تقدمون على فعل لا يتوافق مع توقعات الآخر... الشريك، الأب، الأم، المدير، الصديق.... أو العكس، تمتنعون عن مجاراة الآخر بفكرة أو بفعل ما، لكن سرعان ما تبدأ أفكاركم بممارسة فعل التأنيب عليكم، ومحاولة إظهاركم مذنبين لأنكم لم تفعلوا ما كان "يجب فعله"؟
تتخطون بعض العادات والتقاليد التي تربيتم عليها، محاولين إثبات شخصيتكم الفريدة؟
لكن مهلاً. ماذا عن شعوركم بالذنب؟ شعور لا يسلم منه أي شخص صغيراً كان أم كبيراً ومن مختلف الثقافات. شعور الذنب هذا يسكنكم ويقيّد أفكاركم وأفعالكم. فعوضاً عن أن يكون الشغف بالشيء محرّككم الأساسي، تلجأون إلى مساءلة أنفسكم دوماً: هل أنا مخطئ/ة؟ ماذا إن خسرت رضا أهلي، شريكي، المجتمع، إن أقدمت على فعل شيء جعلهم يستاؤون؟ هل أنا مذنب/ة؟.
هكذا تمضون حياتكم أسرى شعور، تذوب فيه هويتكم، ويجعلكم ضحايا. فتسوء علاقتكم بأنفسكم وبالآخرين.
هل من سبيل للتخلص من ذلك الشعور المدمّر؟ هل يمكن أن يكون إيجابياً؟
الذنب: محرّك العادات والتقاليد
الخوف من الذنب والعقاب، والسعي وراء كسب محبة القريب ورضاه. أسس بنيت عليها جميع المجتمعات على اختلاف الأديان والمعتقدات، التي وضعت قوانين لتنظيم حياة البشر، مستندةً إلى ممنوعات من شأنها، إن لم يتم التغاضي عنها، أن تدفع بالشخص إلى ارتكاب المعصية، وبالتالي خسارة الجنة ومعها محبة المقربين. بالرغم من أن التشدد يبقى نسبياً بين مجتمع وآخر، فإن الذنب يبقى مترسخاً في كل شخص، ويتخذ أشكالاً مختلفة. ويصبح الشخص في حال من الصراع الأبدي بين "حرية فردية" تنشدها جميع الثقافات، وبين واجبات أخلاقية واجتماعية، تأسر الشعور وتتعارض معه. فإما أن يتصرف الشخص كما يحب تحت خطر أن يشعر أنه منبوذ أو غير مرغوب به داخل دائرة العائلة أو المجتمع الكبير، أو يكبت رغباته الحقيقة ويتصرف كإنسان اجتماعي هدفه الأساسي كسب رضا الآخرين، بدءاً بالأهل وصولاً إلى الأولاد وزملاء العمل، وأي شخص يصادفه مهما كانت طبيعة العلاقة سطحية. أمثلة كثيرة يمكن أن يعيشها الشخص توقظ فيه ذلك الشعور، كأن يمتنع عن حضور مناسبة اجتماعية مهمة، أو أن ينجذب إلى شخص غير شريكه، أو أن يترك أهله ويسافر للبحث عن مستقبله، أو أن يكون ميله الجنسي أو معتقداته الدينية مخالفة للبيئة التي نشأ فيها، وغيرها من الخيارات، التي يظن الشخص أنه اتخذها عن قناعة. إلّا أن شعوراً مزعجاً يراوده يجعله يتراجع عنها، أو يؤذي نفسه من خلالها. والأمر الأصعب من ذلك، هو عندما تكون الخيارات مفروضة على الشخص، فيرث الذنب دون أن يختاره، أو أن يكون له أي علاقة مباشرة به. كالطفل الذي يولد ثمرة علاقة زوجية مهددة بالفشل، ويسمع أمه تتمنى في كل لحظة لو لم تلده، أو الذنب الذي يصلنا من أحاديث مثل: "بسببك خسرت صحتي... من أجلك ضحيت بحياتي...". ذنوب نرثها حتى تجري داخلنا كالنفَس. يرى علم النفس في الذنب كتلة مشاعر سلبية، منها الظن شبه الدائم أنكم بسلوك ما تسببتم أو قد تتسببون في أذية شخص آخر، شعور يضعكم في حال من السؤال اليومي لأنفسكم حول ما إذا كان سلوككم مناسباً اجتماعياً أم لا. وينتج عن ذلك محاولة إرضاء الجميع بكبت مشاعركم ورغباتكم، ووضعها في قالب مغاير لما تتمنونه، لكن ذلك لا يسكت الشعور السلبي بأنكم مذنبون فقط لاختلافكم، وبالتالي لا تستحقون الفرح أو النجاح، فتمارسون عن غير وعي، فعل جلد الذات باستمرار، من خلال التورط في علاقات غرامية مدمرة، أو اختيار مهنة لا تحبونها، أو عدم الاهتمام بصحتكم الجسدية والنفسية.كيف يدمّركم الذنب؟
تشعرون أنكم تتحملون مسؤولية أمور تفوق طاقتكم، مصرّين على فعل ما هو "صح" دوماً. ترهقون صحتكم بالعمل والتفكير ومحاولة إرضاء الغير، وبأن تكونوا على قدر توقعاته. تتعاملون مع الأمور المحيطة بكم بحساسية زائدة، تتوقعون الأسوأ دائماً، وفي حال حصول أي حادث تشكون بأن عليكم يقع الخطأ مباشرة أو غير مباشرة. تفقدون شيئاً فشيئاً حس المبادرة نتيجة خوفكم فتمتنعون عن أخذ القرارات الحاسمة، خوفاً من الفشل وتختارون الصمت والعيش على هامش الحياة. تضعون أنفسكم في تصرف الآخر وتلبية رغباته العاطفية أو الاجتماعية أو حتى الجنسية. فتُسكتون رغباتكم وتتحوّلون إلى انعكاس لصورته، فتسعون جاهدين لإرضائه، بينما تظنون أن هذا هو الصحيح، وبذلك تنالون الرضا وتخففون من شعوركم بالذنب تجاه أنفسكم. وأكثر... دوامة من السعي خلف المثالية لا تنتهي، وفي كل مرة تفشل، لأنكم سوف تجدون أنفسكم ناقصين وغير راضين عن أي عمل تقومون به. صورة ذاتية تصبح مدمرة، ومعها تفشل العلاقة بالآخر، الذي يأخذ السلطة عليكم، ويتحكم بأهوائكم، مستغلاً ضعفكم هذا، ليبسط قوته، حتى تلغى شخصيتكم تماماً بينما هو يصاب بعدم الاكتراث. لكن الذنب، على الرغم من رنين لفظه المزعج، يمكن أن يكون محرّكاً إيجابياً، ويجعلكم تعودون إلى أنفسكم في الأوقات الحرجة مع الآخر، لتعيدوا تقييم سلوككم أو علاقتكم. تقييم مفيد لكم لأنكم حينها، وبعيداً من أحكام الآخرين، ستحددون إن كنتم مجارين قناعاتكم، وحينها إن أخطأتم فلا بأس بالاعتذار! لكن الحكمة تبقى في عدم جلد الذات، وجعلها أسيرة مخاوف وطموح إرضاء الآخر، الذي لن يرضى مهما فعلتم، بل سيطلب منكم المزيد.كيف تتخلصون من ثقل هذا الشعور؟
الذنب يمكن أن يشل حركتكم تماماً، وإن تجذر فيكم يصبح كالمرض الخبيث يتناتش من ثقتكم بنفسكم شيئاً فشيئاً. إليكم 5 نصائح إن تنبهتم إليها أنقذتم أنفسكم من قساوة الذنب وثقله على حياتكم.1 – حددوا طبيعة شعوركم
للذنب أنواع عديدة: منها الذنوب التي تشعرون بها لأمر قمتم به أو لم تقوموا به. منها الذنوب التي تأتي نتيجة نمط حياة تعيشونه. تقضون وقتاً طويلاً في العمل بعيداً عن العائلة والأولاد. تشعرون أنكم مقصرون أو مهملون لهم. خذوا وقتكم وفكروا في طبيعة ذلك الشعور وجذوره، فإما أن تحاولوا التعويض عن سلوك يزعجكم، فتخففون من حمل ذلك الشعور، أو يكون سلوككم مناسباً لكم والذنب شعوراً يعنيكم وحدكم، حينها يكون من الأجدر محاولة أخذ الأمور إلى المنحى المنطقي ومحاولة النظر للناحية الإيجابية. تماماً كالأم التي تعمل ساعات طويلة لإعانة عائلتها في غياب الزوج، وتشعر بالذنب لأنها تترك أطفالها مع والدتها أو المربية. في هذه الحال، يكون من المفيد التذكر أن لا حياة مثالية والأساس يبقى في محاولة التعويض قدر الإمكان.2 – لا تخجلوا من الاعتذار
يذوب الشخص في ذنبه أحياناً حتى ينسى أن أكبر الأمور يمكن أن تنتهي يعبارة "آسف/ة... لم أقصد إزعاجك". إنه الذنب الصحي الذي ينقذ الشخص من الغرق في المجهول. إن أخطأتم بالفعل أو وجدتم أنفسكم في وضع يلزمكم أن تبرروا تصرف ما لا يشبهكم ويخرج عن قناعاتكم، حينها يكون الاعتذار أفضل مخرج. لكن احذروا خطورة الاعتذار على خطأ لم تقترفوه.3 – تقبّلوا كونكم على خطأ!
لماذا يسهل عليكم مسامحة الآخر إن أخطأ في حقكم في ما تجلدون أنفسكم أشهراً وسنين إن صدر منكم سلوكاً سلبياً؟ يحق لكم أن تخطئوا، فذلك من سمات الإنسان، ولا أحد معصوم من الخطأ. أما المثالية فهي وهم كبير. تأملوا في سلوككم المخطىء وحاولوا تغييره لما في ذلك من مصلحة لكم أنتم قبل كل شيء.4 – افصلوا مشاعركم عن فشل الآخر
لستم مذنبين إن اختلفتم عن بيئتكم بطباع أو سلوك أو توجه. لستم مسؤولين إن ولدتم في حضن عائلة أساء أفرادها التصرف مع ذاتهم أو معكم. لستم مذنبين إن نجحتم وفشل شريككم، أو أخوكم أو أي شخص تحبونه. ارفضوا تبني أي فشل خارجي ولا تخجلوا من أنفسكم لأنكم متميّزون. يحق لكم ألا تكونوا دوماً حاضرين عاطفياً لاحتواء الآخر. يحق لكم أن تفكروا بأنانية تحفظ لكم شيئاً من الحصانة النفسية في علاقاتكم وحياتكم عموماً.5 – اتخذوا درساً من سلوككم
صحيح أن الذنب يخنق صاحبه، إلا أنه قد يفيده أيضاً. خصوصاً إذا حاول الشخص النظر إلى السلوك ليس كحبل لجلد الذات، بل كدرس يعيد صياغة المفاهيم التي يعيش من خلالها. اتخذوا من سلوككم دروساً، فإما ان تعدّلوا منها، وإما أن تعدّلوا من الدائرة الاجتماعية التي تحيط بكم، فتختاروا أن تكونوا محاطين بأشخاص يرون في وجودكم قيمة بصرف النظر عن نقاط الاختلاف.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع