شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"ثمن أكبر" يطالب ترامب إسرائيل بدفعه لقاء القدس… كيف قرأ الإسرائيليون الرسالة الأمريكية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 23 أغسطس 201803:47 م
"ثمن أكبر". كلمتان قالهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام تجمع لأنصاره في ولاية فيرجينيا الأمريكية لاقتا صدى واسعاً في إسرائيل. "ثمن أكبر" على إسرائيل أن تدفعه مقابل نقل أمريكا سفارتها إلى القدس، فقد أخذت (إسرائيل) شيئاً قيّماً جداً". تقمّص ترامب دور "الأم الصارمة والعادلة" في آن، فقال إن السلطة الفلسطينية ستحصل على "شيء جيّد جداً… لأن دورها جاء هذه المرة". ثم قرّر العودة إلى أسلافه بالقول بأنه يفهم سبب تقاعسهم عن الوفاء بوعد نقل السفارة، فهو قد تلقى سيلاً من المكالمات المطالبة بعدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. قال ترامب إنه يفهم أسلافه لكنه في المقابل أراد الإيحاء بأنه تفوّق عليهم. كيف؟ تهرّب من المتصلين، والأهم أنه اعتبر نفسه قد نجح "في سحب القدس من طاولة البحث، وهذا شيء جيد إذا أُريد للسلام مع الفلسطينيين أن يتحقق يوماً ما… ففي كل مرّة كانت هنالك مفاوضات سلام لم يتركوا فرصة لإثارة إشكاليّة الاعتراف بالقدس عاصمة (لهم)، لذلك قلت: دعونا نسحبها من الطاولة". انضم إلى ترامب في الحديث عن دور الجانب الإسرائيلي في الصفقة المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، إذ قال في تغريدة له بلغات مختلفة "لن يرضى أحد تماماً عن اقتراحنا، ولكن هذه هي الطريقة التي يجب أن تكون إذا كان يُراد تحقيق سلام حقيقي". في الحقيقة لم تكن تلك المرة الأولى التي يلمّح فيها الرئيس الأمريكي إلى مقابل على إسرائيل تقديمه بدل "كرمه" معها. في مطلع العام الحالي، توجه للزعيم الإسرائيلي بالقول"لقد فزت بنقطة، وسيكون عليك التنازل عن نقاط أخرى في وقت لاحق من المفاوضات، إذا حدثت"، بينما صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان في مايو الماضي قائلاً "لا توجد هناك وجبة غذاء مجانية... الأمر يستحق أن ندفع". لكن كان لكلام ترامب هذه المرة وقع مختلف، فالحديث يدور وسط أخبار عن اقتراب موعد الإعلان عن الصفقة (متوقع في أواخر سبتمبر أمام الأمم المتحدة)، في وقت تسعى فيه إسرائيل وحركة "حماس" نحو التهدئة في غزة برعاية مصرية وأممية. الجميع تابع سابقاً "الثمن الباهظ" الذي تكبّده الجانب الفلسطيني من "صفقة القرن" المنتظرة، ولكن ما هو الثمن الإسرائيلي الذي يشغل المحللين الإسرائيليين حالياً؟ وهل تجري الأمور فعلاً على النحو الذي يحاول ترامب تصويره؟

