شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
صفحات من التاريخ... عندما حاول تيودور هرتزل رشوة السلطان العثماني بأول آلة كاتبة بالحروف العربية

صفحات من التاريخ... عندما حاول تيودور هرتزل رشوة السلطان العثماني بأول آلة كاتبة بالحروف العربية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 1 نوفمبر 201807:11 م

تُعتبر حقبة الدولة العثمانية من الفترات المهمة التي لعبت دوراً كبيراً في تشكيل منطقة الشرق الأوسط كما نعرفها اليوم، خاصة في مرحلة تداعيها وتحوّلها إلى رجل مريض يتقاسم أعداؤه تركته، كلٌّ حسب حاجته ومصالحه.

السلطان حامي فلسطين

كان السلطان عبد الحميد الثاني من بين السلاطين العثمانيين الذين ثار جدل حول دورهم في السماح لليهود بالهجرة والتمركز في فلسطين، وانقسمت الآراء حوله، وكانت تحكمها الخلفيات الإيديولوجية والتوجهات الفكرية لأصحابها.

فعلى سبيل المثال، يرى الدكتور حسين أوزدمير في كتابه "فلسطين في العهد العثماني وصرخة السلطان عبد الحميد الثاني" أن السلطان التركي عمل جاهداً على الحيلولة دون هجرة اليهود إلى فلسطين، وأنه "اتخذ التدابير اللازمة حيال هذا الأمر".

وكتب أنه "في أغسطس من عام 1898 أصدر مرسوماً ووزّعه على ممثلي الدول الأجنبية في فلسطين من خلال حاكم القدس، أبلغهم فيه أنه محظور على كل اليهود الدخول إلى فلسطين دون تمييز بين جنسياتهم".

ويضيف أوزدمير أنه، علاوة على ذلك، وفي نفس العام، وبوساطة محمد ويب، زعيم الأمريكيين المسلمين الذي كان يحظى بتأثير كبير في أمريكا، نجح عبد الحميد في الوصول إلى ريتشارد غوتهيل، الزعيم اليهودي الأمريكي ودعاه إلى التخلي عن حلم تهجير اليهود وتوطينهم في فلسطين".

السلطان المتواطئ

من ناحية أخرى، هناك رأي مختلف تماماً تعبّر عنه مثلاً الباحثة والمؤرخة الأردنية الدكتورة فدوى نصيرات في كتابها "دور السلطان عبد الحميد الثاني العثماني في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين (1876- 1909)".

تقول إنه بالرغم من أن السلطان عبد الحميد الثاني رفض بيع الأرض مباشرة لليهود، فقد كان يبدي استعدادات ملحوظة للتساهل مع الطلبات اليهودية، سواء عبر غض الطرف عن تطبيق الفرمانات بشأن هجرتهم أو عبر إصدار تشريعات تنظيمية تستجيب لرغباتهم.

هرتزل وعبد الحميد

ومن بين الشخصيات التي كان لها دور بارز في عمليات الهجرة وثار حولها جدل بشأن علاقتها بالسلطان عبد الحميد الثاني، يحضر المنظر الصهيوني تيودور هرتزل، صاحب كتاب "الدولة اليهودية"، والذي حاول استغلال حالة التردي الاقتصادي وخواء خزانة الدولة العثمانية في الحصول على تسهيلات لتهجير اليهود إلى فلسطين وتمليكهم أراضيَ هناك.

كان هرتزل يعلم جيداً أن الطريق إلى فلسطين يمرّ عبر قلب وعقل السلطان العثماني، ولهذا السبب فكر في أن يقدّم له هدية لا يوجد لها مثيل في تركيا أو في العالم العربي والإسلامي، وكانت هذه الهدية عبارة عن أول آلة كاتبة بالحروف العربية، في وقت كانت اللغة التركية العثمانية تُكتب بالحروف العربية.

يقول أوشي درمان، في مقال له بصحيفة "هآرتس": "يمكن معرفة القيم الأخلاقية للقائد من خلال الرشاوى التي يحصل عليها أو يعرضها على الآخرين".

ويشير إلى أن هرتزل الذي اعتبر السلطان عبد الحميد الثاني بمثابة الفرعون الحديث الذي يجب أن يوجه إليه طلب "أرسل شعبي"، حاول الوصول إلى قلبه بشتى الطرق، حتى عن طريق "البقشيش".

الفساد العثماني

ويوضح المؤرخ مردخاي ناؤور، في كتابه "الأوائل... قصص من الهجرة الأولى"، أن هرتزل كان يرى أن الفساد مستشرٍ في أركان الدولة العثمانية ابتداء من أصحاب المناصب وحتى السلطان، ومَن يراجع يوميات هرتزل ومراسلاته يعرف بمنتهى السهولة أنه أنفق أموالاً كثيرة على رشوة المسؤولين في الدولة العثمانية سواء الصغار أو الكبار.

في 19 ديسمبر من عام 1901، أرسل هرتزل رسالة إلى الوزير إبراهيم غازي بيه، أحد المقربين من السلطان، والمسؤول عن تقديم السفراء الجدد أمامه، أخبره فيها أنه يريد أن يهدي السلطان هدية ليس لها مثيل في الدولة العثمانية، وهي عبارة عن أول آلة كاتبة بحروف عربية، أشرف على تدقيقها بروفيسور في اللغات الشرقية من جامعة نيويورك.

في منتصف فبراير 1902، وصل هرتزل إلى إسطنبول للقاء السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وكتب له يخبره أنه يريد أن يحضر له هديتين: كتابه وأول آلة كاتبة بالحروف العربية
كان هرتزل يعلم جيداً أن الطريق إلى فلسطين يمرّ عبر قلب وعقل السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، ولهذا السبب فكر في أن يقدم له هدية لا مثيل لها في تركيا أو العالم العربي والإسلامي: آلة كاتبة بالحروف العربية

قصة الآلة الكاتبة

ويشير ناؤور إلى أن الأرشيف الصهيوني يكشف عن مراسلات كثيرة في هذا الشأن بين هرتزل وأحد اليهود الصهاينة في الولايات المتحدة وهو المستشرق وعالم الساميات ريتشارد غوتهيل، واقترح عليه فيها إنتاج الآلة الكاتبة، وبات غوتهيل المسؤول عن الإشراف على إنتاج هذه الآلة التي تنتجها شركة رمينغتون الأمريكية، والتي تكلفت الصندوق اليهودي نحو 150 دولاراً آنذاك، بعد أن كانت الشركة الأمريكية تطلب 300 دولار مقابل إنتاجها.

استمرت فترة إنتاج الآلة الكاتبة فترة أطول من المخطط له، في الوقت الذي كان هرتزل يتبادل الرسائل مع البروفيسور غوتهيل، ومع المسؤولين المقربين من السلطان في إسطنبول.

كان هرتزل يتمنى الحصول على الآلة الكاتبة بشكل شخصي وإهداءها للسطان العثماني قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الخامس، بهدف الحصول منه على مقابل لهديته، على الأقل "وعد صهيوني" يمكن أن يزفه إلى المشاركين في فعاليات المؤتمر الصهيوني، إلا أن بطء عملية الإنتاج والصعوبات التي واجهتها عملية نقل الآلة الكاتبة من نيويورك إلى فيينا، أصابته بالإحباط.

في منتصف فبراير 1902، وصل هرتزل إلى إسطنبول من أجل لقاء السلطان العثماني، وكتب له يخبره أنه يريد أن يحضر له هديتين، الأولى كتاب هرتزل الجديد "مجموعة قصص فلسفية" الذي اشتمل على كتاباته الصحافية في الفترة بين عامي 1887 و1900، بالإضافة إلى الآلة الكاتبة المذكورة. فقد كان هرتزل يعتقد أنه يمكنه إحضار الآلة الكاتبة إلى العاصمة التركية في نهاية فبراير من عام 1902.

ولكن هرتزل لم يتمكن من تحقيق ما يصبو إليه، وعندما عاد إلى فيينا اتضح له أن الآلة الكاتبة لم تُنجَز بعد، فأرسل خطاباً إلى البروفيسور غوتهيل، وطلب منه توضيحاً حول الأمر.

وفي الأول من مارس 1902، كتب هرتزل إلى غوتهيل: "الوضع مخجل للغاية. لقد أبلغت الأتراك بناء على المعلومات التي نقلتها إليّ، أن الآلة الكاتبة ستصل إليهم قريباً. أخشى أن تكون شركة رمينغتون لا تتعامل معنا بالشكل المطلوب".

الإحباط

في الـ24 من الشهر ذاته، تبيّن أن الآلة الكاتبة لم تصل في الموعد المقرر بسبب خطأ في اسم المرسَل إليه، إذ وصلت إلى عنوان خاطئ، ورفض شخص باسم الدكتور هرتس تسلمها. وفي نهاية المطاف عندما وصلت الآلة الكاتبة إلى هرتزل أرسل خطاباً إلى غوتهيل قال فيه: "إنها رائعة... خلال الأيام القادمة سأرسلها إلى إسطنبول".

ويوضح ناؤور في كتابه المذكور أن نهاية هذه القضية كانت سيئة بالنسبة إلى هرتزل، إذ رفض السلطان العثماني قبول هديته فكتب له هرتزل خطاباً قال فيه: "تضررت جداً بسبب رفضكم قبول هديتي".

بعد مرور كل هذه السنوات يتساءل ناؤور عن مصير تلك الآلة الكاتبة التي تُعتبر الأولى من نوعها، ويقول: "أما في ما يتعلق بمصير الآلة الكاتبة، فلا أحد يعرف مصيرها، وعلى ما يبدو فإن أحد رجال القصر الملكي استحسنها وأخذها لنفسه، ومنذ أن اختفت آثارها، منذ ما يزيد على 100 عام، لا أحد يعرف أين هي أو كيف أصبحت حالتها".

ويتابع: "جرت محاولة للتواصل مع شركة رمينغتون عام 1978، على أمل أن تكون لديها معلومات عن مصير الآلة الكاتبة أو المآل النهائي الذي وصلت إليه، لكن تلك المحاولة لم تسفر عن شيء، وقالت الشركة: نأسف بشدة... لا يمكننا المساعدة في هذا الأمر".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image