هل شعرتم يوماً برغبةٍ شديدةٍ في البكاء بعد الوصول إلى النشوة الجنسية، محاولين إخفاء وجهكم تحت الوسادة خوفاً من أن تفضحكم دموعكم؟ هل انتباكم فجأة الشعور بالكآبة واليأس من أنفسكم ومن الطرف الآخر بعد الانتهاء من الجنس رغم أن العلاقة الحميمية بينكما سارت على خير ما يرام؟ لا شك أن للجنس فوائد مذهلة خاصة لناحية المساعدة في الحدّ من الألم، وتقوية جهاز المناعة والمساعدة على النوم بشكلٍ أفضل، إلا أنه يبدو أن للعلاقة الحميمية أثراً غير متوقع على مزاج بعض الأشخاص: فبالرغم من اختبارهم أفضل هزة جماع على الإطلاق، فإن البعض منهم يشعر فجأة بالأرق وبنوبةٍ من الحزن لدرجة الانفجار في البكاء من دون القدرة على تفسير ذلك. via GIPHY
إضطراب ما بعد النشوة
حاولت العديد من الدراسات تحليل المراحل الثلاث الأولى من الاستجابة الجنسية للإنسان: الإثارة، الاستقرار والنشوة الجنسية. وفي حين أن المشاكل الجنسية المتعلقة بالرغبة والإثارة والنشوة خضعت لأبحاثٍ واسعة النطاق، إلا أنه في الكثير من الأحيان كان يتم التغاضي عن مرحلة ما بعد الجماع والإحساس السلبي الذي ينتاب بعض الأفراد ويمكن أن يتحول إلى كآبةٍ حقيقيةٍ وكابوس لا ينتهي .يمكن للجنس أن يجعلنا نشعر بالضعف، فاثناء الجماع غالباً ما يشعر الرجال بأنهم "أقوياء" ولكن ما إن تنتهي العلاقة الجنسية حتى يشعر البعض منهم بالعجز وكأنهم فقدوا جزءاً من "ذكوريتهم"، الأمر الذي يسبب لهم الكآبة.
عند ممارسة الجنس يطلق الدماغ بعض الهرمونات التي تسبب ردود أفعال مختلفةٍ من الضحك الهستيري وصولاً إلى البكاء من دون سببٍ واضحٍ.من هنا أوجد الباحثون مصطلح "اضطراب ما بعد الجماع" post-coital dysphoria الذي يعرف أيضاً بـ post-coital tristesse أي "الحزن" باللغة الفرنسية في إشارة إلى الشعور بالإثارة، الكآبة، القلق أو الحزن بعد الجماع حتى عندما يحدث الجنس بالتراضي، مع العلم أن هذه الحالة تطال الرجال والنساء على حدّ سواء ويمكن أن تستمر بين 5 دقائق وساعتين. في القرن السابع عشر، لخص الفيلسوف "باروخ سبينوزا" هذه الحالة في كتابه Spinoza: The Way to Wisdom بالقول:" بمجرد أن تصبح المتعة الحسية من الماضي، فإن أعظم الأحزان تتوالى"، أما "فرويد" فقد ربط مسألة اضطراب ما بعد الجماع بالطبيعة الانفرادية لوجود الإنسان، مشيراً إلى أنه "عندما يكون الشخص بداخلك والعكس، فإن ذلك يجعلك تشعر بأنك متصل بهذا الشخص، وعندما ينتهي الجنس تذكرك الطبيعة بأنك وحدك، وعليه حين يتلاشى الشعور بالتكامل وتبدأ بالشعور بالوحدة، فإن هذا يجعلك تشعر بالحزن".
لست وحدك
في وقتنا الراهن، أصبح العالم مهووساً بالعملية الجنسية لدرجة أنه بات من السهل نسيان الشعور الغريب اذي يخلّفه أحياناً الوصول إلى النشوة، ولكن بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من "اضطراب ما بعد الجماع" فإن الجنس يمكن أن يتحول إلى تجربةٍ مخيفةٍ ووحشيةٍ.عندما كان في العشرين من عمره، لاحظ الكاتب "براندون ألكسندر" أنه يشعر بنوع من الحزن الذي لا يمكن تفسيره بعد ممارسة الجنس، وإن كانت العلاقة الجنسية "جيدة" وتحصل مع أشخاصٍ يحبهم. يخبر مؤسس موقع New Age Gents أنه كان يشعر بنوع من الفراغ والخجل بعد ممارسة العلاقة الحميمية، ويقول لموقع "هافيغتون بوست": "تقوم ثقافتنا على تعليم الرجال كيفية الارتباط جسدياً بشخصٍ آخر، إلا أننا نتغاضى بذلك عن حقيقة أن الجنس هو مسألة عاطفية وروحية للغاية"، مضيفاً:" إن الاعتقاد بأن الرجل لا يشعر بشيء قبل وأثناء وبعد ممارسة الجنس هو أمر غير واقعي ولكن معظم الرجال أصبحوا مبرمجين للتفكير بهذه الطريقة". وبالرغم من أن البعض ينظر إلى إضطراب ما بعد الجماع على أساس أنه حالةٌ إستثنائية، أكدت الدراسات الحديثة أن هذه الظاهرة منتشرة إلى حد كبيرٍ بين الجنسين: ففي العام 2015 أفادت دراسة نشرت في مجلة الطب الجنسي أن حوالي نصف النساء اللواتي شملهنّ الاستطلاع اختبرن اضطراب ما بعد الجماع في مرحلةٍ معيّنةٍ من حياتهنّ مع العلم أن 5% منهنّ أكدن أنهنّ يشعرن بهذه الأعراض بانتظام، وبدوره كشف مسح شارك فيه 1208 ذكور، أن 40% منهم اختبروا هذه الحالة في مرحلةٍ ما من مراحل حياتهم، في حين أن 4% اعترفوا بأن هذه الحالة تحدث لهم بشكل منتظم. وبغض النظر عن عدد الرجال الذين أفادوا أنهم يعانون من الPCD من الصعب على الباحثين أن يدرسوا بعمق هذه الظاهرة خاصة أن معظم الرجال يجدون صعوبة في التحدث عنها، وفق ما يؤكده "روبرت شفايترز"، أستاذ علم النفس في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا والمؤلف الرئيسي في كلتا الدراستين:"الرجل الذي يعاني من اضطراب ما بعد الجماع يعتقد أنه الشخص الوحيد في العالم الذي يمرّ بهذه التجربة".
نهاية جنسية غير سعيدة
في سياق حديثها عن تجربتها مع اضطراب ما بعد الجماع، أكدت "جيريلين" ( 27 عاما) أنها كانت دائماً تشعر بالخوف من أن يتم التخلي عنها: "في كل مرة كنت أمارس فيها الجنس، كنت أتساءل هل هناك من أمرٌ سيُسلب مني، رغم أنني كنت أستمتع بالعلاقة الجنسية". بمعنى آخر كانت هذه الشابة تنتقل من الفرح المطلق إلى الشعور بالانفصال وكأن الآخر قد تخلى عنها بعد العلاقة الحميمية، الأمر الذي كان يصيبها بالحزن والكآبة.بمجرد أن تصبح المتعة الحسية من الماضي، فإن أعظم الأحزان تتوالىمن الهرمونات وصولاً الشعور بالعجز، هناك أسباب عديدة تقف وراء الشعور بالحزن بعد ممارسة الجنس: عوامل بيولوجية: عند ممارسة الجنس يطلق الدماغ بعض الهرمونات التي تسبب ردود أفعال مختلفةٍ من الضحك الهستيري وصولاً إلى البكاء من دون سببٍ واضحٍ، وفي هذا الصدد اعتبرت "دينيز نولز"، أخصائية في العلاج الجنسي، أن PCD يمكن أن يكون ناجماً عن "انفجار الهرمونات" في الجسم بما في ذلك الأندورفين والأكسيتوسين إثر العلاقة الحميمية، موضحةً ذلك بالقول: "إن ممارسة الجنس هي فعلٌ حميم للغاية ويؤدي الوصول إلى النشوة الجنسية إلى إطلاق الكثير من الهرمونات "الإيجابية" والتي سرعان ما تنخفض بعد الذروة الجنسية، الأمر الذي قد يتبعه إحساس بالحزن". via GIPHY
الإشباع الجنسي: بمعزل عن التحولات الهرمونية بعد هزة الجماع، فإن خبيرة العلاقات الجنسية "لوغان ليفكوف" تعتبر أن السبب في اضطراب ما بعد الجماع يعود إلى النظر إلى مفهوم الجنس خاصة بالنسبة إلى المرأة والتي تشعر بأنه تم استنزافها عاطفياً بعد الجنس: "من المهم أن نتذكر أننا ترعرعنا على فكرة الشعور بالذنب والعار في كل ما يتعلق بالجنس، إضافة إلى أنه جرى إعلامنا بأن احتياجاتنا أقل أهميةً من احتياجات الرجل". وبالتالي فإن سبب حزن المرأة قد يكون نتيجة عدم تلبية احتياجاتها في السرير: ففي حين أن العديد من الرجال يعتقدون أن المرأة تصل إلى النشوة الجنسية بمجرد الإيلاج، فقد كشفت دراسة أن حوالي 75% من النساء بحاجة إلى التحفيز بغية الوصول إلى النشوة.
صدمة جنسية: إن التعرض لصدماتٍ جنسيةٍ والوقوع ضحية الاعتداء الجنسي يمكن أن يولد لدى بعض الأشخاص مشاعر "جياشة" بعد إتمام العلاقة الجنسية خاصة في حال ذكرهم الجماع( وإن كان قد حصل بالتراضي) بالاعتداء الجنسي الذي سبق أن تعرضوا له.
الشعور بالضعف: يمكن للجنس أن يجعلنا نشعر بالضعف، فاثناء الجماع غالباً ما يشعر الرجال بأنهم "أقوياء" ولكن ما إن تنتهي العلاقة الجنسية حتى يشعر البعض منهم بالعجز وكأنهم فقدوا جزءاً من "ذكوريتهم"، الأمر الذي يسبب لهم الكآبة. وعليه يعتبر موقع vice أن إضطراب ما بعد الجماع مرتبط إلى حدٍّ كبيرٍ بالشعور بالخسارة وبفكرة أننا لم نعد "معاً" جسدين في روحٍ واحدةٍ، وكون أوجه حياتنا تنطوي دوماً على الولادة والموت، الترحيب والوداع، فإن كيفية إدارة هذه التحولات أمر ضروري لرفاهيتنا، لذا إن وجدتم أنفسكم في دوامةٍ سوداء بعد فترةٍ قصيرةٍ من شعوركم بالنشوة الجنسية، إعلموا أنكم جزءٌ فقط من نادٍ كبيرٍ يضم أشخاصاً مثل "فرويد" و"سبينوزا" اللذين كانا يشعران بالسوء بعد ممارسة الجنس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع