هل تريدون شراء زجاجة عطر؟ حاسوب؟ هل تودون الذهاب إلى السينما؟ لديكم فراغ وتدمنون متابعة المسلسلات أو ألعاب الفيديو غايمز؟ بالتأكيد نرغب في هذه الأشياء بين الحين والآخر، ولكن لماذا نرى الفتيات ذوات جمال معين، وقد ممشوق، وبشرة فاتحة، ومكياج كامل، عينين خضراوين، وجه أشقر... لماذا نرى أولئك الفتيات الجميلات بجوار السلع والترفيه الذي نرغب فيه؟
وهل تأثير ذلك يقتصر فقط على جذبنا لتلك المنتوجات، وينتهي في آخر حلقة بالمسلسل، أم للأمر تأثير أكثر امتداداً من ذلك؟
هل يؤثر ذلك في إحساس المرأة بجمالها وكيانها؟ هل يغير فيّ كرجل وأنا أغازل صديقتي، أو في المقام الأول وأنا أختار فتاة؟
تشير سمانثا سميثينستين، أخصائية الطب النفسي في موقع "سايكولوجي توداي"، أن معايير الجمال التي فرضتها الإعلانات والسينما تؤذي المرأة نفسياً، ولها تأثير كبير لا يقتصر فقط على حميميتها مع الرجال، بل يتجاوز ذلك إلى التحرش.
استعرضت سميثستين دراسة لإيرين هاتون وماري نيل تراوتنر، وهما طبيبان في علم النفس، تشير استنتاجاتهما إلى حدوث تغييرات جذرية في ثقافتنا الجنسية بسبب وسائل الإعلام الشعبية على امتداد الأربعين عاماً الماضية.
توضح هاتون وتراوتنر ذلك بأن إبراز البعد الجنسي في تصوير الرجال والنساء زاد بشكل كبير في الإعلام مع مرور السنوات، ولكن ما يعتبرانه الأكثر مدعاة للقلق هو ما يصفانه بـ"الإفراط في إضفاء الطابع الجنسي" على صور الرجال والنساء، فعندما يتم تصوير الرجال كمثيرين جنسياً لا يُصَوّرون كموضوع جنسي، جاهزين ومتاحين للجنس، كما هو الحال عند النساء؛ فالتصور الرائج عن الرجل هو أنه يسيطر على غريزته الجنسية، على النقيض من التصوّر الرائج عن المرأة "الكائن الجميل الأنثوي المثير، والجاهزة جنسياً لإمتاع الرجل".
يرى القائمون على الدراسة أن لهذه النوعية من التصورات عواقب سلبية، تزيد التحرش الجنسي، وتعزز مواقف الرجال السلبية حيال الفتيات أثناء تعرضهن للمضايقات الجنسية، وترفع كذلك معدلات عدم الرضا عن الجسم، واضطرابات الأكل عند النساء.
وأبرز ما جاء في بيان الطبيبين كشفهما أنواعاً من التصورات الجنسية تقلل من حالة الرضا الجنسي بين الرجال والنساء، وأشار البحث الذي استغرق بضع سنوات أن التعرض المنتظم للمواد الإباحية يرتبط بشكل مباشر بعدم الرضا عن الشريك أثناء الممارسة الحميمية، في نظام المودة والمظهر البدني والأداء الجنسي.
وإذا كنا نملك خيار عدم النظر إلى المواد الإباحية فإننا معرضون للثقافة الشعبية في التلفزيون والسينما والإعلانات التي تؤثر في نظرة الرجل إلى المرأة، ونظرتها هي لنفسها.
جمال الفنانات "مثال" غير واقعي
ربما تشاهدين إعلاناً في موقع إلكتروني، أو مسلسلاً على التليفزيون، تجذبك جاذبية أجسام العارضات، تعرين نفسك أمام المرآة، صدرك أصغر، أثر لعملية جراحية في ظهرك أو على فخذك، جسمك أكثر سمنة، ربما تشعرين بالخزي، ربما لا تودين أن يشاهدك شريكك عارية. المشكلة أن هذه المعايير المشوهة لجمال المرأة في الإعلانات لم تأتِ من الفراغ، ولكن من نجمات السينما وأخبار الفن، ويدرك أي شخص ذي ثقافة بالعملية الإعلامية أن ما يشاهده على التلفزيون ليس حقيقياً. المغنية سيارا التي نشرت صورة لها على غلاف مجلة "فايب" في أكتوبر 2008، ومعظم قراء المجلة من الذكور، صرحت أنها لم تكن عارية في الصورة، ولاحظت أنهم غيروا في جسدها أيضاً، تقول إنها أرادت الاحتفاء بالشكل الإنساني للجسد ولكن ليس بهذه الطريقة التي صورتها المجلة. مهما قالت سيارا، أو كُتبت في هذا السياق مقالات، وأُلفت كتب، وأُلقيت محاضرات، سيظل لصورة الإعلانات السطوة الأكبر على عقول الرجال، والسلطة الأقوى على أجساد الفتيات. إذاً، ما العمل؟تباهي بجسمك
في محاولة لاستعادة جسم المرأة من الصورة النمطية التي فبركتها الشاشات والمجلات، قامت المصورة الكندية إميلي لورين بتصوير أكثر من 40 امرأة عادية بملابسهن الداخلية، فخورات بإصاباتهن، وبأحجامهن، وبـ"تشوهاتهن". تقول إيميلي إنها أكملت مخطوطة جميلة تركز على كيفية تعاطي النساء إيجابياً مع صور أجسادهن، وتوضح كيف استغلت وسائل الإعلام عدم الرضا عن شكلهن، وكل الأمور الناجمة عن حالة الإحباط تلك. بدأت إيميلي المشروع قبل ثلاث سنوات في محاولة لخلق شيء يساعد الفتيات على إدارة شؤون أجسادهن، وتمثلت رسالتها في أن تثبت جمال الجسد كما هو عليه وليس كما ينبغي أن يكون وفقاً لأي معيار. الصور نشرتها المصورة في كتاب "الفتاة العادية: دليل إلى محبة جسمك". وتضيف: "نحتاج إلى فتيات صغيرات يتعلمن كيف ترتبط صورة جسدهن بأشياء مثل اضطرابات الأكل، وبروز البطن، والتحرش حتى يتمكنّ من حماية أنفسهن ويقدرن أنفسهن. نحتاج إلى أن نعلمهن أن يكن ودودات حيال أنفسهن والآخرين".وفي سياق آخر، تقيم البرازيل مسابقة سنوية لأجمل فتاة تتمتع بوزن زائد، تضم أكثر من 35 متسابقة، ويجب على المتسابقة حتى يحق لها التنافس في المهرجان ألا يقل وزنها عن 85 كيلوغراماً، والهدف من هذا العرض السنوي رفع مقاييس الجمال لصالح السيدات ذات الوزن الزائد، وإلغاء الاعتقاد السائد أن الفتيات النحيفات هن فقط الرائعات. وقد ناضلت كلوديا فيريرا منظمة الحفل، وعمرها 35 عاماً، لسنوات حتى تقيم تلك الفعالية، تقول: "كونك ممتلئة جسدياً يمكن أن يؤثر في التقييم الذاتي بسبب أن الناس تميل للاعتقاد بأن لديهم الحق في زجرك، وقمعك بسبب حجمك". وتدور المسابقة حول تعزيز ثقة الفتيات البدينات، وتعليم المجتمع تقدير الشخصيات النسائية، وتوضيح لكل الناس أن الجمال يأتي من جميع الأشكال والأحجام. وبلغة حسية تصف فيريرا الفعالية: "هذه المنافسة حول الأفخاذ العريضة، والمؤخرة المرتفعة، لا الصدر كله، بل النهدين، والمنحنيات الآسرة للجسم لنصبح فخورات بذلك".الإعلانات الحديثة تزيد التحرش الجنسي وتعزز مواقف الرجال السلبية حيال الفتيات عند المضايقات الجنسية
الوزن الزائد عزز فرص بقاء الجنس البشري
