"امرأة لا تكتفي" رواية أثارت حالة من الجدل داخل الوسط الثقافي المصري، وكشفت عورات المجتمع ونظرته الذكورية للمرأة، باعتبارها وعاء لتلبية الرغبة الجنسية للرجل ، وتعرضت كاتبتها الشابة نرمين عشرة لهجوم عنيف واتهمها البعض بنشر الفجور والانحلال، بسبب فكرة الرواية التي تُعد صادمة لطبيعة المجتمع.
تدور أحداث الرواية حول امرأة ماتت بذاكرتها وبدأت حياة جديدة تحررت فيها من كل القيود والضوابط، لتنعم بالمتع واللذات، ارتبطت بأربعة رجال، كل منهم يمثل لذة أساسية "المال والنجاح والجنس والحب"، وينشب داخلها صراع عندما تقرر أن تختار بينهم، فهي بطبيعتها البشرية تريد كل شيء، وتأبى أن تضحي بأي شيء.
وتعتمد الفكرة الأساسية في الرواية على صراع اللذات داخل الذات البشرية، وشعورها بكل منها على حدة، وامتزاج الألم باللذة، والروح التي تسيطر وتحكم. وترى الكاتبة أن المرأة هي نفس بشرية في الأساس تبحث عن إشباع رغباتها سواء الروحية أو الجسدية، وكأي إنسان تدخل في صراع نفسي حتى تستطيع أن تضحي ببعض رغباتها من أجل الأخرى.
وتطرقت الرواية إلى طبيعة البشر الخطأة باختلاف هيئاتهم ونفوذهم ومراكزهم، فالغريزة لا تعرف منصباً أو جاهاً، كما تتطرق إلى الطبقية التي يعاني منها بعض الأغنياء، والطبقات الكادحة التي أجبرتها الحياة على العيش في الشوارع.
رصيف 22 التقت بمؤلفة الرواية للحديث عن المرأة التى لا تكتفي برجل واحد، وحال النساء في مجتمعنا العربي، وهنا نص الحوار .
ماذا كنت تقصدين من عنوان الرواية؟
عنوان الرواية يعبر عن البطلة التي لا تكتفي من كل شيء، وهي انعكاس للنفس البشرية الطماعة التي لا ترضى بما لديها وترغب دائماً في المزيد. فهي من عنوانها تتحدث عن الغرائز الفطرية، وكيف تتعامل معها النفس البشرية إذا تحررت من كل القيود، فهي لا تكتفي من المال أو الأكل أو الملبس أو الجنس أو الشهرة أو النجاح أو الحب، ولا تأبى أن تضحى بواحدة في سبيل الأخرى.
فالكفاية عادة ما تكون بداية النهاية، فمثلاً رغبة الإنسان في المزيد من النجاح تجعله ينجح أكثر، أما إذا استكفي فسيكون قد كتب بيده النهاية.
توقف القارئ عند تلك اللذة يعني أنها مسيطرة عليه ويخشى أن ينزع الستار عنها، فالرواية تعري نفسه البشرية دون أن يدري
عندما تطرقت الرواية للذة الجنس، فإنها وصفت مشاعر الأنثى في العلاقة ونقلت للرجل أدق أحاسيس المرأة التي تعاشر رجلاً لا تحبه ولا يقبله جسدها تحت أي مسمى حتى لو كان زواجاًاختيارك لأسماء البطلات شمس.. حياة.. روح.. هل لها دلالة معينة؟ كل اسم أو مكان في الرواية له دلالة معينة، فالرواية كلها رموز، فالبطلة الرئيسية حياة تعبر عن الحياة بلذاتها، وكل من ارتبطت بهم يحملون اسماً له دلالة، فمثلاً أحمد يرمز إلى عامة الشعب المصري بجانب رمزه إلى لذة الحب، وحتى اختيار الأماكن له دلالته فكوبري قصر النيل هو رمز الثورة والتغيير، وهناك ثارت البطلة على نفسها، في إشارة إلى أن التغيير لن يحدث دون تغيير داخلي نابع من النفس، ونحن بالفعل بحاجة إلى ثورة فكرية ونفسية. وخلاصة ما اقصده أن كل رمز في الرواية له دلالة نفسية وأخرى سياسية. قيل إن الرواية تتحدث عن اللذة الجنسية عند المرأة.. هل هذا صحيح؟ تتحدث عن ذلك في جزء منها، وهو أمر طبيعي لأن الرواية تتحدث عن الغرائز واللذات والجنس من اللذات الجسدية الأساسية عند المرأة كما الرجل، فلمَ أتجاهلها؟! والرواية تحدثت عن مختلف اللذات الجسدية والروحية حتى العبودية والعلاقة مع الرب، فلماذا استوقفت القارئ فقط لذة الجنس التي تقبع بالفعل داخله؟ فلا يمكن لأحد أن ينكرها داخله، وكل علماء النفس أكدوا أن الجنس غريزة داخل الرجل والمرأة معاً. وتوقف القارئ عند تلك اللذة يعني أنها مسيطرة عليه ويخشى أن ينزع الستار عنها، فالرواية تعري نفسه البشرية دون أن يدري. وعندما تطرقت الرواية للذة الجنس، فإنها وصفت مشاعر الأنثى في العلاقة ونقلت للرجل أدق أحاسيس المرأة التي تعاشر رجلاً لا تحبه ولا يقبله جسدها تحت أي مسمى حتى لو كان زواجاً، فالكثير من الفتيات يتزوجن نتيجة ضغط مجتمعي أو أسباب مادية أو دوافع الشهرة دون أن يشعرن بقبول للطرف الآخر فيظهرن الرضا في العلاقة في حين أنهن يكتوين بنيران الألم الداخلي. ونقلت أيضاً مشاعر المرأة التي اشعرها الرجل بأنوثتها وكينونتها حتى رغبت هي في العلاقة معه، فالرواية أظهرت للرجل المشاعر التي لا يراها وربما يخشى أن يراها لأنه ربما يكتشف أن امرأته تحتقره دون أن يدري. هل بطلة الرواية امرأة منحلة أم ضحية مجتمع؟ ضحية مجتمع هتك مشاعر المرأة ونفسيتها وجعلها تقرر أن ترتكب خطايا الرجل لتنتقم منه بعد أن فشلت في أن تنتصر لحقوقها وكرامتها التي يستبيحها الرجل. ومن لا يتعاطف مع البطلة ويشعر بما تعاني منه عليه أن يتجه إلى طبيب نفسي.
ومن لا يتعاطف مع البطلة ويشعر بما تعاني منه عليه أن يتجه إلى طبيب نفسي.وجهت لك اتهامات بأن الرواية تدعو للفجور وتحرض على الرذيلة.. ما ردك؟ الرواية لمن يقرأها سيجدها دعوة للإصلاح النفسي وإذا صلحت النفس فسيصلح المجتمع، فهي تدعو إلى التفتيش في أعماق الذات ومحاسبتها وتطهيرها من خطاياها وأنانيتها، تدعو إلى تغيير النظر للآخرين والشعور بهم، لأننا جميعاً نحمل طبيعة بشرية واحدة تخطئ وتتوب، وكما لنا الحق في الخطأ فعلينا أن نقبل توبة الآخرين. والرواية هي طريق للوصول والارتقاء بالنفس، وتدعو لتحقيق الكفالة المجتمعية ونزع براثن العدوانية من النفس. وهي تنقل حالة موجودة بالفعل وليس أمراً مختلقاً وتحذر من تفاقمها وتوابعها على المجتمع. ماذا كان شعورك عندما وجه لك البعض اتهامات بنشر الرذيلة في المجتمع ومخالفة القيم؟ تيقنت أنني كنت محقة عندما قررت نزع الغطاء عن آفات النفس، وعرض احتياجاتها، واختيار المرأة لأنها الأكثر كبتاً في المجتمع. وطالما هناك اتهامات فحتما هناك تأثر بالفكرة، وهذا شيء يسعدني بأن تمس أفكاري مشاعر أحد وتجعله ينتفض ويفكر ويواجه حتى لو كان بالهجوم. وإذا طبق كل شخص بالفعل القيم الإنسانية لما وصل مجتمعنا إلى الحالة التي جعلتني أكتب رواية تحذيرية.. ومن يتهمني بتلك الاتهامات يريد أن يبقي المجتمع على عيوبه دون إصلاح. هناك من هاجم الرواية بسبب العنوان.. كيف ترين ذلك؟ هذا يعكس السطحية في المجتمع والتركيز على الظاهر دون المضمون، فلا يمكن أن نحكم على شيء لمجرد شكله الخارجي وتلك احدى رسائل الرواية فلا تحكم على البشر من ظاهرهم، علينا أن نحكم على الأمور بشكل أكثر عمقاً لنلحق بالتقدم الفكري. هل الهجوم المتتابع دفعك للتفكير في تغيير اسم الرواية؟ بالعكس زادني إصراراً عليه لأنني تأكدت أني كنت محقة بأن أستخدم مبدأ الصدمة لإيصال الفكرة.. كل ما يهمني أن يقرأوا ليتلقوا الرسائل الأكثر عمقاً. هل من الممكن أن تفعلي مثل بطلة روايتك وترتبطي بأربعة رجال في وقت واحد؟ ظروفي تختلف تمام عن البطلة، ولكني إذا ارتبطت لا أرضى برجل لا يكملني، حتى أبحث عن باقيه في رجل آخر، فلا بد أن أؤمن به بكل جوارحي وأراه بلا نقص، وتلك نصيحتي لكل امرأة ألا ترتبط إلا بمن يتفق معها ذهنياً ونفسياً وعاطفياً ويلبي لها احتياجاتها المختلفة وليس بمن تجد به نقصاً بالنسبة لها. وحتى لا يقول أحدهم ليس هناك شخص كامل، فانا أعني المقاييس الشخصية، فلكل منا نموذج كامل يقيس عليه وكلٌ أدرى بأولوياته.. المهم أن تختار الأنثى من تراه رجلاً كاملاً. في رأيك هل ظلمت الأديان المرأة أم أن ممارسات المجتمع هي التي ظلمتها؟ للأسف المجتمع هو الذي ظلم المرأة وخالف الأديان والطبيعة التي تساويها بالرجل، ولكن المجتمع العربي تحول إلى ذكوري لا يعترف بأن تكوين المرأة مثل الرجل ولا يأبه باحتياجاتها الغريزية، فالمرأة مطلوب منها أن تؤدي دورها على أكمل وجه، وأن تكتفي بالمتاح وتكبت رغباتها. لم يكتفِ المجتمع بما يسببه للمرأة من كبت بل إنه يجلدها لأي خطأ بسيط ترتكبه في حين يترك الرجل يشيع في الأرض فساداً محتمياً وراء ذكورته، فإذا أقام علاقة غير شرعية مع أنثى في الدين العقاب للاثنين، أما المجتمع فيعفو عن الرجل وربما يشيد به في حين أنه يرمي المرأة بالحجارة وكأنها أخطأت مفردها. فنحن نعيش في مجتمع ظالم تحدى طبيعة الكون وحبس غرائز المرأة داخلها ورفض منها حتى أن تعبر عنها ولو بصرخة عابرة، ما أسفر عنه إصابتها بأمراض نفسية أبى المجتمع أن يكشف عنها، ولكنه حتما سيجني ثمار ما فعل. وإذا نظرنا إلى الزواج نجد الرجل يعبر عن رغبته في الزواج لإشباع غريزة الجنس لديه، ويجد من حوله يشجعونه، أما إذا قالت المرأة ذلك فستجد الألسنة تتطاول لتتهمها بالفجور، برغم أن الجنس غريزة فطر الله الإنسان عليها. ولكل ذلك أرى أن المجتمع هو من خلق الانحراف والعوج، ولا بد أن يغير طبيعة نظرته للغير عامة وللمرأة خاصة، وأن يتعامل معها كنفس بشرية لها احتياجاتها ورغباتها وليس كمجرد جسد يرغبون في الاستحواذ عليه، وإلا فسيواجه رد فعل قوي قد يصل إلى أن تنقلب الطبيعة وتصبح المرأة هي من تتزوج بأربعة. في تونس انطلقت دعوات العام الماضي بزواج المرأة أكثر من رجل في آن واحد.. هل تؤيدين هذه الدعوات؟ تلك الدعوات رد فعل لما أصيبت به المرأة طوال السنوات الماضية، هي تريد أن تنال العصمة التي منحها المجتمع للرجل، فالتعدد قد يكون نوعاً ما انتقاماً للنفس من الرجل، وقد يكون صرخة بأن لها مطالب واحتياجات مثل الرجل، لكنها لا تحصل عليها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...