القاهرة - ديسمبر 1962
الرئيس المصري جمال عبد الناصر يخطب أمام جموع الشعب، متحدثاً عن دور الشهداء في حرب اليمن وموقف السعودية من الثورة هناك قائلاً "كل شهيد عندنا جزمته أشرف من تاج الملك سعود والملك حسين"! تضجّ القاعة بالتصفيق الحادّ والهتافات تتعالى.
القاهرة - أبريل 1979
الرئيس المصري أنور السادات يتحدث في البرلمان المصري معلقاً على قرارات المجلس الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب المنعقد في بغداد، والتي دعت إلى تجميد عضوية مصر، ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة الى تونس. قال السادات "نحن أصل العرب. هاجَرْ زوجة إبراهيم هي أمّ إسماعيل أبو العرب. هاجر مصريّة، فإذا كان هناك من يريد الانتساب، فلينتسبوا هم لمصر وليست مصر لهم" ويعلو التصفيق في البرلمان.
القاهرة - أغسطس 1995
أحد الصحافيين يوجّه سؤاله للرئيس حسني مبارك عمّا ستقوم به الدولة المصرية حيال أزمة الطبيب المصري، محمد خليفة، الذي أصدر القضاء السعودي عام 1995 حكماً عليه بالجلد 80 جلدة. أدين المواطن المصري بعد شكوى من مواطن سعوديّ اتهمه فيها باغتصاب إبنه دون سند قانوني، رغم أن شهادة طبيّة أكدت تعرّض الطفل للاغتصاب. يُفاجَأ الجميع بردّ مبارك "عايزنّي أعمل إيه يعني؟ أضحي بالعلاقات مع السعودية علشان شخص واحد؟"
القاهرة - مايو 2014
المرشّح الرئاسيّ عبد الفتاح السّيسي، في ظهوره الأول على شاشات التلفزيون المصري، يتحدث عن ملك السعودية قائلاً "وأنا من موقعي هذا اتقدم بكلّ الاحترام والتقدير والشكر لجلالة الملك عبد الله، كبير العرب، ورجل العرب، وحكيم العرب، على اللّي قدمه لمصر".
لطالما شهدت العلاقة بيت القاهرة والرياض فترات شدّ وجذب، فكلا البلدين يعتبر نفسه الدولة الأكبر، الجديرة بالزعامة العربية. جمال عبد الناصر كان مدركاً لمكانة مصر، ولفخر المصريين وتعلقهم باعتقادهم أن مصر كبيرة العرب وزعيمة المنطقة. السادات أيضاً أدرك هذه الخاصية، فكانت دوماً نصب عينيه في تعامله مع السعودية خاصّة، وسائر الأقطار العربية عامّة.
بقي تابو "الكرامة المصرية" خطاً أحمر لدى المصريين، إلى أن أتى مبارك، الذي يعدّ الكثيرون عصره من أسوأ العصور في شؤون عديدة، من ضمنها ملف الكبرياء المصري. تفنّن الرجل في إهانة شعبه، حتى أنه في إحدى زياراته للسعودية التقى بوفد من الجالية المصرية هناك، الذين ظنوا أنها فرصة مناسبة لتقديم شكوى عن سوء أحوالهم وقسوة الكفيل السعودي في التعامل معهم. غير أنهم تفاجأوا بردّه: "بقول لكم ايه متقرّفونيش، اللي مش عاجباه العيشه هنا يرجع مصر".
طوال عقود مبارك ظل المصريون يقارنون بين موقف حكومتهم منهم وحكومة المملكة من رعاياها، حتى أن الروايات تقول إن السفير السعودي "هشام ناظر" في القاهرة أقيل من منصبه عقب نشر فيديو له على الانترنت وهو يتحدث بتعالٍ مع مواطنة سعودية قدمت شكوى له بالمطار.
الشعور بالخزي والمهانة ظلّ قائماً، والترحّم على أيام ناصر بقي عاملاً مشتركاً بين المصريين. حين قامت ثورة 25 يناير، ارتفع شعار "الكرامة بجوار الحرية"، وطوال السنوات الثلاث الماضية، دخل المصريون في متاهة الاضطرابات السياسية والمظاهرات اللامنتهية، إلى أن ظهر على الساحة "عبد الفتاح السيسي".
المشير يعد في نظر الكثير من المصريين "المنقذ" الذي نجّاهم من خطر الأخوان المسلمين. ببذلته العسكرية وحديثه الدائم عن حماية المصريين وأمن مصر، جعل الكثيرين يعتبرونه خليفة للزعيم الراحل جمال عبدالناصر. بل إن صوراً له تجاور صوراً لناصر انتشرت في كافة المسيرات المؤيدة له. سقف الآمال المنعقدة عليه ارتفع، ونوستالجيا عبدالناصر هيمنت على الشارع، وعليه فإن ظهوره في أول لقاء تلفزيوني ليصف ملك السعودية بـ"رجل العرب وحكيم العرب وكبير العرب" أثار أزمة اشتعلت على صفحات التواصل الاجتماعي .
الكثيرون عبروا عن خيبة أملهم بحديثه، واعتبروا ذلك استمراراً لسياسة الانبطاح التي انتهجها مبارك طيلة ثلاثين عاماً. أما أنصار السيسي فتعاملوا مع ردّة الفعل باندهاش، واعتبروها تصيّداً للأخطاء في مياه عكرة.
"إحنا بنحبّ السّيسي وبنحبّ أشقاءنا في السعودية، اطلعوا إنتو منها بس"، هكذا عبّر أحد مؤيدي المشير عن موقفه على تويتر. خالد يوسف، المخرج السينمائي الناصريّ والمقرب من السيسي يقول إن حديث السيسي يدخل في بند الأدب والامتنان لدور السعودية، وإن كان استطرد قائلاً إن وصفه للملك عبد الله بالكبير والزعيم ورجل العرب مبالغ فيه، فـ"مصر هي الكبيرة على حدّ وصفه بلا جدال". أما فريد زهران، السياسي البارز، فيرى أن الحلف المصريّ السعوديّ الآن في غاية الأهمية لكلتا الدولتين، وأن مصر والسعودية في أمس الحاجة للتعاون في مواجهة الخطرين الإيراني والتركي، وأنه لا معنى للحديث عن أفضلية أو امتنان من طرف للآخر".
السيسي حاكم مصر المقبل، في أول ظهور له على الشاشات، يضع نفسه بين مطرقة العوز وسندان الكرامة، ولا أحد يعلم أي الطريقين سيسلك الرجل: شموخ ناصر أم انبطاح مبارك؟ المؤكد أننا أمام فصل جديد من فصول العلاقات المصريّة السعوديّة الهامّة، والتي كثيراً ما توصف بأنها ملتهبة ومتقلبة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...