مُراقبة الأقلية المسلمة في الصين لم تعد تقتصر داخل حدودها فقط، بل تَوَسّع الأمر لمراقبتها أثناء تأديتها مناسك الحج في مكة المكرمة أيضاً، عبرَ أجهزة تتبُّع تُصْدرها حكومتها. نشرت الجمعية الإسلامية الصينية التي تُديرها الدولة صوراً لمسلمي الصين المغادرين من مطار بكين إلى السعودية، مرتدين بطاقاتٍ ذكية حول أعناقهم، تتضمن كلٌّ منها بياناتٍ شخصيةً، إضافة إلى جهاز تعقب GPS تأميناً لسلامتهم، بحسب الجمعية. وأكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، نقلاً عن نشطاء في حقوق الإنسان أن أجهزة التتبع تعتبر مثالاً آخرَ على الجهود "الاستثنائية" التي تبذلها الصين لمراقبة الأقلية المسلمة في بلادها، مستخدمةً أدواتٍ حديثةً هذه المرة. "هذه طريقة أُخرى لاضطهاد المسلمين لمجرد ممارستهم دينهم.. وكأنهم مشتبهٌ بهم، أو مجرمون، لذلك يحتاجون للمراقبة". هذا ما قالته إيفا بيلس، خبيرة حقوق الإنسان الصينية في "كينجز كوليدج لندن". علماً أن الصين قد احتجزت مئات الآلاف من مسلمي الإيغور في مراكز "إعادة التثقيف السياسي"، وغيرها من المرافق شمالَ غربِ الصين، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي.
لمحاربة الإرهاب
من جهةٍ أخرى، ذكرت الحكومة الصينية أن سياستها التقييدية للمسلمين ومراقبتها لهم ضروريةٌ لمحاربة الإرهاب. أما صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية، فنَقَلت أن أجهزة التعقب تُسْتَخدم من قبل أقلّ من ثلثِ الحجاج الصينين البالغ عددهم 11,500 مسلمٍ، لافتة إلى أن حجاج منطقة شينجيانغ التي كانت مركزاً للاضطرابات الإسلامية، بحسب قولها، لا يرتدون الأجهزة هذا العام.أسباب أُخرى مشروعة
"إنهم يختبرون الجهاز، ومن المرجح أن يوسّعوا نطاقه بعد ذلك" قال أدريان زينز، المُحاضر في المدرسة الأوروبية للثقافة واللاهوت، والذي يَدْرس سياسات الصين في التعامل مع المسلمين والتبتيين، مضيفاً "في حين أنَّ السلطاتِ مهتمةٌ في مراقبة الحجاج، إلا أن هناك أسباباً مشروعةً للتتبع مثل التدافع والمشاكل الأخرى التي أودت بحياة الكثير من الحجاج". عاد زينز ثلاث سنوات إلى الوراء، مشيراً إلى التدافع الذي حدث عام 2015 في مكة، مؤدياً إلى مقتل 750 حاجاً، وجرْح أكثر من 900 آخرين.مشروع مشترك
كشفَ ما لي جيون، الممثل القانوني لشركة Beijing Fengjiang Technology Co المصنعة لجهاز التتبع عدمَ علمهِ ما إذا كانت البطاقات الذكية ستستخدم على نطاق أوسع مستقبلاً، مشيراً إلى أن الأمر يعتمد على ما تقرره الجمعية الإسلامية الصينية، بحسب "وول ستريت جورنال". حتى اللحظة لم تردّ الجمعية الإسلامية على طلب التعليق على هذا الأمر منذ الثلاثاء الماضي، لكن عندما أُعلِنَ عن الجهاز العام الماضي، قالت إن الأجهزة صُمِّمت بشكل مشترك من قِبل إدارة الدولة للشؤون الدينية في الصين، وجمعية الصين الإسلامية ضماناً لسفرٍ آمنٍ لمشاركة الحجاج في الخارج. بينما يسعى مسلمو الصين إلى الحج، إلا أن تلك الأمنية لا تتحقق بسهولة في بلادهم لأن الحكومة تختار عدداً قليلاً منهم كل عام، بحسب ما أوضحه أدريان زينز.%0.05 من مسلمي الصين سيؤدون مناسك الحج
بحسب الموقع الرسمي لمجلس هونج كونج الإسلامي، رغم عدد مسلمي الصين الذي يبلغ 21 مليون مسلمٍ، إلا أن 11,500 شخصٍ فقط قد نقلوا إلى السعودية لتأدية فريضة الحج هذا العام، مقارنة بـ 12,800 حاجٍ صيني عام 2017، و14,500 حاجٍ عام 2016، ما يدل على تناقص الأرقام كل سنة.الحرية الدينية في الصين
أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي بياناً للمطالبة بالحرية الدينية في الصين، جاء فيه "نحثُّ الحكومة الصينية بقوةٍ على حماية الحرية الدينية واحترام حقوق الإنسان لجميع أفراد الجماعات الدينية وفقاً لالتزامات الصين الدولية باحترام حرية الدين. مثل هذه التطورات لن تؤدي إلّا لتعزيز السلام والأمن والاستقرار في الصين وجيرانها". ذُكر في البيان أيضاً القمع الذي تواجهه الأقلية المسلمة في الصين منها فرض قيودٍ غير ضرورية، تدمير المساجد، المراقبة المستمرة، الإصرار على عودة الإيغور من الخارج، إضافة إلى احتجاز مئات الآلاف منهم في مراكز "إعادة التثقيف السياسي"، مطالبةً الحكومة الصينية بـ"إطلاق سراح جميع المحتجزين على الفور".استبق الروائي جورج أورويل الأمر قبل حدوثه في كتابه "1984" ملخصاً ما يعيشه مسلمو الصين اليوم من مراقبة. فبماذا تختلف روايته "الديستوبية"، المريرة وغير المثالية، عن البطاقات الذكية التي تُرتدى حول الأعناق؟
مُراقبة الأقلية المسلمة في الصين لم تعد تقتصر داخل حدودها فقط، بل تَوَسّع الأمرُ لمراقبتها أثناء تأديتها مناسك الحج عبرَ أجهزة تتبُّع.. "طريقة أُخرى لاضطهاد المسلمين لمجرد ممارستهم دينهم.. وكأنهم مشتبهٌ بهم، أو مجرمون"
جورج أورويل 1984
استبق الروائي جورج أورويل (إريك آرثر بلير) الأمر قبل حدوثه في روايته "1984"، ملخصاً ما يعيشه مسلمو الصين اليوم من مراقبة. "الأخ الأكبر يراقبك" حول هذه الجملة تتمحور الرواية، مُظهِرةً أبشع أنواع القمع الذي لم يقتصر على تجسس الأشخاص فقط، بل مراقبة شاشات التلفاز أيضاً، حتى أصبحت الأفكار تُسمع، لا الكلام فقط. فبماذا تختلف الرواية "الديستوبية"، المريرة وغير مثالية، عن البطاقات الذكية التي تُرتدى حول الأعناق؟رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...