شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
التنافس بين الرجل والمرأة: خوف مزدوج وعلاقة سلبية-عدوانية أو ما يعرف بـPassive – Aggressive

التنافس بين الرجل والمرأة: خوف مزدوج وعلاقة سلبية-عدوانية أو ما يعرف بـPassive – Aggressive

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 15 أغسطس 201803:58 م
"ما زلنا ننظر للرجل القوي ككائقد بالفطرة، وللمرأة القوية على أنها استثناء." تقول مارغريت أتوود. يعبّر الكثيرون من الرجال عن تقديرهم للمرأة القوية أو "الحديدية" كما يحلو للبعض تسميتها. ولكنهم في الوقت نفسه يشعرون أن وجودها يهدد كيانهم فيحاولون إلغاءها أو تحجيمها عن قصد أو نتيجة جينات ذكورية غُرزت فيهم في الفطرة. أما المرأة فرغم دورها الفعال وفك رابط الحاجة مع الرجل فإن ذنباً ما ينخر عقلها وقلبها فيجعلها تسلّم أسلحتها في العلاقة معه، فإمّا تختار رجلاً لا يوازيها في المكانة المهنية والإجتماعية وإما تكون ضحية الرجل وكأنها تدفع ثمن تفوّقها عليه. ما سرّ تلك العلاقة الإشكالية بين الإثنين؟ هل تدفع المرأة ثمن نجاحها في علاقتها بالشريك؟ وإلى متى تلك الحرب الباردة؟

بين الرجل والمرأة: خوف مشترك

قطعت المرأة أشواطاً بعيدة في رحلة المساواة مع الرجل وإثبات الذات. لا بل تفوّقت على ذاتها وعليه في أحيان كثيرة حتى صارت المساواة مطلب الرجل لما استطاعت تحقيقه على المستويات المهنية والشخصية والاجتماعية والامتيازات التي حصلت عليها في المجالات كافة. via GIPHY تصالح المجتمع أو بات أكثر تصالحاً مع صورة المرأة الجديدة. تغيّرت أساليب التعامل معها وأنشأت قوانين وأعرافاً تحميها من أي عنف أو تهميش يمكن أن تتعرّض له. ولكن مع هذا التبدّل الذي تطلّب سنين عديدة ليتحقق، هناك حدث آخر يشغل الباحثين الاجتماعيين والمعنيين في العلاقات العائليّة: ارتفاع معدلات الطلاق والانفصال في العالم ومعه نسب النساء اللواتي اخترن عدم الزواج. في المنطق البسيط، لا يمكن أن يربط الحدثان لا بل المفترض أن تكون المساواة في الأدوار عاملاً مريحاً للعلاقة بين الرجل والمرأة من منطلق التعامل العادل – لا ظالم ولا مظلوم.
المرأة في صورتها الحديثة ومع تفشي ظواهر النسوية التي في أحيان كثيرة يتم تصوير الرجل من خلالها على أنه العدو الأول والأخير، باتت هي أيضاً متورّطة في لعبة الخوف تلك محاولةً إثبات ذاتها أمامه وله وليس لنفسها فقط.
دراسات عديدة تتحدث عن الذنب الذي تشعر به المرأة العاملة والناجحة، وعقدة التقصير التي رسخت في ذهنها.
لكن الواقع مختلف. في مقال نشره موقع Psychology Today تتحدّث الكاتبة كمبرلي كي عن التنافس الذي يزداد بين الرجل والمرأة، والمنطلق من مبدأ إلزامية وجود رابح وخاسر، مبدأ تربّينا عليه في مختلف نواحي حياتنا. يعود ذلك المفهوم إلى العصور الوسطى حين كانت مهنة الرجل الأساسية الصيد ومطاردة الفريسة، فإما هو يقتلها وتتعزز رجوليته وإما يخسر. فيما الظاهر يشير إلى تقبّل وتشجيع للمرأة أما في الداخل – أي اللّاواعي – فهنالك خوف كبير أن يخسر الرجل مكانته أو الدور الذي منح له لمصلحة المرأة ويصبح مجبراً على التعامل معها بعدل مطلق. ليس بسيطاً أن يتربّى الشخص على مبادئ تترسخ فيه من جيل إلى جيل ومن ثم يرى نفسه مرغماً على تغييرها كلياً. التنافس بين الرجل والمرأة نزع من أمام الرجل امتيازاً مهماً جداً وهو "الأفضلية المجانية" أي أنه متفوّق على المرأة بكونه رجلاً ودون أي جهد إضافي. حينذاك يكون الرجل أمام خيارين: إما يتقبّل التغيير ويتماشى معه بقناعة تامة وإما يحاول خائفاً التنتقام من المرأة بإهانتها أو بتعنيفها أو إلغائها. أما المرأة، في صورتها الحديثة ومع تفشي ظواهر النسوية التي في أحيان كثيرة يتم تصوير الرجل من خلالها على أنه العدو الأول والأخير، باتت هي أيضاً متورّطة في لعبة الخوف تلك محاولةً إثبات ذاتها أمامه وله وليس لنفسها فقط. خوف يجعلها في صراع بين قديمها وجديدها. خوف مزودج يضعهما في حال تأهب مستمر يؤثر حتماً على سير العلاقة - أي علاقة - بينهما.

هل تصالحت المرأة مع قوّتها؟

لمفهوم "قوّة المرأة" تفسيرات عديدة تختلف حسب الظروف والمجتمعات. فهناك من يعرّف المرأة القويّة بأنها الناجحة في عملها وتشغل منصباً مرموقاً أو في موقع السلطة. وآخرون يعتبرون المرأة القوية هي التي تستطيع التوفيق بين حياتها المهنية والعائلية، أي المرأة غير المقصّرة في "واجباتها". تفسيرات أخرى أيضاً تربط القوّة بالحرّية أي المرأة التي رفضت الخضوع للرجل ( أب، أخ، شريك، رب عمل...)  أو التي خرجت عن سلطته أو التي هي في حرب مستمرّة معه ولم تسلّم أسلحتها. تفسيرات تصبّ جميعها في مكان واحد : التحرّر. via GIPHY من مرحلة الظلم والاستغلال والتهميش إلى عالم أكثر عدلاً بالنسبة لها. رغم كل ذلك التطوّر فإن العديد من النساء ما زلن يشعرن بالخوف من نجاحهن. دراسات عديدة تتحدث عن الذنب الذي تشعر به المرأة العاملة وعقدة التقصير التي رسخت في ذهنها. التقصير تجاه عائلتها إن كانت متزوجة ولديها أولاد أم تجاه شريكها الذي قد تنزع من أمامه صفة السلطة المطلقة أم أمام نفسها لما قد يستيقظ فيها من شعور بالذنب. تقول أماني، 43 عاماً، "أشعر أنني في حرب مستمرة مع شريكي. ما يصيب الأولاد من أمراض أو مشاكل في المدرسة أتحمل أنا مسؤوليته". أماني تعيل عائلتها، فهي تشغل منصباً مرموقاً بينما لزوجها وظيفة بسيطة لا تؤمن للعائلة حياة الرفاهية التي اختاروا عيشها. تصف أماني تعامل زوجها معها بالمهين بينما تحاول هي تعزيز دوره كرجل بإعطائه حق التصرف بكل مصاريف المنزل والأولاد. "لا أريده أن يشعر أنني أفضل منه فينتقم مني ويحرض أطفالي ضدّي" تقول. قصة أماني مثل قصة الكثير من السيدات الناجحات اللواتي قد يشعرن أنهن لا يستحقن ما وصلن إليه أو أنهن مذنبات لخروجهن عن السرب، فيدفعن ثمن ذلك في علاقتهن مع الشريك. فإما تذهب المرأة لاختيار شريك لا يكون على مستوى يتلاءم مع قدراتها الذهنية والاجتماعية يشعرها بالذنب دوماً أو يحاول قطف نجاحها ونسبه له على أنه هو الذي سمح لها بالعمل. الذنب مفهوم آخر غير مربوط واقعياً ومنطقياً بالقوة، وبتحقيق الذات والنجاح. لكن اللّاوعي الإنساني له اعتبارات مختلفة. تحدّث فرويد عام 1925 في كتابه " Those Wrecked by Success " أي أولئك الذين حطّمهم النجاح، عن المشاعر السلبية التي يوقظها النجاح فينا. ذلك النجاح الذي نحارب من أجله ونصل إليه بعد سنين عمل ومثابرة، يبدو أن له صفة مزدوجة. فهو يفرحنا ويؤثر إيجابياً على صورتنا الذاتية وعلاقتنا بالآخر لكنه ذو جانب مظلم يمكن أن يدمّرنا ويحوّلنا إلى ضحايا أنفسنا والآخرين. via GIPHY يتحدّث فرويد في كتابه عن الأشخاص الذين لم يستطيعوا تحمّل نجاحهم وانتصارهم، أشخاص شعروا بالوحدة والخوف وكأنهم بقوّتهم تلك كسروا رابط الوفاء بينهم وبين أهلهم ومجتمعهم الذي ما زال يعتمد الأفكار القديمة والمختلفة. يدفعون إذاً ثمن اختلافهم، خصوصاً إذا كان مجتمعهم القريب غير داعم للنجاح الذي حققوه ليعتمدوا سياسة جلد الذات عبر وسائل شتى. نالت المرأة من خلالها حريّتها ومكانتها في المجتمعين الضيق والكبير. بقي العمل الداخلي العميق. هذا الذي لا يستطع أحد أن يدعمها لتحقيقه وخصوصاً الرجل الذي ما زال أمامه مشوار طويل في التصالح مع الذات. لن يصفق لها أحد إن لم تكن هي مقتنعة سعيدة واثقة أن نجاحها حق بديهي وليس نعمة مؤقتة يجب أن تدافع عنها أو أن تضحي من أجلها بنفسها، فتسعد في العمل وفي الحب تكون تعيسة. النجاح صفة شاملة.. استغلّيها.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image