة سعودية تقرر التمرد وتحلم بقيادة دراجة في شوارع المملكة. بعد ذلك عرضت السينما أفلاماً من دول عربية لم يكن شائعاً أن يشاهد المصريون أفلامها في دور العرض مثل الأفلام اللبنانية والأردنية والتونسية، كما قدمت لجمهورها أفلاماً من دول بعيدة بلهجات مختلفة عن لكنة هوليوود الشهيرة، إذ شاهد المصريون في زاوية أفلام فرنسية، وهولندية، وإسبانية، وغيرها. باختصار شديد تعرض زاوية الأفلام التي ترفض باقي دور العرض المصرية عرضها لأسباب تتعلق بالمكسب والخسارة. أرادت السينما أن تكون أول دار عرض مصرية تختار هي ما ستعرضه، فحجزت لنفسها في البداية قاعة عرض في سينما أوديون بوسط القاهرة، لكن في يونيو الماضي أعلنت زاوية عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك أنها ستنتقل إلى مكان آخر، بسبب صعوبات عدة تواجهها. قالت السينما في بيان وقتذاك "في فعاليات سابقة لزاوية زي البانوراما وأيام القاهرة السينمائية قمنا بتقديم عروض في سينما كريم وده خلانا مُلمين بمميزات المكان ومشاكله وعلشان كده حالياً وبالتعاون مع شركة نيو سنشري وأفلام مصر العالمية بنقوم بتجديدات وتطويرات كتيرة في سينما كريم بما فيها إعادة تصميم القاعات علشان نقدر نقدملكم تجربة مشاهدة تستمتعوا بيها، وهيكون معانا قاعتين مش قاعة واحدة وده هيساعدنا إننا نعرض أفلام أكتر ونقدم لكم برنامج متنوع عن قبل كده وكمان هيكون عندنا مساحة إننا نقدم فعاليات أكتر بجانب برامج الأفلام". وأضاف البيان، "في كريم وعلى عكس أوديون الإدارة الكاملة للمكان هتكون تحت فريق زاوية وده هيدينا مساحة أوسع لتطبيق معايير للجودة كنا دايماً بنحاول نطبقها في أوديون ومكناش بنقدر نتيجة للصعوبات الإدارية". أسابيع توقفت فيها زاوية، وافتقدها جمهورها، قبل أن تعود يوم 11 سبتمبر بحفل افتتاح مميز في مقرها الجديد داخل سينما كريم بشارع عماد الدين، بعد عمليات التطوير التى خضعت لها. حضر الافتتاح عدد كبير من النقاد والصحافيين وصناع السينما، ومنهم الممثلة يسرا اللوزى، والمنتج محمد حفظي، والمنتج محمد العدل، والأب بطرس دانيال رئيس المركز الكاثوليكي المصري للسينما، بالإضافة إلى الناقد الفني محمود عبد الشكور، والسفير البرازيلي بالقاهرة باشيكو دي أزيفيدو أمادو، بالإضافة إلى المنتجين ماريان وغابي خوري. وكانت عودة السينما مختلفة أيضاً، إذ عرض في الافتتاح النسخة المرممة من فيلم "باب الحديد" للمخرج الراحل يوسف شاهين، وقد خصصت السينما 10 أيام لعرض 20 فيلماً من أفلام المخرج الراحل بعد ترميمها، وبالتحديد من 12 حتى 22 سبتمبر. وكانت شركة أفلام مصر العالمية قد بدأت قبل سنوات العمل على مشروع ترميم 20 فيلماً من أفلام شاهين، ومن المنتظر أن تستكمل المشروع.

قاعات سينما كثيرة لم ترحب بعرض "يوم الدين" لأسباب اقتصادية، فالفيلم لا يقوم ببطولته نجوم شباك يمكن أن يجذبوا الجمهور، لكن "زاوية" رحبت باحتضان الفيلم، فهو يشبه السينما نفسها. باختصار إنه فيلم مختلف يعرض في سينما مختلفة.
يقول يوسف الشاذلي، مدير عام زاوية لرصيف22 إن عشاق السينما لا يريدون سوى سينما جيدة ومختلفة تروي عطشهم لعالم السينما الأوسع بكثير من أفلام هوليوود التجارية وأفلام المقاولات التي تكتفي بسيناريو كلاسيكي: قصة حب وأغنية شعبية وراقصة.

جيل شاب ينقذ زاوية

حققت عروض الأفلام في زاوية نجاحاً كبيراً، وكان المشهد لافتاً أن تجد جيلاً جديداً من الشباب يقف في طوابير طويلة لشراء تذكرة لأفلام مثل "صراع فى الوادي"، و"اليوم السادس" و"الوداع يا بونابرت" وغيرها، وكلها أفلام أخرجها شاهين قبل سنوات طويلة ولم تحقق نجاحاً كبيراً حين عرضت في القاعات.

المفارقة هنا هي أن الفيلم الذي اختارته زاوية لتعود به لجمهورها هو فيلم "باب الحديد"، الذي عرض لأول مرة عام 1958، وكان عرضه آنذاك في سينما كريم، ولقي الفيلم حينذاك هجوماً واسعاً ضد شاهين، من جمهور السينما ومن النقاد أيضاً، لتعرضه السينما نفسه بعد 60 عاماً لجيل جديد أراد أن يصالح شاهين. يقول يوسف الشاذلي، مدير عام زاوية لرصيف22 إن السينما منذ ظهورها تحاول أن تقدم لجمهورها "خلطة سينمائة مختلفة" عن تلك التي فرضت عليه في السنوات الماضية بحجة أن "الجمهور عاوز كدة". وكان أغلب المنتجين المصريين يبررون تقديمهم لأفلام ضعيفة فنياً بأن الجمهور "عاوز كدة" (هذا ما يريده الجمهور) قائلين إن الإيرادات التي تحققها هذه الأفلام دليل على أن هذه هي النوعية التي يرغب المصريون في مشاهدتها. لكن من وجهة نظر الشاذلي فإن عشاق السينما لا يريدون سوى سينما جيدة ومختلفة تروي عطشهم لعالم السينما الأوسع بكثير من أفلام هوليوود التجارية وأفلام المقاولات التي تكتفي بسيناريو كلاسيكي: قصة حب وأغنية شعبية وراقصة. "مثلما يوجد للأفلام التجارية مكان في السوق المصرية، يجب أن يكون هناك أيضاً مكان للأفلام المختلفة ذات المستوى الفني العالي، وهذا قمة العدل"، يقول الشاذلي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image