منذ أن خلق الله الصعيد، لم نعرفه، ولم يعرفنا. دار كثير من الدوائر، حل ألف شتاء، وألف ربيع، تساقطت أوراق الشجر آلاف المرات، ورغم ذلك لم يتغير الصعيد في عقيدة أولئك الذين صدروا لنا جنوب مصر عبر مشاهد اختزلته في الثأر والقتل وتجارة المخدرات والسلاح وتهريب الآثار، غير أن هناك من بين أبناء الصعيد من وقف ضد تلك الثوابت الزائفة، وأزاح قواعدها من الطريق وراح يرسم التفاصيل من جديد ليقدم طرحاً خاصاً يتماشى مع الصعيد كما يعرفه أهله، لا كما تصوره السينما والدراما.
حمدي الغبري أو "الحج الضوي" كما يعرفه الجميع، أحد أبناء الأقصر، قرر أن يغير في مجتمعه، بفيديوهات بسيطة عرضها على اليوتيوب وناقش من خلالها مشاكل مجتمعه، لتأتي المفاجأة الكبرى وتحقق تلك الفيديوهات نجاحات منقطعة النظير جعلت من الغبري بين ليلة وضحاها أحد أشهر الناس في محافظات الصعيد.
الصورة ما بتكدبش
يقول الغبري: "مبدئياً حابب أوضح للناس، أني درست إرشاد سياحي، وعملت بالسياحة لفترة طويلة، وسافرت لعدة دول أوروبية وتعلمت لغاتها، وبخصوص الفيديوهات فهي فكرتي وكنت أول "يوتيوبي صعيدي" يعمل الحاجة دي. بدأت من سنتين، وكنت بناقش من خلالها قضايا تمس الصعيد. نعمل بإمكانيات ضعيفة، لدرجة إني ممكن تجي لي فكرة أصورها بالموبايل لو المصور مش معايا". وبخصوص اختيار اسم "الحج الضوي" وكواليس العمل، يقول: " في البداية عملت 50 أو 60 فيديو ظهرت فيها بأسماء مختلفة، وحتى لا أشتت الناس، اخترت اسم الحج الضوي، وهو اسم أحد جيراني. وبخصوص كواليس الفيديوهات التي نقدمها، فأنا أكتب السيناريو الذي يناقش الفكرة التي اخترنا عرضها، بعد ذلك نبدأ البروفات وأتولى تحفيظ الشباب، ثم أختار مكان التصوير الذي يتم غالباً في الأقصر والغردقة". اختار "الضوي" الكوميديا لتكون الإطار الذي يحكم مشروعه الفني على اعتبار أنها الأقرب إلى المصريين، والأقدر على توصيل الرسالة من أقصر الطرق.. لكن مع ذلك هناك من تعامل مع تلك الكوميديا بطريقة لم تكن متوقعة. يقول حمدي لرصيف 22: "في البداية غضب البعض من الكوميديا التي نقدمها واعتقد أنها سخرية منه، غير أننا بمرور الوقت تجاوزنا تلك الأزمة، خصوصاً أن الناس فهموا أن غرضنا هو خدمتهم". ويتابع: "حلقات كثيرة حققت صدى واسعاً، مثل حلقات الثأر، ومشاكل المغتربين في الخارج وأيضاً "قائمة الزواج"، وقد دفع نجاح تلك الفيديوهات وغيرها إدارة المرور في محافظة الأقصر للاستعانة بالفيديوهات الخاصة التي قدمتها عن الأزمة المرورية، لعرضها في الشوارع والميادين من أجل التوعية"."أتمنى أن يكون داخل كل بيت حج ضوي قادر أن يغير في بيئته ومجتمعه، وقتذاك يتقدم الصعيد وتُحل كل مشاكلنا".
"لي عاجبني أن المشاكل لي بتتعرض في فيديوهات الضوي، بتنحل، وده اللي بيخلي الناس مبسوطة بالفيديوهات لي بدأت تنتشر وتخلي الحج الضوي نجم في الصعيد ومعروف أكتر من المشاهير"شهرته جعلت بعض المخرجين يطاردونه بأدوار عدة، غير أنه رفضها جميعاً. يعلق: اكتشفت أن جميعها أدوار لبوابين، وأنا أريد أن أغير وجهة النظر المعهودة عن الصعايدة، يكفي أن السينما والدراما رسختا عنا صورة مغلوطة، وأنا لا أريد أن أقع في هذا الخطأ. الناس تحبني، والآن أتواصل مع أشخاص من محافظات مختلفة، والكل يطلب مني عرض مشاكله." هل وجدت صدى على الأرض لما تقدمه أم أن الأمر توقف عند حدود المشاهدات فقط؟ يجيب: "لا طبعاً، وإلا لما كنت استمررت، الفيديوهات أثرت بشكل كبير وأذكر مثلاً، أن هناك قرى في محافظة سوهاج بدأت تفكر جدياً بالمهر المبالغ فيه، بعد الفيديو الذي ناقشنا فيه تلك الظاهرة، كذلك تحدثنا في أحد الفيديوهات عن أزمة مرشح مياه في دشنا وكيف أن الناس هناك تحتاج لمرشح مياه، وبعد ذلك بأسبوعين بدأوا في محافظة قنا العمل بالمرشح الجديد". ويضيف: "اليوتيوب أصبح نافذة مهمة الآن، وأغلبنا يقضي يومه كله على الإنترنت. ليس لدينا وقت لمتابعة الصحف أو الفضائيات، لذا يسهل علينا اليوتيوب مهمة الوصول لكل الناس. من هذا المنطلق نجحت الفكرة وبقيت فيديوهاتنا تحقق آلاف المشاهدات، وسعادتي زادت عندما علمت أن ما نقدمه وصل للأطفال الذين يلتفون حولي في كل محافظة أذهب إليها لتحيتي على ما أقوم به". تفكر بدخول عالم السياسة؟ يرد: "لا أحب السياسة، ولا يمكن أن استغل شهرتي في أي وظيفة أو مهنة سياسية، كاتب على صفحتي أن ما أقدمه لا علاقة له بالسياسة، وإنما أقدم تجارب اجتماعية لخدمة الناس، حتى أني بدأت أتدخل في مصالحات وإنهاء خصومات ثأرية بناء على طلب الأهالي. وأنا سعيد بهذا الدور خصوصاً أني لا أتقاضى عليه أي أجر".
جمهور الصعيد عايز كده
علي الحناوي، 24 سنة، خريج كلية العلوم، وأحد أبناء سوهاج قال: "السينما والدراما ظلمتا الصعيد وقدمتاه بصورة مغلوطة، وهذه مشكلة كبيرة لأنها ظلمتنا وجعلت صورتنا قبيحة". وتابع لرصيف 22: "أتمنى أن يكون داخل كل بيت حج ضوي قادر أن يغير في بيئته ومجتمعه، وقتذاك يتقدم الصعيد وتُحل كل مشاكلنا". ويقول أحمد سراج، طالب بكلية التربية، وأحد أبناء محافظة قنا: "لي عاجبني أن المشاكل لي بتتعرض في فيديوهات الضوي، بتنحل، وده اللي بيخلي الناس مبسوطة بالفيديوهات لي بدأت تنتشر وتخلي الحج الضوي نجم في الصعيد ومعروف أكتر من المشاهير. ومن هنا حابب أقوله يا ريت يركز الفترة الجاية على البطالة والفقر وكمان يركز مع الشباب الصعيدي الناجح ويسلط الضوء عليه، عشان الناس كلها تعرف أن الصعايدة مش ناس ساذجة بيشتروا التروماي زي ما بنشوف في الأفلام".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...