وصفت حياة المرأة الجنسية على مدى الأزمنة بالغامضة والمعقدة. تعددت نظريات علم النفس والإجتماع حول الأسباب في ظل تململ الرجل وشعوره بالفشل أحياناً وبالخيبة أحياناً أخرى أمام تستّر المرأة في السرير وإخفائها لأماكن الرغبة في جسدها. يصبح الرجل حينها مثل متسابق في لعبة المتاهة يبحث عشوائياً عن طريق يأخذه إلى فك لغز لذّة المرأة الجنسية. لغز ليس من السهل حلّه. فهو مغلّف بالكثير من المحرمات والخجل والأفكار النمطيّة التي تدعو المرأة إلى السترة والحياء من جهة، وإلى استعمال الجنس وسيلة لتحقيق مبتغاها من الشريك من جهة أخرى. النتيجة؟ يصل الرجل إلى النشوة فيما تبقى المرأة، في بعض الأحيان، في وضع سلبي وكأنها قد أتمّت واجباً منزليّاً. فلا هي تشعر بأنوثتها وتضع الشريك في حال من الحيرة. لماذا كل ذلك التعقيد؟ ألا يحق للمرأة التمتع بأهم لحظة يتعانق فيها جسدها مع مشاعرها؟
كيف تتربّى المرأة على كبح شهيّتها الجنسية؟
"لا تبيّني جرأتك في الجنس أمام شريكك.. لئلا توقظي فيه الشكوك في أن لك تجارب جنسية سابقة أو أنك "ساقطة". هذه الأفكار ترسخ في عقول بعض النساء العربيات فيما خص التعامل مع جسدهن ومشاعرهن. فيتربّين على تناسي أنهن كائنات من لذّات. أن يتعاملن مع جسدهن على أنه عيب يجب أن يدارينه وإن قررن فضحه بشرط واحد.. لإرضاء الشريك ومساعدته على الوصول إلى النشوة أو بهدف الإنجاب. في حين يشجع المجتمع الرجل على الجموح الجنسي والتعامل الحرّ مع جسده، وعلى ابتكار وسائل وحبكات جنسية لإغراء المرأة وجذبها إليه. يدرك الرجل منذ الصغر كيفية الاستمناء ويعرف كيف يتعامل مع جسده للوصول إلى اللذّة.رغم التطوّر الكبير الذي حققته والثورات الكثيرة للتحرر من الرجل بقيت ثورة أساسية لم تتجرّأ عليها بعد: الثورة على ملكية جسدها وحرية التعامل مع اللذّة فيه.
يتعاملن مع جسدهن على أنه عيب يجب أن يدارينه وإن قررن فضحه بشرط واحد.. لإرضاء الشريك ومساعدته على الوصول إلى النشوة أو بهدف الإنجاب.لنبدأ من الكتب المدرسية التي من شأنها تعليهم الأولاد والمراهقين قواعد النمو. يظهر العضو الذكري بوضوح وبتفاصيله بالإسم والشكل. أما العضو النسائي يرسم بشكل مبهم غير مفهوم. وفي الحالتين تبقى التربية الجنسية مفقودة وتترك للأهل الذين لا يعرفون أو يخجلون أو يخافون شرحها لأطفالهم، خصوصاً البنات. كم من النساء لا يدركن شيئاً عن اللذّة الجنسية لديهن. كم من امرأة وصلت إلى عمر متقدم وهي لا تعرف كيف تصل للنشوة الجنسية. وبالتالي فهي لم تكتشف بعد مكامن اللذة في جسدها. لم تلمسه.. لم تستكشف أسراره.. لم تشعر بالنشوة الفاضحة لأسرار الجسد، نشوة تمنحها السلطة على جسدها وترشدها إلى كل ما تحتاج أن تعرفه عن عالم اللّذات الجنسية. via GIPHY
دليل آخر على الآثار الاجتماعية الكارثية لفقدان التربية الجنسية العادلة يظهر في أفلام البورنو. ففي تقرير نشر عام 2015، أظهر أن 88% من المشاهد الجنسية فيه تحوي تعنيفاً للمرأة أثناء ممارسة الجنس إما بصفقها على وجهها أو أماكن أخرى من جسدها، أو لمسها بطريقة عنيفة أو أمور أخرى تظهر الرجل على أنه المسيطر والمرأة عبدة هدفها إيصاله للنشوة الجنسية.
حتى اوقات المداعبة التي تسبق العلاقة الجنسية هي أطول عند الرجل من المرأةحتى اوقات المداعبة التي تسبق العلاقة الجنسية فهي أطول عند الرجل من المرأة. والمعروف أن المداعبة مرحلة مهمة وأساسية في بداية كل علاقة جنسية للمساعدة على استرخاء الجسد وإعطاء الوقت اللازم أن تكون المشاعر مستعرة ليصبح الجسد أكثر جهوزية وحاضراً للاستمتاع. كل امرأة مختلفة ومميّزة وليس هناك أي دليل موحّد يعرّفها على جسدها. هي وحدها قادرة ولها السلطة عليه. لكن الأهل والدين والمجتمع يقفون لها بالمرصاد، فتكبر وهي في الكثير من الأحيان لا تعلم كيفية التواصل معه ولا هي متصالحة معه في الأساس. وبالتالي لن تستطيع الوصول إلى التواصل الجنسي مع شريكها. بل ستترك له سلطة تعليمها ذلك وإرشادها إلى جسدها – أمر سوريالي بالطبع – فلا يعرف جسدها ولذّاته سواها، ليصبح التواصل الجنسي عالماً يحيطه الغموض فيبدأ بالكذب والتظاهر بالنشوة حتى يصل إلى الملل والخيانة.