إحساس الفوري بالأزمة

أثناء زيارته لإسرائيل، لم يعكس مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون ما أوحى به الرئيس، بل قال إن اعتراف بلاده بالقدس كعاصمة لإسرائيل "لم تكن قضية مقايضة". كلام بولتون جاء مناقضاً - أقله في الظاهر - لكلام رئيسه، الذي كان واضح المقصد، فظهر الأمر كما لو أن الإسرائيليين لم يفهموا ما قاله ترامب، أو أن ما يقوله الأخير، بالنسبة لمستشاره القومي، لا يهمّ حقاً. يقول شيمي شاليف في "هآرتس" إن الإسرائيليين كانوا يهدئون أنفسهم معتقدين أن دعم ترامب لهم غير مشروط ، "ليفاجئهم، هذا الوقح/ الشجاع، بأنه لن يكتفي بإملاء (أي) طلب وحسب، وإنما باشتراط ما هو مكلف جداً. وفي ظلّ حالة التوتر التي تسود إسرائيل حالياً، يكفي ذلك لخلق إحساس فوري بوجود أزمة". بكل الأحوال، رياح الأزمة كانت قد بدأت فعلاً. في الشهر الماضي، قالت صحيفة "معاريف" إن هناك خلافاً بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية المصغرة بشأن تقديم تنازلات لإقناع الجانب الفلسطيني ببدء التفاوض بشأن "صفقة القرن". وذكرت "معاريف" أن نتنياهو يحاول تقديم تنازلات في المستوطنات غير القانونية في شمال وشرق القدس، ليقبلها الطرف الفلسطيني، وهو ما ترفضه الحكومة في وقت جرت مناقشات كثيرة في هذا الإطار خلال العام الماضي دون جدوى. وبعد تصريح ترامب الأخير، بدا اليمين الإسرائيلي وهو يحضّر نفسه لصدام جديد مع رئيس أمريكي آخر خاضع لتأثير الخصوم، بينما تسعى أوساط نتنياهو للتأكيد بعصبيّة على أن شيئاً لم يتغيّر ولا يزال ترامب الصديق الأفضل - لكن يظهر أنها تواجه مشكلة في تصديق نفسها أولاً. وسط ذلك، وصلت الكرة إلى ملعب اليسار، حسب شاليف الذي شرح "إذا كان ترامب سينقلب على نتنياهو ويضغط عليه لتقديم تنازلات، فسيكون ذلك ضربة مزدوجة. يمكن لعملية السلام المحتضرة أن تعود بشكل غير متوقع إلى الحياة ترافقها شماتة لا تنتهي على حساب نتنياهو، وسوف تتضاعف هذه المتعة مع فكرة أن نتنياهو، الذي كان غارقاً في المديح لترامب بشكل يومي، قد أصبح أسير سجنه الخاص".
كلام بولتون جاء مناقضاً - أقله في الظاهر - لكلام رئيسه، الذي كان واضح المقصد، فظهر الأمر كما لو أن الإسرائيليين لم يفهموا ما قاله ترامب، أو أن ما يقوله الأخير، بالنسبة لمستشاره القومي، لا يهمّ حقاً
الإسرائيليون كانوا يهدئون أنفسهم معتقدين أن دعم ترامب لهم غير مشروط ، "ليفاجئهم، هذا الوقح/ الشجاع، بأنه لن يكتفي بإملاء (أي) طلب وحسب، وإنما باشتراط ما هو مكلف جداً. وفي ظلّ حالة التوتر التي تسود إسرائيل حالياً، يكفي ذلك لخلق إحساس فوري بوجود أزمة"
يسخر شاليف من "هراء" ترامب، ويقول "بادعائه النجاح بسحب القدس عن طاولة المفاوضات ومطالبة إسرائيل بدفع ثمن لم يضع عراقيل في وجه اتفاق السلام فحسب بل جعل القدس عقبة أمام أي عملية دبلوماسية". برأي الكاتب، يجعل تسويق ترامب لفكرة أن القدس أصبحت لإسرائيل - مقابل تقديمها شيئاً للفلسطينيين - من قبول أي مسؤول فلسطيني وعربي بالصفقة أشبه بعملية بيع وشراء، و"لم يولد أي مسؤول فلسطيني أو عربي يجرؤ على اتباع خطة مسوّقة بهذه الصيغة". كما يشير شاليف إلى أن ترامب، في وضعه الهش الآن وسط اعترافات محاميه السابق مايكل كوهين والمطالب بعزله، يُفترض ألا يخاطر بأي عداء مع إسرائيل. ولكن الرئيس، مأخوذاً بعظمته وبقدرته على معاداة من يريد أو التخلص منه كما فعل سابقاً مع مسؤولين كثر، لا يجعل أمام المتشددين في إسرائيل سوى أن يأملوا بتحقق سيناريو وصول مايك بنس بدلاً عن ترامب، حتى العرب أنفسهم يمكن لهم أن يأملوا ذلك إذ سيكونون بمنأى عن الوعود الفارغة "بشيء جيد" قادم.

