يأتي الناس إلى عياداتهم بصحبة صور "السيلفي" المعدلة من خلال الفلاتر، فيطلبون من الجراح الخضوع لعملياتٍ تجميليةٍ تجعلهم يبدون مثل النسخة "المثالية" عن أنفسهم.
في السابق كانت المرأة تقصد عيادة التجميل وفي يدها غلاف مجلة يعود لنجمتها المفضلة، فتطلب من طبيب التجميل أن يجعل شفتيها أشبه بشفتَيْ أنجيلينا جولي وعينيها كعيني هيفاء وهبي وأنفها كأنف نانسي عجرم أو نيكول كيدمان، أما اليوم فقد تم استبدال قصاصات المجلات بالهاتف الذكي وصور المشاهير بالصور الشخصية وخاصة "السلفي" في إطار "ترند" جديد أطلق عليه اِسم Snapchat dysmorphia.
نسخة جديدة من الأنا
لا شك أن فلاتر "السوشال ميديا" فيها الكثير من المتعة والمرح، فمن خلال تعديلاتٍ معيّنةٍ وبسيطةٍ بإمكانكم أن تتحولوا في لحظاتٍ إلى جرو، قطة، أميرة جميلة أو حتى إلى شخصٍ جذابٍ ومثيرٍ ما هو إلا نسخة "مثالية" منكم، إنما مع بعض "الريتوش" التي تعمل على إخفاء "عيوبكم" بلمح البصر. وفي الآونة الأخيرة، بدأ أطباء التجميل يلاحظون اتّجاهاً غريباً: يأتي الناس إلى عياداتهم بصحبة صور "السيلفي" المعدلة من خلال الفلاتر، فيطلبون من الجراح الخضوع لعملياتٍ تجميليةٍ تجعلهم يبدون مثل النسخة "المثالية" عن أنفسهم. via GIPHY هذه الظاهرة تعرف باسم Snapchat dysmorphia وهو مصطلح ظهر في مقالة نشرت في JAMA Facial Plastic Surgery على يد باحثين من قسم طب الأمراض الجلدية في جامعة بوسطن. من هنا أكد موقع bigthink أن تطبيق سنابشات لمشاركة الصور وغيرها من التطبيقات مثل Facetune يتميز بكونه يتيح للمستخدمين فلترة صورهم وتعديلها من خلال تنعيم البشرة، وتبييض الأسنان وحتى تكبير العينين والشفتين، وبالتالي من خلال هذه الخيارات يمكن لأي شخصٍ إخفاء عيوبه في ثوانٍ عديدة والحصول على نسخةٍ جديدةٍ من نفسه يكون راضياً عنها إلى حدٍّ ما.تغيّر مفاهيم الجمال
نعيش اليوم في عصر "السيلفي" والصور المفلترة التي تعطي معايير متطورة للجمال، بمعنى آخر يمكن القول إن ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وضع "الفوتوشوب" والفلاتر في "ترسانة" كل فرد، وهذه التعديلات سرعان ما تحوّلت إلى قاعدة، مما ساهم في تغيير نظرة الناس إلى الجمال.مع بعض التطبيقات مثل "سنابشات" وfacetune فإن معيار الكمال لم يعد محصوراً فقط بالمشاهير وبالشخصيات التي تعمل تحت الضوء بل أصبح الوصول إلى "الجمال المثالي" من ناحية إتقان الشكل الخارجي متاحاً للجميع.