المرأة في ضياع والرجل في حيرة
"أريد فعلاً إسعاد شريكتي لكنها منطوية.. لا أشعر أنها تتفاعل معي حين ألمسها في أماكن محددة.. لم أعد أعرف كيف أوصلها للنشوة وترفض أن تتحدث في الموضوع." via GIPHYيقول نادر إن التواصل الجنسي مع شريكته مفقود رغم الحب الكبير الذي يجمعهما. يعرف أنها تتصنع الوصول إلى النشوة أحياناً لتعزيز الرجولة لديه ولكنه يخاف مواجهتها بالأمر لأنها، حسب قوله، تعتبر تلك مسائل محرمة لا يجوز الحديث عنها وغير أخلاقية. يسأل نادر ومعه عدد من الرجال: "أريد أن تكون العلاقة الجنسية مع شريكتي ممتعة لنا معاً.. أريدها أن تتفاعل معي دون خوف أو خجل.. ما العمل؟".
كم من امرأة وصلت إلى عمر متقدم وهي لا تعرف كيف تصل للنشوة الجنسية، ولم تكتشف بعد مكامن اللذة في جسدها.سؤال تجدونه على صفحات الإنترنت وفي العديد من الدراسات والمقالات التي من شأنها تعزيز ثقة المرأة بأنوثتها وتطهيرها من الذنب التي تربّت عليه. أما هي فتخجل من الحديث عن الأمر أو التعامل الحرّ مع شريكها في مسائل الجنس لئلا تخيفه فتلجأ إلى الفضفضة لأصدقائها عوضاً أن تتواصل معه هو. ثمة دراسة تبيّن ذلك وتشير إلى أن القيود الإجتماعية والكبت الجنسي الذي تعاني منه المرأة يجعلها تنتهك أقرب فرصة للبوح برغباتها أمام أي كان سوى الشريك. الدراسة أشارت إلى أن 75% من الأحاديث بين النساء تدور حول الجنس وأمور متعلقة به، أما باقي الأحاديث فتكون عن الآخرين. تتشارك النساء التجارب والخيبات والنصائح لكيفية التمتع بالعلاقة الجنسية مع الشريك مع الأصدقاء – أمر يضعها في حال من الضياع لما للأمر من خصوصية واختلاف لدى كل شخص - فيما الأساس أن تكون تلك الأحاديث الخاصة مسألة للنقاش مع الشريك مباشرة. فتظن هي أنه لا يريدها أن تتعامل مع جسدها بحرية ويظن هو أنه لا يمتعها.
ما العمل إذاً؟
لا شك أن هناك بعض الرجال ما زالوا يتعاملون مع شريكتهم على أنها إناء يفرغون فيه لذاتهم الجنسية، وهذا أمر يزيد من خوف المرأة من البوح والتمتع بملكية الجسد. لكن المرأة عليها مسؤولية كبيرة في كسر تلك المعتقدات البالية التي تجعلها أسيرة جسد تسكنه لكنها لا تملكه بل تمنح صق ملكيته للشريك. رغم التطوّر الكبير الذي حققته والثورات الكثيرة للتحرر من الرجل بقيت ثورة أساسية لم تتجرّأ عليها بعد: الثورة على ملكية جسدها وحرية التعامل مع اللذّة فيه.
بالنظر إلى بعض المقالات التي تنشر في هذا الصدد، فإن العديد منها يحوي نصائح للمرأة للتمتع بجسدها لكن العناوين تتناقض مع رسائل النص. فتكون على الشكل التالي " أمور يريد زوجك أن تفعليها خلال ممارسة الجنس.. كيف تسعدين زوجك؟.. كوني جريئة ليحبك أكثر.."
لن يحبك أكثر إن تصنعت الجرأة. سيملّ منك وستملّين من نفسك ومنه ما دام هو ورغبته في أولويات أهدافك وما دامت رغبتك أنت تأتي في الدرجة الثانية فلا إمكانية لعلاقة جنسية مثيرة تدوم بعد انطفاء الشغف ومع مرور سنين الزواج. إدراكك كيفية التعامل مع قدرتك الجنسية أبعد بكثير من مسألة الاستمتاع بالجنس. له علاقة مباشرة بالثقة بالنفس والاستقلالية وحماية الذات من أي محاولة استغلال لجسدك وفكرك ومشاعرك.
لا يمكن لأي امرأة أن تقيم علاقة صحية مع شريكها إن لم تكن متصالحة مع نفسها أولاً. ونفسها تشمل الجسد والروح. والتصالح يعني أن يستطيع الشخص الحديث عن الأمر بحرية دون اللجوء إلى مفردات مبهمة أو غير علمية، بهدف كسر الحذر والخوف الذي ما زال يلف اللذّة الجنسية لدى المرأة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع