غبار، مكيفات معطلة وسط درجة حرارة تجاوزت 45 درجة مئوية، نقص في الكتب، خاصة للصف الثالث ثانوي، مدارس تم أغلاقها دون أن يعلم أحد.. هذا ما واجهه غالبية الـ7.5 مليون طالب سعودي الذين عادوا لمقاعد الدراسة الأحد الماضي، وظلوا طوال الأسبوع الأول من الدراسة يعانون من عدم جاهزية المدراس التي كان يجب أن تكون كذلك قبل نحو شهر، ولكن لا شيء تغير.
تجاوز الأمر في بعض المناطق، الفصول غير النظيفة، أو نقص الكتب، ففي نجران، لم تعمل إدارة التعليم على أعادة صيانة وتجهيز مقر كلية التربية للبنات المهجور منذ سنوات، بعد أن قررت الاستعانة به ضمن خطتها للعام الدراسي الجديد، وتخصيصه لتدريس طالبات المتوسطة والثانوية، وظهر على المبنى سوء النظافة، أما في لجعة في بلدة القويعية، فحضر الطلاب وأولياء أمورهم، وغاب المعلمون ومسؤولو المدرسة، وأظهرت مقاطع فيديو نشرها ناشطون، الطلاب وهم يتزاحمون خلف أبواب المدرسة المغلقة، بعد يومين من الحادثة التي كانت موضعاً خصباً للتندر، خرجت وزارة التعليم لتؤكد أنها كانت قررت إغلاق المدرسة وتحويل الطلاب إلى مدرسة أخرى بديلة، ولكن القائمين على التعليم في المنطقة لم يخبروا أولياء الأمور بقرار الإغلاق، وقال المتحدث باسم الوزارة أن مبنى مدرسة لجعة قديم وتم إخلاؤه بناءً على تقرير من الدفاع المدني، وجرى إسناد إعادة تأهيل المبنى إلى شركة تطوير وحُدِّدت مدة المعالجة بستة أشهر.
اعتراف وتذمر
اعترفت وزارة التعليم بالتقصير، خاصة فيما يتعلق بتأخير بعض الكتب، ولكنها شددت في الوقت ذاته في بيان على لسان المتحدث الرسمي فيها على أن ذلك يجب أن لا يكون سبباً في تعثر العملية التعليمية، ويجب منح الطلاب حصصاً منهجية، وقال مبارك العصيمي:"نتج التأخير في وصول كتب المرحلة الثانوية إلى المدارس عن تأخر لجان تطوير المنهج من إعداد البروفة النهائية للمطابع، خاصة بعد إقرار التوسع في تطبيق نظام المقررات على الصف الأول الثانوي في جميع مدارس السعودية، مما استدعى مراجعة محتوى كثيرٍ من الكتب”، وشدد على أن هذا التأخير لا يعني تأثر العملية التعليمية، لأن :"المدارس تستعد في الأسبوع الأول لتطبيق خطة التهيئة والإرشاد للطلاب، كاختيار الطلاب للمقررات الدراسية ووضع الجداول النهائية". لم يكن العصيمي الوحيد الذي خرج ليبرر ما حدث في الأسبوع الأول، ولكن في وقت كان المتحدث الرسمي واقعياً في حديثه، ظهر نامي الجهني، وكيل وزارة التعليم للشؤون المدرسية، متوتراً وهو يتحدث عن الانتقادات التي طالت الوزارة، وطالب في حواره مع برنامج (يا هلا) على شاشة روتانا الإعلام بألا يركزوا على سلبيات الوزارة، والتحدث عن الإيجابيات التي قامت بها الوزارة، منتقداً إفساد الإعلام فرحة الطلاب بالعودة للدراسة. "محاولة تبرير، ورفض للواقع"، هكذا وصف بدر الرشيدي، المعلم السابق، حديث وكيل الوزارة، مستغرباً من مطالبته للأعلام بعدم انتقاد التقصير الواضح، ويضيف لرصيف 22 :"كيف يطالب الجهني الإعلام بأن لا يتحدث عن السلبيات، هذا هو دوره الحقيقي، وليس الحديث عن الإيجابيات، الوزارة ما تزال تدار بطريقه غير احترافية، وأوجه القصور تظهر في كل عام، وكأنهم يُفاجأون بأن الدارسة اقتربت". يشدد الرشيدي على أن عدم جاهزية المدراس، هو حدث يتكرر كل عام، أما تأخير الكتب، فسبق أن تكرر في العامين الماضيين، ويتابع :"يبدو أن الوزارة لا تتعلم من أخطائها، أو هي لا تريد ذلك، فالوزير مشغول بانتقاد المعلمين، والتشكيك فيهم، ولو أنه أستغل بعض جهده لإصلاح حال العملية التعليمية، لكان الوضع أفضل"، معتبراً أن الأمر لا يستحق كل هذه الأخطاء في كل عام، ويضيف :"بدأت الدراسة في فصل الصيف، فكيف يمكن أن تكون هناك أجهزة تكييف لا تعمل، ما هو دور الصيانة التي تعمل طوال العام".الكثير من التقصير
بضع صحف سعودية هاجمت وزارة التعليم بشكل قاس، فقد خصصت صحيفة عكاظ التي تصدر من جدة، قبل يومين موضوعاً كاملاً، اتهمت فيه الوزارة بأنها تحاول أن تقلب الواقع السيئ برفضها للأنتقاد، وكتب محررها :"ليست المرة الأولى التي يضيق فيها صدر وزارة التعليم ممثلة في بعض إداراتها التعليمية، بما تنشره وسائل الإعلام من قصور أو سلبيات تطال بعض خدماتها، ودائماً الرد جاهز، والحسم مدوٍ، بسؤال واحد غير مشروع، مفاده "من سمح لهؤلاء بالتصوير، وكيف لا يحصلون على إذن من الإعلام التربوي، وكيف يتاح لهم أن يصولوا ويجولوا في الأركان لينقلوا ما خفي عن العيون؟"، وأضافت الصحيفة واسعة الانتشار في المناطق الغربية والجنوبية من السعودية :"بصيغة السر لا الجهر، والخطاب الشفاهي لا المكتوب، عممت بعض الإدارات، لقائدي مدارسها، صيغة التشدد في منع التصوير في المدارس أو حتى الاقتراب منها، في إطار محاولة عدم فضح ما تم إخفاؤه، بل حاول بعض المحسوبين على فريق (كله تمام) تشويه الحقائق وقلب الصور الناصعة التي نشرتها بعض وسائل الإعلام لمدارس جادة استعدت بصورة بيضاء". في مجال الانتقاد ذاته، كتب سطام الثقيل مقالاً مطولاً في صحيفة الاقتصادية، يستغرب فيه تعامل الوزارة مع الانتقادات، متسائلاً :"هل التعمد وحده من يستوجب المساءلة والمحاسبة والنقد؟ في حين التأخير غير المتعمد والناتج أحياناً عن تقاعس وتسويف وبطء لا يستوجب ذلك؟"، وأضاف :"هل تسليم كتب المرحلة الابتدائية والمتوسطة في وقته وتأخير كتب المرحلة الثانوية يعدّ إنجازا يستحق الإشادة؟ لا أعلم سر تلك المكابرة التي ظهر بها أكثر من مسؤول في التعليم، وهم يبررون تأخر الكتب، الذي لا يمكن تبريره إطلاقاً، فموعد الدراسة محدد سلفاً، وتحويل نظام الدراسة في جميع مدارس المرحلة الثانوية إلى "نظام المقررات" أيضاً متخذ منذ وقت مبكر، إذن ثمة خطأ وثمة مخطئ في تأخير تسليم الكتب، ما الضير في الاعتراف بالخطأ؟".وزارة التعليم... خطأ ومكابرة
الدكتور نامي الجهني وكيل وزارة التعليم للشؤون المدرسية، متذمر جداً من تركيز الإعلام، بل المجتمع كله، على السلبيات التي صاحبت بدء العام الدراسي وفي مقدمتها تأخر تسليم الكتب للمرحلة الثانوية "نظام المقررات"، وطالبهم بإحسان الظن في الوزارة وتساءل مستغرباً "هل تعمدت الوزارة تأخير تسليم الكتب؟"، ونحن نستغرب بدورنا من استغراب سعادة الوكيل "فهل التعمد وحده يستوجب المساءلة والمحاسبة والنقد؟ في حين التأخير غير المتعمد والناتج أحياناً عن تقاعس وتسويف وبطء لا يستوجب ذلك؟ الكاتب الدكتور إحسان علي بوحليقة، كان له انتقاد آخر، وجهه للمقاصف المدرسية، التي تستمر في بيع المنتجات غير الصحية، وكتب في صحيفة الاقتصادية أيضاً :"لا أحد راضٍ عن واقع التغذية المدرسية، عدم الرضا لم يتحول إلى فعل يؤثر في محتويات المقاصف حتى الآن"، وأضاف :"هناك من يتصرف وكأن مجتمعنا لا يعاني السمنة الزائدة وقلة الحركة، وتفشي الأطعمة السريعة المشبعة بالسعرات الحرارية نتيجة لثرائها بالكربوهيدرات والأملاح، ويبدو أن الرسالة لم تصل للقائمين إلى المقاصف المدرسية". وتساءل في مكان آخر :"لماذا لا يتم تقنين الأمر بصرامة بألا يسمح بدخول إلا الأطعمة والأشربة الصحية، وليس غير الضارة، بل الصحية والموافق عليها من لجنة تغذية مهنية معتبرة".لا تفاح في مقاصف مدارسنا
يقدر حجم مبيعات المقاصف المدرسية بنحو 1.5 مليار ريال، وأما نسبة التلاميذ الذين يشترون من المقاصف فقد تصل إلى 80 في المئة. لا أحد راضٍ عن واقع التغذية المدرسية، أما عدم الرضا فلم يتحول إلى فعل يؤثر في محتويات المقاصف حتى الآن. وهذا لا يعني أن جهوداً لا تبذل، فمثلاً نظمت وزارة التعليم أخيراً مؤتمراً للتغذية المدرسية، ألقيت فيه أوراقٌ وجهت انتقادات لواقع التغذية المدرسية. لكن المؤتمرات ــ على الرغم من أهميتها ــ لا تغير الواقع.فصول غير نظيفة.. أجهزه تكييف معطلة.. وكتب ناقصة.. أما في بلدة القويعية، فحضر الطلاب وأولياء أمورهم في اليوم الدراسي الأول، وغاب المعلمون ومسؤولو المدرسة.
"كيف يطالب وكيل وزارة التعليم للشؤون المدرسية الإعلام بأن لا يتحدث عن السلبيات، هذا هو دوره الحقيقي، وليس الحديث عن الإيجابيات، الوزارة ما تزال تدار بطريقه غير احترافية، وأوجه القصور تظهر في كل عام، وكأنهم يُفاجأون بأن الدارسة اقتربت"
المزيد من القرارات
لا يقتصر الانتقاد على تأخر الكتب، أو ضعف صيانة المدراس، فقد بدأت وزارة التعليم في تطبيق أنظمة جديدة، كانت محط جدل واسع، أهمها تخصيص خدمة النقل الحافلات المدرسية تكون تابعة لشركة تطوير، على أن يتم تحصيل مبلغ 200 ريال سنوياً عن كل طالب وطالبة يتم نقلهما بها، وتحصيل نسب إضافية من المقاصف المدرسية، بواقع 1.5 ريال عن كل طالب يتم تحصيلها من المشغل، بداعي استخدام الكهرباء والماء. "ليس كل ما صدر مزعجاً، فإن بعض القرارات كانت جيدة"، هكذا يقرأ وليد المزيد، المدير السابق لإحدى مدارس الرياض القرارات التي صدرت مع مطلع العام الدراسي ويقول لرصيف 22: "تميزت الوزارة في إصدار الدليل التنظيمي والإجرائي لقواعد السلوك والمواظبة للمرحلة الابتدائية، الذي سيحد من ظاهرة غياب الطلاب المتزايد"، ويضيف :"أبرز ما جاء في الدليل، هو أنه سيتم تحويل ولي أمر الطالب الذي يزيد غيابه عن 30٪ من عدد الأيام لمركز بلاغات العنف والإيذاء١٩١٩، باعتباره إهمالاً كبيراً، وتسبب في انقطاع الطالب عن التعليم، هذا الأمر سيحد من فشل الطلاب بسبب عدم الفهم الناتج عن الغياب غير المبرر، كما أن الدليل ألغى فصل الطلاب لأي سبب كان"، يؤكد المزيدي الذي قضى أكثر من 33 عاماً في قطاع التعليم، على أن القرارات الجيدة التي صدرت، ضاعت وسط زحمة القصور الواضح في الاستعداد للعام الدراسي الجديد، ويضيف :"مرت وكأنها لن تحدث".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 10 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت