ترتفع معدلات انتحار المسلمين في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، بينما تلاحقهم وعائلاتهم "وصمة عار" مماثلةً لما يحدث في دول عربية، وإن تغيَر المكان وثقافة البلد، تبقى الصلاة عليهم مثيرة للاستنكار، والفعل "مُخجل وجريمة لا تغتفر" في أوساط المجتمعات المُسلمة. هانا علام، الصحافية في موقع "BuzzFeed"، تقصت الظاهرة في تحقيق لها.. ونقلت عن أخصائيي الصحة العقلية المسلمين قلقَهم من أن الوصمة عميقة الجذور ستؤدي إلى تهميشِ 3.4 مليون مسلم في البلاد، وعدمِ مشاركتهم في نقاشات الأمريكيين التي ظهرت عند وفاة مشاهير، مثل منتج الموسيقى الشهير آفيتشي وأنتوني بوردان وكيت سبيد. ورُغم عدم وجود إحصاءات رسمية أمريكية، إلا أن استشاريين ورجال دين يقولون إن هناك زيادة "هائلة" في حالات الانتحار بين مسلمي الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية، وهو اتجاه يزعمون تفاقمه في مناخ التعصب المفتوح ضد الإسلام. ويقول المعهد: "المسلمون ليسوا محصنين.. إن الوصمة حول الصحة العقلية والانتحار قد حالت دون إجراء بحوث مطلوبة بشدة حول انتشار الانتحار داخل المجتمع المسلم". ولعل الجزء الأكثر أهمية في دليل المعهد هو حول كيفية التعرف على شخص يفكر في الانتحار والاستجابة له. ويتم تشجيع رجال الدين وأولياء الأمور على الاستماع والتعاطف بدلاً من الدخول في محاضرات دينية. "لا تقل.. ألا تعلم أن الانتحار حرام؟". كما ينصح الدليل: "في حين أن الإسلام يحظر الانتحار، فإن هذا ليس وقت (إلقاء) المواعظ". وفي قسم آخر من الدليل، دعا إلى عدم إطلاق الأحكام على عائلات ضحايا الانتحار الحزينة، سواء بسبب طريقة الموت، أو التكهن بمعتقدات المتوفى - وهي أمور شائعة في العديد من الدوائر الإسلامية المُهاجرة. "أعطهم نفس الحب والرعاية والاحترام الذي كنت ستقدمه لو مات الشخص بأيّة طريقة أخرى".
"آخر مرة رأيتها قالت أريدك أن تعلمي أنني أحبك"
تتماشى الزيادة في حالات الانتحار بين المسلمين مع الإحصائيات الوطنية. وحسب تقرير صدر يونيو الماضي، فإن الانتحار حاليًا يعد السبب الرئيس الثانِ للوفاة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 34 عامًا. ويقول التقرير إن حوالي 45 ألف شخصٍ قتلوا أنفسهم في 2016، أي أكثر من ضعف عدد جرائم القتل، ما أدى إلى ظهور دعوات للاعتراف بالانتحار كـ"أزمة صحية عامة". ورأت هانا علام في تحقيقها، أنها أزمة لم يستعد القادة المسلمون لها روحيًا أو لوجستيًا. ولا تزال العديد من المساجد الأمريكية ترفض إقامة شعائر جنائزية للمسلمين الذين يموتون عن طريق الانتحار، ويُصعب العار المرتبط به، على الأقارب الحزن في صمت وعزلة. هناك، لا يتم الحديث عن معدلات انتحار المسلمين الأمريكيين لأن معظم العائلات تختار إبقاء الأمور هادئة، وأحيانا تكذب حول كيفية موت شخص ما، خوفاً من إلقاء اللوم عليها أو تجنب التواصل معها. في حين تحاول حركة ناشئة يقودها ناشطون مسلمون ومهنيون في مجال الصحة العقلية وعلماء دين تغيير الحوار حول الانتحار، بهدف التركيز على شفقة الإسلام على معاناة الآخرين والتوعية الدينية من أجل منع الضرر. وأُنشِئَت مراكز لتقديم المشورة وخطوط هاتفية ساخنة، وكتابةِ توجيهات للأئمة والعائلات لتقديم خطاب أكثر تعاطفاً من الأفكار القديمة التي تقول إن المسلمين الذين يقتلون أنفسهم لا يتمتعون بفرصة لدخول الجنة. وأحد أوجه هذه الحركة، مغنية الراب التي تعيش في حي هارلم بنيويورك، منى حيدر، 30 عامًا، المعروفة بأعمالها المرتبطة بالقضايا الشائكة، مثل الشيوخ المفترسين والحجاب. منى أصدرت مؤخرًا أغنية كتبتها منذ ثلاث سنوات، وظلت خاصة بها منذ ذلك الوقت، لأن قصتها ترتبط بواقعة مؤلمة للغاية، هي انتحار صديقة مُقربة لها عام 2012. تحكي منى: "آخر مرة رأيتها فيها كانت خارجة، وعلى الباب التفتت لي وقالت: أريدك أن تعرفي أنني أحبك حقا". و"في المرة التالية التي رأيتها فيها كانت مُستلقية على طاولة ملفوفة بقطعة قماش بيضاء". أجبرت الخسارة الفادحة منى على النظر بجدية في حياتها الخاصة، وأدركت أنها أيضًا سقطت في حالة اكتئاب إلى حدٍّ كبير، لأنها كانت تلعب دور "ابنة المسلم المطيعة". وفي غضون شهر من وفاة صديقتها، تركت