"إسرائيل باللهجة العراقية" صفحةٌ ظهرت على فيسبوك منذ قرابة أربعة شهورٍ، موجّهةٌ إلى الشعب العراقي على اختلاف أطيافه. أثارت ضجةً كبيرة جعلتها مادّةً دسمة للنقاش في أوساط العراقيين ووسائل الإعلام المحلية والعربية، وحتى العالمية. الصفحة التي أطلقتها الخارجيّة الإسرائيليّة في السادس من مايو/ آيار الفائت، لاقت إقبالاً كبيراً، إذ وصل عدد متابعيها خلال أقلَّ من أسبوع إلى 4000 متابعٍ، ويزيد اليوم عن الخمسين ألف شخصٍ. هي الصفحة الثانية من نوعها التي تُطلقها إسرائيل للعرب بعد الصفحة الواسعة الانتشار "إسرائيل تتكلم بالعربية"، مع اختلاف أن الأخيرة اختصّت بالعراق فقط دون الدول العربية الأخرى. وكتبت الخارجية الإسرائيلية للتعريف بهذه الصفحة "أن هناك تاريخاً حافلاً يجمع اليهود ببلاد الرافدين بعد أن عاشوا فيها أكثر من 2500 عامٍ". مضيفةً، أن "المتحدرين من بلاد الرافدين لا يزالون يحملون ذكرياتهم ومساهماتهم في بناء العراق الحديث". ليندا منوحين عبد العزيز، صحفية يهودية ذات أصولٍ عراقية، وناشطة نسوية، تقول لرصيف 22، إن "تنامي ردود الفعل الإيجابية العراقية على صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" ومطالبَ البعض بفتح سفارة إسرائيلية في العراق كان لهما الأثر الأكبر في التحفيز لفتح صفحةٍ جديدة تكرسُ للأمور المشتركة بين العراقيين أجمع". مضيفةً "هي خطوة إيجابية في توضيح ما خفيَ من تاريخ يهود العراق، وما تم تحريفُه سيما في هذه الفترة التي تعتبر المرحلةَ الأخيرة للتواصل مع من غادر من يهود العراق ولا زال يتكلم العربية. خصوصاً أن هذا الجيل معرضٌ للرحيل مع تقدم العمر في العقود الثلاثة القادمة". تعتقد منوحين أن هذه الصفحة "بدايةٌ مشرقةٌ وموضوعية" كونها تُعنى بحقبة مهمة أَفضت إلى تفريغ العراق من مكونٍ مهم ساهم في بناء العراق الحديث. لافتةً إلى أنها خيرُ مؤشرٍ وبوصلةٍ للأقليات الموجودة في العراق لإصلاح ذات البين، والتعايش في عراق التعددية كما كان في العهد الملكي. تنفي منوحين وجودَ أيّة دعايةٍ سياسية مغرضة وراء إنشاء الصفحة "قدرَ ما هي حقائقُ عن أحوال يهود العراق واندماجهم في المجتمع الإسرائيلي ووصولهم إلى مواقع رفيعة يمكن للعراقيين الاستفادة منها بمرور الزمن"، مؤكدة أن "استطلاعاً أجرته مؤسسة بحثية الخريف الماضي، بيّن أن حوالي 35% من المستطلَعة آراؤهم في العراق لا مانع لديهم بإقامة علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل تخدم مصالح العراق". نتيجةٌ تعتبرها الصحفية قابلةً للتصديق، إذا أُخِذَ بالاعتبار عدم وجود نزاعٍ حدودي بين البلدين، فضلاً عن التقدم التكنولوجي الذي حققته إسرائيل، وبمساهمة يهود العراق، ما يمكن أن يكون جسرا لرقي العراق، وفق منوحين. "المجتمعُ المدني العراقي سباقٌ في مثل هذه الأمور، وقد أُطلِقت من قبل صفحاتٌ وكروبات عديدة تختص باليهود العراقيين، مبنيّةً على التواصل معهم، وذلك خير مؤشرٍ على التغيير في الرأي العام العراقي، ما شجّعنا على مثل تلك الخطوة، وأن نحذو حذوهم"، تقول منوحين. في حفلات تخرج الجامعات العراقية عام 2010 كان تخرّجُ طلاب قسم اللغة العبرية في كلية اللغات بجامعة بغداد، مجمع الباب المعظّم، مختلفاً عن غيرهِ، ففي ذروة الحفل، صعدت إلى المسرح طالبةٌ محتفلة بتخرجها من القسم، وحمَّستِ الجمهور الذي شمل طلاباً من جميع الأقسام، وغنَّت لـ"ساريت حداد"، مغنّية إسرائيلية تؤدي وفق الطراز الشرقي، لِتُعَد خطوةً جريئةً من نوعها، وكانت الطريقة التي استقبلَها الطلبة أولى همسات التواصل العلنيّة مع الثقافة اليهوديّة ومع اليهود العراقيين الذين يقطنون إسرائيل. الدكتور رونين زيدل، مواطن يهودي، وباحثٌ في الشأن العراقي المعاصر، يقول لرصيف 22، إن "فكرة إنشاء الصفحة جاءت بعد ملاحظة كثرة عدد المشتركين العراقيين في صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية"، منوهاً إلى أن "الصفحة الجديدة ليست فعلاً باللهجة العراقية كما هو اسمُها، إنما تحتوي على معانٍ ومواضيع متعلقةٍ بالعراق وبيهود العراق الموجودين في إسرائيل". ويبين زيدل، أن "الهدف السياسي الوحيد من إنشاء الصفحةِ هو الحوار وتشجيع التقارب بين الشعبين، فهناك جهلٌ كبير لدى العالم العربي في كل ما يتعلق بالجوانب اليومية للحياة في إسرائيل، والصفحة تحاول تصحيحه مع العراقيين"، مضيفاً أن "الحوار مع العراقيين عادة لا يدور حول الاحتلال والصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني، لذلك فإنه لا يخدم أغراضاً سياسيةً وإعلامية". نهايةَ حديثه يشير زيدل إلى أن "المسؤولتَين عن الصفحة من أصولٍ عراقية، ولأسبابٍ شخصية وعائلية ترتبط بعمق جذورهما العائلية في العراق، هما متحمستان لإجراء الحوار الإيجابي البنّاء مع العراقيين". آملاً أن يكون هناك حوارٌ مماثل مع بقية الشعوب العربية في المنطقة. عودةً إلى "ساريت حداد" فمنذ أن قُدِّمت أغانيها في حفل تخرج عام 2010، ازداد عدد العراقيين الذين يتواصلون مع اليهود العراقيين، بشكلٍ رئيسي عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، يتضح ذلك جلياً عندما ذهب بعض المتصفحين العراقيين الشباب إلى إنشاء صفحة فيسبوك تحت عنوان "سفارة جمهورية العراق في إسرائيل". إضافةً إلى ذلك فإن نصفَ مليون عراقي يتابعون صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" مشكليِن ثلثَ عدد المتابعين الإجمالي. كل هذا دفع بالخارجية الإسرائيلية إلى إطلاق صفحة "إسرائيل باللهجة العراقية". ايفا علي، ناشطةٌ مدنية عراقية، ومهتمّةٌ بحقوق الأقليّات، تقول "صباح اليوم التالي لانطلاق الصفحة، سمعتُ خبر إنشائها من صديقتي في العمل، مؤكدة لي أن الصفحة حديث الميديا ومواقع التواصل، وأنها معجبةٌ بمواضيعها". لا ترى علي أن وراء إنشاء الصفحة بروباغاندا أو ما شابه، بل "إنها اجتماعية محضة، ومختصة بالتاريخ اليهودي العراقي وفنانيهم وبالثقافة اليهودية العراقية". مستطردةً في حديثها لرصيف22 "على الأقل ظاهرياً هذا ما نراه من خلال محتواها". تتابع "قبل أيامٍ شاهدت مادّةً فيلميّة قصيرة نشرتها الصفحة عن أبرز 10 يهوديين موسيقيين عراقيين طوَّروا الموسيقى العراقية، منهم حسن زعرور، صالح شميل، يوسف بتّو، ويوسف زعرور. وعندما بحثتُ عنهم بدافع الفضول كَوني لم أسمع عنهم من قبل، إذ أن شهرة الفنانين اليهود العراقيين عندنا تنصب على سليمة مراد، والأخوين صالح وداوود الكويتي، وَجَدتُ أنّهُم من أوائل المؤسسين والعاملين في فرقة الجالغي البغدادي العريقة، وكان رشيد القندرجي، ومحمد القبّانجي، الذائعا الصيت حتى يومنا هذا، من أبرز قُرّاء المقام العراقي فيها آنذاك". موضحةً أن هذه المادة الفيلمية والمعلومات الجديدة التي أضافتها لها جعلتها أكثر اقتناعاً بالطبيعة الاجتماعية البحتة للصفحة. زكريا الهلالي، طالب في قسم اللغة العبرية في لغات جامعة بغداد، يقول "كان لنا النصيب الكبير في التفاعل مع الصفحة خصوصاً أننا طلبة ندرس العبرية، لغة اليهود، فكان من الطبيعي أن تلفِتَ عنايتنا نحوها". مُضيفاً "كثيراً ما تهتم بالتعريف والتوعية بالتاريخ والثقافة اليهوديتين، وبِاليهود العراقيين المشهورين، ومطربيهم، إضافة إلى مراقدهم وممتلكاتهم وحقوقهم المسلوبة، وبالتالي هي تدعو إلى كسر القيود نحوهم". ويلفُت زكريا في حديثه لرصيف 22 إلى أن "أحدَ الأساتذة في قسمنا، طلب منا الترجمة إلى العبرية من المواضيع التي تنشرها الصفحة نهاية كل أسبوع، كَي يختبرَ قوتنا ولا نبقى حبيسي الكتاب والمادة الموجودة فيه. فعلنا ذلك، لكن مدة أسبوعين فقط، فإنشاء الصفحة جاء مع قرب نهاية العام الدراسي الماضي، مّا دفعنا إلى التوقف مع بدء الامتحانات النهائية".
"إسرائيل باللهجة العراقية" صفحةٌ ظهرت على فيسبوك منذ قرابة أربعة شهورٍ، يؤكد باحث يهودي في الشأن العراقي المعاصر أن فكرة إنشائها جاءت بعد ملاحظة كثرة عدد المشتركين العراقيين في صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية"
"أحد الأساتذة في قسمنا، طلب منا الترجمة إلى العبرية من المواضيع التي تنشرها الصفحة نهاية كل أسبوع، كَي يختبرَ قوتنا ولا نبقى حبيسي الكتاب والمادة الموجودة فيه" يقول زكريا الهلالي، طالب في قسم اللغة العبرية في لغات جامعة بغداد
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.