شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الملك يقرّر لا ولي العهد"... كيف حسمت السعودية موقفها من "صفقة القرن"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 30 يوليو 201802:51 م
بينما كان فيديو الطالب السعودي - الذي رفض أن يظهر علم بلاده إلى جانب العلم الإسرائيلي فانسحب ليقف (بالقصد أو بالصدفة) إلى جانب زميله الإيراني في أولمبياد الكيمياء - يثير التفاعل على مواقع التواصل، كان موقف السعودية الذي خرج للعلن بشأن "صفقة القرن" يشغل المتابعين ويطرح أسئلة حول ما يجري في المملكة. الخبر كالتالي: طمأنت السعودية حلفاءها العرب بأنها لن توافق على أية خطة للسلام في الشرق الأوسط لا تعالج وضع القدس أو حق اللاجئين بالعودة. وكما بات معلوماً، فإن الصفقة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لـ"إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي"، تنحاز بشكل صارخ في هذين الأمرين لصالح إسرائيل. بعد إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل مطلع ديسمبر الماضي، كثرت التكهنات بشأن موقف السعودية التي قيل إن موافقتها، بموازاة موافقة مصر والأردن، تشكّل مدخلاً أساسياً لتطبيق الصفقة. تضاربت المعلومات بين ما صرّحت به وسائل إعلام أجنبيّة، إسرائيلية بشكل أساسي، حول أن السعودية موافقة على الصفقة وقد دعت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لقبول الأمر الواقع، وبين طمأنة المسؤولين السعوديين (الملك تحديداً) للفلسطينيين في مناسبات مختلفة بعدم التخلي عن قضيتهم. عزّز هذا التضارب في المعلومات، ما أُشيع في الأشهر الأخيرة عن تقارب سعودي - إسرائيلي، ولا سيما على ضوء تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الصحفية المختلفة عن "حق إسرائيل في الوجود" ودعوته الفلسطينيين "ليقبلوا ما يُعرض عليهم أو يصمتوا ويكفوا عن التذمر"، إلى جانب لقاءاته المتعددة بقيادات يهودية لا سيما خلال زيارته الولايات المتحدة. حاسماً للتكهنات، أتى الموقف السعودي الأخير مخالفاً للتصورات التي سادت بأن السعودية قد اقتربت أكثر من التطبيع مع إسرائيل تحت قيادة ولي العهد. فما خلفيات ما نقلته وكالة "رويترز" عن الملك السعودي ودبلوماسيين سعوديين؟ وما حقيقة ما أُشيع عن امتعاض الملك سلمان من إدارة ولي عهده للملف الفلسطيني؟ وهل رفض السعودية للصفقة مؤثر فعلاً، أم هو أبعد من رومانسية كلمة "لن نتخلى عنكم" التي قالها الملك للفلسطينيين في سبيل خلق توازن بين المصالح التي تجمع المملكة بإسرائيل والحفاظ على موقفها الثابت من القضية الفلسطينية؟  

"الملك يقرّر لا ولي العهد"... هل ثمة خلاف بين الاثنين؟

بحسب تقرير "رويترز"، قال الملك سلمان لعباس، خلال لقاء جمعهما مؤخراً، لن نتخلى عنكم"، واعداً بعدم القبول بأي بند من الخطة لا يأخذ موقف الفلسطينيين بالاعتبار. وأشارت الوكالة إلى أن موقف الملك يتناقض مع ضغط ولي العهد في ديسمبر الماضي على عباس لتأييد الخطة الأمريكية رغم مخاوف من أنها لا تعطي الفلسطينيين سوى حكم ذاتي محدود داخل مناطق غير مترابطة من الضفة الغربية المحتلة دون الحق في العودة للاجئين الذين نزحوا من ديارهم في حربي 1948 و1967، وفق ما ذكره مسؤولون فلسطينيون. في المقابل، نقلت "رويترز" عن دبلوماسيين قولهم "في السعودية الملك هو من يتخذ القرارات بشأن هذه القضية الآن وليس ولي العهد".
ما خلفيات ما نقلته وكالة "رويترز" عن الملك السعودي ودبلوماسيين سعوديين؟ وما حقيقة ما أُشيع عن امتعاض الملك سلمان من إدارة ولي عهده للملف الفلسطيني؟ طرح موقف السعودية الرافض علناً لصفقة القرن أسئلة عديدة...
"هناك فرق شاسع بين الرغبة السعودية المتزايدة بالتقرب من إسرائيل لمصالح عديدة تجمعهما، ومنها مواجهة إيران، وبين أن تمارس السعودية ضغطاً على الفلسطينيين من أجل التخلي عن القدس والقبول بالاستيطان"
وعلى ضوء هذا التطور، نفى مسؤولون سعوديون وجود أي خلاف بين الملك سلمان الذي أعلن تأييده للمبادرة وولي عهده الذي غيّر سياسات راسخة بشأن قضايا كثيرة، في وقت أشار المحلل نيل باتريك إلى أن الملك سلمان قد قام بتحجيم "الأسلوب المتهور سياسياً" لولي العهد بسبب أهمية القدس للمسلمين. وقد يُفهم بقاء الملك في واجهة قضايا عديدة، رغم أن بن سلمان يُعرف بأنه "الحاكم الفعلي" للبلاد، على ضوء ما كتبه مدير الأبحاث الاستخباراتية في معهد "بروكينغز" بروس ريدل هذا الشهر متسائلاً "لماذا لا يزال الأمير محمد بن سلمان بحاجة لوالده الملك سلمان، بعد عام من تعيينه كولي للعهد؟" وفي إجابته عن هذا السؤال، قال مؤلف كتاب "ملوك ورؤساء: السعوديات والولايات المتحدة منذ روزفلت" إن بن سلمان "لا يزال يعتمد على والده في مجال الشرعية والمصداقية من أجل أن يصبح الوريث". لماذا؟ لفت ريدل إلى الخلافات الدائرة داخل العائلة الحاكمة، لا سيما منذ إزاحة الملك للأمير محمد بن نايف من المركز الثاني في المملكة من دون أي تفسير، إلى جانب احتجاز الأمير تركي بن ​​عبد الله (الابن السابع للملك السابق عبد الله) الذي لا يزال يسبب توتراً متصاعداً داخل أسرة آل سعود. وقال ريدل "اليوم تنقسم عائلة آل سعود بعمق. ولكن طالما بقي الملك سلمان جالساً على العرش، فإن احتمال وقوع انقلاب داخل الأسرة أمر غير محتمل". برأيه "سلمان لديه شرعية. وهو لا يزال واعياً وغير عاجز. هو أكثر أهمية مما تحاول وسائل الإعلام الغربية تصويره. الملك يحمي ابنه، إذ أعطاه على سبيل المثال "غطاءاً جوياً" كما أخبرني مسؤول سعودي كبير. بقاء سلمان على قيد الحياة لعقد آخر  يعني تغيّر الكثير بالنسبة لآل سعود، وإذا مات هذا المساء، فكل الرهانات تنتهي".

كوشنير والخطوط الحمراء

ما سبق يوضح كيف تسير التوازنات بين الملك وولي عهده، فيما نعود هنا إلى ما قاله نيل باتريك، المساهم الرئيسي في كتاب "السياسة الخارجية السعودية: الصراع والتعاون"، حين أوضح أن "الأمير محمد بن سلمان لن يعارض اتفاق (جاريد) كوشنر ولكنه لن يبذل أيضاً جهداً - على ضوء المستجدات الحالية- لتشجيع تفاصيله السياسية أحادية الجانب". ولكن ماذا عن اتفاق كوشنير؟ في يونيو الماضي، زار كوشنر، وهو مستشار وصهر الرئيس الأمريكي، الأردن والسعودية وقطر ومصر وإسرائيل، بينما لم يجتمع مع عباس الذي رفض لقاء فريق ترامب بعد نقل السفارة الأمريكية للقدس. لم يقدم كوشنر تفاصيل ملموسة عن الاستراتيجية الأمريكية، كما لم يعرض مقترحاً شاملاً بل مجرد عناصر مفككة… تجاوزت خطوطاً حمراء كثيرة جداً"، حسب قول أحد الدبلوماسيين. يُذكر أن الوفد الأمريكي ركّز على فكرة إقامة منطقة اقتصادية في شبه جزيرة سيناء المصرية مع احتمال خضوع قطاع غزة لسيطرة القاهرة، وهو ما وصفه دبلوماسيون عرب بأنه غير مقبول، حسب "رويترز".   "خطأ الولايات المتحدة أنها اعتقدت أن بإمكان دولة واحدة الضغط على بقية الدول للتسليم، لكن الأمر لا يتعلق بالضغط. لا يملك زعيم عربي التخلي عن القدس أو الفلسطينيين"، كما يقول باتريك. وقد شرح دبلوماسيون لـ"رويترز" أن الموقف الحالي لواشنطن، الذي نقله مسؤولون كبار في البيت الأبيض خلال جولة الشهر الماضي وبينهم كوشنير، لا يتضمن اعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، أو حق العودة للفلسطينيين، أو تجميد الاستيطان الإسرائيلي على أراض يطالب الفلسطينيون بالسيادة عليها. في المقابل، قال دبلوماسي في الرياض، اطلع على تفاصيل زيارة كوشنر للمملكة ولقائه بالملك سلمان وولي العهد، إن "الأمير محمد بن سلمان كان هو من يدير الحديث والملك في الخلفية". مقابل ذلك، شهدت المملكة في المرحلة الماضية محاولات عديدة لخلق توازن مع تصريحات بن سلمان المتكررة، وكان أبرزها إطلاق اسم "قمة القدس" على مؤتمر الجامعة العربية لهذا العام، والإعلان عن حزمة مساعدات بقيمة 200 مليون دولار للفلسطينيين. في وقت، يعزو محللون موقف السعودية الأخير إلى إدراكها أن الإدارة الامريكية الحالية خدعتها في كثير من الأمور، ما دفعها لمراجعة حماستها اتجاه الجهد الأمريكي المبذول لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وقال دبلوماسي عربي بارز في الرياض "المشكلة هي عدم وجود خطة متماسكة مقدمة لجميع الدول ... لا أحد يعرف ما يجري عرضه على الآخرين".

"الموقف السعودي ليس مفاجئاً"

تعليقاً على قرار السعودية، قال المسؤول الأمريكي السابق إيلان غولدنبرغ إن "إدارة ترامب عوّلت كثيراً على التفكير بأن السعوديين قادرين على تحقيق صفقة القرن"، مضيفاً " لا يمتلك هؤلاء هذه القدرة من الضغط على عباس… ولم يكن منطقياً أن نتوقع منهم إجباره على القبول بالصفقة". من جهته، لفت المسؤول الأمريكي آرون ديفيد ميلر، الذي شارك في المفاوضات الأمريكية - الإسرائيلية - الفلسطينية في عهود سابقة، إلى أن موقف السعودية ليس مفاجئاً، وذلك في حديث لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية. وقد شرح ميلر ذلك بالقول إن "هناك فرق شاسع بين الرغبة السعودية المتزايدة بالتقرب من إسرائيل لمصالح عديدة تجمعهما، ومنها مواجهة إيران، وبين أن تمارس السعودية ضغطاً على الفلسطينيين من أجل التخلي عن القدس والقبول بالاستيطان… والحال نفسه مع دول عربية أخرى، فقد تقترب من إسرائيل في مصالح مشتركة لكن لا يعني ذلك تغيير موقفها من قضية تاريخية وثابتة في الوعي العربي". وكذلك الحال في المصالح التي تجمع السعودية بأمريكا، فهي كثيرة سواء بمواجهة إيران وصفقات السلاح والصراعات العربية - العربية، لكن "صفقة القرن" تجاوزت خطوطاً لم يعد فيها تدوير الزوايا مقبولاً، أقله إعلامياً، وتحديداً في وقت تصعّد إسرائيل من انتهاكاتها لفلسطين (آخرها إعلانها الأخير عن "قانون الدولة القومية"".    وكان كوشنر، في مؤتمر صحفي في ختام جولته، قال إن واشنطن ستعلن خطتها للسلام في الشرق الأوسط قريباً وإنها ستمضي قدماً بعباس أو من دونه، لكنه "لم يقدم شيئاً مقبولاً لأية دولة عربية… إذ كان يتصور نفسه أنه جني يحمل عصا سحرية سيأتي بحل جديد للمشكلة"، وهنا تكمن المشكلة، على ما قاله لـ"رويترز" أحد الدبلوماسيين.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image