[caption id="attachment_129837" align="alignnone" width="700"] فينوس ولندورف، تمثال يمثل أحد آلهة الخصوبة صنع ما بين سنة 28000 و25000 قبل الميلاد[/caption] يأخذنا ديفيد بينبريدج عالم الأحياء الإنجابية البريطانية وعالم التشريح البيطري في كتابه "كرفولوجي" أو "علم الانحناءات" لمرحلة أبعد وأعمق في وجهة نظر مغايرة لرواية وسائل الإعلام الشعبية. فهو يرى أن جسد المرأة نما بشكل تطوري، وحوى سمات ينبغي للرجل أن يحسدها عليها، فهي منذ عصور سحيقة ترعرعت في ظل تغذية جيدة مقارنة بالرجل لأنها تلد. وقد تضمن جسدها إغراءات ليشتهيها الرجل أكثر من الإغراءات التي يشملها جسد الرجل أثناء البلوغ الجنسي، وأنها كانت تسمن من الطعام أكثر من الرجل لأنها كانت تخزنه استعداداً لفترات انعدام الأمن الغذائي التي سادت فترة ما قبل الزراعة. أما السمنة واضطرابات الأكل عند الطعام فهما من بين سمات التطور، إذ سادت مجاعات طويلة في مرحلة ما قبل الزراعة، وكان لزاماً على المرأة أن تظل حية وتلد وتغذي أطفالها؛ لذا حوى جسمها القدرة على تخزين الطعام واستخدامه لتغذية أطفالها، ومرت على البشرية فترات لم تجد فيه الطعام لموسم شتائي كامل. يقول الكتاب إن اضطرابات الطعام يمكن أن تكون سمة تطورية عندما كانت إمداداتنا بالغذاء لا يمكن التنبؤ بها. واللافت الذي يطرحه الكتاب، بحسب مجلة "الإيكونوميست"، هو أن تلك المطالب العصرية للطعام والشكل المثالي والنجاح تعاكس السمات الطبيعية التطورية. ويؤكد ذلك أنتوني ليتل في جامعة ستيرلنغ بالاعتراف أن الرجال في ثقافات تواجه خطر المجاعة الحقيقي يفضلون النساء الممتلئات لأنهن الأكثر مقاومة لنقص التغذية، وبفضل "بدانة بعض النساء" نجونا جميعاً. لقد ظل الناس ينظرون على مر العصور حتى نهاية القرن العشرين إلى المرأة التي تمتاز بفخذين سمينتين وصدر كبير، وتتمتع بالخصوبة والامتلاء في الحجم باعتبارها امرأة مثالية لأنها يمكن أن تنجب أطفالاً. علماً أن الرسام ليناردو دافينشي عندما رسم نموذج المراة في خياله اختار امرأة ممتلئة في لوحة الموناليزا، وهي سمة في تجسيد الجمال الأنثوي في عصر النهضة. [caption id="attachment_129836" align="alignnone" width="700"] الموناليزا لليوناردو دافنتشي[/caption]ولكن ما الذي غيّر تلك الأفكار، وباتت السمنة محل خزي والنحافة محل تفاخر؟
تقول ناتالي ولشوفر، صحفية متخصصة في الكتابات العلمية، في مقال بموقع "لايف سينس" إن متوسط صناعة الحمية الغذائية في أمريكا 70 مليار دولار، وهناك ما بين 6 و11 مليون شخص يعانون من اضطرابات الأكل، وتؤكد أن أمريكا لم تكن تفكر بتلك الطريقة في تاريخها إلا في القرن الثامن عشر، عندما حث سيلفيستر جراهام، مصلح غذائي أمريكي، النساء على طريقة غذاء تقشفية خالية من التوابل والمنشطات والأطعمة المفرطة التي تؤدي إلى عسر الهضم، والمرض، والإفراط الجنسي، والاضطراب الاجتماعي، وعرف اتباع جراهام بـ"جراهاميتس". أما الهوس المضاد للبدانة فقد بدأ في ستينات القرن الثامن عشر، على يد وليام بانتينغ، الذي دعا إلى تبني نظام غذائي زاخر بالبروتين عرف بنظام بانتينغ، وخلاصته أن السمنة عجز جسدي، لتتغير صورة أميركا عن الجسد المثالي بين عامي 1890 و1920، من السمنة الصحية إلى بدانة مرتبطة بالكسل، وظهر تيار قوي يشمئز من "المصابين" بالسمنة المفرطة. وبحلول عام 1920 بات اتباع الحمية الغذائية وحساب السعرات الحرارية جزءاً من الحياة اليومية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...