صور "السيلفي" المعدلّة تقدم في الكثير من الأحيان نظرة غير قابلة للتحقيق، كما أنها تطمس الخط الفاصل بين الواقع والخيال.في الماضي، كانت التكنولوجيا المستخدمة لتعديل الصور بين أيدي المشاهير فقط، إذ كان من المفترض أن يكون ظهور الأشخاص القادمين من عالم الموضة والأزياء والفن بشكلٍ متقنٍ ومثالي في الإعلانات وعلى أغلفة المجلات في حين أن عامة الناس كانت بمنأى عن هذه التقنيات المتطورة. أما اليوم، ومع بعض التطبيقات مثل "سنابشات" وfacetune فإن معيار الكمال لم يعد محصوراً فقط بالمشاهير وبالشخصيات التي تعمل تحت الضوء بل أصبح الوصول إلى "الجمال المثالي" من ناحية إتقان الشكل الخارجي متاحاً للجميع دون استثناء وفي غضون دقائق معدودة. via GIPHY
ظاهرة خطيرة
إن الوصول الفوري إلى "الكمال" هو الذي يقود ظاهرة snapchat dysmorphia ويقف وراءها. ولكن ما تأثير ذلك على صحة الأفراد النفسية وعلى كيفية تعاطيهم مع المجتمع؟ لعلّ المشكلة الأكبر في التطبيقات وبرامج فلترة الصور تكمن في حصر معايير الجمال في قوالب نمطية، الأمر الذي يجعل المرء غير مرتاح مع نفسه ومع محيطه: "بشكلٍ عام، توفر تطبيقات التواصل الاجتماعي واقعاً جديداً للجمال للمجتمع الحالي، فهذه التطبيقات تسمح لأي شخص بتغيير مظهره في لحظة والتوافق مع معايير جمالية غير واقعية، وفي بعض الأحيان غير قابلة للتحقيق". وعليه يمكن القول إن هذه التطبيقات تجعلنا نخسر اتصالنا مع الواقع كوننا نطمح لأن نكون "مثاليين" كصورتنا على الهاتف، غير أن رغبتنا تكون في معظم الأحيان "بعيدة المنال". via GIPHY في هذا الصدد تناول مقال JAMA Facial Plastic Surgery الجانب المظلم من ظاهرة "فلترة الصور" وانخراطها في مجال التجميل، مشيراً إلى أن هذا الاتجاه "مثير للقلق" ويمكن أن يفسد عقولنا ويغذي بعض الأفكار السلبية حول ما نراه حقاً في المرآة وعلى هواتفنا، لكون صور "السيلفي" المعدلّة تقدم في الكثير من الأحيان نظرة غير قابلة للتحقيق، كما أنها تطمس الخط الفاصل بين الواقع والخيال. كما أن انتشار مثل هذه الصور يمكن أن يؤثر بشكلٍ سلبي على مسألة تقدير الذات، إذ يشعر المرء بعدم الكفاية وبعدم الرضا تجاه شكله الخارجي في العالم الحقيقي، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث إضطراب التشوه الجسمي Body dysmorphic disorder (BDD) والذي هو عبارة عن مرض نفسي، وفيه يختبر المريض قلقاً مفرطاً بشأن مظهره، فيخضع نفسه للعديد من العمليات التجميلية من دون أن يشعر بالرضا. وقد كشفت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب التشوه الجسمي يختبرون الأعراض التالية: -استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للتحقق من جاذبيتهم. -لدى الفتيات المراهقات اللواتي يتلاعبن بصورهنّ مستوى عالٍ من القلق تجاه أجسادهنّ وتقدير مبالغ به لجسمهنّ ووزنهنّ. -لدى الفيتات المراهقات اللواتي يشاركن صورهنّ بشكل مكثف على وسائل الإعلام الاجتماعي مبالغة في تقييم الشكل والوزن وعدم الرضا عن الجسد. من المرجح أن يكون الأشخاص الذين وقعوا ضحية الـBDD قد عانوا من أي شكلٍ من أشكال الإساءة في طفولتهم. via GIPHYتصورات
"الوجه الوحيد في العالم الذي لا يمكنك رؤيته هو وجهك الخاص". يعتبر الدكتور "باتريك بايرن"، مدير قسم التجميل والترميم في جامعة جونز هوبكنز، أن جذور المشكلة بسيطة إلى حد ما: "في عصر "السيلفي" يرى الناس وجوههم وأجسادهم أكثر"، بمعنى آخر أصبحنا اليوم في عالم يتعرض فيه الناس لصور وجههم آلاف المرات في السنة:" عندما ترى وجهك عشرات المرات في اليوم، تكثر فرص الانتباه إلى العيوب البسيطة التي قد لا يلاحظها الآخرون ويمكن أن يؤدي ذلك إلى توليد الشعور بعدم الرضا". ووفق "سي أن أن"، فإن وسائل الإعلام الاجتماعية والمنتديات الإلكترونية وتطبيقات المواعدة كلها تعطي نسخة من أنفسنا في سياق صورة رقمية، حتى أن الإحصاءات الصادرة عن الأكاديمية الأميركية لجراحة الوجه والجراحة الترميمية أفادت أن 55% من أطباء التجميل كشفوا في العام 2017 أن المرضى أرادوا تحسين مظهرهم في صور "السيلفي"، وقد عزا تقرير الدكتور ويليام تراسويل ارتفاع أهمية صورنا الرقمية لفرصنا الاجتماعية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...