مهنة التدريس في مدرسة إسلامية - وهي الوظيفة التي رضي بها والديها - وانتقلت إلى بلدة بعيدة عن دائرة أسرتها، شمال نيو مكسيكو، من أجل بداية جديدة، حيث عاشت في الجبال لثلاث سنوات. ودرست حيدر كيفية تقديم النصح للأشخاص الذين يعبرون عن أفكار انتحارية. وفي سنتها الأولى كمرشدة روحية في جامعة نيويورك، تقول إنها التقت حوالي 100 طالب، نصفهم سألها "لماذا هم أحياء؟". مغنية الراب تأمل أن تشجع أغنيتها "Suicide Doors" الشباب المسلم أن يكونوا أكثر انفتاحًا لطلب المساعدة، قائلة إنه "في بعض الأحيان يحتاج الناس أكثرَ من المشورة الروحية، ويجب ألا يكون هناك عارٌ في ذلك".زيادة هائلة في حالات الانتحار بين المسلمين
هيثر ليرد، معالجة نفسية مسلمة ومؤسسة مركز الصحة النفسية العقلية وعلم النفس الإسلامي في جامعة جنوب كاليفورنيا، تدور أبحاثها حول الانتحار. ليرد أوضحت أن جنوب كاليفورنيا شهد زيادةً هائلة في حالات الانتحار من قبل المسلمين، ففي عام 2017 كان هناك حوالي 50 حالة فقط. "الأرقام تتحدث عن نفسها، إنها تتزايد بمعدل ينذر بالخطر... كمجتمع، نحن بحاجة لمواجهة خوفنا والاستماع. أطفالنا يتحدثون بطريقة عميقة. إنهم يتحدثون عن طرق قتل أنفسهم أو المحاولة". وقالت إنه قبل عقد من الزمن، وقعت خمسُ حالاتٍ خلال عامين فقط، فيما اعتبرت أن وسائل الوقاية تظل نادرة بالنسبة لمعظم المجتمعات الإسلامية في الولايات المتحدة. مركز ليرد في لوس أنجلوس، على سبيل المثال، فاز بمنحة صغيرة من خلال مكتب رئيس البلدية لتقديم خدمات الصحة العقلية للمسلمين. وكانت النتيجة ساحقة أن تلقى حوالي 5000 شخص المساعدة. لكن بعد ذلك جفّت أموال المنحة واضطرت "ليرد" إلى إحالة العملاء إلى نظام الدفع على نطاق واسع أو إلى خدمات الصحة العامة المغايرة لمركزها. قائلةً إنه نتيجة لذلك، استمر جزءٌ فقط في طلب المساعدة. وعلى ذات الوتيرة، تقول "نصيحة"، وهي منظمة غير ربحية تعمل في كندا وتخدم مسلمي الولايات المتحدة، إن خط المساعدة "المجاني والسري" تلقى أكثر من 18 ألف مكالمة في عام 2017، وأن هذا العدد في طريقه للزيادة خلال 2018.صلاة لماذا ينتحر مسلمو أمريكا؟
في أمريكا، يشيع الجدل بين المسلمين حول الصلاة على المنتحرين انطلاقاً من تأكيد قدسية الحياة مثلما ورد في آيات القرآن الكريم التي تحذر من إيذاء النفس، وفي بعض الأحاديث أو الأقوال المنسوبة إلى النبي محمد. بينما يجادل آخرون بأن مثل هذه التفسيرات تتناقض مع آيةٍ أخرى تقول إن جميع الخطايا يمكن أن يغفرها الله ما عدا الكفر به. فضلاً عن تفسير قول النبي إن جميع المسلمين يستحقون الصلاة وإن ارتكبوا خطيئة جسيمة. عدنان ذو الفقار، أستاذ القانون المساعد في جامعة روتجرز ومتخصص في الشريعة الإسلامية، أكد أن هناك أربع خطوات أساسية قبل موارة المسلم الثرى، هي صلاة الجنازة، وغسل الجثة، وتكفين الجسد ثم دفنه، مع ذلك، تصبح الطقوس لدى الناس معقدةً، عندما يرتكب المتوفي خطيئة جسيمة مثل القتل، بما في ذلك قتل نفسه. وقال ذو الفقار: "السؤال الذي نواجهه حقاً هو: متى يخرجك ارتكاب جرمٍ ما عن تصنيفك "مسلم"؟ ووفقا لدراساتٍ عن انتحار المسلمين، كان من بين العوامل الرئيسية البيئة الأسرية، والصراعات الثقافية، والأمراض العقلية، والعنف المنزلي، وتعاطي المخدرات، والخسارة المالية. لكن ما لا تُظهره الدراسات هو عدم وجود خطط لما يجب القيام به عند حدوث الانتحار في مجتمعٍ مسلم، بشأن كيفية التعامل مع الجسد أو تعزية الأقارب الباقين على قيد الحياة. إلا أنه العام الماضي أصدر معهد "الأسرة والشباب" غير الربحي، مجموعة من الإرشاداتٍ، يعتقد أنها الأولى من نوعها في الولايات المتحدة، والتي ترسم طريقةً جديدة للمجتمعات الإسلامية للتعامل مع الانتحار.تحاول حركة ناشئة يقودها ناشطون مسلمون ومهنيون في مجال الصحة العقلية وعلماء دين، تغييرَ الحوار حول الانتحار، بهدف التركيز على شفقة الإسلام على معاناة الآخرين والتوعية الدينية من أجل منع الضرر.
"أعطهم نفس الحب والرعاية والاحترام الذي كنت ستقدمه لو مات الشخص بأيّة طريقة أخرى" من نصائح معهد "الأسرة والشباب" لعائلات ضحايا الانتحار من المسلمين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع