ليس مبالغاً إذا قلنا إن المخدراتِ متوفرةٌ في المغرب كما الخبز في الأفران، فأينما ولّيتَ وجهكَ، يمكنك الحصول على المخدرات، حسبَ النوع الذي تطلبه، ووفق قدرتِكَ الشرائية. خلال إنجازِ هذا التحقيق، لم يكن سهلاً أن يوافقَ بعضُ المستهلكين على الحديث معنا، فمعظمهم يؤمنون بـ"نظرية المؤامرة" ويخشون من تعلُّقِ الأمر بالشرطة، حسب ما أكد لنا مستهلكٌ قبِلَ أن يتحدث معنا بعد محاولاتٍ انتهت بإقناعه، واطمئنانه بأن الأمر لا يتعلق بـ"أصحاب الحال"، أي رجال الشرطةِ المرتدين زياً مدنياً. حمزة، اسمُ محدثنا الذي اقترحه علينا تجنُّباً للمتاعب التي قد تصيبُه لو مرَّ اسمه الحقيقي أمام أحد القرّاء، درسَ معنا في نفس المؤسسة التعليمية، ومنذ ذلك الوقت يتعاطى مختلف أنواع المخدرات، يؤكد لرصيف22 أيضاً، من باب الدعابة، أنه حاصل على الدكتوراه في مجال المخدرات، لخبرته الواسعةِ في الميدان.
الأرقام الرسمية.. هل هي حقيقية؟
في 26 يونيو الماضي، الذي يصادف اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، كشفَ وزير الصحة المغربي، أنس الدكالي، أن نسبة تعاطي المخدرات في المملكة بمختلف أنواعها تصل إلى 4.1%، أي ما يعادلُ800 ألفِ شخصٍ، وفقاً لإحصاءاتٍ وطنيةٍ أجرتها الوزارة، وأظهرت أن المستهلكين المغاربة يكثرون في تعاطي القنَّبَ الهندي بنسبةٍ وصلت 3.93 %. لكن مهلاً، هل فعلاً بالكاد يتواجد 800 ألفِ شخصٍ يتعاطون المخدرات في المغرب؟ بعيداً عن الأرقام الرسمية، يكفي النزولُ إلى أحياء أيّةِ مدينةٍ مغربية، خاصةً الرباط، سلا، الدار البيضاء، وتنفيذِ استطلاعٍ ميداني بالعين المجردة، ليكتشفَ المرءُ الانتشارَ المهول لاستهلاك المخدرات من طرف المغاربة، بدءاً من سنٍّ جدّ مبكرةٍ، في المجمعاتِ السكينة والأحياءِ الشعبية التي تعرف كثافةً سكانية مرتفعة، وفي الأزقة، والغابات، وقرب شاطئ البحر، وصولاً إلى الشوارع الرئيسية.. في كل مكان، حتماً سيكون الانطباع أن الكل يتعاطى المخدرات دون استثناء!المخدرات المغربية.. تتعدد الأنواع ويختلف المفعول
قدمَ لنا حمزة، 23 سنة، معطياتٍ مثيرةً عن استهلاك المخدرات وتواجدها ونقاط بيعها ومفعولها بعد تناولها، مؤكداً أنه تعاطى كل أنواعها "عندما بلغتُ الـ20 عاماً، كنتُ قد تعاطيتُ كل الأنواع، من حشيش وحبوب مهلوسة وطابا ومعجون.. لم أترك أيَّاً منها، وفعلتُ ما لا يخطر على بال كي أحصلَ على المال لشرائها". اقترحنا على حمزة أن يمدَّنا بقائمةِ أكثر المخدرات انتشاراً في المغرب، وأسعارها، ومفعولها، فانتهينا بهذه اللائحة التي تتضمن معلوماتٍ وأرقاماً مدهشةً عن مخدراتٍ تذهبُ العقل وتدمر صحة الإنسان:- لِيكْسْطَازِي، أو حَبَّةْ السَّعادَة: الثمن70 درهماً، 7,38 دولاراً أمريكي، مفعولها يجعلُ المستهلكَ يشعر بالسعادة التامة ويرفع قوته الجنسية، لكن مع الوقت يؤدي الى إصابته بالعجز الجنسي، وهي متعددةُ الأشكال، من قبيل "دُومينُو"، "جُوكرْ" أو "القْلِيّْبْ" التي تتناولها الفتياتِ نظراً إلى شكلها القريب جداً من القلب.
- القَرْقُوبِي: الثمن يتراوح بين 20 و60 درهماً، بين 2,11 و 6,33 دولاراً أمريكي، من أكثر الحبوب المهلوسة خطراً على الإطلاق، فغالباً تؤدي بمن يتناولها إلى ارتكاب جرائم قتلٍ بشعة قد تصل إلى المقربين منه، أو حتى الاعتداء جنسياً على الأم أو الأخت أو الجدة، لطالما وقعت أحداثٌ من هذا القبيل بسبب تعاطي حبوب القَرْقُوبِي الذي يمنح المستهلك جرعاتٍ زائدة من الثقة بالنفس والقوة تجعله قادراً على ارتكاب أبشع الجرائم دون الشعور بأدنى خوف. وتتعدد الحبوب المنتميةُ إلى خانة القَرْقُوبِي، ويختلف ثمنها بالنظر أولاً إلى مدة صلاحيتها، بحيث سيسألكَ بائعُها عن النوع الذي تريده من قبيل "2Point" أو "Zepra" أو "نُودَازْ" أو "رُوتْشْ"، وهي الأسماء الحقيقية للحبوب كما تُباعُ في الصيدليات، وفق ما أكد محدثنا.
- المَعْجُونْ: ثمنه بين 5 و10 دراهم، بين 0,53 و 1,05 دولاراً أمريكي، من أكثر أنواع المخدرات انتشاراً في المغرب بين المستهلكين من مختلف الأعمار، بحيث يمكنم أن تجدوا طفلاً لا يتجاوز الـ14 سنة يتناول المَعْجُونْ باستمرار! ويرجع سبب انتشاره إلى سهولةِ إعداده، فهو يعتمد على بقايا الأزبال والأشواك التي تُخلّفُها عمليةُ تحويل القنَّب الهندي إلى حشيش. وتختلفُ طرقُ أكل المَعْجُونْ حسب رغبة المستهلك، يُتناوَلُ مع الأكل أو مع مشروب غازي أو عصير البرتقال أو ماشابه، لتمضيَ دقائقُ قليلة وينتقل الفرد من حالته الطبيعية إلى وضعيةٍ عنوانها الأبرز النشاطُ وكثرةُ الضحك، بل وحتى نسيان الهموم والمشاكل، وهو ما يجعل من مادة المَعْجُونْ المخدر الأكثر استهلاكاً بالنظر إلى سهولة الحصول عليه بثمنٍ بخس.
- الهِيلِي: من أغرب أنواع المخدرات في المغرب، يعتمدُ بدرجةٍ أساسية على غِراء الأحذية، بحيث يوضَع في كيس بلاستيكي، ويشرع الفرد في عمليةِ استنشاقٍ تقودُه إلى عالمٍ سوريالي، يؤكد حمزة مضيفاً أنه كان مُدْمِناً جداً على استعمال الهِيلِي، وأنه بالفعل يقود المستهلك إلى عوالمَ غريبةً جداً "قد تتخيل نفسك في جزيرة هاواي مُحاطاً براقصاتٍ وعازفين. يجعلك تعيش في عالم آخر بعيدٍ عن واقعك، لذلك أدمنتُ عليه فترةً معينة، كنت أذهب إلى شاطئ البحر وأشرع في استنشاق غراء الأحذية بعد وضعه في كيسٍ بلاستيكي، لأنطلقَ في سفرٍ نحو وجهةٍ أخرى غير متوقعة". يشير إلى أن هذا النوع يعرف انتشاراً واسعاً في صفوف المتشردين، الذين يتعاطون بشكل كبير مخدر الهِيلِي، لسهولةِ الحصول على الغراء والأكياس البلاستيكية.
- البُولاَ حَمْراَ، تعني بالعربية الفصحى المصباح الأحمر: الثمن60 درهماً، 6,33 دولاراً أمريكي. يجزمُ محدثنا أن الفرد إذا تناولها، فهناك احتمالٌ كبيرٌ جداً أن يجدَ نفسه داخل السجن في اليوم الموالي، نظراً إلى حجم الكوارث التي قد يرتكبها المستهلكُ في حق من يتواجد قربه، من ضربٍ وجرجٍ واستعمالٍ للسلاح الأبيض قد ينتهي بارتكاب جريمة قتل. معطى آخر يجب الإشارة إليه، وهو ارتفاع أثمنة هذه الحبوب خلال عطلة الصيف، بدءاً من منتصف شهر يوليو إلى نهاية فصل الصيف، حيث يُسجّلُ الباعة ارتفاعاً في الطلب، ما يدفعهم إلى زيادة ثمن البيع في حدود 2,11 دولاراً أمريكي.
الحصول على المال.. تحدي كلِّ مدمن
بدايةً رفض حمزة الكشفَ عن سبل حصوله على المال لتسديد متطلباته في الإدمان، لكنه غيّر رأيه بعد محاولة إقناعه، مؤكداً لرصيف22 أن أفعاله كانت ستقوده حتماً إلى السجن، لكن "الحظ" حالفه طوال المرات التي اعترض خلالها سبيل المارّة بالسلاح الأبيض. "لم أكن وحدي، كنت رفقةَ صديقَين نفكر في طريقة لإيجاد المال لشراء المخدرات، فقررنا اعتراض سبيل المارّة كي ننتزع منهم المال والهواتف الذكية وكل شيء ثمين قد يحقق غرضنا. لكننا لم نكن نفعل ذلك ونحن غائبون عن الوعي، بل في كامل قوانا العقلية، واخترنا مكاناً محدداّ للقيام بذلك، قرب شاطئ البحر، وتوقيتاً محدداً، أيضاً نوعاً محدداً من المارة". وعمَّا كان يحصل على الشاطئ يضيف "اتفقنا على استهداف الشبَّان الذين يرافقون صديقاتهم، فمع اقتراب غروب الشمس، يأتي الكثير من الشباب، بنات وأولاد، يتداعبون ويتبادلون عبارات الحب فيما بينهم.. كنا نباغتهم من الوراء، ونُشْهِرُ أسلحتنا البيضاء المشابهةِ للسيوف في وجوههم، ونطالبهم بوضع الهواتف والنقود والمجوهرات في الأرض، ثم نأمرهم بالذهاب في الاتجاه المغاير والعودة إلى حال سبيلهم". يتابع "كنا نضع ما يشبه الأقنعة على وجوهنا، ونغادر بسرعة المكان. ونقوم بهذه العملية مرة أو اثنتين في الأسبوع، على طول شاطئ البحر، في نفس التوقيت دائماً.. بعد ذلك. في اليوم الموالي، نذهب إلى أسواق المدينة ونبيع الهواتف لصاحب إحدى المحلات التي تعرض الهواتف المستعملة، بالطبع كان يعرف مصدرها، لكنه لم يعترض على شرائها منَّا. هكذا كنا نحصل على المال لشراء المخدرات".نقاط البيع.. في كلِّ مكان
مرة أخرى، وبصعوبة أقنعت محدثنا للذهاب معاً لشراء نوعٍ ما من المخدرات، لكن حمزة أكد منذ لقائنا الأول أنه أوقف تعاطي المخدرات بمختلف أنواعها، لم أتأكد من صحة ذلك، لكن الظاهر أنه اقتنع فعلاً بخطورتها. سيقترح علَيَّ أن أنتظر ريثما يجد صديقاً له يريد شراء المخدرات، على أساس أن أرافقهما في "رحلة البحث عن المخدرات". بعد يومين التقينا وأخبرني أنني سأرافقه مع صديق له يرغب في شراء أحد أنواع الحبوب المخدرة، شريطة أن ألتزم الصمت "لا تتحدثْ، لا تقلْ أيَّ شيء، وحاول أن ترتديَ قميصاً صيفياً يُظْهِرُكَ بهيئة شاب عادي وبسيط" كان هذا شرطه الوحيد. في اليوم الموالي، التقينا، كنتُ أعرف مسبقاً الوجهة، حيّ "القرية"، أكبر حيِّ في مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط، وهو معروف بنشاطِ التجارة فيه، وبكونه مرتعاً للمجرمين بمختلف أنواعهم، فالكثيرون يخافون من زيارته بسبب احتمال التعرض لاعتداء جسدي باستعمال السلاح الأبيض، فـ"القرية" أصبحت عنواناً لتفشي الجريمة في مدينتَي الرباط وسلا. ذهبنا على متن حافلةٍ مهترئةٍ تربطُ بين مدينتي الرباط وسلا دون أن ندفعَ ثمن التذكرة، 0,42 دولاراً أمريكي، قليلون من يدفعونها، ولا يُبدي المراقبون أي اهتمام، فموضوع حافلات العاصمة المغربية، قصةٌ أخرى لا داعي للخوض فيها الآن. وصلنا إلى "القرية" بعد رحلة ِنصف ساعة، إنها المرة الأولى التي أدخل هذا الحي، لكنني بسرعة، وجدت نفسي تائهاً في دروبه الخطيرة، فلولا حمزة وصديقه، كنت سأجد صعوبةً للخروج منه! ونحن ذاهبون عند "البَزْنازْ"، أي بائع المخدرات كما يُطلق عليه في اللغة العامية، لفتَ انتباهي مشهدُ الشباب الذين تبدو على وجوههم علاماتُ فقدان الأمل والإجرام، في كل مكان، قربَ المنازل، قربَ المحلات، وسطَ الطريق، شبَّانٌ في العشرينيات من العمر يجلسون ويتبادلون أطراف الحديث وهم يدخنون سيجارة أو حشيش، وحتماً، بينهم المعتقلون سابقاً في قضايا اتجار المخدرات والاعتداءات الجسدية. وصلنا إلى زقاقٍ وطلب منّا صديق حمزة أن ننتظره ريثما يعود، مرّت حوالي أربع دقائق وعاد وفي يده حبّةٌ من نوع "لِيكْسْطَازِي" أو "حبّة السعادة" كما يسميها الكثيرون. بسرعة البرق حصل على ما يريد بسعر 4,74 دولاراً أمريكي، وهو ثمن مناسب له، لأنه "زبون وفيّ" حسب قول حمزة لاحقاً. هكذا إذاً حصل الشاب على "حبّة السعادة" بسهولة ويسر، ويؤكد حمزة سهولة إيجاد مثل هذا النوع من الحبوب حتى في العاصمة. بعد ذلك، شرح لي حمزة أن هناك أشخاصاً لهم طرقٌ خاصةٌ للحصول على هذه الحبوب التي تباع حصرياً في الصيدليات، ولا يمكن للفرد الحصول عليها إذا لم يكن لديه وصفة طبية، لكن حسب ما أضاف، فإن لبعض الباعة علاقاتٍ بمستخدمين في الصيدليات، تمكنُّهم من الحصول على ما يريدونه، فيما غيرهم يجدون طرقاً أخرى ويحصلون على وصفةٍ طبية ويذهبون كباقي الناس للصيدلية قصدَ شراء الحبوب وبيعها لاحقاً للمدمنين بالتقسيط.لِيكْسْطَازِي، أو حَبَّةْ السَّعادَة، مفعولها يجعلُ المستهلكَ يشعر بالسعادة التامة ويرفع قوته الجنسية، لكن مع الوقت يؤدي الى إصابته بالعجز الجنسي
الهِيلِي: من أغرب أنواع المخدرات في المغرب، يعتمدُ بدرجةٍ أساسية على غِراء الأحذية، بحيث يوضَع في كيس بلاستيكي، ويشرع الفرد في عمليةِ استنشاقٍ تقودُه إلى عالمٍ سوريالي
مخدرات البرجوازية.. قصة أخرى
في الإدمان على المخدرات، هناك طبقات، تجدُ المنحدرين من وسطٍ فقير، وأبناء الطبقة الوسطى، ثم الأغنياء، فما يقوم به أبناء الأغنياء للبحث عن النشوة والمتعة، لا يستطيع أصحاب الدخل المحدود فعلهُ، لاستحالة حصولهم على الكوكايين أو الهيروين، أو العقاقير "هاي كلاس" . حاولنا الوصول إلى أبناء "المْرَفْحِينْ"، أي الأغنياء كما يسميهم المغاربة في أحاديثهم اليومية، لكن المهمة لم تكن سهلة، فمعظمهم الآن في عطلة، لكن المؤكد هو لجوؤهم إلى الكوكايين وخصوصا الهيروين، التي تسجل إقبالاً في صفوف المدمنين الأغنياء الذين وقعوا في شراك هذا المخدر السّام القاتل ببطء، حسب معطياتٍ حصلنا عليها على هامش إجراء هذا التحقيق.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...