"نريد أن يعاملونا كبشر وليس مثل الحيوانات"، قال المتظاهر العراقي حسام عبد الأمير (25 عاماً)، وهو خريج جامعي عاطل عن العمل من البصرة، ذاكراً توفير الكهرباء بين المطالب التي يتظاهر العراقيون من أجلها.
صحيح أن للمتظاهرين في الاحتجاجات التي بدأت قبل نحو أسبوعين من البصرة، قبل أن تتوسع وتزيد حدتها وتصل إلى محافظات أخرى، مطالب كثيرة أخرى غير توفير الكهرباء، منها توفير فرص العمل وتحسين الخدمات الحكومية وتوفير مياه الشرب وتطوير الخدمات الطبية، إلا أنه يمكن ترجيح أن انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة كل يوم في ظل درجات حرارة مرتفعة تتجاوز الخمسين درجة مئوية هو ما جعل الأمور تنفجر.
وحضرت مسألة دور إيران في التسبب بالحركة الاحتجاجية بقوة، انطلاقاً من أن توقفها عن تزويد الجنوب العراقي بالكهرباء تسبب بالجزء الأكبر من الأزمة الحالية.
القصة ليست جديدة، بل تعود إلى بداية الشهر. ففي الخامس من يوليو، طالبت وزارة الكهرباء العراقية المواطنين بترشيد استهلاك الكهرباء، بعد إيقاف إيران تزويد العراق بالتيار الكهربائي عبر خطوط إمداد تصل الشبكة الإيرانية بشبكات مدن عراقية جنوبية، ما أدى إلى زيادة ساعات قطع التيار الكهربائي في محافظات ذي قار وميسان والبصرة.
وبحسب الوزارة، تتسبب الخطوة الإيرانية بعجز حجمه ألف ميغاواط، أما ما أوصل إليها فهو هو "تراكم الديون المترتبة على العراق من استيراد الكهرباء الإيرانية".
ولكن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي كان قد أشار في التاسع من يوليو، خلال زيارته إلى محافظة ديالى، إلى سبب آخر وراء إيقاف إيران الكهرباء عن العراق وهو "نقص الطاقة الحاصل لديها وحاجتها إلى الكهرباء".
عجز بلا حلول
رغم إنفاق مليارات الدولارات على معامل إنتاج الكهرباء، إلا أن الحكومة العراقية لم تنجح في تلبية حاجة البلاد منها، في مشكلة يرى كثيرون أن سببها هو الهدر والفساد، علماً أن جزءاً منها سببه العقوبات التي فُرضت على العراق خلال فترة حكم صدام حسين وجزءاً آخر سببه ما شهدته البلاد من حروب ودمار، وآخرها معركة تحرير الأراضي من داعش. وبحسب أرقام أصدرتها وزارة الكهرباء العراقية في أغسطس 2017، ينتج العراق 15 ألفاً و700 ميغاواط من الكهرباء، بينما يحتاج إلى أكثر من 23 ألف ميغاواط. ولسدّ العجز في الإنتاج المحلي، بدأ العراق منذ عام 2005 باستيراد ما بين 1500 و2000 ميغاوات من الكهرباء من إيران. وتنشب بين فترة وأخرى أزمة مشابهة للأزمة الحالية، بسبب وقف إيران تزويد العراق بالكهرباء. فقد حدث نفس الأمر في يوليو 2016 بسبب تراكم الديون على العراق قبل دفع العراق جزءاً مما كان يترتب عليه. وبين الثاني من يناير 2017 ومنتصف شهر مارس منه، تكررت الأزمة، أيضاً بسبب تراكم ديون بلغت نحو ملياري دولار. ويتحدث البعض عن أن سبب تراكم ديون جديدة على العراق، يقدّرها البعض بمليار دولار، هو صعوبة تحويل المال إلى إيران بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. فطهران تريد تقاضي ثمن الكهرباء بالدولار والمصارف العراقية تخشى تأثير ذلك عليها، وتطالب بالبحث عن وسيلة أخرى.مشكلة إيرانية وحلّ سعودي
لحل الأزمة الأخيرة، توجه وفد وزاري عراقي إلى العاصمة الإيرانية طهران، في 13 يوليو، لبحث إعادة تزويد العراق بالكهرباء. ولكن لم يتم الوصول إلى نتيجة. وقال وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان في 17 يوليو إن وقف توريد الكهرباء إلى العراق تم بناء على الاتفاقية المبرمة بين البلدين، والتي تنص على "أن الدولة المصدرة عندما تكون بحاجة شديدة للكهرباء، عليها أولاً تغطية احتياجاتها الداخلية".رغم إنفاق مليارات الدولارات على معامل إنتاج الكهرباء، إلا أن الحكومة العراقية لم تنجح في تلبية حاجة البلاد منها، في مشكلة يرى كثيرون أن سببها هو الهدر والفساد... وإيران
عراقيون يعتبرون أن قطع إيران للكهرباء عن العراق "يندرج ضمن الابتزاز السياسي الذي تمارسه على العراق"على أرض الواقع في العراق، شهدت احتجاجات العراقيين رسائل ضد طهران منها نزع صور لرموز إيرانيين من الشوارع ومنها استهداف مقرات أحزاب موالية لإيران، من بينها الدعوة. ولكن هذا الأمر طبيعي في بيئة جنوب العراق حيث معظم الأحزاب القوية موالية، بدرجة أو بأخرى، لإيران، وبالتالي فإن أي اعتراض على قوى الأمر الواقع العراقية يمكن اعتباره، بشكل غير مباشر، اعتراضاً على سياسات إيران. واستغلت وسائل الإعلام المناوئة لإيران هذا الوضع لتصوّب على سياساتها، واضعةً الإجراء الإيراني في سياق تدخل طهران في الشؤون الداخلية العراقية ومساعيها لفرض حكومة موالية لها. ونقل موقع "سكاي نيوز عربية" عن مسؤول عراقي طلب عدم الكشف عن اسمه قوله "إن ما فعلته طهران يندرج ضمن الابتزاز السياسي الذي تمارسه إيران على العراق"، مضيفاً أن الأعذار التي ساقتها إيران لتبرير قطع الكهرباء المستوردة عن مناطق عراقية "غير صحيحة". وحسبما قال، فإن حاجة إيران الفعلية للاستهلاك المحلي من الكهرباء تبلغ 42 ألف ميغاواط، في حين أن إيران تنتج 58 ألف ميغاواط. ولكن حقيقة الأمر أن إيران تواجه أزمة نقص الكهرباء، تسببت أحياناً بخروج احتجاجات شعبية. وكانت الشركة الإيرانية العامة للكهرباء قد قرّرت قبل فترة تقنين تزويد المستهلكين بالتيار في أماكن مختلفة من البلاد منها العاصمة طهران نفسها. ونشر موقع سكاي نيوز أيضاً تقريراً بعنوان "كهرباء إيران.. ‘سيف مسلط’ على رقاب العراقيين" قال فيه إن الكهرباء الإيرانية المستوردة تحوّلت إلى "ورقة ضغط سياسية تنتقل من يد طهران إلى يد بغداد، وبالعكس". ونقل الموقع عن "السياسي العراقي المستقل" غانم العابد قوله إن الحكومات العراقية المتعاقبة أنفقت حوالي 40 مليار دولار أميركي على الكهرباء، معلقاً: "بهذا المبلغ كان من الممكن شراء أصول شركات كهربائية كاملة، مثل سيمنز الألمانية". كما نقل عن "مراقبين" قولهم "إن إيران، وعبر أذرعها في العراق، عرقلت بناء محطات الكهرباء، لتظل ممسكة بهذه الورقة الحساسة بغية استخدامها كورقة ضغط على الشعب العراقي حين تشعر أن مصالحها باتت مهددة". وبحسب التقرير، "افتعلت إيران أزمة الكهرباء" الأخيرة "في محاولة للضغط على رئيس الوزراء حيدر العبادي وتيارات عراقية تسعى لتشكيل حكومة جديدة، عقب انتخابات برلمانية أسفرت عن تراجع الجماعات المرتبطة عضوياً بطهران". واتهم العابد "الطبقة السياسية الحاكمة في العراق" بأنها "تريد أن تساعد إيران في ظل حصارها، ولذلك تغض الطرف عن إنشاء محطات محلية". بعد فشل المساعي مع إيران التي يبدو أنها لن تزوّد العراق بالكهراء في الأشهر المقبلة، أعلن وزير الكهرباء العراقي قاسم محمد الفهداوي، في 16 يوليو، وضع "خطة بديلة عن استيراد الكهرباء من إيران". وفي اليوم نفسه، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي توجّه الفهداوي إلى السعودية لتوقيع مذكرة تفاهم في مجال الطاقة الكهربائية. ومجدداً، حاولت وسائل إعلامية استثمار هذه الزيارة ضد إيران، ونشر موقع صحيفة عكاظ السعودية خبراً بعنوان "بعد تخلي إيران.. حل ‘كهرباء العراق’ في الرياض"، كما نشر موقع إيلاف السعودي خبراً بعنوان شبيه هو "إيران قطعتها.. السعودية قد تعوض العراق عن نقص الكهرباء". وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية مصعب المدرس، إن "العراق يسعى إلى ربط شبكته الكهربائية بمنظومة الكهرباء الخليجية". ولكن لم يتّضح ما إذا كانت السعودية ستزود العراق بحاجته من الكهرباء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...