غياب الخطة وتكرار الأخطاء

في المقابل، وفي مقال رأي مشترك، توقع محللون إسرائيليون ألا تكون "الصفقة النهائية" التي كان ترامب يروّج لها منذ بداية ولايته بمثابة اتفاق سلام إسرائيلي - فلسطيني شامل، بل ستركز على دعم "اقتصادي قوي" لقطاع غزة. لكن، وحسب الكتاب، فإن ترك مسألة حدود إسرائيل وقيام الدولة الفلسطينية من دون حل إلى تاريخ غير محدد في المستقبل سيشكل تكراراً قاتلا لأخطاء الماضي. "هذه حقيقة رئيسية يجب على الفريق الأمريكي مواجهتها. في اتفاقيات أوسلو 1993 و 1995 أدى عدم وجود رؤية مستقبلية متفق عليها، مع التنفيذ غير السليم، إلى انهيار الثقة المتبادلة بين الطرفين". يشير هؤلاء إلى عدم رضى السلطة الفلسطينية عن الخطة، مؤكدين على ضرورة تأمين المصالح الطويلة الأمد لكلا الطرفين، حيث أن مصلحة إسرائيل هي أن تكون دولة ديموقراطية بأغلبية يهودية واضحة وقيم ديموقراطية أساسية ضمن حدود آمنة ومعترف بها، ومصلحة الفلسطينيين على المدى الطويل هو تحقيق تقرير مصيرهم بإنهاء الاحتلال الذي عاشوا فيه طيلة نصف قرن.
في سيناريو آخر، رأى ويلنر أن ترامب قد يطلب من إسرائيل أن تختار بين واقعين مستقبليين: دولة موحدة وغير ديموقراطية أو دولتين لشعبين يتطلبان انسحاباً إسرائيلياً من الضفة الغربية
وهكذا، يجب أن تتضمن حزمة نهاية الصراع الخاصة بفريق ترامب ما يلي: 1 - دولة فلسطينية قابلة للحياة وديموقراطية تعيش بسلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل على أساس حدود 1967 مع مقايضات إقليمية عادلة.  2- ضمان ترتيبات أمنية بين إسرائيل وفلسطين منزوعة السلاح. 3 - إنهاء وضع اللجوء عن طريق التعويض وإعادة التأهيل العملي. 4- القدس عاصمة إسرائيل والأحياء العربية في القدس الشرقية عاصمة فلسطين، مع نظام خاص على المدينة القديمة. 5- حرية الوصول إلى والعبادة في الأماكن المقدسة...

ألف مستوطنة جديدة… و"سنرى ما سيحدث"

بدوره، كتب مايكل ويلنر في "جيروزاليم بوست" يقول "مثل الإسرائيليين، يريد الفلسطينيون من الأمريكيين القيام بأفعال رمزية - كالاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة مستقبلية خاصة بهم، أو الاعتراف بدولة فلسطينية، أو على الأقل تبني حل الدولتين - بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة مثل التزامات المعونة والاستثمار… لكن فريق السلام الخاص بترامب لم يعط أي مؤشر على أنه مستعد للتنازل بالإشارة إلى كيان فلسطيني مستقل أو إلى احتلال إسرائيلي للضفة الغربية أو لمطالبات اللاجئين الفلسطينيين، حتى أنه خفّض المساعدات الخاصة بهيئات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وهدّد بتخفيضات كبيرة للسلطة الفلسطينية نفسها. وبينما يقر أعضاء فريق السلام بأن وجود إسرائيل الدائم في الضفة الغربية- سواء وجودها العسكري وكذلك النمو المستقر للمستوطنات- هو عائق أمام السلام، ربما يدفع ترامب الإسرائيليين على هذه الجبهة بطريقة ما. مع ذلك، ورغم أن ترامب سبق أن وجه نتنياهو إلى "كبح" النشاط الاستيطاني، بقيت مبادئ التوجيه فضفاضة لم تلتزم بها الحكومة الإسرائيلية، وقد نشرت منظمة "السلام الآن" غير الحكومية تقريراً حديثاً عن عزم السلطات الإسرائيلية تشييد أكثر من ألف مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة. وبحسب المنظمة فإن السلطات الإسرائيلية وافقت على خطط لبناء أكثر من ألف وحدة سكنية استيطانية في الضفة الغربية المحتلة، وهي الأحدث في سلسلة قرارات مماثلة اتخذت منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية. وفي سيناريو آخر، رأى ويلنر أن ترامب قد يطلب من إسرائيل أن تختار بين واقعين مستقبليين: دولة موحدة وغير ديموقراطية أو دولتين لشعبين يتطلبان انسحاباً إسرائيلياً من الضفة الغربية. وفي أول رد إسرائيلي على خطاب ترامب، قال وزير الاسكان وعضو الكابينت يوآف غالانت إن "القدس هي عاصمة إسرائيل مع أو بدون اتصال مع ترامب... سنرى التنازلات التي يدور الحديث عنها، لا يوجد شيء للقيام به في المفاوضات النظرية على موجات الأثير". من جهته، قال وزير الزراعة أوري أرئيل إن "الحديث عن ثمن باهظ سنضطر إلى دفعه مقابل الاعتراف بالقدس عاصمة، لا يعني بالضرورة أن هناك خطراً فورياً لتغيير ما في الموقف الأميركي، لكن يوجد قلق"، فيما انطلقت حملة شعبية في المستوطنات تطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بالسفر إلى واشنطن وطرح مخاطر مثل هذه التصريحات، التي يمكن أن تثير "أطماعاً لدى الفلسطينيين". في جميع الأحوال، فإن بولتون قلّل من أهمية تصريحات ترامب وقال إن المفاوضات لا تزال جارية ولا موعدمحدّد لإعلان الصفقة، بينما لم يقدّم رئيسه أي أدلة حقيقية حول خططه. وعليه يمكن هنا اقتباس أحد أقوال ترامب المفضلة: سنرى ما سيحدث.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image